&
تحقيق- نبيل شرف الدين: لعله من نافلة القول الإشارة إلى أن العلاقات السعودية الأميركية، التي تعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، تحكمها سمات خاصة، فالسعودية
الخبر1996
حليف أساسي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، كما أن العلاقات التي تربط الرياض بواشنطن تعبر عنها مصالح سياسية واقتصادية متبادلة، وهو الأمر الذي يُستبعد معه أن تصل الأمور بينهما إلى حد الأزمة السياسية.
لكن على الرغم من ذلك فقد شهدت الفترة الأخيرة سحابة صيف في العلاقات بين البلدين، على خلفية الموقف الأميركي المساند لإسرائيل ضد الانتفاضة الفلسطينية، ثم حملت الأيام التي أعقبت هجمات نيويورك وواشنطن مناوشات دبلوماسية غير معلنة، إثر الاتهامات التي وجهتها مصادر أمنية أميركية لمواطنين سعوديين بالتورط في الهجمات، فضلاً عن الحملة الإعلامية المرافقة التي أشارت بأصابع الاتهام على كل عربي ومسلم، علماً بأن السعودية نفت في أكثر من موضع اتهام مواطنين لها بالضلوع بالهجمات على لسان عدة مسؤولين كبار.
وفي الشهور الأخيرة كان الانحياز الأميركي لإسرائيل وراء اتخاذ السعودية موقفاً انتقد بوضوح السياسات الأميركية في هذا الملف، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، وأعلن رئيس هيئة الأركان السعودية رفضه زيارة الولايات المتحدة، وكذلك ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، كما قاد وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في الاجتماعات التحضيرية لاجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير تحركاً حثيثاً من أجل بلورة موقف عربي موحد لمساند الشعب الفلسطيني، كما لعبت الدبلوماسية السعودية دوراً واضحاً في عقد مؤتمر وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وهو موقف يسجل لصالح الدبلوماسية السعودية على الصعيد العربي.
وليس سراً أن السعودية ودولاً عربية أخرى ترتبط بعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة كمصر والأردن، ربما تكون أعضاء رئيسة في التحالف الدولي المزمع إقامته ضد الإرهاب، شريطة التعامل مع الإرهاب كمفهوم شامل يحقق العدالة في إطارها الدولي، وتحديداً في الشرق الأوسط
بن لادن
تحفظات سعودية
وحتى نقف على طبيعة هذه العلاقات، فقد استطلعت "إيلاف" آراء أساتذة العلوم& السياسية والمراقبين لقراءة واقع الملف السعودي الأميركي، واستشراف مستقبل
هذه العلاقات. الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يحلل الأمر قائلاً إن "العلاقات السعودية الأميركية علاقات قوية منذ منتصف الأربعينات، وحاربت الدولتان إلى جانب بعضهما البعض في حرب الخليج، وهناك تنسيق دفاعي وأمني كبير جدا، وهناك تنسيق اقتصادي أيضا حول أسعار النفط وخلافه، وبالطبع كما هو في حال أي علاقة تحالف يكون هناك كل طرف يفهم الظروف الخاصة للطرف الآخر، وبالتإلى يكون هناك هامش للخلاف بين وقت لآخر، والمعلوم أن قضية الصراع العربي الإسرائيلي شكل هامشا للخلاف بين السعودية والولايات المتحدة والدول العربية الصديقة وذات العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة. هذا الموضوع مفهوم وإذا لم يذهب الأمير عبد الله إلى واشنطن فإنه التقى كولن باول في باريس.. والاتصالات قوية ومستمرة بين البلدين، والأميركيون أنفسهم يؤكدون دائماً أن السعودية عبرت عن تأييدها للموقف الذي ستتخذه الولايات المتحدة ضد الإرهاب، لكن من دون التورط في مشاركة عسكرية وهو موقف مصر وكل الدول العربية أيضاً".
ويمضي د. نافعة متسائلاً: "من الطبيعي أن يتساءل الجميع عن الموقف الذي سوف تتخذه الولايات المتحدة، إلا إذا كان هناك تحقيق دقيق يتم بطريقة قضائية نزيهة وسليمة، وبالتإلى أن توجد خلال التحقيق أن بعض الأسماء كانت قد استخدمت بطاقات هوية، وثبت أن ذلك خطأ، فإن ذلك جزء من عملية التحقيقات، لكن أنا شخصياً لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستتخذ قرارا بالنهاية ما لم يكن لديها أدلة معقولة على من تتهمهم بالقيام بالمسألة، ولا أظن حتى أن اتهام سعوديين يعني اتهام السعودية على الإطلاق".
وعما إذا كانت عملية "النسر النبيل" ستؤدي إلى عقد "مدريد 2" كما أدت "عاصفة الصحراء" إلى عقد مؤتمر مدريد الذي تمخضت عنه عملية السلام، وبالتإلى اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً إيجابيا تجاه حل الصراع العربي الإسرائيلي، يقول د. نافعة: "تتوقف المسألة على ما ستفعله مصر والسعودية والأردن والمغرب، أي بالتحديد الدول التي ترتبط بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة، وأعتقد أننا يمكن أن نصل إلى حل نهائي للصراع العربي الإسرائيلي، لأن الصراع كان أصلا على وشك الحل في طابا في شهر يناير الماضي، واقتربت الأطراف من بعضها البعض. فنحن إذًا نحتاج إلى قفزة نهائية للبناء على ما تم التوصل إلىه في طابا".
ويختتم نافعة قائلاً: "هناك مشاكل كثيرة منها وجود شارون في السلطة والموقف في إسرائيل إلخ، لكن المهمة الأولى الآن بالنسبة للولايات المتحدة هي مواجهة ما حدث واستعادة مصداقيتها على الصعيد الدولي، وعلى أساسها ستكون مشاركتها في أي عمل مستقبلي خاص بالصراع العربي الإسرائيلي مرتبطاً بسلوك العرب تجاه هذه الأزمة، وبالتإلى علىنا الانتظار لأن لدى الدول العربية أيضا مشكلات في التعامل مع الولايات المتحدة تتعلق بالتحقيقات التي تجري وغيرها".
إسرائيل والإرهاب
وحول اتهامات بعض الأشخاص السعوديين بالتورط في الهجمات الأخيرة، وانعكاسات ذلك على العلاقات الأميركية السعودية يقول اللواء د. حسن الشيمي أستاذ القانون الدولي إنه "لا يمكن بأي
جندي اسرائيلي يفتح النار على متظاهرين فلسطينيين
حال وصف السعودية بأنها دولة راعية للإرهاب أو مساندة له، ولا أحد يشك في متانة العلاقات الأميركية السعودية. لكن المجتمع السعودي، كغيره من المجتمعات، قد يفرز ظواهر عنيفة في هذا المجال، لكن هذا لا يعني أن السعودية متورطة ومتعاطفة، فقد عانت من الإرهاب مراراً، حتى ابن لادن فهو مطلوب للسعودية قبل أن يكون مطلوباً لأميركا بسنوات، قد أسقطت عنه الجنسية عنه منذ سنوات، والجميع يعرفون أن ابن لادن يعلن في أكثر من موضع أنه يحارب الوجود الأميركي والغربي في الجزيرة العربية بصورة عامة والسعودية بصورة خاصة".
ويضيف الشيمي أن:"الأمر الإيجابي تمثل في تصريحات المسئولين الأميركيين مؤخراً عن اهتمام أكبر بالقضية الفلسطينية، وتعهدات أميركية أكثر عدلاً وتوازناً في هذا الاتجاه، أعتقد أنها مؤشرات تشجع على الدخول في تحالف دولي ضد الإرهاب، وأعتقد أن هناك فرصة ذهبية من أجل تكثيف الجهود لحل القضية الفلسطينية، تماماً كما حدث بعد عاصفة الصحراء الأولى التي انعقد مؤتمر مدريد بعدها بعام، وبهذا الفهم أرى أن عاصفة الصحراء الثانية التي اصطلح على تسميتها "النسر النبيل" قد تمهد لمؤتمر "مدريد 2" وتنشط الجهود لحل القضية الفلسطينية وحينئذ قد تتراجع كثيراً التحفظات السعودية والعربية عموماً تجاه السياسة الأميركية في المنطقة".