كانت قدرًا ومصيرًا وصارت مجالاً للنقد:
إحتفال عسكري غير معتاد وترقب مفاجآت في ذكرى وحدة اليمن

علي عبدالجليل من صنعاء: تختلف أجواء التحضيرات للإحتفال بذكرى قيام الوحدة اليمنية (22 مايو/أيار 1990) عن كل الأعوام السابقة التي تعددت فيها الطرق الإحتفالية والتعبيرية بشكل ملفت. وتشهد العاصمة اليمنية صنعاء في إحدى ساحاتها الكبيرة بروفات يومية منذ أكثر من أسبوع إستعدادًا للعروض العسكرية التي ستقدّم يوم 22 مايو/أيار في الذكرى التاسعة عشرة لتوحيد اليمن.

وتأتي هذه العروض التي تُعد كإستعراض لقوّة الجيش اليمني وأسلحته في ظل تصاعد موجة الإحتجاجات من قبل ما سمّي بالحراك الجنوبي الداعي لإنفصال جنوب اليمن عن شماله، مما يُفهم أنها بمثابة رسالة إلى المنتمين للحراك الذين قاموا بعدة إشتباكات مع الجيش اليمني في المحافظات الجنوبية. وكانت العروض العسكرية في المناسبات الوطنية قد تراجعت لتحل مكانها الأوبريتات الفنية التي إهتمت بتقديم الفولكلور الغنائي والرقصات المحلية.

اليمنيون الذين كانوا قد اعتادوا هذه الأجواء الاحتفالية المختلفة بهذه المناسبة يترقبون حلولها هذه المرّة وسط الكثير من الحوارات الصاخبة والإشاعات المتضاربة. ففي الوقت الذي بدأ فيه التحالف الوطني الديمقراطي اجتماعاته الأربعاء quot;بهدف التشاور الوطني من أجل معالجة القضايا الملحة تحت سقف الوحدة اليمنيةquot;، لم تتضح بعد مواقف القيادات الجنوبية المتواجدة في الخارج من الأطروحات التي يتبناها المنادون إلى التشاور وفي مقدمتهم الشيخ حميد الأحمر القيادي في حزب الإصلاح الإسلامي المعارض.

ولوحظ مع اقتراب المناسبة تزايد زيارات المسؤولين الحكوميين إلى المحافظات الجنوبية وافتتاحهم هناك للكثير من المشاريع الخدماتية، المتعلقة بالمواصلات والإسكان والطرقات والصحة والتعليم، وبدء التعويض لبعض المتضررين من السيول والفيضانات التي جرفت الوديان الزراعية والمساكن في حضرموت العام الماضي. زيارات المسؤولين، وأغلبهم من أصول جنوبية، تزامنت مع تحركات أخرى، يبدو أنها هي الأخرى تحاول امتصاص الغضب الجنوبي، من خلال تشكيل لجان حكومية لمعالجة القضايا التي يشكو منها مواطنو الجنوب ومنها مشاكل الاستيلاء على الأراضي من قبل متنفذين بالسلطة، والبطالة الوظيفية وتقاعد العسكريين.

وفي خطوة غير مسبوقة بادر كثيرون من أصحاب السيارات في صنعاء إلى دهان سياراتهم بالعلم الوطن، الذي هو علم دولة الوحدة اليمنية في إشارة إلى تمسكهم بالوحدة في مواجهة دعاة الانفصال. وتسود أجواء الإشاعة في الأوساط السياسية والشعبية حول مضمون البيان السياسي المتوقع أن يعلنه الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عشية هذه المناسبة، إذ يتوقع بعضهم أن البيان سيحمل مفاجأة للمستقبل السياسي في اليمن، وتتوسع الإشاعات لتذهب إلى الزعيم اليمني الجنوبي علي سالم البيض الذي يقيم خارج اليمن منذ حرب 1994 حيث يتردد أن البيض سيلقي كلمة من منفاه المتنقل عشية مناسبة قيام الوحدة التي تتوافق أيضا مع ذكرى إعلان الانفصال الذي لم يتحقق قبل خمس سنوات.

وكانت قد تضاربت أنباء وتسريبات سياسية حول موقف البيض، الذي كان الرجل الأول في سلطة اليمن الجنوبي قبل الوحدة وشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في دولة اليمن الموحد، فذكرت بعضها أن البيض، قد أفضى لمقربين برأيه حول ضرورة الحفاظ على الوحدة اليمنية ومعالجة مختلف المشاكل في إطارها. إلاّ أن مصادر في السلطة والحراك الجنوبي شككت معاً بما نقل، فاعتبر مستشار الرئيس اليمني عبدالكريم الإرياني أنه لا يتوقع أي موقف من البيض أكثر مما عمله وهو إعلان الانفصال، فيما صرّح الشيخ طارق الفضلي أنه تلقى تأييدا لانضمامه للحراك الجنوبي من قبل البيض.

وكان البيض قد صرّح يوم إعلان الوحدة اليمنية بأن المنصب والروح والدم يهون في سبيل الوحدة واليمن، ليتراجع عن ذلك بعد أربع سنوات عاشتها دولة الوحدة في ظروف عاصفة اتهمت خلالها السلطة القائمة بالإخلال في الاتفاقات الوحدوية القائمة على أساس الشراكة. وشهدت السلطتان الشمالية والجنوبية منذ أوائل السبعينات في القرن الماضي حوارات لتحقيق الوحدة اليمنية, ورُفع من قبلهما شعار تحقيق الوحدة كهدف أوّلي وأعلى، واعتبرت حينها (قدر ومصير الشعب اليمني)، وجرت لقاءات في طرابلس ليبيا والقاهرة والكويت وشُكّلت عشرات اللجان ووقعت الاتفاقات الهادفة لتحقيق الوحدة التي أعلنت في أجواء عاطفية بدا فيها اليمنيون وكأنهم يعبرون أهم فاصل في تاريخهم المعاصر. وترافق إعلان الوحدة فبل تسعة عشر عاماً مع مشروع سياسي جديد أقر بالتعددية السياسة والحزبية متجاوزًا نظام الحزب الواحد الذي كان سائدًا في شطري اليمن.

وواجهت الوحدة اليمنية الكثير من المشاكل والعقبات إلى أن تراجع الشكل الاحتفالي العام الذي ظهرت فيه يوم إعلانها، وصارت مجالاً للنقد والحوار. ويبدو أن أبرز الدعوات تمضي في اتجاه إصلاح دولة الوحدة، وهي من قبل سياسيين في المعارضة، يرون الحل في quot;تأسيس دولة الشراكة الوطنية التي يتساوى فيها الجميع والقائمة على الديمقراطية وتداول السلطةquot;، وفي المقابل تبدو دعوة فصل الجنوب عن الشمال إحدى الخيارات المتداولة بشكل واضح لدى قيادات الحراك الجنوبي، وهي الدعوة التي تقابلها السلطة اليمنية بالرفض والتخوين لأصحابها معلنة التمسك بالوحدة والدفاع عنها بكل الوسائل.

إلى ذلك، تظهر أطروحات مختلفة تدعو بعضها إلى خيار ثالث كالفيدرالية والكونفدرالية، وبعضها ترى الحل في توسيع صلاحيات الحكم المحلي وتعديل قانون الانتخاب، فيا تعتقد أخرى أن إشراك قيادات جنوبية فاعلة في السلطة وإعطاء صلاحيات تنفيذية واسعة لها هي خطوة ضرورية للخروج من الأزمة. والسؤال الذي يشغل بال المراقب للوضع اليمنية هو: هل ستحمل مناسبة ذكرى الوحدة اليمنية أي مفاجأات كما هو متوقع، أو تأتي،على الأقل، ببوادر أولى واضحة للخروج من الأزمة الراهنة، أم أنها ستذهب إلى حال أكثر تعقيدًا، وبالتالي إلى مستقبل مجهول؟