ألبير خوري من بيروت: في لبنان، ليس جديداً ان يصبح الكرسي الاول هوس الجالس عليه، منذ اللحظة الاولى التي يتلو فيها قسمه المقدس امام المجلس النيابي الذي انتخبه رئيساً للبلاد لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، وحيث يتحول الكرسي شغله الشاغل حتى اخر ولايته، وهو الذي اقسم على الحفاظ على دستور البلاد كونه حاميه والمدافع الاول عنه.

والهوس يكاد يكون نفسه لدى الطامحين الى الكرسي الاول، وهذا حق كل مواطن لبناني يمتلك الشروط التي نص عليها الدستور، والتي تمكنه من ترشيح نفسه الى قيادة البلاد، وهم في كل دورة انتخابية رئاسية كثر، ولكل منهم ارتباطاته الداخلية والاقليمية والدولية، ما يجعل الكرسي، وعلى عكس ما يقال مقيدا بأكثر من اتجاه ومترابطا ان لم يكن "مربوطا" بشدة او بليونة، تبعاً لطبيعة الحبال ومصدرها الاقليمي او الدولي، على اعتبار ان "ضع في البلاد" ماركة تسويقية لا يليق برئاسة الجمهورية ان تتعامل معها، والاصح لايسمح لها بهذا التعامل إلا بالقدر الذي يلبي مصالح الآخرين ـ الابعدين والاقربين ـ السياسية والاستراتيجية، وبالتالي تفليت الاخر على الانا اللبنانية، طالما هذا الاخر هو اللاعب الاول على الساحة اللبنانية.

وقد تأكد من خلال التجربة والممارسة منذ انتخاب الشيخ بشارة الخوري اول رئيس جمهورية للبنان المستقل الحر والسيد، ان هذا الاخر لم يكن واحداً، ولن يكون واحدا ابداً، لا اليوم ولا في الدورات الرئاسية المقبلة، طال ما ان لبنان كان ولا يزال عاجزاً عن امتلاك قراره الحر في اختيار الجالس على الكرسي الاول، ولا هذا الاخير سيد نفسه ـ هكذا كان وسيبقى ـ ما يضع لبنان وأمام كل انتخاب رئاسي، في دوامة البحث عن حلول تقيه من كوارث المستقبل لأن ما حصل آنياً قد حصل والآتي أعظم !

وما حصل اخيراً في تمديد ولاية الرئيس اميل لحود لثلاث سنوات جديدة ـ ولمرة واحدة ـ ما اروع هذا الاستثناء، بأكثرية نيابية ساحقة، كان قد حصل في عهود رئاسية سابقة، لكن الصراع السياسي على الكرسي المغري لم يصل ابداً الى درجة تحدي الدستور والانقلاب عليه فمن اختير للدفاع عنه ولو كلفه حياته، فكيف لا يضحي بكرسي ما كان يصل اليه لو دام لغيره.
لا نشك ابداً ان الكرسي اللبناني الاول فاتن على الرغم من صعوباته المحلية والاقليمية والدولية، لكن الحكمة تقتضي في من يجلس عليه استشراق الازمات ان لم يكن الكارثة قبل حدوثها، خصوصاً اذا كانت من النوع الثقيل جداً جداً، كما هو واقع حال اليوم، وحيث ادى تعديل الدستور في الثالث من ايلول/ سبتمبر الجاري، ليس فقط الى مواجهات سياسية وقانونية ودستورية استعملت فيها الفاظ العيارات الثقيلة من ارفع المستويات الى ادناها على الصعيد الشعبي، انما الى تهديد كيان لبنان ووجوده من خلال معركة تحولت عن داخليتها الضيقة الى اقليمية ودولية وكما لم يحدث من قبل.

ـ لقد حاول بشارة الخوري الرئيس الاول للجمهورية اللبنانية المستقلة التجديد فقامت الدولة ولم تقعد الا بخروجه.
ـ وكذلك فعل الرئيس كميل شمعون الذي ما ان ألمح عن نيته التجديد حتى اندلعت ثورة ادت الى دخول المارينز الاميركيين الساحة اللبنانية.
ـ الرئيس فؤاد شهاب، وكان هو الاخر قائداً للجيش رفض التمديد والتجديد، على الرغم من التأييد السياسي والشعبي الذي احاط به، وكان شرطه الوحيد للبقاء في سدة الرئاسة اتفاق جميع القيادات السياسية والروحية والشعبية على موقف موحد، وحين لم يحصل ذلك وتداركاً منه لازمة وطنية، غادر كرسيه كما ينص دستور البلاد.

وحتى في احلك ايام الحرب اللبنانية القاسية والقاهرة، لم يبادر أي من الرؤساء المتعاقبين الى "ضرب الدستور" لأسباب استثنائية كما يقال اليوم، وتمت انتخابات في ظروف قاهرة ليستمر لبنان الديمقراطي على الرغم من سيطرة قوات الامر الواقع المتصارعه والمختلفة على مرافئ البلاد ومقدراتها... الى ان حمل اتفاق الطائف سلاماً موعوداً ودستوراً جديداً، اخترقه الرئيس السابق الياس الهراوي لمرة اولى ودائماً استثنائية بالتمديد لثلاث سنوات.

لكن تكرار المحاولة بالتمديد الاخير للرئيس الحالي اميل لحود اوقع لبنان في فخ كبير نبه النائب وليد جنبلاط من تداعياته المحلية والاقليمية وخصوصا بالنسبة للمصالح السورية التي دعمت التمديد بفعل امتلاكها القرار اللبناني من خلال اكثرية المجلس النيابي، دون ادنى مراعاة لما يمكن لهذه "اللعبة" ان تنعكس بسلبياتها على ازمات المنطقة المستقلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والغزو الاميركي للعراق، والضغوط المتزايدة على دمشق، فضلاً عن الدعم الاميركي غير المحدود للسياسة العدوانية الاسرائيلية لتمرير سلام غير عادل وغير كامل يحفظ المصالح الاميركية والاسرائيلية في المنطقة.

وتداعيات التمديد لم تعد خافية على أي من المحللين السياسيين والاستراتيجيين والعرب والدوليين. فالكل يكاد يتفق على ان "الغلطة" السورية بألف، هذه المرة، وان تبدل الرئيس لحود بالامر نقل لبنان من حالة "اللبننة" الرئاسية الى تدويلها، وبالتالي وضع لبنان في حالة عداء مع الشرعية الدولية، وكذلك سوريا راعية التمديد الاولى على عكس ما ينص عليه الدستور اللبناني.
طبعاً هناك من سأل: ومتى كانت الولايات المتحدة، ومثلها منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي يولون مثل هذا الهم والاهتمام لشأن لبناني داخلي صرف؟ والجواب في رأي بعض المحللين ان إقرار التمديد هو "فخ اميركي ـ اسرائيلي" نجحت كل من واشنطن وتل ابيب في نصبه لجر بيروت ودمشق الى مفاوضات سلمية بالشروط الاميركية ـ الاسرائيلية، خصوصا وأن احداث المنطقة كانت توحي بذلك ان لم تكن تؤكدها.

ذلك الايحاء بالتمديد لم يكن بنت الساعة ولا وليد حسابات سياسية مفاجئة. وبهذا المعنى، يضيف هؤلاء، ان لا احد حتى الان يمكنه التأكيد على امتلاكه الرواية الكاملة للتمديد، أو الدوافع الحقيقية التي املت على دمشق السير به وبعبدا تنفيذه بهذه السرعة، وحيث في اقل من 48 ساعة، استدعت خلالها دمشق كبار حلفائها في بيروت، وبينهم رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري الذي كان من اشد المعارضين للتمديد، ورئيس مجلس النواب نبيه بري اشد المؤيدين، إذ تمت الصفقة بسرعة قياسية ادت الى تسريع جلسة التصويت على تعديل المادة 49، وقد سبقها في ذلك بساعات قليلة بيان البطاركة والموارنة الكاثوليك الذي شن اشد حملة من نوعها ضد سوريا التمديد وضرورة اجراء انتخابات رئاسية كما نص الدستور، وكذلك قرار مجلس الامن الذي وضع كلا من لبنان وسوريا في خانة الخارجين على الشرعية الدولية، ما لم تجر الانتخابات الرئاسية اللبنانية وفق اتفاق الطائف.

طبعاً لم تكن واشنطن بعيدة عن هذا القرار ان لم يكن بالتأكيد قرارها بالذات، لكن المفاجأة بدت في الموقف الفرنسي الذي زايد بتشدده على الموقف الاميركي، على الرغم من العلاقات المميزة التي تربط باريس بكل من دمشق وبيروت وحيث اظهر الرئيس الفرنسي في اكثر من موقف تضامنه الكامل مع العاصمتين العربيتين في موقفهما الصامد تجاه الصراع العربي ـ الاسرائيلي. لكن باريس، وكذلك الاتحاد الاوروبي اكدا من جهتيهما ان موقفهما العادل إزاء قضية الشرق الاوسط لا يعني بأي حال موافقتهما على الغاء الدستور اللبناني لصالح شخص ما مهما كان ومن كان، وبالتالي فإن على النواب اللبنانيين ممارسة حقهم الدستوري في انتخاب رئيس جديد للبلاد بعيداً عن أي تدخلات اجنبية ـ وسورية تحديداً ـ طالما انها ما زالت اللاعب الاقوى على الساحة اللبنانية، وبالتالي ضرورة انسحابها من لبنان حسبما نص اتفاق الطائف وبالتفاهم مع الحكومة اللبنانية.

ويبدو ان القرار الدولي الموقع بحروف اميركية ـ اسرائيلية واوروبية وتحديداً فرنسية، اراد ان يصيب اكثر من عصفور بحجر واحد، فعندما يطالب بخروج كل القوات غير اللبنانية من لبنان، انما اراد ان يضم الى جانب القوات الاسرائيلية سلاح المقاومة المتمثلة في "حزب الله" وسلاح المخيمات الفلسطينية، وبالتالي ضرب المعادلة السورية ـ اللبنانية القائمة على "وحدة المسار والمصير" التي ما تزال، وربما وحدها عربياً، تشكل المانع القوي والصامد في وجه سلام شرق اوسطي بشروط اميركية ـ اسرائيلية، وما يعني ايضاً ان القرار الدولي رقم 1559 قد تحول عن معالجة ازمة دستورية داخلية للبنان، الى طرح حلول قديمة ـ جديدة قد تفجر الوضع اللبناني بكامله، خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار حجم القوى السياسية المتصارعة داخلياً، المتحالفة مع سوريا والمعارضة لها، وبالتالي عودة لبنان مسرحاً لـ "حرب الاخرين" من خلال مفاتيح محلية قادرة على امتلاك السلاح من جهات متعددة وتفجير الاوضاع مما يخفف الضغط على القوات الاميركية في العراق كما على القوات الاسرائيلية من جراء العمليات الانتحارية التي تقوم بها "حماس" و"الجهاد" داخل اسرائيل.

وبهذا المعنى يجد لبنان نفسه داخل خيوط ومتاهات "العامل الخارجي، او ما يسمى "تدويل" قضاياه الداخلية ومشاكله الخاصة التي برزت اخيراً بين مؤيد لتعديل الدستور والتمديد لولاية الرئيس لحود والمعارض لها. واذا كان من الطبيعي ان تخرج هذه المسألة عن مسارها الاصلي والخصوصي ليصنع منها "الآخر" ذريعة تدخلنا في دوامة مجهولة عبر قرارات مجلس الامن ومواقف اميركية واوروبية.. ذلك ان اتخاذ قضية الاستحقاق الرئاسي منحى اميركيا ام غير اميركي، لن يكون من شأنه ان يعزز دور اللبنانيين في اختياراتهم او يخولهم امتلاك قرارهم السياسي والامني.
صحيح ان الاستحقاق الرئاسي الاخير كشف عن هوة بين اللبنانيين وممثليه من النواب ما يستدعي الاسراع في وضع قانون انتخابي جديد يتلاءم مع تطلعات اللبنانيين وما يعزز ارادتهم، لكن الاكيد ايضاً ان ما صدر عن مجلس الامن وضع لبنان وسوريا معا في سلة الهجمة الاميركية على العراق. واذا كان لبنان وسوريا رفضا معاً تجاوز واشنطن للقرارات الدولية واستفرادها بقرار غزو العراق بحجة انقاذه من الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي جديد فيه، فلأن دمشق وبيروت ادركتا ان في ذلك نهاية للعراق وهيمنة امبراطورية عليه عبر عملاء "كبار" و"صغار" وعبر فرض منطق القوة والطغيان، ما يدفع الى السؤال: هل ارادت واشنطن ومعها باريس هذه المرة المعارضة الاوروبية الاقوى لغزو العراق، تكرار السيناريو نفسه في لبنان وسوريا من باب المجتمع الدولي؟ وما تبين خلال الايام القليلة الماضية وما لوحت به الولايات المتحدة ان السيناريو بتدرجاته وتفاصيله قد رسم وينتظر الحدد المختلفة وساعة الصفر لبدء تنفيذه(!) وعندها تصبح "اللبننة" او "السورنة" "عرقنة"، أي الدخول في صراعات ما زالت مأسيها قاتلة للعيان... والكل يعرف ان ما صنع حرب لبنان وحدد اجالها وطور كوارثها، هو لجوء كل فريق محلي الى الخارج لحل مسائله وحسم صراعاته.

إن لبنان اليوم في مرحلة دقيقة وخطرة وعلى منعطف:
ـ اولاً: التخوف من استكمال "النظام المؤمنن" المعسكر عدته لاستيعاب حيويات المجتمع المدني بتطلعاته نحو الحرية والديمقراطية.
ـ ثانياً: التخوف من يأس بعض الشرائح اللبنانية ليدفعها يأسها الى ممارسات انتحارية عبر التطلع الى اطراف خارجية غير عربية لمساعدتها.
ـ ثالثاً: محاولة اخراج القوات السورية من لبنان بالضغوط الاميركية مشرعنة بقرار من مجلس الأمن قد يؤدي الى تدايعات لا تهب في النهاية سوى في مصلحة اعداء البلدين.
ـ رابعاً: انتصار المجتمع المدني في هذه المعركة لا بد من ان يكون انتكاسة لمن يريدون ان يعسكروه ويسوقوه الى زرائب الصوت الواحد والخوذة الواحدة والامر اليومي الواحد، بل هو انتصار لعلاقة صحية بين لبنان وسوريا قائمة على محاورة بين المتطلبات السورية المرحلية والضرورية، وبين آليات القوى الحية لتنتقي اشكال الفوقية، وأيضاً بعيداً عن منطق الغرائز والعنف واللاعقلانية والمغامرة. وهذه النوعية من العلاقة لا تضعها الاجهزة، انما الروابط الحيوية الشعبية والمجتمعية بين مختلف الافرقاء.
وبهذا المنطق نفترض ان الرابح الاكبر في هذه المعمعة هو المجتمع، والخاسر الاكبر من يمثل سياسة منفصلة على واقع الناس وأحلامهم.
ـ خامساً: وقوف المعترضين على التعديل والتمديد ضد قرار مجلس الامن وتدويل المسألة وشجبهم للتهديدات الشارونية لسوريا كما لدعوة وزير خارجية اسرائيل لبنان ليكون ثالث الموقعين العرب على سلام مع الكيان الصهيوني، ورفضهم الانسياق في مخططات ومقامرات خارجية، وتلك دلائل تشير الى ان المعركة ليست ضد سوريا وليس مع اخراجها من لبنان بقوى خارجية، ومن ثم رصد ارادة لتصحيح هذه العلاقة المشتركة التي يعتمد عليها المجتمع المدني: حرية، ديمقراطية، استقلال، وهي المكونات الاولى لكل نزعة عقلانية واعية متقدمة وتطويرية.

تأسيسا على هذه المبادئ التي ولدت اتفاق الطائف من ارحام محلية اقليمية دولية (لبنانية ـ سورية ـ اميركية) تبدو امكانيات المواجهة بين مؤيدين للتعديل والتمديد ومعارضين لهما محدودة لن تتعدى حدودها السياسية الى الخطوط العسكرية الحمر... اقله هكذا تبدو الصورة والوشوشة حتى هذه اللحظات. فعلى الرغم من تبادل القصف الاعلامي المركز بين الطرفين وتبادل الاتهامات بين مرتهن لسوريا وآخر لقوى خارجية (لا ننسى في المناسبة "القصف" الاعلاني تجسداً في صور الرئيس لحود ويافطات ملأت شوارع لبنان مباشرة بعد جلسة التعديل والتمديد ما يوحي بأن الامور كانت محسومة سلفا)، تبقى المعركة مكموشة من جميع الاطراف، اقله حتى الآن، وما لم تؤجج الصراع قوى خارجية، اميركية ـ اسرائيلية تحديداً، في حال أرادت واشنطن استكمال مشروعها الشرق اوسطي بما فيه القضية الفلسطينية و"دمقرطة" المنطقة، الامر الذي يتطلب وعي جميع الاطراف المحلية والاقليمية ووضع خطة مواجهة تعلو فوق المصالح الضيقة الى مستوى الاوطان).

والحقيقة ان التقاصف الكلامي على حدته اللبنانية لم يخرج الى حد تخوين البعض للآخر، ما يفترض ان المسؤولين واعون لما تخطط له الادارة الاميركية، وهي ايضاً للمصادفة، تستعد لانتخابات رئاسية يلحظ منها ان الولايات المتحدة، سواء كانت جمهورية ام ديمقراطية، لن تتراجع قيد انملة عن سياستها الخارجية، والمرشحان بوش وكيري متفقان على المبادئ نفسها في عناوينها الكبرى، ان لم يكن الديمقراطي كيري اكثر تشدداً في هذا المجال، ما يجعل الرهان على تحول اميركي لصالح الشرق الاوسط خصوصاً والعرب عموماً، رهان على ورقة خاسرة مهما بلغت حظوظ نجاحها.

انطلاقا من هذا الواقع المؤلم، والاخطاء التي وقع فيها الطرفان السوري واللبناني، وهذا ما لا ينفيه بعض اشد حلفاء دمشق، ومنهم مرشحون لرئاسة الجمهورية: مخايل الضاهر، وميشال اده، وروبير غانم... والتي كان يمكن تحاشي الوقوع في افخاخها على حد قولهم بعدم اللجوء الى تعديل الدستور فالتمديد، وبذلك تفوت الادارتان السورية واللبنانية الفرصة على الهجمة الاميركية الهوجاء باتجاه الانظمة العربية، خصوصاً وان واشنطن وعواصم اوروبية اخرى سبق وان نبهت من مغبة الانزلاق في هذه المتاهة، ما يؤكد اصرارها على متابعة السير في مخططها.

اما وقد حصل ما حصل، وما ادى الانزلاق الى تداعيات خطيرة لا نظن ان واشنطن، ولا ايضاً مجلس الامن خلال القرار الدولي 1559، انما يحاولان جس النبض او يطلقان بالون اختبار، فلا بد من اتخاذ اقصى درجات الحذر والتنبه ووضع خطط المواجهة، مشاركة بين الممددين والمعارضين، وكذلك بين هؤلاء وسوريا وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة المعنية، في ظل ظروف ضاغطة ووقت متسارع وصولاً الى الثالث من تشرين الاول/ اكتوبر المقبل، وحيث سيبادر مجلس الامن الى الاجتماع لاتخاذ القرار حسب المقتضى. طبعاً هذا لا يعني ان القوات الاميركية ستأخذ طريقها سريعاً الى لبنان وسوريا، انما وفي المقابل، لا يمكن اغفال ان التهديد قائم ومستمر ويتطلب المزيد من الوحدة الوطنية القادرة على افشال اخطر مخطط يتعرض له لبنان وسوريا في تاريخهما الحديث والمشترك.

وبهذا المعنى، كانت المبادرة الى تجييش لكل القوى والفعاليات السياسية والاقتصادية والاعلامية لمواجهة جملة التحديات الآنية والمستقبلية المتسارعة على نبض ميركي ـ اوروبي ـ اسرائيلي، والعمل على اسقاط ذريعة "التعديل ـ التمديد من التداول اليومي في كل وسائل الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع، ما يسمح اقله بتخفيف حدة الاصطدام وظروفها بين معارضين وموالين... بين الشارع والمسؤولين ويمكن المسؤولين من تأليف حكومة وحدة وطنية قادرة على مواجهة التحديات، وحيث بدونها تسقط كل المحاولات، خصوصاً بعدما تعدت الازمة موقعها الضيق الى الساحتين الاقليمية والدولية، لتطرح، من لبنان تحديداً مرة جديدة حلولاً لازمات المنطقة، الامر الذي يفترض حتماً المزيد من التلاحم السوري اللبناني، وبالتأكيد تلاحم الثنائي مع شقيقاته العربيات.