نصر المجالي من لندن: ظل السؤال حائرًا عن تفاصيل الصفقة "الإعلامية والسياسية" التي تم بموجبها الإعلان عن اعتقال سبعاوي إبراهيم الحسن، الأخ غير الشقيق للرئيس العراقي السابق صدام حسين، والدوافع التي قادت إلى ذلك، وخصوصًا أنه يلاحظ أنه للمرة الأولى التي يذاع فيها نبأ من الحجم الثقيل يتعلق بتطورات الوضع في العراق من القاهرة أولا ومن خلال وكالة أنباء أميركية هي آسيوشيتد برس وليس كما جرت العادة، تسريب الخبر إلى فضائية عربية إما "الجزيرة" القطرية أو "العربية" التي تبث من دبي، أو من طهران التي كان لها قصب السبق في حالات كثيرة مماثلة لعل أهمها ما تفردت به وكالة الانباء الإيرانية حين تم اعتقال صدام حسين في الحفرة إياها في 14 ديسمبر (كانون الأول) العام 2003 حين ورد النبأ منسوبًا إلى جلال الطالباني زعيم الحزب الوطني الكردستاني. حيث يشار إلى أنه آنذاك ساد صمت كبير لساعات طويلة إلى أن تم الإعلان رسميًا عن وقوع صدام في الأسر.
وفي التفاصيل عن الصفقة التي ستكون الخطوة الأولى للكشف عن خفايا اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري من جانب دمشق، فإنه يشار إلى أن أول نبأ تسرب عن اعتقال المطلوب الرقم 36 للقوات الأميركية، سبعاوي إبراهيم تم بثه من القاهرة باسم مدير مكتب آسيوشيتدبرس إنترناشينال صلاح نصراوي، حيث نقل الخبر عن شخصيتين عراقيتن كبيرتي المستوى لم ترغبا بالكشف عن هويتهما (يشار إلى أن سفيرة العراق في القاهرة هي السيدة صفية السهيل ابنة الشيخ طالب السهيل الذي اغتالته عناصر المخابرات العراقية التي كان يقودها العام 1995 سبعاوي إبراهيم)، ومن بعد نشر الخبر بأقل من ساعة على صعيد عالمي، فإن "إيلاف" لاحظت أن أول مبادرة للتعقيب جاءت على لسان الرجل القوي في العراق عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، حيث بادر مراسل الوكالة الأميركية ذاتها سمير يعقوب إلى متابعة الخبر مع المسؤولين العراقيين حيث اختار الحكيم للمهمة.
ومن بعد تأكيد اعتقال سبعاوي عبر تلك الوكالة، بدأ المسؤولون العراقيون يتحدثون بشكل مفتوح عن النبأ للفضائيات العربية، ولعل إبرز التصريحات التي أكدت الاعتقال جاء على لسان ثائر النقيب المتحدث باسم رئيس الوزراء المؤقت أياد علاوي ثم موفق نجيب الربيعي مستشار الأمن القومي وأخيرًا فلاح النقيب وزير الداخلية.
والملاحظ أيضًا، أن خبر اعتقال سبعاوي الذي ظلت القوات الأميركية تطارده في المناطق الحدودية العراقية السورية لأكثر من عامين، تزامن مع زيارة لوزير الخارجية السوري فاروق الشرع للقاهرة حيث التقى الرئيس المصري حسني مبارك والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، في إطار حملة سورية الدفاعية عن نفسها تجاه الاتهامات الموجهة إليها في التورط باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وفيما كانت وسائل الإعلام العالمية والعربية تتحدث عن الخبر الذي صار مشاعًا للجميع، فإن دمشق وحدها التزمت الصمت ولم يصدر من جانبها ما يؤكد أو ينفي أو لم يبادر أي مسؤول للتعليق على الحادث، وخصوصًا أن الأنباء أكدت أن سبعاوي تم اعتقاله مع 29 آخرين من رجالات البعث السابقين في مدينة الحسكة السورية الحدودية، وتحديدا لزومها الصمت عن حديث صار معلنًا عن أن صفقة تمت معها لتخفيف بعض الضغوطات عنها حيث ظلت على الدوام متهمة بإيواء وتشجيع ودعم المسلحين الذين يشنون هجمات انتحارية ضد الأميركيين والمصالح العراقية، وكانت دمشق تنفي على الدوام تورطها أو علاقاتها من قريب أو بعيد بذلك.
واللافت للانتباه، هو دخول فرنسا المفاجئ على خط اعتقال سبعاوي إبراهيم، وهي البلد الذي وقف ضد الحرب الأميركية في العراق، ولم تحاول من قريب أو من بعيد إقحام نفسها في المسائل العالقة بين واشنطن ودمشق عراقيًا، حتى أنها حين اختطف اثنين من رعاياها وهما يعملان في الصحافة وسّطت أطرافًا أخرى لاطلاق سراحهما، وقيل وقتها أنها دفعت فدية قدرها مليون يورو للإفراج عنهما، حيث واشنطن تعارض مبدأ دفع الفدية.
لكن تصريح السفير الفرنسي في واشنطن جين ـ ديفيد ليفيت لشبكة سي إن إن الأميركية الذي قال فيه "تسليم سورية لسبعاوي خطوة مهمة، وهذا ما نطالبها به منذ زمن طويل" وضع المراقبين أمام السؤال الكبير عن الصفقة التي تمت، وخصوصًا أن فرنسا لم تتحالف مع الولايات المتحدة إلا في الموقف من سورية وهو التحالف الذي قاد إلى استصدار قرار مجلس الأمن الرقم 1559 الذي يطالب سورية بسحب جيشها (15000 عنصر) من لبنان، وأضيف منذ اغتيال الحرير مطلب آخر هو "سحب جميع أجهزتها الاستخبارية والمخابراتية أيضًا" وهو لم يكن في القرار المذكور.
ويعتقد المراقبون أن الإذعان السوري في قضية الاعتراف ولو بشكل مبطن في دعمها للعناصر المسلحة التي تشكل قلقًا دائمًا للأميركيين والحكومة العراقية "إنما قد يشكل خطوة للاعتراف أو الإفصاح بشفافية عن كل المعلومات التي تمتلكها عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وذلك مقابل تخفيف الضغوط الأميركية والفرنسية بالاضافة الى الضغوط الإسرائيلية المستجدة بعد عملية تفجير تل أبيب".
يذكر أن ضرورة إقدام سورية والحكومة اللبنانية على المبادرة لتقديم ما لديهما من معلومات متعلقة بحادث الاغتيال كان شرطًا عربيًا رئيسيًا تقدمت به كل من المملكة العربية السعودية ومصر من خلال إيفاد البلدين لعمرو موسى على نحو عاجل لدمشق بعد يومين من اغتيال الحريري وما تلا ذلك من زيارة له لباريس، ثم زيارة الوزير عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية لدمشق التي أوفدت "ثعلب دبلوماسيتها" حاملا موقفها إلى القاهرة، حيث خلال وجوده هناك طارت أخبار اعتقال سبعاوي وتسليمه للسلطات العراقية من جانب السلطات السورية.
التعليقات