عبد الله الدامون من الرباط: هشام الكروج لم ينم جيدا عندما فاز بذهبية 1500 متر في أوليمبياد أثينا. وربما لم ينم بالمرة. كان سعيدا جدا ومتوترا جدا. لكنه هذه المرة توتر السعادة وليس توتر الإحباط كما عاناه في دورتي سيدني وأتلانتا.
في اليوم الموالي لفوزه بمسافة 1500 متر كان على الكروج أن يجري نصف نهاية مسافة 5000 متر. جرى ودخل في الصف الثالث بارتياح.
عادة ما يجري الكروج في مسافة 5000 متر بارتياح أقل مما يفعله في 1500 متر. فهذه المسافة تعتبر تخصصه بامتياز. يجري على مهل ويراقب كل ما يدور حوله ويفرض إيقاعه الخاص. أما في سباق 5000 متر فإنه يتوتر وقلبه يدق 160 نبضة في الدقيقة. لذلك توقع الكثيرون اأن يكون قراره بالمشاركة في هذا السباق مغامرة غير محسوبة العواقب.
عندما فاز الكروج بذهبية 1500 متر قال بفرح الأطفال إنه حصل أخيرا على الميدالية الذهبية التي هربت منه مرتين، في سيدني وفي أتلانتا.
لكن الغريب أن هشام الكروج حصل على أول ميدالية ذهبية له حين بدأ الجميع يتحدث عن قرب نهايته. والغريب أن عام سعادته الأزلي هو العام نفسه الذي خسر فيه سباقين في كل من روما وزيوريخ. بل خسر أمام عداء بحريني مغمور اسمه رشيد رمزي، وهو ليس سوى مغربي تجنس بحرينيا بحثا عن فضاء أكثر رحابة وبعض المال الإضافي.
أربعة أيام فقط بعد فوزه بالميدالية الذهبية في سباق 1500 متر يخلق الكروج إنجازا آخر ويحقق الفوز التاريخي بذهبية 5000 متر وتكون الازدواجية التي لم تتحقق في الألعاب الأوليمبية منذ سنة 1924.
الكروج بدا غير مصدق نفسه حين فاز أمس(السبت) بسباق الخمسة آلاف. وصل خط النهاية وهو يرفع أصبعين علامة على أنه حصل على ميداليتين ذهبيتين. بعد ذلك قبّل رجله اليمنى وحمل العلم المغربي مثل العادة ثم توجه إلى غرفة الملابس حيث كان متأكدا أنه سيتلقى مكالمة هاتفية من العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي هاتفه أيضا عند حصوله على الذهبية الأولى. وكانت الثانية أطول .
هشام الكروج يتحدث كثيرا عن إيمانه بالله وبالقضاء والقدر. قال إن الله حين يريد شيئا فإنه يقول له كن فيكون. والكروج كان واثقا أمس أن الله أراد له الفوز يمديداليتين ذهبيتين في دورة واحدة لأنه حرم من ميداليتين في سيدني وأتلانتا.
الصحف الأجنبية دائما تتحدث عن الكروج وتقول إنه مسلم مائة في المائة، وأخرى تعتبر فوزه الدائم موائد من السماء نتيجة إيمانه. لكن إيمان الكروج وحده لا يكفي. فمسافتي 1500 و5000 متر من أصعب وأعقد المسافات في ألعاب القوى. إنها مسافات تتطلب قدرا كبيرا من المقاومة والتحمل. إنهما مسافتان تتطلبان السرعة والقوة والاحتفاظ بقدر غير يسير من الطاقة تحسبا لمفاجآت الأمتار الأخيرة. كما تتطلب أيضا خططا شبيهة بخطط الحرب. الكر والفر والحفاظ على مرتبة في مقدمة السباق حتى لا يجد العداء نفسه في لحظة مفصولا عن المقدمة.
صحيفة إسبانية وصفت الكروج كونه "المبشر المسلم" لألعاب القوى الذي يزاوج بين الإيمان والتدريب. ربما لذلك فاز الكروج بازدواية لم تتحقق منذ قرن تقريبا. بل حتى العداء المغربي الأسطورة سعيد عويطة لم يستطع تحقيق هذه الازدواجية حين كان في أوج عطائه.
- آخر تحديث :
التعليقات