&
بيروت- رولا نصر: في الحلقة التي أعيد بثها مساء أمس على قناة "دريم TV " ضمن برنامج الإعلامية هالة سرحان (والتي لم تتسنّى لنا مشاهدتها سابقاً) والذي استضافت خلالها الفنان المصري محمد منير، استغربنا صراحةً كيف أباح منير لنفسه أن يتحدث باسم الفن العربي وينوب عن الجمهور المنتشر من المحيط إلى الخليج، ويفصّل هذا الفن على ذوقه ووفق قناعاته الخاصة التي ذكرها والتي دون شكّ ستكون غلطة كبيرة يحاسب عليها. ففي أثناء التحدث عن التكرار الفني الحاصل في عالم الغناء العربي وكيفية معالجة هذه المعضلة من خلال البحث الدؤوب عن النغمات والأنماط الموسيقية الجديدة، راح محمد منير يستفيض شرحاً دون أي خلفية ثقافية موسيقية واضحة عن الموضوع، فقال : " لقد استهلكت الأغنية العربية غالبية النغمات الغربية وإيقاعاتها بشكل مكثف، وفي غرب إفريقيا أيضاً هناك عدد لا يحصى من الفنانين الذين عرفونا على موسيقى هذه البقعة من العالم، فتوجهنا نحو شمال إفريقيا حيث تمّ عصر الراي حتى النقطة الأخيرة، لهذا أقول أنه ما من مخرج سوى في الفن المصري الغني بالألوان الغير معروفة بعد حيث أن لكل منطقة في مصر لونها الغنائي الخاص".
هذا القول غير مقبول ابدا، فمحمد منير ربما نسي أو تناسى الفن الشرقي المتأصل في منطقة المشرق العربي وعلى وجه الخصوص لا الحصر لبنان وسوريا، كون مطربي هذه المنطقة هم الأشهر عربياً، وهي المليئة بالألوان الغنائية المختلفة من الهوارة إلى الميجانا والعتابا مروراً بالمواويل وصولاً إلى الخدود الحلبية وغيرها.&
وأيضاً تناسى محمد منير التراث الخليجي العريق والذي تتشعب منه ألوان عديدة بحيث أن كلّ منطقة في الخليج لها تراثها الغنائي الخاص. وأكثر من هذا، نعتقد أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه منير هو التحدث عن منطقة شمال إفريقيا تحديداً حيث قال " أنهم عصروا الراي عصراً ".
ليس عيباً إن كان محمد منير جاهلاً بالتراث المغاربي الموجود في شمال إفريقيا، ولكن العيب هو عندما يدّعي المعرفة فيرشق كلماته هنا وهناك دون أدنى حسّ بالمسؤولية. وإن كان منير لا يدرك أن الراي تحديداً هو نقطة في بحر التراث المغاربي عموماً والجزائري تحديداً وبالأخص في منطقة وهران التي تعدّ وحدها تراثاً متشعباً من الألوان، سنقوم نحن بتعريفه، وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، حتى أن الراي الذي اختصر منير من خلاله كل الفن المغاربي يعتبر هابطاً بالنسبة للمغاربة بالرغم من أن الراي هو الذي سلّط الضوء على الفن المغاربي عالمياً. و شمال إفريقيا لا تعني فقط الراي، وهي أيضاً لا تعني الجزائر، لأنها تشمل أيضاً المغرب، تونس، ليبيا وموريتانيا.
فهل يعقل أن في هذه الرقعة الكبيرة والواسعة لا يوجد سوى الراي؟ ففي الجزائر وحدها هناك أكثر من 200 لون غنائي كلّ واحد منها يختلف كلياً عن الآخر وهناك الكثير من النغمات التي سرقت وسجلت باسم آخرين عربياً وعالمياً، والموسيقيين المثقفين يدركون هذه الحقيقة المشعة كالشمس في أغسطس. ومن بين الألوان الجزائرية التي نعرف (وعذراً لقلّة معرفتنا) هناك الأندلسي، الغرناطي، الشاوي وغيرها، ومن تونس "المالوف" ومن موريتانيا "الحسانية" و"التبراع"، هذا دون ذكر وتفصيل الأوان والأشكال الأخرى في هذه الدول فضلاً عن ليبيا والمغرب. وإن كان محمد منير لا يعرف من بين كلّ هذا سوى الراي، فهذه مشكلته لا مشكلة أبناء شمال إفريقيا. وأكثر من هذا، من أين يملك الحق في إنكار كلّ الفن العربي وحصره واختصاره داخل مصر دون سواها؟ ونحن بدورنا لا ننكر أن مصر أنجبت عمالقة الفن العربي& (الذين حاربوا غالبية الأصوات التي لجأت إلى مصر في تلك الحقبة المشرقة من تاريخ الفن المصري، كي لا تخطف منهم بريق الأضواء وعلى رأسهم عليّة التونسية وأسمهان، نور الهدى وغيرهم، وربما تكون وردة الجزائرية الوحيدة التي نالت الحظ والفرصة كونها تزوجت من الملحن العبقري بليغ حمدي) لكن لا يمكن غض الطرف عن قضية الإعلام الذي كان صاحب الفضل الأول في نشر الفن المصري وتثبيت ركائزه من خلال الصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما، بينما كلّ هذا ليس موجوداً في شمال إفريقيا، بل هناك تعتيم إعلامي، وأكثر دول المغرب العربي تستقبل كل الفنانين بالحب والترحاب بينما المطرب المغاربي لا يعامل بالمثل. من هنا نتمنى على مطربي هذا الزمان عدم التباهي كثيراً والتحدث بأمور لا يعرفونها، لأن الفنان قبل كلّ شيء ثقافة، ولا يمكن له أن يصبح فناناً شاملاً إلا إذا لجأ إلى تثقيف نفسه من خلال الاطلاع على كافة الأوان الغنائية، أو على الأقلّ عدم إنكار وجودها.
ومن هنا نطرح السؤال، لو سلمنا جدلاً أن ما تفوّه به محمد منير في هذه الحلقة صحيح، والراي لا يعني له شيئاً،& لماذا هو يزور الجزائر ويقيم فيها الحفلات، ولماذا سعى جاهداً& منذ فترة إلى تسجيل دويتو غنائي مع مطرب جزائري ليغني معه الراي بالرغم من أنه مطرب مغمور ويعيش في المانيا لدرجة أن قلّة من الجزائريين يعرفونه؟ فماذا لو كان هذا الدويتو مع الشاب خالد أو الشاب مامي او فوديل... أكان محمد منير قال ما قال؟! وإن نجح هؤلاء في الدول العربية وأوروبا والعالم،& هذا لا يعني أن محمد منير سينجح بالضرورة!