ينطلق يوم الثلثاء غدا اول مؤتمر للمثقفين العراقيين بعد 9-4-2003 وربما كان الحديث عن المشروع الثقافي في العراق عبر هذا المؤتمر، هو حديث عن الكل الشامل الذي يتعلق بما نحن فيه من مخاض وتحول في الحياة العراقية.فالأنعكاسات الكثيرة والمعقدة والمرتبطة بالشأن السياسي ماانفكت تلقي بظلالها على اداء المثقف ودوره.
والمسألة ستتسع باتجاه ما يفترض ان يبنى عليه المجتمع العراقي الجديد في علاقاته وقوانينه والسياقات والتقاليد التي تنظم علاقة المثقف بالمجتمع وبسائر المؤسسات الأخرى وهنا سيبرز السؤال : مالدور المفترض للمثقف العراقي ؟
واذا تحدثنا عن دور ماهو سياسي واضعاف ماهو ثقافي وتاليا امتلاك السياسي لوسائل العمل التي يحقق من خلالها اهدافه سنلحظ في مقابل ذلك تراجع ( الثقافي ) وتحوله الى حلقة تضعف بالتقادم. بالطبع، سيكون هذا افتئاتا على ( ا لثقافي ) وبداية لخطأ سيجر معه اخطاء اكبر بالأخص عندما يتلبس السياسي بلبوس من التقديس والهيبة المفتعلة التي ليست فيه ولا من خواصه ويستغل هذا في مصادرة حرية الآخر وهو نموذج صنمي مرفوض يقود لاحقا لأنتاج اشكال من الدكتاتورية والاستبداد، منطق الأشياء والوقائع في التجارب العصرية تقول :ان السياسي الافتراضي يخضح لحركية المجتمع، يعيش مع النقد والمساءلة، يتبادل الأدوار، لايتوانى ان يتنازل عن حقوق وامتيازات في سياق تداول المسؤولية والأنتخاب الديموقراطي ، يتقبل تفكيك منطلقاته الفكرية ورفضها او نقدها او تعديلها، يتقبل ان يجد نفسه في جدل وخلافات وصراعات سياسية سلمية... وهذه كلها تتنافى وتتقاطع مع اللبوس التقديسي الملصوق به قسرا والذي يريد البعض اشاعته هنا او هناك.
من هنا وجدنا ان دور المثقف في وسط هذه الإشكالية وفي عراق اليوم هو دور مركب ومعقد ويتطلب (جهدا مؤسسيا) وتشريعيا وليس فرديا فحسب.. فقد سعت مؤسسات النظام البائد بكل السبل حالها حال الأنظمة الشمولية، سعت الى تحويل مهمة الثقافة الى سلسلة من الوظائف والهموم والمعضلات الفردية والمعيشية واسقطت أي مسعى لمأ سسة القضية الثقافية، اذ شجعت الصراعات الصغيرة بين المثقفين، وغذت اخلاقية الوقيعة والدسيسة والكراهية وهو سلوك دولة المؤسسة البوليسية السرية كي تتضح امامها كل شاردة وواردة وتسهل كتابة التقارير والوشايات وبالتالي يغدو المثقف هدفا مكشوفا وسهلا تحصى كلماته وسطوره. ومن جهة اخرى نقلت ممارسات المؤسسة السرية الى مؤسسات الثقافة من خلال فرض شخصيات اقرب الى رجال الشرطة منهم الى المثقفين على السواد الأعظم من مؤسسات الثقافة.
بالطبع.. هنالك كلام كثير في هذا الباب لايتسع له المجال هنا، لكن ماهو ملح ومطلوب الآن هو ان نتحدث ونعمل من اجل حاضر الثقافة في العراق ومستقبلها وهويتها الصافية... واول ملامحها هو التخلص من ممارسات العهد البائد وعدم تكرارها سواء في اختيار قيادات غير مؤهلة في مفاصل العملية الثقافية او اتخاذ قرارات غير عملية او التكتل مع فئة او شريحة واهمال الآخر، المطلوب تأسيس سياقات وتقاليد ثقافية تزيح خراب الماضي، وتسهم في تغيير طرق التفكير المليئة بالسلبية والتعقيد والأهتمامات الهامشية وكثرة اللغو في مقابل تراجع وتدهور مهول في المنجز الثقافي.
ما نحتاجه كذلك هو نقد وتقويم الأداء المؤسسي الجديد والأنفتاح على العصر فضلا عن ( اتقان ) مهارات الأدارة العصرية لمؤسسات الثقافة... اذ ليس بالضرورة ان يكون الأديب الناجح او السياسي الناجح ناجحا في الأدارة الثقافية ولا كل شاعراو قاص جيد مؤهل لأن يصنع مهرجانا ومؤتمرا ناجحا، هذه مهارات اكاديمية وعلم ومعرفة ومهارات في الأدارة والتخطيط والقيادة وليست نوايا طيبة فحسب ولا امنيات على الورق ولا احلام بالشهرة والعلاقات العامة وجني بعض الدراهم .. الثقافة العراقية اليوم لاينبغي لها المضي في سياقات مهرجانات سقيمة وندوات لاتغني ولا تسمن...هذا النقد الذي يفترض ان تتقبله مؤسسات الثقافة بمحبة يجب ان يرافقه حوار مع من ينتقد... ماذا يريد ؟ وكيف ينظر للأمور ؟ فقد ثبتت في الآونة الأخيرة سلبيات عدة آخرها سلبيات المربد الأخير وما هو مأمول ان يجري الحديث بشفافية عن الأخطاء.. وسيكون من الخطأ غض الطرف عن النقد وتجاهله اوالتكبر عليه واهمال رؤى جمهور المثقفين..
ان مايشجع الآن على المضي في هذا التأسيس هو التخلص من مؤسسات البيروقراطية الثقافية، اذ لايجد المثقف اليوم صعوبة تذكر في لقاء وزير الثقافة والحديث معه دون تكلف ولا خوف، ولاصعوبة تذكر في نقد اداء مؤسسات وزارته، والرجل يشهد له انفتاحه على جميع شرائح المثقفين وتوجهاتهم فضلا عن دماثة خلقه وثقافته المتنوعة وخبرته... وهو ليس اطراءا ولا تزلفا من الرجل بل كلمة حق، فقد كنا وسنبقى ، وبحكم مسؤولية الصحافة الثقافية الوطنية، من بين اكثر من يؤشرون السلبيات في اداء مؤسسات الثقافة وكثيرا ما ابدينا ملاحظاتنا بجرأة وموضوعية خلال نشر ذلك في الزمان اولقائنا بالرجل او الكتابة له مباشرة وكان يتقبل ذلك برحابة صدر مشهودة.
ان ماهو مطلوب في هذا المؤتمر الذي تحسب لوزارة الثقافة لم شمل المثقفين تحت خيمته : هو وضوح الرؤية لدى المثقفين ماذا يريدون لمؤسسات الثقافة وكيف يفكرون في مستقبل ثقافة بلدهم ؟ مطلوب منهم تغليب مصلحة ثقافة الوطن على اية مصلحة اوحسابات اخرى، مطلوب منهم تفعيل لغة الحوار الهادف والبناء والمنهجي والمهني، مطلوب منهم اسناد مؤسسات الثقافة مادامت تسير في الطريق الصحيح، مطلوب ميثاق شرف مهني يعزز جماعية المثقفين واهدافهم المشتركة للنهوض بثقافة الوطن ومؤسساته المحطمة،مطلوب الدفاع عن حرية المبدع وعدم التضييق على رؤاه وحياته وفكره، مطلوب من المثقفين ان يكون لهم موقع فاعل في بناء الوطن ونهضته وان تكون لهم حقوقا مكفولة،في العيش الكريم وتوفير فرصة نشر الأبداع العراقي على اوسع، مطلوب تأسيس صندوق لدعم الثقافة والمثقفين... مطلوب كثير من العمل الجاد والمخلص وقليل جدا من التشكي والتذمر والأتهام واللغو وسوء الظن.. مطلوب العمل بمهنية عالية وايمان عميق ومخلص بثقافة العراق ومستقبله