شاهد خان من إسلام آباد: تنال منطقة آسيا الوسطى بسبب ثرواتها المعدنية والنفطية الغنية إهتمام كبرى دول العالم ، ويعكس الصراع البارد في هذه المنطقة سعي تلك الدول لنيل السيطرة الإستراتيجية ، فمنذ إستقلال جمهوريات آسيا الوسطى عن الإتحاد السوفييتي عام 1991 تحاول الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إثبات حضورها في المنطقة ، فرغم توقيع اتفاقيات عسكرية مع بعض دول آسيا الوسطى، لتتمكن من إرساخ جذورها في هذا الجزء من العالم، إلا أنها لم تنجح في البحث عن الطريق المناسب للوصول إلى وسائل الطاقة.

ويرى محللون أن دخول القوات الأميركية وحلف الشمال الأطلسي quot;الناتوquot; إلى أفغانستان كان يهدف إلى تهيئة الطريق المناسب للوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى ، حيث لم يكن حتى وقبل مدة وجيزة منافسا للولايات المتحدة والناتو في المنطقة سوى طالبان ، التي قاومت بشدة خلافاً للتوقعات ، إلا أنه في ظل الظروف المتطورة بدأ الروس والصينييون يشعرون بنفوذ الأميركيين ، الأمر الذي جعل روسيا تستعد لتستعيد كامل قواها بينما تقدم الصين المساعدة الممكنة في هذا الشأن ، فسرعان ما تسابقت روسيا لتبرم إتفاقية عسكرية مع قيرغيزستان وقعها الرئيس دمتري مدفيدف من الجانب الروسي ومن الجانب القيرغيزي الرئيس كرمان بك باكييف في العاصمة بيشكيك قبيل أيام ليتم زيادة عدد القوات الروسية في قيرغيزستان ونفوذها العسكري في منطقة آسيا الوسطى.

تزيد أهمية قيرغيزستان كونها الدولة الوحيدة في العالم التي تضم القاعدة العسكرية الروسية والأميركية معاً ، حيث كانت قيرغيزستان قد طلبت بإغلاق قاعدة quot;مناسquot; الأميركية من أراضيها قبل فترة ، ولكن الدول المشاركة في حلف الشمال الأطلسي تداركت حساسية الأمر على المستوى العالمي ومارست الضعوظ على قيرغيزستان لاستعادة نشاط قاعدة quot;مناسquot; ، حيث كانت الولايات المتحدة تدفع لقيرغيزستان مليوني دولار سنوياً في السابق ولكن في ظل الإتفاقية الجديدة تضاعف المبلغ بنسبة 100 مرة ، وعلى الولايات المتحدة في حال إستمرار قاعدة quot;مناسquot; دفع 207 مليون دولار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تصر الولايات المتحدة رغم طلب الدفع 100 مرة ضعف المبلغ السابق أن تبقي قاعدتها في قيرغيزستان في حين أنها قادرة على إقامة قاعدتها في أي دولة أخرى في الجوار؟

حسب محللين دوليين فان الوجود الأميركي في قيرغيزستان له أهمية خاصة لقربه من الصين وروسيا ، وطبقاً للإتفاقية فاستخدام قاعدة quot;مناسquot; يتوقف لتزويد المؤن للقوات في أفغانستان فحسب ، ولكن بسبب مشاركو قيرغيزستان الصين في الحدود وخاصة الإقليم سنغيانغ الذي شهد صراعات الإيغور الدامية الشهر الماضي في إطار التمرد من أجل الاستقلال الذاتي ، فإن تقارير صينية تؤكد أن العناصر المتمردة تَمِّتُ بعلاقات مع قريناتها في قيرغيزستان ولا يستعبد تورط الاستخبارات الأميركية وراءه ، الأمر الذي سبب قلقاً للمصالح الصينية وأدى إلى تطور الاتفاقية الروسية - القيرغيزية لزيادة عدد القوات الروسية توزاناً مع الأميركية.

وتشير الاتفاقية الروسية ـ القيرغيزية بزيادة القوات الروسية عدد 20 طائرة و 100 فرقة عسكرية وعدد 5 طائرات حربية من طراز SU-5 و 5 من طراز US-27 و 2 من طراز AN-26 للشحن و 2 من طراز II-76 أيضاً للشحن وعدد 5 من طراز L-39 للتدريب وعدد 2 مروحيات من طراز Mi-8 في قاعدة quot;كانتquot; ، وإضافة إلى ذلك قامت قوات منظمة اتفاقية الأمن الجماعي quot;سستوquot; أيضاً بمعاهدة مع قيرغيزستان وهي المنظمة التي تم إعدادها في إطار أعمال منظمة شنغهاي على غرار قوات الناتو لإرباك التدخل الأميركي في دول آسيا الوسطى وسيتم تعيين 500 فرقة عسكرية في قيرغيرستان من قوات quot;السستوquot; لتفادي أي أخطار أمنية بالمنطقة بأسرها، وهذا دليل قطعي أن الروس لن يسمحوا للولايات المتحدة بأخذ الحرية في المنطقة.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام في عام 2002 بإنزال طائرات حربية في قيرغيزستان لحماية دول آسيا الوسطى العملية التي لاقت ترحيباً من قبل الرئيس القيرغيري وتبعها إتفاقيات إقتصادية وعسكرية وقعت في بيشكيك بين البلدين وتم إنشاء قاعدة quot;كانتquot; الروسية آنذاك وأعلن بوتين بمنح 40 مليار دولار لقيرغيزستان لأغراض عسكرية.

بينما تعمل قاعدة quot;مناسquot; الأميركية في قيرغيزستان منذ إندلاع أحداث الـ 11/9 وتستخدمها الولايات المتحدة لكافة الإحتياجات الجوية الحربية ويتواجد بها 2000 فرد مجهز من الجيش الأميركي في كل حين، كما أن الولايات المتحدة تستعين بجمهورية أوزبكستان المجاورة لنقل المؤون الحربية إلى أفغانستان.

والجدير بالذكر أن العلاقات الروسية ndash; القيرغيزية تتمتع بمتانة قوية تتزايد يوماً تلو يوم ، والرئيس كرمان بك باكييف يقتدي السياسية الروسية حيث تم تعيينه كرئيس لأول مرة في عام 1990 في عصر الإتحاد السوفييتي وكان حينها أيضاً يحظى بحماية روسيا وبعد عام انتخب رئيساً للجمهورية المستقلة وفي عام 1993 أصدرت قيرغيرستان دستورها الأول الذي يتطابق إلى حد كبير مع الدستور الروسي ، وتم تعيين قربان رئيساً للمرة الثاثية في عام 1995 ، وينص الدستور القيرغيري برئاسة لفترتين فقط لذا اجرت المحكمة العليا تعديلا في الدستور والذي مكّن الرئيس كرمان بك باكييف من الانتخاب للمرة الثالثة الأمر الذي أثار الضجيج في المعارضة ، وتتشابة الإحتجاجات التي خلفت إنتخابات الرئيس الإيراني والقيرغيزي إلى حد كبير ، حيث يُعد الرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد والرئيس كرمان بك باكييف من مخالفي الولايات المتحدة ، الأمر الذي جعل المحللين التكهن بوقوف الولايات وراء تلك التظاهرات.

ويرى محللون في الولايات المتحدة أن قيرغيزستان لا تزال تعتمد في شتى معاملاتها على روسيا الأمر الذي بدأ يقلق الولايات المتحدة وحلف الناتو رغم تصريح وزير الدفاع الروسي أوليغ لاتيبوف أن الإتفاقية لا تعني أبداً أن روسيا ستتدخل في الشؤون الداخلية القيرغيزية ، ولدى تشكيل قوات quot;سستوquot; تم الإتفاق على أن quot;سستوquot; لا تملك صلاحية التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عضو، وقالت مصادر روسية أن روسيا خصصت مبلغ 2 مليون دولار لتجديد قاعدة quot;كانتquot;.

كما أعلنت روسيا تقديم مساعدة في إطار تحديث قاعدة quot;كانتquot; وفي ديسمبر الماضي تم إعلان تقديم 300 مليون دولار سنوياً ونظراً لكبر حجم المبلغ طُرحت أسئلة عديدة على الساحة الدولية ، لكن الروسيين برروا موقفهم أن المبلغ سيستخدم لقوات quot;السستوquot;. وتخطط روسيا لبناء القاعدة العسكرية الثانية في مدينة أوش القيرغيزية وستكون لاستخدام قوات quot;السستوquot; حسب ما أفاد المسؤولون الروس. وستعمل قوات quot;السستوquot; على غرار الناتو في هذه القاعدة بالإضافة إلى ضم مركز للتدريب وسيتم التوصل إلى إتفاق بشأن بناء قاعدة أوش حتى شهر نوفمبر المقبل.

فيما كانت قاعدة مناس تستخدم سابقاً لأغراض حربية كاملة وكانت تحلق منها طائرات مدججة بالسلاح ولكن وفي ظل الإتفاقية الجديدة ستستخدم القاعدة من أجل مرور المؤن لا أكثر. والجدير بالذكر أن الصين التي يبدو أنها لا تعلب أي دور حيوي خلال كل ما يجري في المنطقة ، لكن قوات منظمة اتفاقية الأمن الجماعي والتي تنبثق من منظمة شنغهاي للتعاون التي نظمتها الصين يوضح دور الصين الأساسي في المنطقة.

وبدأ يتضح من خلال الأوضاع في أفغانستان والتنقلات السياسية في أوضاع دول آسيا الوسطى في ظل الاتفاقيات الحالية والتنافس في إقامة القاعدات العسكرية أن هناك ثمة شيء يتسبب وراء كل ما يحدث. فمنطقة quot;آسيا الوسطىquot; غنية بالنفط والغاز أما أفغانستان فهي الطريق الذهبي لتصدير ذلك النفط ، فكل طرف سواء كان الصين أو روسيا أو الولايات المتحدة أو دول حلف الشمال الأطلسي يكافح من أجل المصالح أما قيرغيزستان فهي المركز الذي يمكن من خلاله مراقبة المنطقة بأكملها.