اثار انتخاب رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني رئيسا للعراق العديد من التساؤلات والتكهنات، حتى ان بعض المراقبين في روسيا قال انه يشبه لو ان روسيا اختارت الزعيم الانفصالي الراحل اصلان مسخادوف رئيسا لها، وهذا برأيهم غير معقول. وحقا فان انتخاب شخصية كردية او غير عربية لبلد عربي سابقة في التاريخ العربي الحديث. ومثل هذا الانعطاف في الاحداث يحمل في طياته العديد من الاحتمالات. فهل يعني انتخاب الطالباني نهاية الوجه العربي للعراق وتكريس للانفصال الكردي؟، ام انه سيخلق اجواءا سليمة في البلد الذي عاني لعدة قرون من الانظمة الاستبدادية، وان تصبح المواطنة والانتماء المقياس الرئيسي لتسنم أي مواطن المنصب يستحقه دون النظر الى قوميته ومذهبه الديني. وهل سيثير هذا التعيين النزعات القومية المتطرفة لدى شرائح اجتماعية سواء من العرب او من الاكراد، ام انه سيعزز لدى الجميع الثقة بروح الانتماء لبلد واحد، ويخفض النزعة القومية التي لم تعد من اولويات المسائل في زمن العولمة. والطالباني اليوم من اكثر الساسة في العراق عمرا وخبرة سياسية، ومعرفة بالتطورات التي شهدها العراق على مدى عقود طويلة واطلاعا على ما جرى واراء الكواليس في المشهد السياسي. والحديث يدور عن البعد السياسي لانتخاب الطالباني رئيسا للعراق، وليس الفعلي، نظرا لكونه رئيسا مؤقتا، ولدوره الثانوي في صناعة القرار.
ان انتخاب الطالباني تجربة جديدة في المسيرة السياسية العراقية، لتطور انعدام المركزية المتمثلة " بالقائد الضرورة" ونقلها لمؤسسات الدولة التي وزعت اليوم حقا على اساس الانتماءات الضيقة، مع وجود احتياط ووعي واسع في انها ستتخطى هذه الدائرة وهذا التقسيم غير المبرر الذي لاينسجم مع شكل الدولة المعاصرة الفعالة.
ان الاسئلة بشان انتخاب الطالباني رئيسا تعكس الهواجس التي ترافق سيرورة العملية السياسية في العراق وافاقها المحتملة. ومن هنا فان الرهانات على انتخاب الطالباني كبيرة. وحقا فهل بمقدور الطالباني ان ينزع عن نفسه ارثا من الروح الانفصالية التي لها مسميات عديدة،وما خلفته الحروب والصراعات والمكائد والمزايدات السياسية، ويتحول الى الزعيم العراقي الذي يطمح تكوين شعب موحد، تتراجع فيه مشاعر الانتماءات القومية والدينية والطائفية الى الخلف ليحل محلها الانتماء للوطن الكبير. ان مثل هذا التطور والتوجه كفيل بان يحول الطالباني الى شخصية عراقية وحتى اقليمية تاريخية. ومن المنتظر ان يوظف الطالباني خبرته السياسية الطويلة في خدمة شعب العراق باكمله، لتكون حقا تتويجا لكفاحه الطويل من اجل حقوق شعبه الكردي القومية، فتلك التطلعات جزء من تطلعات شعب العراق باكمله. ان المرحلة تستدعي الرئيس العراقي الجديد تخطى نفسه او الادوار التي ظل يؤديها لتكون اوسع واشمل، في هذه الحالة فان انتخاب الطالباني سيكون مبررا تاريخيا ومرحليا ويرد على من يعرب عن شكوكه بكون الخيار ناجع.
ويرى البعض ان هناك جانب اخر من العملة في انتخاب شخصية كردية كالطالباني في منصب رئيس العراق، يحمل في طياته مؤشرات نهاية العراق كدولة موحدة، وتجره الى صراعات وحروب قادمة. وهذا يعود في قدر كبير منه الى النهج الذي سيختطه الرئيس الجديد وحرصه على بلوغ اهداف يتطلع لها ملايين العراقيين. ويذهب اصحاب ذلك الراي الى ان الاكراد يشكلون نسبة اقل من نسبة السنة والشيعة العرب.الى جانب ذلك فان جميع الاحزاب الكردية ، برايهم،تبني استراتيجيتها على الانفصال عن العراق. سيما وان الطالباني لم يخف ايضا طموحاته الانفصالية. ويشكك اؤلئك في ان يكون انتخاب نائبين للرئيس من العرب نقطة توازن مع الطالباني نظرا لان لاعادل المهدي ولاغازي الياور يحظى بشعبية واسعة او قوة سياسية مثله اضافة لوقوف 20ألف من رجال البيشمركة المسلحين خلفه.ويرايهم لايمكن حتى مقارنة رئيس الوزراء المرتقب ابراهيم الجعفري بالطالباني. فقد عاش الرجل في المنفى منذ ثمانينات العام الماضي.
ان كل ذلك يشير الى بداية انطلاقه مرحلة جديدة من العملية السياسية في العراق، محفوفة ايضا بالمخاطر والمجازفة بمستقبل العراق وشعبه، وحبلى بالعديد من الخيارات.والخيار الرئيسي منها ان كان انتخاب الطالباني رئيسا، نهاية العراق ام بدايته، ونعقد الامل على انه ان تكون نهاية العراق القديم وبداية العهد الجديد فيه.
- آخر تحديث :
التعليقات