&
تتجه الهند وباكستان بعناد نحو نزاع خطير، فرائحة الحرب في الاجواء. ومرة اخرى، ها هي الولايات المتحدة ومعها المجتمع الدولي يواجهون مهمة وضع حد لما يمكن ان يصبح نزاعا نوويا. ومعروف ان العداء بين الهند وباكستان يتمحور حول النزاع بشأن المنطقة التي تعرف بجامو وكشمير، حيث كان سكان جامو وكشمير قد تلقوا وعدا من الأمم المتحدة بقرير مصيرهم خلال موعد زمني لم يتم منذ 50 عاما. فقد رفضت الهند اجراء استفتاء، خشية ان يقرر السكان المسلمون الانفصال عنها. فيما تؤيد باكستان التوجه الكشميري نحو الحرية.
الازمة الاخيرة اندلعت يوم 14 مايو (ايار) الجاري عندما تنكر مسلحون من كشمير في هيئة جنود من الهند، وتعرضوا لمجموعة من النساء والاطفال بالبنادق والقنابل، في المنطقة المتنازع عليها. كانت الرسالة واضحة: اذا ما تمكن المسلحون من استهداف عائلات أفراد الجيش الهندي في منازلها، فسيكون من الصعوبة بمكان على الجنود الهنود الذين يتمركزون في خط المراقبة الذي يفصل بين البلدين، ان يردعوهم.
وتعتبر نيودلهي ان اسلام آباد تتحمل مسؤولية دعم المسلحين، لكن الاخيرة تنفي ذلك.
الجنود الهنود الذين شهدوا مصرع زوجاتهم وبناتهم وأولادهم يمارسون الضغط على الحكومة الهندية، وخاصة على رئيس الوزراء أتال بيهاري فاجبايي، من اجل فرض اجراء عقابي عبر انتقام عسكري يمكن بسهولة ان يتحول لحرب رابعة بين الدولتين المتجاورتين.
وكان رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية جورج تينيت قد توقع اندلاع مثل هذه الحرب خلال شهر مارس الماضي، عندما ادلى بشهادته امام لجنة الشؤون العسكرية بمجلس الشيوخ، وقال: "اذا ما شنت الهند عملية هجومية واسعة النطاق باتجاه مناطق كشمير التي تسيطر عليها باكستان، فان الاخيرة قد تنتقم باتخاذ الاجراء الذي تراه على اعتبار ان قدرتها النووية قد تضع حدا لمدى رد الفعل الهندي".
وكان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قد وصف منطقة جنوب آسيا، قبل عامين، بأنها اخطر مكان في العالم. وخلال الاشهر الستة الماضية واجه الجنود الهنود نظراءهم الباكستانيين وجها لوجه على طول خط المراقبة. وقد جاء حشد القوات الهائل في أعقاب هجوم تعرض له مبنى البرلمان الهندي في نيودلهي خلال شهر ديسمبر الماضي.
والآن قررت الهند طرد المفوض السامي الباكستاني لديها. كما دعا رئيس الوزراء الهندي لـ"معركة حاسمة" ضد باكستان. وهي مؤشرات على ان طبول الحرب باتت تدق. في الوقت الذي تتعرض فيه مصالح المجتمع الدولي في المنطقة للخطر.
باكستان الآن تعد حليفا رئيسيا للقوات التي تتزعمها أميركا والموجودة في أفغانستان. وآخر ما ترغب الولايات المتحدة في رؤيته بالمنطقة ان تتأثر الحرب ضد الارهاب بحرب اخرى بين الهند وباكستان.
ويبدو ان المسلحين قد نجحوا في تحويل الانتباه الذي كان منصبا على هجمات قوات التحالف ضد مقاتلي تنظيم "القاعدة" في مناطق القبائل التي تربط بين أفغانستان وباكستان. فالهجمات التي بدأت في كابل خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، في اعقاب اختطاف مسلحين لطائرات أميركية والتوجه بها نحو مركز التجارة العالمي، يمكن ان تتحول بسهولة الى معركة من اجل مدينة سيرينغر اشعلها مسلحون عقدوا العزم على اثارة مواجهة هندية ـ باكستانية.
لقد ارتكب المجتمع الدولي خطأ فادحا عندما استنتج ان برويز مشرف يمكنه نزع فتيل الازمة بين الهند وباكستان أو منع تطور موجة التشدد التي باتت الآن تتهدد المنطقة. فالحاكم العسكري لباكستان، الذي اعتبره البعض رأس الحربة في الحرب ضد الارهاب، بات الآن يغرق في رمال متحركة صنعها بنفسه. فقد تميز عهده بنشوء التطرف وبالعسكرة والارهاب والتوتر الإقليمي. ولم يستغل الفرصة في مدينة أغرا (الهندية) خلال عام 2000 ليوقع معاهدة بناء الثقة مع نيودلهي. كما إنه يتحمل مسؤولية التخطيط لنزاع كارغيل الذي اوشك على ان يدفع بالهند وباكستان نحو الحرب خلال عام 1999. وسياسته "أحادية المدى" دفعته بعيدا عن القوى السياسية الداخلية الامر الذي تسبب في اصابة البلاد بالعجز. وبالنظر إلى هذه الخلفية، فمن المستبعد ان تؤدي مقترحات الحوار الى كبح جماح التقدم العنيد نحو الحرب والذي نشهده الآن.
هناك وسيلة واحدة يمكن من خلالها منع الحرب تتمثل في تغيير نظام الحكم. فتغيير النظام في اسلام آباد يتيح فرصة وضع حد لمشاعر العداء والسماح لحكومة جديدة بأن تنهج بداية جديدة. وهنا تبرز اهمية ما سيطرحه المجتمع الدولي وما ستتبناه القوات المسلحة الباكستانية بهذا الشأن. لان هذا هو الذي سيقرر ما اذا كان على مشرف الاستقالة من اجل تخفيف حدة الازمة، او انه سيتمسك بالسلطة مستعرضا قدرته على التهديد بحرب نووية.
خلال عام 1971، توجه مسؤولون كبار في الجيش الباكستاني الى الحاكم العسكري حينئذ الجنرال أغا محمد يحيى خان ، واجبروه على الاستقالة بعدما عانت اسلام آباد من هزيمة عسكرية خلال حرب سابقة بين البلدين. وقد مهدت استقالة يحيى خان الطريق لتشكيل حكومة جديدة. وتلك الحكومة وقعت اتفاقا شاملا خلال عام 1972، الذي ادى الى حالة سلم بينهما حتى قيامهما بتجربتين نوويتين خلال عام 1998. ومنذ ذلك العام اوشك البلدان على خوض الحرب ثلاث مرات. الامر الذي يعني بجلاء ان هناك حاجة ماسة لمعاهدة جديدة خاصة بمرحلة ما بعد التفجيرات النووية.
وتشير التقارير الى ان جنرالات باكستان لديهم القدرة على الكلام. وكانوا قد عارضوا منذ البداية اجراء الاستفتاء المثير للجدل والذي سعى من خلاله مشرف لانتخاب نفسه رئيسا لباكستان. وبالتأكيد انهم سيناقشون مسألة اندلاع حرب في جبهتين خلال نفس الوقت حيث يعاني رجالهم من التشتت في كل من جبهتي الحدود الشرقية والغربية.
وتبدو وجهة نظر حليف باكستان الرئيسي والقوي، ألا وهو أميركا، حيوية ايضا. حيث ظهر تأييد البيت الأبيض لمشرف. كما وصفه الرئيس بوش بـ"صديقي". والآن على أميركا ان تختار بين الرجل الذي تعتبره صديقا لها وبين المخاطرة بحرب محدودة قد تخرج عن السيطرة.
ستفكر نيودلهي قبل ان تبدأ عملا عسكريا يفتقد لتأييد الولايات المتحدة. لكنها تحظى بحرية افضل للتحرك مقارنة بما تمتعت به اسلام آباد خلال مواجهة كارغيل. حينها تمكن الرئيس كلينتون من الاستفادة من الظرف الذي كانت تعاني منه اسلام آباد في علاقتها بصندوق النقد الدولي. اما الرئيس بوش فقد يصعب عليه الضغط على نيودلهي، لان اقتصاد نيودلهي مستقل الى حد كبير.
يمسك الرئيس بوش سلاحا واحدا يمكنه به ردع نيودلهي، الا وهو التهديد باللجوء للوساطة الدولية من اجل قضية كشمير، حيث تعارض نيودلهي مثل هذا التدخل.
واذا ما تعرض مشرف لهزيمة عسكرية فإن ذلك قد يسبب له مشاكل. وسيكون من الافضل له وللمنطقة ان يوافق على تغيير النظام لمنع بداية أعمال عسكرية عدائية قد تؤدي الى اندلاع كابوس نووي.
كما انه من الأفضل لنيودلهي ان تقبل بمثل تغيير النظام هذا للحفاظ على ماء الوجه بدلا من السماح بحرب محدودة قد تخرج عن السيطرة. وعلى نيودلهي ان تفكر في ان اسلام آباد قد تحقق تقدما في حرب محدودة من حيث الوقت والمساحة. فقواتها المسلحة مجهزة بشكل جيد. وقد تتحول حرب محدودة الى حرب طويلة وشاسعة الامد وسط صيف ساخن ترتفع خلاله درجات الحرارة.
في شهادته التي ادلى بها امام لجنة مجلس الشيوخ خلال شهر مارس الماضي، قال مدير وكالة المخابرات المركزية ان قرار تحويل اسلام آباد الى حليف عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر "كان تحولا سياسيا أساسيا عن مخاطر موروثة". وهذه المخاطر تبدو الآن جلية مع توجه منطقة جنوب آسيا نحو حافة العنف في القريب العاجل.(عن "الشرق الأوسط" اللندنية)
الكاتبة رئيسة وزراء باكستان السابقة وزعيمة حزب الشعب المعارض ـ خدمة "لوس أنجليس تايمز" خاص بـ"الشرق الأوسط"
التعليقات