&
حاوره سامر ابو هواش
&
ممتع الجلوس مع محمود درويش والتحادث معه، ليس لانه شاعر فلسطين واسمها الآخر، ولا لحضوره الرمزي الكبير عربيا، ولكن - ويجدر قول ذلك أحيانا- لانه شخص ممتع، التقيته في غرفته في الفندق خلال زيارته الاخيرة الى بيروت حيث أقام أمسية وكرّم في جامعة البلمند، وكانت المرة الثانية التي ألتقيه فيها هناك. |
استقبلني بالطريقة نفسها، بالكرم الشخصي نفسه، الذي يسقط هيبة اللقاء ويدخل محلها نوعا من الخفة اللطيفة، من "أهلا وسهلا" التي يقولها غامرة عالية الى طريقة المصافحة يقول لك محمود درويش إنك بت صديقا، وبالأحرى يحثك على انشاء علاقتك معه على هذا النحو، بعد ذلك يشرع في حديث يريده عاديا، يسألك عن نفسك وعن بيروت وعن بعض الاصدقاء، ويحدثك عن نفسه، وعن بيروت وعن بعض الأصدقاء، يجلس على الكنبة نفسها التي جلس عليها المرة السابقة، وكأنه اعتاد طويلا الجلوس عليها، وكأنه يجعلها كنبته، مفتاحه الى غرفة غريبة في فندق غريب، وهذه أظنها من عادات درويش التي تعلمها خلال اسفاره وترحالاته الكثيرة، أي كيف يألف الأمكنة الغريبة ويروضها، إذ وعلى الرغم من عمومية درويش، أي كونه شخصا عاما بامتياز، وربما بسبب ذلك، فانه يحرص على اظهار هذه الناحية الشخصية، فالرجل هو ايضا رجل عزلة، وهذا ربما احد أسراره، أي أن يكون قادرا على حمل نفسه ونفسه وحدها، ليشكل منها أينما وجد، ومهما كانت فترة اقامته قصيرة وعابرة، ما يشبه شرنقته الخاصة، عالمه الخاص، فرديته.
في مقابلتي الأولى معه تحدثت ودرويش في السياسة، في الراهن الفلسطيني الفارض حضوره عليه وعلينا، والارجح ان درويش خلال زياراته الكثيرة تحدث كثيرا في السياسة حتى تعب. يسألني اذا ما شاهدت حوارا تلفزيونيا كان اجراه قبل يومين "كان فيه الكثير من السياسة أليس كذلك؟" يسألني "لكن كان فيه الشعر ايضا" أجيبه وكأنني أطمئنه الى أن السياسة لم تحتكر كل شيء مثلما تهدد دائما أن تفعل.
يأتي المصور، تبدو على وجه درويش علائم اللاارتياح، يحب درويش صوره ويسألك باهتمام عنها، لكنه لا يجد نفسه ملائما للتصوير "أتعرف أنني ولا مرة شعرت إن وجهي تحبه الكاميرا.. أشعر أنني تحت وطأة سلوك رسمي له متطلبات التخاطب بالفصحى مثلا"، اخرج آلة التسجيل فـ"تكمل" معه "هل ضرورية هذه.. الا نستطيع التحدث من دونها؟" "بلى، نستطيع ان ننسى وجودها" اجيبه "حسنا، سنتحدث اذا بالعامية".
طوال ساعات ثلاث تحدثت ودرويش حتى نسينا- انا وهو- اننا نجري حديثا صحفيا، غابت الشمس وحلت العتمة في الخارج، ومع هذا التبدل في الطقس تبدلت نبرة درويش، خفتت، ودخل على وجهه شيء من العتمة الآتية من الخارج، قبل ان ينتبه الى اضاءة المصباح الكهربائي الآخر في الغرفة.
محمود درويش قامة شعرية وإنسانية كبيرة، تخرج من الحديث معه بصداقة تدرك انها باتت اعمق واجمل واقل رسمية، يعززها بنفسه لحظة وداعك "هات قبلة" قبلة على الخد، تشبه مصافحة، تترك بصمات لا تمحى على الكف والقلب معا.
لاحظت من خلال قصائدك الكثيرة ان والدتك حاضرة اكثر من ابيك، او بالأحرى هذا هو الانطباع العام، نشعر أننا لا نعرف اباك بقدر ما نعرف أمك، ماذا عن العلاقة بالأب؟
أحب ان أصحح هذا الانطباع، فأبي حاضر حضورا واضحا ومبكرا في شعري، حضور مرافق لحضور والدتي، مثلا في "عاشق من فلسطين" هناك قصيدة مهداة اليه، "نهاني عن السفر"، في "أرى ما أريد" وهناك مرثية طويلة له "رب الايائل يا أبي" وفي "لماذا تركت الحصان وحيدا" هناك ثلاثية حوار بين الأب والابن خلال الهجرة الاولى الى لبنان، فمن ناحية الكمية هو حاضر، اكثر، او على الاقل حاضر بشكل مواز لحضور أمي.
علاقتي بأبي كانت، وكما يقول شعري، علاقة يلتبس فيها من هو الأب ومن هو الابن، وهذا اقوله في "رب الايائل يا ابي"، كان ابي رجلا خجولا جدا يعاملنا بمسافة، وكان ايضا رجلا حزينا، لان هموم الحياة انقضت عليه باكرا جدا حيث انتقل من مالك أرض الى عامل في أرض، وحمل أعباء عائلة كبيرة، وهو من طبعه انه لم يوبخ أحدا منا، بينما الشخصية الأقوى في البيت، والتي كنت أعتبرها عنيفة الى حد ما، هي والدتي، وكنت أعتقد طفلا، ونتيجة ما كنت اعتبره معاملة قاسية منها، انها لا تحبني، وبقيت هذه الفكرة معي إلى أن سجنت للمرة الأولى، وعندها أدركت انها تحبني، بل أدركت كم تحبني.
في أية حال لم يكن سلوك أمي أو أبي بالمستغرب، اذ من عادات القرويين في ذلك الزمن الا يعبروا عن حبهم وعاطفتهم تجاه بعضهم البعض، لم يكن اعتياديا، كما نرى اليوم، ان يعبر الأب والأم عن حبهما لابنائهما، وكأن الحب عيب، أمر ينبغي اخفاؤه في المناطق القصية من المشاعر.
ليس هناك كلمة "أحبك" مثلا.
اطلاقا، هذه الكلمة لم اسمعها حتى الآن لا من أمي ولا من ابي، حتى في طفولتي لا أتذكرها، بالتأكيد قالاها لي وأنا أصغر من أن أعيها، وهذا الخجل بين ابي وابنائه توارثناه نحن الأبناء، فنحن الاخوة لا نحكي مع بعضنا في أي قضية شخصية او حميمية، نحكي في القضايا العامة، عائلة خجولة جدا، وعلى سبيل المثال لاحظت ان بنات أخي الاكبر يشتكين لي انه لا يحكي معهن ولا يتدخل في شؤونهن، هو مدير المدرسة التي يتعلمن فيها، ولكنه لا يساعدهن ولا يسألهن عن دروسهن، ولا يحدثهن في أمورهن الخاصة، نوع من الانفصال العاطفي، لكنه لا يعني ان أخي غير عاطفي، لكن ليس هناك تعبير عن العاطفة، اضافة الى انه وبسبب موقعه كمدير مدرسة يضطر الى ان يكون محايدا، هذا النوع من العاطفة المكبوتة أظن انه من ميراث ثقافة قروية عربية، وبالنسبة الى الوضع الفلسطيني تجده يتفاقم، اذ يكون الأهم بالنسبة إلى الأب مثلا أن يحمي أولاده وهذا يتضمن أحيانا ان يفر بهم الى أماكن آمنة كما حصل في هجرتنا الأولى، وان يؤمن لهم حياتهم، أي أن يضطلع بمسؤولياته كأب، ويأتي ذلك غالبا على حساب العاطفة المباشرة، لكن كما قلت لك علاقتي بأبي نمت لاحقا، مع تقدم وعيي، وحيث بت قادرا على فهم حكاية أبي، والنفاذ منها الى عالمه الداخلي، هذا الفهم الذي ترجمته شعرا.
الجـــد
في غياب هذا النوع من العلاقة مع الأم والأب، ألم يكن هناك من هو قريب منك عاطفيا، الخالة او الخال مثلا؟
جدي كان الاقرب الي، واعتبره أبي الروحي والعاطفي، كان يدللني صغيرا، ويصطحبني معه اينما يذهب، هو اخذني الى عكا والى القرى المجاورة، وكان يصطحبني معه ايضا الى منزل صديقه الأعز وهو خوري القرية، وكان يجلسني في مجلسه، وهو مجلس جليل ضخم في غرفة مغلقة وكانت ممتنعة على الآخرين، وكان في هذه الغرفة كتب تراثية، وكان يفتخر جدي بكوني استطيع القراءة وأنا في تلك السن المبكرة، قرابة ست سنوات، ويجعلني أقرأ أمام أصدقائه، وجلساته، وكان يهديني الكتب أحيانا، وهو مثلا من جعلني اقرأ حكايات جاليفر اوليفرتويست، واهداني مجموعة شكسبيريات مبسطة للأولاد، وكان كلما ذهب الى المدينة يحضر لي هدية كتابا.
كان يتوسم فيك شيئا؟
لا أعرف، لكنه كان يفرح بقدرتي على القراءة، وحين هاجرنا الى لبنان وكان معنا كان يعطيني الصحيفة كي اقرأها بصوت عال.
هل كتبت شيئا لجدك؟
بطريقة غير مباشرة في السيرة، وجميع العلاقات على هذا المستوى عبرت عنها في هذه السيرة الشعرية ولاسيما "لماذا تركت الحصان وحيدا؟".
كيف تصف نفسك في تلك المرحلة المبكرة، هل كنت هشا او ضعيفا بين الاولاد، هل كنت تخجل من نفسك مثلا؟
لم أكن مشاغبا، كنت سليط اللسان وسريع البديهة وهاتان صفتان اخذتهما عن أمي، لكنني جسديا كنت ضعيفا، وكان هذا يرشحني دائما للتعرض الى اعتداءات من أولاد آخرين، حين ولدت كنت ضعيفا جدا وكان يفترض الا أعيش وقال الطبيب ان حياتي لن تستمر الا أياما. فكنت اتصدى للأولاد بسلاطة لساني، وبما افترضته تفوقا عليهم في منطقة بعيدة عنهم، أي من خلال القراءات، كنت أحاول التميز عنهم بأنني غير مشغول مثلهم بالألعاب، وأذكر مثلا أنني قرأت باكرا لطه حسين، وكان هاجسي الأول إثبات وجودي بتفوق ذهني لانني لا أملك إمكانية المبارزة على المستوى الجسدي.
ذكريات جارحة
هل لديك ذكريات جارحة أو قاسية من تلك المرحلة، أعني هناك ذكريات من الطفولة ترافقنا طويلا، وهذه عادة لا ينتبه اليها الكبار باعتبار أنها هامشية أو اعتيادية؟
بين ذكرياتي الجارحة أذكر ذات مرة حين كنت عائدا من المدرسة حين أوقفني ولد في صف أعلى مني وضربني بلا أي سبب او مقدمات.. شعرت بالانسحاق، لا للألم، بل الاهانة، ومما زاد شعوري بالاهانة أنني غير قادر على الرد عليه لانه أكبر وأقوى مني.. وعيي هذا الأمر كان يؤلمني. وما انقذني من هذا الموقف هو أحد المعلمين الذي كان مارا من هناك فأخذني من يدي وحاول أن يواسيني.
في مقابلتي الأولى معه تحدثت ودرويش في السياسة، في الراهن الفلسطيني الفارض حضوره عليه وعلينا، والارجح ان درويش خلال زياراته الكثيرة تحدث كثيرا في السياسة حتى تعب. يسألني اذا ما شاهدت حوارا تلفزيونيا كان اجراه قبل يومين "كان فيه الكثير من السياسة أليس كذلك؟" يسألني "لكن كان فيه الشعر ايضا" أجيبه وكأنني أطمئنه الى أن السياسة لم تحتكر كل شيء مثلما تهدد دائما أن تفعل.
يأتي المصور، تبدو على وجه درويش علائم اللاارتياح، يحب درويش صوره ويسألك باهتمام عنها، لكنه لا يجد نفسه ملائما للتصوير "أتعرف أنني ولا مرة شعرت إن وجهي تحبه الكاميرا.. أشعر أنني تحت وطأة سلوك رسمي له متطلبات التخاطب بالفصحى مثلا"، اخرج آلة التسجيل فـ"تكمل" معه "هل ضرورية هذه.. الا نستطيع التحدث من دونها؟" "بلى، نستطيع ان ننسى وجودها" اجيبه "حسنا، سنتحدث اذا بالعامية".
طوال ساعات ثلاث تحدثت ودرويش حتى نسينا- انا وهو- اننا نجري حديثا صحفيا، غابت الشمس وحلت العتمة في الخارج، ومع هذا التبدل في الطقس تبدلت نبرة درويش، خفتت، ودخل على وجهه شيء من العتمة الآتية من الخارج، قبل ان ينتبه الى اضاءة المصباح الكهربائي الآخر في الغرفة.
محمود درويش قامة شعرية وإنسانية كبيرة، تخرج من الحديث معه بصداقة تدرك انها باتت اعمق واجمل واقل رسمية، يعززها بنفسه لحظة وداعك "هات قبلة" قبلة على الخد، تشبه مصافحة، تترك بصمات لا تمحى على الكف والقلب معا.
لاحظت من خلال قصائدك الكثيرة ان والدتك حاضرة اكثر من ابيك، او بالأحرى هذا هو الانطباع العام، نشعر أننا لا نعرف اباك بقدر ما نعرف أمك، ماذا عن العلاقة بالأب؟
أحب ان أصحح هذا الانطباع، فأبي حاضر حضورا واضحا ومبكرا في شعري، حضور مرافق لحضور والدتي، مثلا في "عاشق من فلسطين" هناك قصيدة مهداة اليه، "نهاني عن السفر"، في "أرى ما أريد" وهناك مرثية طويلة له "رب الايائل يا أبي" وفي "لماذا تركت الحصان وحيدا" هناك ثلاثية حوار بين الأب والابن خلال الهجرة الاولى الى لبنان، فمن ناحية الكمية هو حاضر، اكثر، او على الاقل حاضر بشكل مواز لحضور أمي.
علاقتي بأبي كانت، وكما يقول شعري، علاقة يلتبس فيها من هو الأب ومن هو الابن، وهذا اقوله في "رب الايائل يا ابي"، كان ابي رجلا خجولا جدا يعاملنا بمسافة، وكان ايضا رجلا حزينا، لان هموم الحياة انقضت عليه باكرا جدا حيث انتقل من مالك أرض الى عامل في أرض، وحمل أعباء عائلة كبيرة، وهو من طبعه انه لم يوبخ أحدا منا، بينما الشخصية الأقوى في البيت، والتي كنت أعتبرها عنيفة الى حد ما، هي والدتي، وكنت أعتقد طفلا، ونتيجة ما كنت اعتبره معاملة قاسية منها، انها لا تحبني، وبقيت هذه الفكرة معي إلى أن سجنت للمرة الأولى، وعندها أدركت انها تحبني، بل أدركت كم تحبني.
في أية حال لم يكن سلوك أمي أو أبي بالمستغرب، اذ من عادات القرويين في ذلك الزمن الا يعبروا عن حبهم وعاطفتهم تجاه بعضهم البعض، لم يكن اعتياديا، كما نرى اليوم، ان يعبر الأب والأم عن حبهما لابنائهما، وكأن الحب عيب، أمر ينبغي اخفاؤه في المناطق القصية من المشاعر.
ليس هناك كلمة "أحبك" مثلا.
اطلاقا، هذه الكلمة لم اسمعها حتى الآن لا من أمي ولا من ابي، حتى في طفولتي لا أتذكرها، بالتأكيد قالاها لي وأنا أصغر من أن أعيها، وهذا الخجل بين ابي وابنائه توارثناه نحن الأبناء، فنحن الاخوة لا نحكي مع بعضنا في أي قضية شخصية او حميمية، نحكي في القضايا العامة، عائلة خجولة جدا، وعلى سبيل المثال لاحظت ان بنات أخي الاكبر يشتكين لي انه لا يحكي معهن ولا يتدخل في شؤونهن، هو مدير المدرسة التي يتعلمن فيها، ولكنه لا يساعدهن ولا يسألهن عن دروسهن، ولا يحدثهن في أمورهن الخاصة، نوع من الانفصال العاطفي، لكنه لا يعني ان أخي غير عاطفي، لكن ليس هناك تعبير عن العاطفة، اضافة الى انه وبسبب موقعه كمدير مدرسة يضطر الى ان يكون محايدا، هذا النوع من العاطفة المكبوتة أظن انه من ميراث ثقافة قروية عربية، وبالنسبة الى الوضع الفلسطيني تجده يتفاقم، اذ يكون الأهم بالنسبة إلى الأب مثلا أن يحمي أولاده وهذا يتضمن أحيانا ان يفر بهم الى أماكن آمنة كما حصل في هجرتنا الأولى، وان يؤمن لهم حياتهم، أي أن يضطلع بمسؤولياته كأب، ويأتي ذلك غالبا على حساب العاطفة المباشرة، لكن كما قلت لك علاقتي بأبي نمت لاحقا، مع تقدم وعيي، وحيث بت قادرا على فهم حكاية أبي، والنفاذ منها الى عالمه الداخلي، هذا الفهم الذي ترجمته شعرا.
الجـــد
في غياب هذا النوع من العلاقة مع الأم والأب، ألم يكن هناك من هو قريب منك عاطفيا، الخالة او الخال مثلا؟
جدي كان الاقرب الي، واعتبره أبي الروحي والعاطفي، كان يدللني صغيرا، ويصطحبني معه اينما يذهب، هو اخذني الى عكا والى القرى المجاورة، وكان يصطحبني معه ايضا الى منزل صديقه الأعز وهو خوري القرية، وكان يجلسني في مجلسه، وهو مجلس جليل ضخم في غرفة مغلقة وكانت ممتنعة على الآخرين، وكان في هذه الغرفة كتب تراثية، وكان يفتخر جدي بكوني استطيع القراءة وأنا في تلك السن المبكرة، قرابة ست سنوات، ويجعلني أقرأ أمام أصدقائه، وجلساته، وكان يهديني الكتب أحيانا، وهو مثلا من جعلني اقرأ حكايات جاليفر اوليفرتويست، واهداني مجموعة شكسبيريات مبسطة للأولاد، وكان كلما ذهب الى المدينة يحضر لي هدية كتابا.
كان يتوسم فيك شيئا؟
لا أعرف، لكنه كان يفرح بقدرتي على القراءة، وحين هاجرنا الى لبنان وكان معنا كان يعطيني الصحيفة كي اقرأها بصوت عال.
هل كتبت شيئا لجدك؟
بطريقة غير مباشرة في السيرة، وجميع العلاقات على هذا المستوى عبرت عنها في هذه السيرة الشعرية ولاسيما "لماذا تركت الحصان وحيدا؟".
كيف تصف نفسك في تلك المرحلة المبكرة، هل كنت هشا او ضعيفا بين الاولاد، هل كنت تخجل من نفسك مثلا؟
لم أكن مشاغبا، كنت سليط اللسان وسريع البديهة وهاتان صفتان اخذتهما عن أمي، لكنني جسديا كنت ضعيفا، وكان هذا يرشحني دائما للتعرض الى اعتداءات من أولاد آخرين، حين ولدت كنت ضعيفا جدا وكان يفترض الا أعيش وقال الطبيب ان حياتي لن تستمر الا أياما. فكنت اتصدى للأولاد بسلاطة لساني، وبما افترضته تفوقا عليهم في منطقة بعيدة عنهم، أي من خلال القراءات، كنت أحاول التميز عنهم بأنني غير مشغول مثلهم بالألعاب، وأذكر مثلا أنني قرأت باكرا لطه حسين، وكان هاجسي الأول إثبات وجودي بتفوق ذهني لانني لا أملك إمكانية المبارزة على المستوى الجسدي.
ذكريات جارحة
هل لديك ذكريات جارحة أو قاسية من تلك المرحلة، أعني هناك ذكريات من الطفولة ترافقنا طويلا، وهذه عادة لا ينتبه اليها الكبار باعتبار أنها هامشية أو اعتيادية؟
بين ذكرياتي الجارحة أذكر ذات مرة حين كنت عائدا من المدرسة حين أوقفني ولد في صف أعلى مني وضربني بلا أي سبب او مقدمات.. شعرت بالانسحاق، لا للألم، بل الاهانة، ومما زاد شعوري بالاهانة أنني غير قادر على الرد عليه لانه أكبر وأقوى مني.. وعيي هذا الأمر كان يؤلمني. وما انقذني من هذا الموقف هو أحد المعلمين الذي كان مارا من هناك فأخذني من يدي وحاول أن يواسيني.
&ينشر هذا الحوار مع الشاعر محمود درويش بالاتفاق مع مجلة "نزوى" العمانية.
&
التعليقات