ها هو بوش وخطاب حالة الاتحاد وكالعادة لم يأت بجديد للعرب العاربة والمستعربة وكرر تهديداته المعتادة في كل اتجاه وأشار فيما أشار إلى أنّ الدولة الفلسطينية "قريبة المنال" ولكن كعادته لم يحدد ما هي الدولة ومتى؟ ومن المؤكد أنه ينتظر شارون ليحدد له رؤيته للدولة. ولكن الأهم من ذلك هو ما يحصل على الساحة الفلسطينية. ما فتئ الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) يسرح ويمرح في الشرق والغرب ويقذف إسرائيل بتصريحاته المتفائلة. هو متفائل ومبتسم دائما بتقدم السلام. إنهّ كمن يطفو على شبر من الماء. فأين هو السلام وما هو السلام الذي يتحدث عنه؟

لقد قال لدى وصوله إلى أنقرة قادما من موسكو إنّ تقدما نحو السلام المنشود في الشرق الأوسط (لاحظوا سقوط فلسطين من التصريحات) أحرز في الأيام الأخيرة. يحق لنا أن نسأل ما هو التقدم الذي أحرز؟ أهو اجتماع الفاسدين مع السفاحين؟ يا للعجب العجاب! ألم يسمع محمود عباس ماذا فعل الجيش الصهيوني؟ ألم يسمع بتفعيل قانون أملاك الغائبين في القدس (العاصمة العتيدة) للدولة الفلسطينية الحلم؟ لولا الصحيفة العبرية (هاآرتس) التي فضحت القرار الذي كان سريا لما عرفنا عنه شيئا. ورغم ذلك ذهب المفاوض الفلسطيني إلى القدس واجتمع مع السفاحين ولم يأت بذكر على هذا القانون ولا غيره من الانتهاكات الصهيونية المتواصلة التي لم تتوقف يوما حتى بعد التهدئة المسؤولة التي انتهجتها المقاومة الفلسطينية. ألم يسمع بالأمس قرار هدم حي المنطار (74 منزلا) لحماية الجدار العنصري؟ ألم يسمع بقتل الأطفال الفلسطينيين المتواصل؟ ألم يسمع بقتل الطفلة (نوران ديب) على مقعد الدراسة؟ ألم يسمع باعتقال عشرات المواطنين في الخليل وغيرها من المناطق الفلسطينية؟ وحتى التقدم الذي أتى على لسان محمد الدحلان أي انسحاب الاحتلال من بعض المدن الفلسطينية تم التراجع عنه سريعا. والغريب أنه لم يسمع في العالم أن تجرى مفاوضات بطريقة شخصية فردية دون صفة رسمية. فبأي صفة يفاوض هذا الدحلان غير أنه يجري على مصالح محض شخصية وكذلك عودة الفاسدين من أوسع الأبواب؟ هل خلا الشعب الفلسطيني من فتح وغير فتح من الكفاءات؟ هل هو قدر الشعب الفلسطيني أن يمثله أشخاص أثبتوا عجزهم وفسادهم؟ إن الشعب الفلسطيني يزخر بالكفاءات المشهود لهم بالقدرات العالية داخل الوطن وخارج الوطن. لم لا يكون هناك لجان تهتم بالمفاوضات وليس أفراد بعينهم أصحاب أجندات خاصة وخفية؟

ومن أحدث المهازل والمساخر (يحق للعدو الصهيوني إدخالها ضمن احتفالاتهم في عيد المساخر) هو تكوين لجنة مشتركة تناقش مصير المطلوبين الفلسطينيين. ألا يذكرنا هذا بكنيسة المهد والاتفاقات المشبوهة التي وزعت المناضلين شذر مذر في جميع أنحاء الأرض؟ فالتاريخ يعيد نفسه، فمحمد دحلان، كما صاحبه (محمد رشيد) من قبل عرّاب اتفاق كنيسة المهد، يتفق مع شاؤول موفاز والشاباك على مصير المناضلين. بموجب الاتفاق الذي رشحت بعض بنوده حيث يقوم المناضلون هؤلاء بتسليم سلاحهم ويوقعون تعهدا بعدم القيام بأي نشاط "إرهابي" ويتم تجميعهم في مدينة واحدة قد تكون (أريحا) لتسهل مراقبتهم . أي أنهم سيصبحون لقمة سائغة لجيش الاحتلال ويكونون عرضة للتصفية الجسدية متى أرادت "إسرائيل" ذلك. إن هذه الإملاءات لاقت تفهما من الطرف الفلسطيني (محمد دحلان) على حد قول شاؤول موفاز

وبعد ذلك يأتي الرئيس الفلسطيني يطرح تفاؤله بالسلام وتقدم السلام في "الشرق الأوسط" وهو يسرح ويمرح موزعا الابتسامات هنا وهناك مع تابعه بابتسامته الصفراء التي لا تحمل سوى الإهانة للشعب الفلسطيني. إنهم جوقة المتفائلين. إن تفاؤلهم حمل كاذب وبرق خُلَّب. ولا يسعنا إلا أن نقول: كان الله في عونك أيها الشعب الفلسطيني الصامد والصابر والمحتسب. ونقول الحذر الحذر! لا تركنوا إلى التفاؤل المصطنع والمعشش في عقول بعض أركان السلطة وإلاّ سنكون كالمُنبَتّ الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

يجب ، نحن الفلسطينيبن، ألاّ يتملكنا الوهم بأن "السلام" قادم. إن المشروع الصهيوني ماض ومتواصل كما رسمه الصهاينة بجميع ألوانهم وأطيافهم عمل وليكود لا فرق. وكي لا نصطدم غدا بالواقع ونتباكى على التعنت الصهيوني، علينا أن نوطد العزم والنفس على أن الطريق طويل وشاق ويجب الاستمرار في الإعداد له. لا بأس من استراحة المحارب التي تتيح لنا التقاط الأنفاس وترتيب البيت الفلسطيني والمضي في الإصلاح واجتثاث الفساد بأشخاصه ومظاهره والمحافظة على الوحدة الوطنية التي هي عماد قوتنا وأساس صمودنا. إنّ مرحلة جديدة من الانتفاضة الفلسطينية لا بد قادمة ويجب الاستعداد لها وأن نعد لها الإعداد الجيد.