863

ما زالت دراما الوطن العراقي المحزنة الدامية تسيطر على الشارع العراقي وعلى مضامين الرسائل الواردة إلينا نحن العراقيين في الغربة والمنفى تحمل إلينا كل يوم أخبار الجرائم اليومية المتتالية التي يقترفها الإرهابيون من بقايا نظام صدام حسين ومن الوافدين من دول الجوار أو من القادمين من دول إسلامية بعيدة عبر صحارى ومدن الجوار لكي يبرهنوا أن "الأمة الإرهابية" هي امة متجانسة بمدعيات الدفاع عن الإسلام والمسلمين..!
في الأسبوع الماضي تلقيت رسالة بغدادية تقول أن الإرهابيين قتلوا سيدة لا لذنب إلا لأنها مندائية وقد قطعوا بدنها قطعا صغيرة تعبيرا عن حقدهم ضد الإنسانية! واليوم وصلتني رسالة أخرى تقول أن المندائيين العراقيين قدموا ضحية جديدة فقد وجدوا رجلا مندائيا مقتولا بالرصاص ..!
ماذا يريد أيتام صدام حسين أن يقولوا في أفعالهم الإجرامية الشنيعة؟
لا شك أنها لا يريدون غير الصراخ : أيها المجرمون تعالوا نقتل الصابئة المندائيين لأنهم الأصل في بلاد الرافدين .. ومن يقطع الأصل يستطيع أن يقلع الفصل . .!
لا يملك هؤلاء الذين سقطوا عن عرش السلطة الفاشية غير عقلية متأخرة إلى حد لا يمكن وصف تمثلهم بأية علاقة من علائق الإنسانية فهؤلاء الإرهابيون
الذين يسيرون في طريق الاضمحلال إنما يريدون بأفعالهم أن يقولوا لأصحابهم ولأنفسهم أن على الصابئة المندائيين أن يضمحلوا من الوجود كما قالوا في العام الماضي للآشوريين العراقيين أننا نحرق كنائسكم كي تغادروا ارض الرافدين ..!
لأنهم جهلة فهم لا يعرفون أن من المستحيل إجبار مئات الآلاف من العراقيين على الاضمحلال من الوجود ومن المستحيل تذويب السكان العراقيين الأصليين عن دينهم أو عن تقاليدهم أو عن نشأتهم أو عن موروثهم .
لم يقتصر دور الصابئة المندائية - وهم من الأقليات الدينية -على أن يكونوا لونا متميزا جميلا في الفسيفساء العراقي حسب، بل كانوا منذ زمن بعيد قد شكلوا حجما ديمغرافيا
واسعا في نضالات الشعب العراقي ضد السيطرة الاستعمارية، وقد لعب الكثير من النخب المندائية دورا كبيرا في الانتفاضات الشعبية من اجل الحرية والاستقلال والوطنية مقدمين على جبال النيران المئات من الشهداء المضحين بأرواحهم في سبيل الوطن العراقي كله.. إن الوجود المندائي على الأرض العراقية هو وجود طويل يتبين ضوءهم في الموروث العراقي وفي الثقافة العراقية بأسماء لامعة ومنجزات رائعة قدمها للعراق كله مندائيون من أمثال عبد الجبار عبد الله وعزيز سباهي وستار خضير وغضبان الرومي
ولميعة عباس عمارةوعبد العظيم السبتيوغيرهم من الكواكب الجميلة في سماء العراق .
منذ آلاف السنين والمندائيون يعيشون في بلاد النهرين ليسوا كأقلية دينية بل مثل الكويكبات السيارة يدورون في نفس المدار العراقي وهم جزء من طبقة الغرين العراقي فقد كانوا وما زالوا يشكلون بثقافتهم وموروثهم ودينهم طبقة أساسية رافدينية الطابع ، ولا يمكن تصورها في أية بيئة ثانية عدا بيئة الأهوار بين دجلة والفراتوفي بيئة الماء الوفير في جنوب العراق كما يشير عزيز سباهي بصواب في كتابه "أصول الصابئة". فهل يقبل المنطق العلمي والوطني وضع كل العناصر البابلية الغزيرة في الأدب المندائي جانباً والتشبث بحفنة من العناصر البعثية والإرهابيةالغريبة في الدين والوطن، لإرهاب جزء من أبناء الوطن العراقي الاصلاء؟
إننا نعيش الآن في مرحلة الدخول إلى بناء وطن العراقيين جميعا الوطن الأكثر حرية الذي يحمل اسم العراق . .والعراقي هو السيد الوحيد في هذا الوطن. وكما تعلمنا من علماء الفلك أن دائرة الكرة الأرضية تبدو لانهائية في اتساع الكون فان تجارب نضالات الشعب العراقي علمتنا أن الصابئة المندائيين هم ليسوا نقطة صغيرة في الكون العراقي بل هم يماثلون العراقيين جميعا في الحق والواجب .. هم لانهائيون أيضاً في الوطن العراقي.
ربما يقدم المندائيون مزيدا من الضحايا في الساحة العراقية المبعثرة في هذه الأيام غير أن المندائيين لن يتخلوا عن دورهم المتميز بالخصوصية وسيظل الجيل المندائي العراقي الحالي كما كانت الأجيال السابقة تتميز بالحماسة الاستكشافية والفنية والرومانسية وسيكونون كما كانوا دائما الأكثر قدرة على البقاء مهما تصاعدت جرائم الإرهابيين القتلة وسيساهمون مع كل مكونات الشعب العراقي في تحريك وتأسيس مدارات الديمقراطية وهندسة كواكبها في الكون العراقي الجديد بعد تحرره من ربقة الفاشية إلى الأبد ..

بصرة لاهاي