خلاف على مهام ام على مباديء؟
القدومي دعا للتمرد وعباس هادئا

إقرأ ايضا

السلك الدبلوماسي الفلسطيني المكهرب

أسامة العيسة من القدس: حقق محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية، ما يوصف هنا بأنه "نصرا هادئا" على فاروق القدومي (أبو اللطف)، رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، بنجاحه في سحب البساط من يديه فيما يتعلق بالسفراء الفلسطينيين في العالم الذين كانوا الورقة الأقوى في يد أبو اللطف. وفشل أبو اللطف في وقت سابق في منع اجتماع لهؤلاء في مدينة رام الله استدعتهم السلطة إليه، وعندما اختتالاجتماع أمس الأحد، قال ناصر القدوة وزير الخارجية المقرب من أبي مازن، بأنه وفقا للقانون الجديد الخاص بالسلك الدبلوماسي سيتم تسريح معظم هؤلاء السفراء ولن يكون هناك أية استثناءات. وجاء هذا "النصر الهاديء" بعد تحرك "صاخب" لأبي اللطف توجه بتوجيه رسالة إلى أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بصفاتهم الفردية دعا فيها وفقا لمصادر في هذه اللجنة إلى "التمرد الفتحاوي على محاولة التخلص من القيادات التاريخية للحركة".

واستغل أبو اللطف، الذي دخل في مواجهة مفتوحة مع أبي مازن، بعد وفاة ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، تطبيق قانون التقاعد، ليبرر دعوته للتمرد واصفا تطبيق أبي مازن للقانون بأنه "وسيلة للتخلص من قيادات فتح التاريخية تحت مسميات قانونية". وكان أبو مازن، وفقا لهذا القانون أعفى قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية المخضرمين وعين آخرين بدلا منهم، ضمن برنامج إصلاحي أعلن عنه. ولكن الدكتور حسن خريشة النائب الأول للمجلس التشريعي الفلسطيني يحاول التقليل مما يحدث، وقال لإيلاف "هناك من يحاول تقويل أبو اللطف ما لا يقوله لزرع بذور الخلاف، وأبو اللطف رجل تاريخي في منظمة التحرير، وقائد فلسطيني مسؤول ولا يمكن ان ينزل مستواه إلى الطريقة التي يتحدث فيها الأعلام عنه".

ويخالف هذا ما تؤكده قيادات في حركة فتح نفسها التي أشارت إلى أن أبي اللطف، مدعوما بأموال إيرانية، بدا يحشد ضد أبي مازن ويجمع حوله أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح ومنظماتها في الأردن وسوريا ولبنان، خصوصا ان من بين هؤلاء من هو معارض بشدة لأبي مازن مثل محمد جهاد (أبو جهاد العموري) المقيم في الأردن، والذي حذرته السلطات هناك من أي نشاط ضد أبي مازن على أراضيها وطلبت منه إذا أراد مناهضة أبو مازن ان يعود لفلسطين ليقوم بذلك. ونقلت مصادر صحافية فلسطينية عن قياديين في فصائل فلسطينية تلقيهم دعوة من أبي اللطف لوقف التعامل مع أبي مازن، لأنه قدم تنازلات لأميركا وإسرائيل. ولكنهم رفضوا معتبرين الخلاف بين أبي مازن وأبي اللطف خلافا شخصيا، حيث يرى الأخير انه الأجدر بالقيادة من أبي مازن، وانه بصفته رئيسا لحركة فتح يجب ان يكون المرجعية لأبي مازن الذي يترأس السلطة، وصاحب النفوذ الفعلي على الأرض، حتى فيما يخص المخصصات المالية، حيث تعتبر مخصصات منظمة التحرير ومن ضمنها مخصصات أبي اللطف، بندا في ميزانية الرئاسة الفلسطينية.
ومنذ وفاة عرفات، لم يترك القدومي أية فرصة دون النيل من عباس، وكان أخرها تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أول من أمس السبت رئيسها عباس القيام بكافة المسؤوليات والمهام والصلاحيات المناطة بمنصب رئيس دولة فلسطين.

واغضب القرار القدومي، الذي قال بان منصب رئيس دولة فلسطين يجب ان يناط بشخص من الخارج دون الإشارة إلى رغبته الشخصية بذلك.
وعن طبيعة الخلافات بين الرجلين قال الدكتور خريشة الذي يعتبر مقربا من القدومي "بدون أدنى شك توجد هناك محاولات لطمس منظمة التحرير ككيان معنوي للشعب الفلسطيني، وهي محاولات عربية ودولية، وبالتالي المطلوب منا جميعا ان نقف الان مع منظمة التحرير، باعتبارها وطنا معنويا وجهة مرجعية لشعبنا الفلسطيني، وإعطاء كل دوره بهذا الشأن". وأضاف "بالنسبة للخلاف بين أبي اللطف وأبي مازن، فانا لا اعتقد ان هنالك خلافا ذا قيمة على اعتبار أنهما ينتميان لنفس المدرسة الفلسطينية، ولكن كما أسلفت هناك ضغوط دولية وللأسف عربية أيضا لإلغاء أي دور لمنظمة التحرير".
وردا على سؤال قال خريشة "نحن يجب ان نناضل من اجل إبقاء منظمة التحرير وأطرها قوية وفي الوقت نفسه ان لا يقتصر دور هذه المنظمة كرقم في موازنة السلطة الفلسطينية، بل يجب ان تأخذ دورها كمرجعية لكل الفلسطينيين، وان تسقط من موازنة السلطة، لتصبح لها موازنة مستقلة، وان نترك القضايا الخارجية، وقضايا العلاقات مع الدول العربية والأجنبية لمنظمة التحرير بعيدا عن السلطة الفلسطينية لكي تكون المنظمة ممثلا لكل الفلسطينيين، وأنا كنائب أول للمجلس التشريعي الفلسطيني أقول بشكل واضح أننا نمثل فقط الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وليس لنا أية صفة تمثيلية لإخواننا في الشتات، وجميعنا يجب ان تكون مرجعيتنا السياسية منظمة التحرير الفلسطينية".

وعن اجتماع السفراء الذي عقد في رام الله بخلاف رغبة القدومي قال خريشة "اجتماع السفراء أمر عادي، وتم دعوتهم إلى رام الله، مع انه كان بالامكان دعوة الجميع للالتقاء بهم في الخارج، ولكن الالتقاء بهم داخل فلسطين لا يعني بأي حال من الأحوال الخلاف على دور منظمة التحرير، فدورها واضح ومعروف، ويبقى أبو اللطف وزيرا للخارجية الفلسطينية منتخبا وفقا لإعلان الاستقلال الفلسطيني وأيضا، لم ينتقص من ذلك الاتفاقات اللاحقة مع الإسرائيليين، ولا اعتقد ان أحدا يمكن ان يجرؤ على التطاول على دور أبو اللطف". ورغم ان خريشة يقر بوجود خلافات إلا انه يقول بأنه يجري تضخيمها ويضيف "اعتقد انه لا يجب ان يكون هنالك خلافا، باعتبار ان أبو اللطف هو أمين سر حركة فتح في الداخل الخارج، وهذه الحركة هي الأقوى والأكثر شعبية في الداخل والخارج، وأيضا أبو اللطف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وبالتالي دوره محفوظ في هذا الواقع".

ويعتقد خريشة انه "يجب حل الإشكالات داخل النظام السياسي الفلسطيني نفسه، ولا بد من الإقرار بأنه كان لدينا نظاما قديما مبنيا على منظمة التحرير والتعددية السياسية فيها، والان أصبح لدينا نظام جديد، يحاول ان يجد لنفسه مكانا، مبني على سلطة ومعارضة وبرلمان، والمطلوب هو ان نسرع في تفعيل أو إعطاء الشرعية للمجلس الوطني الفلسطيني، لإجراء انتخابات لهذا المجلس في كل مكان ممكن، اما انتخابات المجلس التشريعي المقبل فستسفر عن كوتا يمثلون الشعب الفلسطيني في الداخل، وهم بالإضافة للمجلس الوطني المنتخب في الخارج، يشكلون مجلسا يمثل الجميع". ويختتم حديثه بالإشارة إلى ان هناك تضخيم في الخلاف بين عباس والقدومي قائلا "في نظامنا السياسي هنالك عناصر جديدة كما قلت سلطة ومعارضة ومنظمات غير حكومية، وقسم من هؤلاء أصبحوا يضخمون القضايا الصغيرة ويقزمون القضايا الكبيرة، فتلاحظ مثلا محاولة لتقزيم حق العودة، وتضخيم قضايا أخرى مثل قانون الأحوال الشخصية".

وردا على سؤال حول إذا كانت الاتصالات قائمة بينه وبين القدومي قال خريشة "دائما كان هنالك اتصالات على اعتبار ان فاروق القدومي هو قائد فلسطيني، يتصل بأعضاء المجلس التشريعي، وفي أثناء زياراتنا للخارج نلتقي به أحيانا، وهو صاحب رؤية وحدوية وليس صاحب رؤية انشقاقية".
وحسب مصادر من داخل فتح فان القدومي في خلافه مع أبي مازن، يطرح قضايا عامة مثل دور فلسطيني الشتات والفساد المستشري والتمسك بالحقوق الوطنية، نافيا ان يكون الخلاف لأسباب تتعلق بدوره.