عدنان محسن
&
كان الصديق الراحل شريف الربيعي ينوّع على عبارة الكاتب الفرنسي جان بول سارتر الشهيرة "الجحيم هم الآخرون " بقوله |
"النعيم هم الآخرون". وكان بوسع الخليلي أن يجعل من الآخرين هم نعيمي شعاراً لحياته وسبباً لوجوده.
&
الخليلي غنيٌّ عن التعريف، وأجزم أنّ عدداً وافراً من الأصدقاء سيتناول حياته وأدبه بما يستحق من العناية وبما يليق به كأديب عاشر كبار الأدباء والشعراء: الجواهري، السياب، البياتي، سعدي يوسف، غائب طعمة فرمان، علي جواد الطاهر،المخزومي، إبراهيم السامرائي...وغيرهم. أما أنا فلي رغبة في الكلام عن الإنسان: الخليلي إنساناً، يذكرنا بأننا ما زلنا ننتمي إلى البشرية، تلك التي تشبه الجرح.
ولد عبد الغني الخليلي في النجف عام 1920 أي قبل عام بالتمام والكمال من ولادة الدولة العراقية.وأحب العراق ببشره وأشجاره وصخوره ورماله ومائه وأمطاره وطيوره وفصوله وانتمى إلى ماضيه وحاضره، لكنهم منعوا عليه مستقبله، فهجّروه وعائلته وأمه البالغة من العمر الثمانين، ليجد نفسه في شيراز التي لا ينتمي لها إلا من خلال الشعر غريباً، هذا قدر الشاعر: أن يكون غريباً حيثما كان، والمتنبي أعرف بشعاب النفيس.
في العام1994 كان عبد الغني الخليلي في باريس، باستضافة الصديق الشاعر محمد سعيد الصكار. لم أكن قد التقيته بعد. كنّا نسمع أخباره عن طريق الصكار فيغرينا حديثه بمعرفة الرجل والاقتراب منه. في تلك الفترة، كنت مع أصدقاء نرتب أمسية صغيرة احتفالاً بالصكار في عيد ميلاده الستين.كان سعدي يوسف معنا وجمهرة من الأصدقاء المقربين أيضاً.
قال لي الصكار: ستحبه وسيكون لك صديقاً.
وأحببته كما لو أنّي لم أكن قد أحببت من قبل، وكان لي نعم الصديق. صديق وفي في زمن شحَّ فيه الوفاء، هذه هدية الصكار لي في عيد ميلاده الستين.
في الأمسية إيّاها، كان الخليلي متعباً بسبب السفر، وبانت على وجهه علامات الإرهاق والإعياء، لكنّه كان فرحاً كطفل عثر للتو على هداياه المفقودة: أمسية عراقية وأصدقاء قدامى وناس فتحوا له قلوبهم فبادلهم المودة بعشرة أضعافها.فهو من سلالة من البشر لا تقيس الأشياء إلا بمقاسات القلب. وهكذا تراه لا يجيد المحبة إلا كاملة نقيّة وصافية. الخليلي يحب وحسبه هذا. وكم فاجأني انه لا يريد الحديث بل لا يحسن الحديث إلا عمن يحب. هذه منّة الخليلي على أصحابه وعلينا جميعاً.
أثناء فترة مكوثه القصيرة في باريس، اقتربت منه واقترب مني بسرعة دقات القلب. وعندما غادر باريس ودّعته مثلما يودّع الأبناء آبائهم.
قال لي: أيامي غدت معدودة، إن مت أكتب عني
وجاء يوم الكتابة. الكتابة عن موته هو الذي قضى العمر كله على قيد الغياب. أكتب عن موت رجل يعيش معي على ذمّة الحياة.واسأل نفسي: أموت هذا أم خطيئة، من تلك التي تُرتكب بلا سببٍ. ثمّ أيموت حقاً من سكن القلب واستوطن الذاكرة؟
أيموت من
له في أخاديد الروح وتجاعيدها شوق بطول الحزن وعشق بحجم الانتظار؟
أيموت من يرى إلى الأشياء بقلبه وليس بعينيه، ويراودها بلجّة الأطفال وحماسهم؟
ألم أقل لكم بعد إنّه آخر أطفال الله على الأرض. جاء إلينا ليعلن الحب علينا، ويباركنا بالمزيد من الدموع.
آن الأوان إذن لنقولها كلمة " الوداع " هذه.
ولد عبد الغني الخليلي في النجف عام 1920 أي قبل عام بالتمام والكمال من ولادة الدولة العراقية.وأحب العراق ببشره وأشجاره وصخوره ورماله ومائه وأمطاره وطيوره وفصوله وانتمى إلى ماضيه وحاضره، لكنهم منعوا عليه مستقبله، فهجّروه وعائلته وأمه البالغة من العمر الثمانين، ليجد نفسه في شيراز التي لا ينتمي لها إلا من خلال الشعر غريباً، هذا قدر الشاعر: أن يكون غريباً حيثما كان، والمتنبي أعرف بشعاب النفيس.
في العام1994 كان عبد الغني الخليلي في باريس، باستضافة الصديق الشاعر محمد سعيد الصكار. لم أكن قد التقيته بعد. كنّا نسمع أخباره عن طريق الصكار فيغرينا حديثه بمعرفة الرجل والاقتراب منه. في تلك الفترة، كنت مع أصدقاء نرتب أمسية صغيرة احتفالاً بالصكار في عيد ميلاده الستين.كان سعدي يوسف معنا وجمهرة من الأصدقاء المقربين أيضاً.
قال لي الصكار: ستحبه وسيكون لك صديقاً.
وأحببته كما لو أنّي لم أكن قد أحببت من قبل، وكان لي نعم الصديق. صديق وفي في زمن شحَّ فيه الوفاء، هذه هدية الصكار لي في عيد ميلاده الستين.
في الأمسية إيّاها، كان الخليلي متعباً بسبب السفر، وبانت على وجهه علامات الإرهاق والإعياء، لكنّه كان فرحاً كطفل عثر للتو على هداياه المفقودة: أمسية عراقية وأصدقاء قدامى وناس فتحوا له قلوبهم فبادلهم المودة بعشرة أضعافها.فهو من سلالة من البشر لا تقيس الأشياء إلا بمقاسات القلب. وهكذا تراه لا يجيد المحبة إلا كاملة نقيّة وصافية. الخليلي يحب وحسبه هذا. وكم فاجأني انه لا يريد الحديث بل لا يحسن الحديث إلا عمن يحب. هذه منّة الخليلي على أصحابه وعلينا جميعاً.
أثناء فترة مكوثه القصيرة في باريس، اقتربت منه واقترب مني بسرعة دقات القلب. وعندما غادر باريس ودّعته مثلما يودّع الأبناء آبائهم.
قال لي: أيامي غدت معدودة، إن مت أكتب عني
وجاء يوم الكتابة. الكتابة عن موته هو الذي قضى العمر كله على قيد الغياب. أكتب عن موت رجل يعيش معي على ذمّة الحياة.واسأل نفسي: أموت هذا أم خطيئة، من تلك التي تُرتكب بلا سببٍ. ثمّ أيموت حقاً من سكن القلب واستوطن الذاكرة؟
أيموت من
له في أخاديد الروح وتجاعيدها شوق بطول الحزن وعشق بحجم الانتظار؟
أيموت من يرى إلى الأشياء بقلبه وليس بعينيه، ويراودها بلجّة الأطفال وحماسهم؟
ألم أقل لكم بعد إنّه آخر أطفال الله على الأرض. جاء إلينا ليعلن الحب علينا، ويباركنا بالمزيد من الدموع.
آن الأوان إذن لنقولها كلمة " الوداع " هذه.
&
وداعاً
فيها الحشرجة
فيها فزع الأخ على أخيه
فيها خوف الغريب من نفسه وعليها
وداعاً ممتدةً
فيها ما يوصل الأرض بالجذر
والصرخة بالحنجرة.
فيها الحشرجة
فيها فزع الأخ على أخيه
فيها خوف الغريب من نفسه وعليها
وداعاً ممتدةً
فيها ما يوصل الأرض بالجذر
والصرخة بالحنجرة.
التعليقات