عادل عوض
&
هناك فرق بين ان ينقسم العراق الى ثلاث دويلات وبين ان تكبر مساحته من 437 ألف متر مربع الى 529 ألف متر مربع، وان يزداد تعداده السكاني من 23 مليون نسمة الى 28 مليون نسمة بين ليلة وضحاها. كما انه هناك فرق بين ان تتحول دولتين بعلمين وبرئيسين الى دولة واحدة بعلم ورئيس أو ملك واحد وبين ان يتولد من العراق ثلاث دول وبثلاث أعلام وبثلاث رؤساء او ملوك. الأصوات التي تحذر من التقسيم بعد إسقاط نظام صدام اقتصرت على حكومات عربية معينة (السعودية و مصر و سوريا). فهل هناك خطة لتقسيم العراق لا تعلم بها سوى تلك الحكومات؟
لحد ألان لم نسمع عن وجود خطة أميركية لتقسيم العراق. ولكن ما دمنا في حديث الخطط فمن الجدير بالذكر ان هناك في أميركا من وضع خطة في عام 1996 أوصى فيها حكومة إسرائيل حينها بعدة توصيات، منها انها يجب ان تدعم عملية دمج العراق والأردن ليخضع هذا الكيان الجديد تحت وصاية ملكا من العائلة الهاشمية الأردنية. ثلاثة ممن وضعوا هذه الخطة التي أسموها (الانفصال النظيف) Clean Break يمسكون بمناصب حساسة جدا في الإدارة الأمريكية الحالية، اثنان منهم في البنتاغون والثالث في وزارة الخارجية.
&بالطبع نالت هذه الخطة أو على الأقل هذا الجزء من الخطة موافقة العاهل الأردني في ذلك الوقت، وهو الذي كان قد طالب علنا في مناسبة سابقة (1995) بحق العائلة الهاشمية الأردنية لاسترداد عرش العراق. كان الغرض منها هو احتواء سوريا من خلال تعزيز الخط السياسي الملكي الأردني (المعتدل) تجاه قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بواسطة ضم العراق الى هذا الصف. راهنت الخطة على تكرار حصول مباركة علماء الدين الشيعة في مدينة النجف (معقل المرجعية الشيعية في العراق) لتولي ملك من العائلة الهاشمية سدة الحكم في العراق بالرغم من كونها عائلة غير عراقية، كما حصل أبان تشكيل الدولة العراقية الحديثة.
هناك علامات جديدة توحي بان الحياة لا زالت تدب في فكرة دمج هذين البلدين الشقيقين (ربما عن طريق كونفدرالية) حيث تنقل الأخبار ان الأمير الأردني الحسن بن طلال قد اجتمع مع أحد المسؤولين المهمين في البنتاغون وهو أحد واضعي تلك الخطة (الانفصال النظيف). تبع ذلك مشاركة الأمير في اجتماع ضباط من المعارضة العراقية والذي انعقد في لندن في شهر تموز من هذا العام والذي فسره البعض على انه بمثابة إشارة على شمولية العائلة الهاشمية لكل العرب وعدم اقتصار شرعيتها على الأردن فقط. كما ان مشاركة الجيش الأردني حليفه الأمريكي بمناورات على الحدود مع العراق مؤخرا يعزز التوقعات في دخول الجيش الأردني ارض العراق أثناء عملية إسقاط النظام هناك، و التي سيترتب عليها الإبقاء على أعداد غير قليلة من قطعاته العسكرية، مما سيعزز من إمكانية حصول الاندماج و الملكية معا. أضف الى ذلك الحضور القوي للحركة الملكية الدستورية التي يترأسها الشريف علي بن الحسين والذي سيطالب بحقه في الاحتكام الى صوت الشعب العراقي لكي يحدد مستقبله إما ملكيا او جمهوريا، وهذا ما أكده الدكتور احمد الجلبي (ابرز قادة المعارضة العراقية) عندما أوضح ان شعب العراق سيكون له القول الفصل في عملية تحديد نوع الحكم. وآخر ما برز ليدعم هذه الفرضية هو تولي مايكل روبن (عضو معهد الشؤون الأمريكية AEI) لمنصب رئاسة ملف القضية العراقية في البنتاغون الأمريكي بداية شهر أكتوبر الحالي.
مصدر قلق الحكومات العربية الثلاثة&يكمن في الأشخاص الذين وضعوا الخطة، وليس الخطة نفسها، فهؤلاء الأشخاص هم من يدفع بأمريكا الى ان تُعلن عداءها تجاه الدول الثلاث (السعودية ومصر و سوريا). وهي نفس الأصوات التي تُطالب بدمقرطة دول الشرق الأوسط ابتداء بالعراق.&تقسيم العراق اذا ما قُدر له ان يحدث فانه لابد ان يحصل لسبب. فإما اللاعبون الأساسين فيه هم الأمريكان او العراقيون أنفسهم من يريد ذلك.
أما أميركا فقد أوضحت على لسان رئيسها في خطابه أمام الأمم المتحدة في 12 سبتمبر على ضرورة احترام وحدة ارض العراق. وهذا ما أوضحه نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني عندما التقى بقادة بعض فصائل المعارضة العراقية في البيت الأبيض مؤخرا.&ولعل السبب الأبرز لممانعة أميركا تقسيم العراق هو ان لا تظهر بمظهر الدولة الغبية بعد كل هذه الأصوات التي حذرت من حدوث التقسيم في حالة إزالة نظام صدام. وأما فصائل المعارضة العراقية (وبضمنها الكردية) فلم يسمع العالم منها انها ترغب في ان ترى العراق مقسما. فمن أين إذن جاءت هذه المخاوف؟
استطاع نظام صدام بكذبه المستمر ان يصور للعرب ان شيعة العراق هم فرس إيرانيون!! لكي يبرر اضطهاده لهم، مصورا نفسه للشعوب العربية على انه المدافع عن وحدة العراق من التقسيم، مدعيا ان الشيعة يريدون الاندماج مع إيران. انطلت هذه الأكاذيب على بعض الدول العربية وأصبحت تستخدمها لإضعاف موقف واضعي خطة (الانفصال النظيف) وذلك باتهامهم بالمخاطرة بتدمير الشرق الأوسط و السعي الى تقسيم دوله.
&لا ادري كيف راق للبعض ان يقبل بالفكرة القائلة ان الشيعة في جنوب العراق يؤمنون بإمكانية انفصال الجنوب عن باقي أجزاء العراق الذي يشكل فيه إخوان لهم أغلبية. فبغداد وبعض المدن المحيطة بها هي ذات أغلبية شيعية أيضا. ليس في تاريخ العراق ما يدل على انه كان لشيعة العراق دولة منفردة داخل الكيان العراقي حتى يحلم شيعة العراق بالانفصال. وما يدعم ذلك هو صدور ما سُمي بـ"إعلان شيعة العراق" مؤخرا و الذي وقعه اكثر من 300 شخصية شيعية عراقية بارزة تؤكد على احترامهم لوحدة العراق ومطالبتهم بالديمقراطية و الفدرالية ووقف التمييز الطائفي في عراق المستقبل.
هناك من يُحذّر من ان الفدرالية التي تطالب بها فصائل المعارضة العراقية بكردها وعربها هي البذرة التي ستتحول الى شجرة التقسيم في المستقبل الغير بعيد. إلا ان هذا الادعاء لا يقف على أرضية تاريخية قوية. وهؤلاء يقولون بان العراق دولة واحدة ستقسم الى ولايات ومن ثمَ ستتحد مع بعضها برابط فدرالي هش. في حقيقة الأمر ان العراق بوضعه الحالي هو ليس دولة واحدة، إذ انه وبسبب سياسات صدام في حالة انفصال حيث ان المنطقة الشمالية في كردستان هي خارج سلطة صدام وهي تتعامل مع الدول الأجنبية مباشرة ولها حدودها والناس يدخلونها من دون الحاجة الى حصولهم على فيزا من نظام صدام في بغداد. كما ان أقوى الدول في العالم في الوقت الحاضر هي فدرالية، خذ مثلا أميركا والهند وأسبانيا وألمانيا.
إذن لا توجد احتمالية ان تتجزأ ارض العراق، بل على العكس توجد خطة قديمة و"لكن ربما لا زالت حية" لتوسيعه وطرح تولية ملك هاشمي (عراقي أو اردني) على مائدة الخيارات السياسية لمستقبل العراق. وعلى أية حال فمن غير المتوقع ان تكون لخطةٍ بعينها الدور الرئيسي بتحديد شكل العراق المستقبلي سياسيا. بل سيكون للشعب العراقي القول الحاسم في رسم ذلك المستقبل، وعلى الأقل هذا ما أكده نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لقادة المعارضة العراقية في البيت الأبيض مؤخرا.
كاتب عراقي في المنفى - أميركا