قال الباحث والأكاديمي اليمني الدكتور أحمد محمد الدغشي إن quot;دعم إيران للحوثيين لا يستلزم بالضرورة اعتناقهم لمذهبها الفكري أو الفقهي، وإن كان بين الحوثيين من يعتقد ذلك المذهبquot;، مشيراُ إلى أن الحوثيين يعتقدون بنظرية الحق الإلهي، التي تمنحهم وحدهم دون غيرهم، بصفتهم من آل البيت، الحق في الحكم. وفي حوار مع quot;إيلافquot; قال الدغشي quot;أن الحسم العسكري حتى لو تم على الأرض فإن الأيديولوجية والفكر والدوافع المختلفة يصعب ضبطها أو القضاء عليها نهائيا، ما لم تتضافر بقية الأبعاد في الحلquot;.
الباحث والأكاديمي أحمد محمد الدغشي |
صنعاء:على نطاق واسع يتبادل اليمنيون هذه الأيام كتاب quot;الحوثيونquot; الذي أنجزه الدكتور أحمد محمد الدغشي عن الظاهرة الحوثية، برؤية تحليلية شاملة. quot;إيلافquot; التقت الدغشي الذي سبق أن صدر له أكثر من عشرة كتب تتناول قضايا المعرفة والتربية وإشكالية النهوض في الفكر الإسلامي، وكان هذا الحوار عن كتابه الذائع الصيت:
*في كتابك quot;الحوثيونquot; تعيد نشوء ظاهرة الحوثية في جانب منها إلى مرجعية قديمة تتمثل في الزيدية (الجارودية). إلى أي حد لعب التراث الفكري في توجهات ومسارات هذه الجماعة؟
أي سلوك عملي ينتمي في الأصل إلى فكر نظري، أو أيديولوجيا فلسفية، وأحسب أن فكر الحوثي ينتمي إلى أيديولوجيا مذهبية تنتمي في جملتها إلى الفكر الزيدي(الجارودي) ، وحاصله أن الخلافة بعد النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم ndash; لعلي بن أبي طالب ndash; رضي الله عنه- وردت بالوصف لا بالتسمية، وكل الأوصاف للخليفة بعده، إنما تنطبق على علي، لا سواه، و الأمة بذلك تكون قد ضلت بل كفرت ، إذ لم تختر عليا! وهذا حاصل الفكر الحوثي بصورة عامة، مع استدراك أن فكر حسين المؤسس وإن كان ينتمي في الأصل إلى هذا الفكر، لكن لابد من الإشارة إلى أن منزع الانتقائية واضح في فكره كذلك.
موقف سلبي من السعودية
*تشير في كتابك إلى بعض الاختلافات المذهبية بين الحوثيين والشيعة الاثني عشرية في إيران، في الوقت نفسه تتحدث عن دعم مادي وعسكري تتلقاه هذه الجماعة من إيران. هل يمكن تحديد نقاط الاختلاف والاتفاق بينهما، سواء على الصعيد المرجعي الفكري، أو المصلحي السياسي الآني؟
أبرز نقاط الاتفاق بل لا أعلم اتفاقاً كليّا بين الإثني عشرية الإمامية وبين الزيدية الجارودية سوى في مسألة عدم الاعتراف بخلافة الخلفاء قبل علي بن أبي طالب، والنيل من كبار الصحابة! ذلك أن لحسين الحوثي درسا مثبتا في شريط (كاسيت) مسجّل، يعلن فيه اختلاف الزيدية عن الإمامية ndash;وهو يؤكّد هذا الاختلاف- في بعض القضايا الكلية على مستوى الأصول والفروع، فعلى مستوى الأصول يستخف كثيرا بفكرة الإمام الغائب الثاني عشر عند الإثتي عشرية، ويعدّ ذلك ضربا من الخرافة، كما يستهجن كذلك مسألة المتعة، والخُمُس، لدى الإثني عشرية، ويتساءل حسين الحوثي: لماذا (يتجعفر) -أي يتحول إلى الجعفرية الإثني عشرية- الرجال دون النساء؟ وأجاب لأن المتعة غير مقبولة عند اليمنيين دينا ومذهبا ومروءة، واستنكر أن يعتقد من يريد للمذهب الجعفري أن يحل في اليمن ويريد أن يطبق مسألة الخُمُس مثلا كيف يجهل حقيقة يعلمها الجميع وهي استحالة أن يدفع اليمنيون هذا الخُمسُ، ضاربا المثل بـ(أهل الجوف) الذين يخطفون الطير من الهواء ndash; على حدّ وصفه- متسائلا: هل مثل هؤلاء يمكن أن يعطوا خُمُسا؟ مضيفا أن المسألة في حقيقتها (ارتزاق) لا أكثر ولا أقل، ويحذّر في الوقت نفسه من هذه المحاولات لإحلال المذهب الإثني عشري في اليمن، مهددا بأنه سيتفرغ لكشف هذه المحاولات إذا لم يكفوا عنها
أما مسألة الدعم المادي فلا تلازم بينها وبين التزام المذهب الإثني عشري فكل متابع يعلم أن لإيران دعما لأطراف سنية مثل حركة حماس في فلسطين؟ وقبلها موقف مشرف مع أحداث البوسنة والهرسك ndash; وهي مصنفة على السنة- دون أن تقتصر على أطراف شيعية فقط؟ وتذكّر مدى التعاطف الذي تحمله جماعات سلفية لحركة طالبان (غير السلفية) ndash; بالمعنى الخاص لدى السلفيين ndash; بسبب أنها في النهاية تنتمي إلى الإطار السني العام ، ولها موقف سلبي مشهور من إيران. ولذلك فدعم إيران للحوثيين لا يستلزم بالضرورة اعتناقهم لمذهبها الفكري أو الفقهي، وإن كان في إطار الحوثيين من يعتقد ذلك المذهب، بدليل أن حسين الحوثي قد حذر منهم ومن محاولاتهم إحلال المذهب الإثني عشري في اليمن، إلى جانب بعض الأنشطة الثقافية المحدودة لبعض الشخصيات التي تؤكد إيمانها بذلك. ولكن لاننسى في النهاية أن الحوثيين ينتمون إلى الإطار الشيعي العام، ولهم موقف سلبي من السعودية أيضاً، وهذا ما يعزز اهتمام إيران بقضيتهم.
*بعض المرجعيات الزيدية أنكرت نسبة الحوثية إلى المذهب الزيدي، فيما اعتبرت أوساط سياسية زيدية أن المواجهة التي تقوم بها السلطة هي في الأساس مع أتباع المذهب الزيدي، وأنها تستهدف في حربها التضييق عليهم خدمة لتوجهات سلفية سنية في المنطقة؟
التحقيق العلمي في الموضوع يؤكد أن الحوثية هي نتاج للمذهب الزيدي الجارودي، كما أسلفنا، ولا أحد ينكر أن الجارودية واحدة من فرق الزيدية، وإن جاءت مغالية بل مخالفة لميراث الإمام زيد(ت: 122هـ) وحتى الهادي يحي بن الحسين أكبر(ت: 298هـ) مجدّد المذهب الزيدي في اليمن، لكن - من الجانب الآخر- لاعلاقة للذي يجري باستهداف المذهب الزيدي، وإلا لكان ذلك منذ الأيام الأولى للثورة اليمنية ، بيد أننا نجد الشخصيات المصنفة عائليا على المذهب الزيدي تسنمت أعلى المناصب في عهود الثورة المختلفة. ومن غير المفهوم ربط هذا الصراع بقوى سنيّة في المنطقة، على حين يدرك كل متابع فطن أن للسياسيين حساباتهم، وما المذهب إلا غطاء سياسي لممارساتهم، وإلا فسّر لي موقف العربية السعودية السنية بل (الوهابية) كما يصفها خصومها من الوقوف مع الملكيين (الزيدييين ndash; الشيعيين) في ثورة 1962م وليس مع السنيين (الجمهوريين)؟! على حين يعلن بعض الرموز الدينية في المملكة اليوم وقوفهم ضد الحوثيين لأنهم روافض وشيعة كأكبر عامل من عوامل الخلاف معهم ومحاربتهم.
*تتهم السلطة اليمنية الحوثيين بالسعي نحو إعادة الحكم الإمامي، فيما يقول الحوثيون إنهم يواجهون تضييقاً في نشر معتقدهم المذهبي عبر الحصار الإعلامي والرقابة على نشاطهم الدعوي والتعليمي ومنعهم من ممارسة عاداتهم المناسباتية، وأن السلطة تشجع السلفيين في مواجهتهم. ما الذي يغلب، في رأيك، كمسبب لاشتعال الأزمة؟
الواقع أنني توصلت إلى أن في الأدبيات الحوثية التي بين أيدينا ما يؤكّد أنهم يعتقدون أن الحكم من شأن من ينتمي فقط إلى البطنين (الحسن والحسين) دون غيرهم، وحديث العلامة بدر الدين الحوثي (والد حسين) مع صحيفة الوسط اليمنية قبيل الحرب الثانية من الوضوح في هذا بما لامزيد عليه. ثم إن في حديث حسين الحوثي عن مسؤولية أهل البيت، ما يؤكد ذلك، وأصرح منه ما ورد في خطبة الغدير المنسوبة -عندهم ndash; إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلّم- في نظرية الحق الإلهي ، التي تمنحهم وحدهم دون غيرهم الحق في الحكم، وقد أوردت نصوصا صريحة من ذلك في الطبعة الثانية من كتابي عن (الظاهرة الحوثية) ! وقد استمعت مؤخرا إلى حديث متلفز مع يحيى الحوثي يصرّح فيه أن ما حدث في 1962م هو انقلاب من الجمهوريين على الملكيين ، وذلك يعني عدم اعترافه بمشروعية النظام الجمهوري ومن ثم بالدستور والقانون ، لأنه جاء انقلابا على حكم شرعي، وليس انقاذا للبلاد من نير التخلف والجهالة والظلم.
اجترار مآسي التاريخ
*شغلت مسألة نظرة الحوثيين إلى الصحابة حيّزاً مهماَ في كتابك. لماذا برأيك ما يزال مثل هذا الخلاف الماضوي مكرساً في الواقع الإسلامي الحالي رغم مرور قرون كثيرة؟
لأن ذلك يؤكّد أننا لم نستفد من أحداث التاريخ، فبدلا من أن يكون في ما جرى عبرة لنا كي لانكرره، إذا بنا نعيد فصوله المأسوية بصورة معاصرة، وهو ما يعني استمرار حالة التخلّف، باجترار مآسي التاريخ إلى واقعنا اليوم، وبدلا من أن ننتقل من الوحي إلى العصر، إذا بنا ننتقل من التاريخ المؤسف إلى العصر الراهن.
*عادة ما يعلو الخطاب السياسي الرسمي في تحذيره من خطر المذهبية، فيما يسمح بالتعدد السياسي الحزبي. ألا تجد أن الظاهرة الحوثية قد تنامت في ظل هذا النهج المحدود للديمقرطية الفكرية، الذي لا يقر حق التعدد المذهبي والفكري؟
لا أعتقد أنه بالإمكان الفصل الصارم والحاد بين الاتجاه السياسي والفكري، ولهذا فغاية ما يفترض أن تطالب به لجنة الأحزاب أو نحوها هو الحرص على الثوابت الدينية والوطنية وأبعاده القومية والإنسانية، وهنا سنجد تجليات المذاهب والأفكار تظهر في صورة إثراء للواقع السياسي والفكري وليس احتراباً. وقد قدمت في الكتاب المشار إليه تصورا متواضعا على طريق الحل في ذلك.
*أوردت في الكتاب شواهد تدل على إسهام السلطة اليمنية ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح، في دعم نشء جماعة الشباب المؤمن التي انبثق منها الحوثيون. إلى أي حد أثّر هذا الدعم في اتساع هذه الظاهرة وتقويتها؟
لاشك أن للدعم المادي أثره في نمو الظاهرة، ولكن أحسب أن ذلك كان عامل تأجيج لحدّة الخلاف بين أطرافها، وليس تقويتها، إذ من اللافت أنه على حين يؤكد الأمين العام الأسبق محمد يحيى سالم عزان تسلم ذلك الدعم، فإن بدر الدين والد حسين ينفي حصوله أو ولده على أي مبلغ من ذلك، ما ساهم بتوتير أكثر لحدة الخلاف بين الطرفين المتنازعين في إطار الشباب المؤمن، وحدوث اتهامات متبادلة عن الدعم. وهنا أجد من قبيل النصيحة الصادقة للسلطة أن تعتبر من الذي جرى بحيث لا تعمد ثانية إلى مثل هذه السياسة في ضرب هذا الطرف بذاك، لأن ذلك يخلق فتنة لا ينجو منها أحد، كما نلاحظ هذا اليوم.
*قلت في الكتاب إن الأزمة مع الحوثيين لا تقتصر على الجانب العسكري، وإنما مركّبة من عدة قضايا. كيف يمكن برأيك تفهم كل جوانب المشكلة في ضوء ترديد السلطة لمقولة الحسم العسكري النهائي للمشكلة؟
للسلطة منطقها وللباحثين الموضوعيين منهجهم ومنطقهم ليعملوا على تبصير الأطراف المتصارعة، بما ينبغي القيام به، ولا أظن أخطر على الأمة من النظرة الأحادية المسطّحة للمشكلات الكلية والكبيرة، وإن الإعلان عن نهاية الحرب ، ثم لا تلبث أن تندلع مرة ثانية وثالثة يعزى -في تقديري- إلى المعالجة الأحادية التي تنظر إلى المشكلة من بعد واحد بمعزل عن بقية الأبعاد والجوانب. إن الحسم العسكري حتى لو تم على الأرض فإن الأيديولوجية والفكر والدوافع المختلفة يصعب ضبطها أو القضاء عليها نهائيا، ما لم تتضافر بقية الأبعاد في الحل، وفي مقدمتها البعد الفكري والتربوي.
التعليقات