جان لوي دوبليه- انداليسيو الفاريز: اعلن البيت الابيض ان ادارة العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين سيعهد بها الى التحالف الاميركي البريطاني ثم الى ادارة موقتة اوسع تضم العراقيين بينما لم يتم الاتفاق بعد على دور للامم المتحدة في هذا المجال.
&وقالت كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس الاميركي لشؤون الامن القومي ان مكتب اعادة الاعمار والمساعدة الانسانية الذي يقوده الجنرال الاميركي السابق جاي غاردنر والتابع لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) سيتولى ادارة العراق فور سقوط النظام العراقي.
& واضافت رايس في مؤتمر صحافي ان ادارة مدنية موقتة يقودها العراقيون ستقام بعد ضمان استقرار الوضع "وحتى يقوم الشعب العراقي بانشاء حكومة دائمة".& واكدت المسؤولة الاميركية ان دور الامم المتحدة "ليس الموضوع الذي يناقش حاليا"، موضحة ان التحالف الاميركي البريطاني سيلعب "الدور الرئيسي" في المراحل الاولى لاعادة اعمار العراق.
& وتابعت ان "هذا يجب ان لا يفاجىء احدا" بعد ان "وهب الجنود الاميركيون والبريطانيون حياتهم ودماءهم لتحرير العراق".& وقد حسم الرئيس بوش بذلك الخلاف الدائر بين وزيري الخارجية كولن باول والدفاع دونالد رامسفلد وتحدثت عنه الصحف باسهاب.& وكان باول اكد في حديث الى صحيفة الحياة اليوم السبت انه لم يتم الاتفاق بعد على دور الامم المتحدة المحتمل في مرحلة ما بعد صدام حسين وقال "ينبغي للامم المتحدة ان تلعب دورا رئيسيا لكننا لم نصل بعد الى النقطة التي نعرف عندها بالضبط ماذا سنطلب من الامم المتحدة ان تقوم به. هذا العمل سينجز فعلا في نيويورك في مجلس الامن".
&وردا على سؤال حول احتمال وضع حاكم عسكري على العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين قال باول "لاقصر فترة فقط سيتولى قائد عسكري ادارة العملية" واضاف "لم اقل حاكما عسكريا بل سلطة عسكرية كي تؤمن استقرار البلاد وتحمي الشعب وتجلب امدادات الاغاثة الى ان يتامن قيام سلطة مدنية ويجري الانتقال الى حكم عراقي مدني باسرع ما يمكن".& واوضحت رايس ايضا انها تريد "توضيح الامور" في هذا الشأن بسبب "تكهنات الصحف"، مشيرة الى ان "بعض هذه المعلومات لم يكن دقيقا وبعضها كان خاطئا تماما".
& ومع ذلك لا تبدو كل الامور واضحة وخصوصا دور المعارضين المنفيين والمعارضين الذين بقوا في العراق ودور الامم المتحدة ونقل اموال من برامج المنظمة الدولية مثل& "النفط مقابل الغذاء" الى هيئات موقتة بعد انتصار التحالف الاميركي البريطاني.& وقالت مصادر قريبة من ادارة بوش ان رامسفلد يرى ان المعارضين الذين انتقلوا الى خارج العراق قادرون اكثر على الحكم لانهم عاشوا في دول غربية.
لكن مسؤولا آخر طلب عدم كشف هويته قال ان "شيئا لن يحدث بالتأكيد ابدا هو اقامة ادارة انتقالية او حكومة موقتة تضم منفيين عراقيين فقط".& واوضحت رايس من جهتها ان الادارة الموقتة ستضم "عراقيين من الداخل ومن الخارج".& وسبب الكونغرس الاميركي من جهته تعقيدا لمهمة ادارة بوش عبر تعديل توزيع اموال في الميزانية تبلغ 75 مليار دولار مخصصة لتمويل الحرب في العراق، لمصلحة مؤسسات مدنية.& وقالت رايس ان الامم المتحدة سيكون لها دور بالتأكيد وخصوصا على الصعيد الانساني ولمهام محددة. واضافت "اريد ان احذر من ان العراق ليس تيمور الشرقية ولا كوسوفو ولا افغانستان. العراق فريد في نوعه".
&وكان وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيلبان دعا في مؤتمر صحافي الجمعة في باريس مع نظيريه الالماني والروسي يوشكا فيشر وايغور ايفانوف الى "دور مركزي" للامم المتحدة في العراق "من الآن" وخصوصا "على الصعيد الانساني".& واكد فيشر من جهته "وجود تطابق كبير في وجهات نظر الدول الثلاث حول الدور المركزي للامم المتحدة".& وادارة بوش مقتنعة بان الشعب العراقي سيستغل بسرعة فرصة ادارة شؤون بلاده.& وقالت رايس "انه مجتمع كان في نهاية الامر احدى القوى الاقتصادية الكبرى في الشرق الاوسط. انهم سكان متعلمون ومتطورون عاشوا في ظل نظام استبدادي في اجواء من الخوف (...) سيتحطم هذا الخوف ببطءء ولكن بالتأكيد مع تقدم قوات التحالف".
العراق الحديث
&السلطة للسنة على حساب الشيعة، استخدام القوة لجعل الاراضي الكردية منطقة فاصلة مع تركيا، استفتاءات تعطي اكثر من تسعين بالمئة للحاكم... ان الذي خطط لهذا العراق ليس صدام حسين بل الموظفة البريطانية غيرترود بيل في العشرينات من القرن الماضي.
& وغيرترود بيل هذه لم تكن سوى سكرتيرة للشؤون الشرقية لدى الحاكم البريطاني في بغداد، وقامت غداة الحرب العالمية الاولى التي وضعت اوزارها عام 1918 بالتخطيط لاقامة دولة العراق الحديث التي تشكلت من ثلاث ولايات كانت تابعة للسلطنة العثمانية هي الموصل وبغداد والبصرة.
& وفي عام 1920 اعطت عصبة الامم بريطانيا حق الانتداب على هذه الدولة الحديثة في نشأتها والعريقة في تاريخها العظيم.& وجاء هذا الانتداب بمثابة تسوية بين الحكام البريطانيين الذين كانوا من الهند (المستعمرة البريطانية) يعملون على توسيع الامبراطورية البريطانية وبين الذين كانوا في لندن يريدون صيغة جديدة غير الاستعمار المباشر لانهم وعدوا العرب بالاستقلال لاقناعهم بالتمرد على السلطنة العثمانية عدوة بريطانيا خلال الحرب العالمية الاولى.
&وكتبت غيرترود بيل رسالة الى والدها في الرابع من كانون الاول/ديسمبر عام 1921 تقول فيها "امضيت قبل الظهر في مكتبي ارسم حدود الصحراء جنوب العراق" في اشارة الى رسم الحدود مع المملكة العربية السعودية بشكل خاص.& وفي رسالة اخرى تقول بانها "اقسمت على عدم التورط مجددا في اقامة مملكة (...) لان الامر مثير فعلا للاعصاب".
& في البنتاغون يقراون ما كتبته بشغف، اما في العراق فان مجرد ذكر اسمها يعني الكلام عن مرحلة استعمارية بغيضة.& اما لماذا عاد الكلام عنها اليوم فهو لسببين : اولا بسبب الحرب القائمة حاليا في العراق وثانيا بعد ان نشرت جامعة نيوكاسل في انكلترا رسائلها وصورها وكل ما يتعلق بها على موقع على الانترنت.
& في بغداد تحولت الانسة بيل الى السيدة خاتون الذائعة الصيت والمتنفذة القادرة في الوقت نفسه، على التعبير عن ازدراء كامل ببلاد ما بين النهرين "المتخلفة"، وعلى التباهي بانها تعمل على اقامة دولة حديثة في العراق.& والسيدة خاتون تخرجت من جامعة اوكسفورد وهي تعشق الاثار والحضارات الشرقية وكانت الامراة الوحيدة التي اختارها مكتب الاستخبارات البريطانية الخاص بالعالم العربي في القاهرة حيث عملت الى جانب تي. اي لورنس البريطاني الذي اصبح لاحقا لورانس العرب والذي شارك في الثورة العربية ضد العثمانيين.
& وهي كانت ايضا المراة الوحيدة بين 39 رجلا اختارهم وزير المستعمرات ونستون تشرشل للمشاركة في مؤتمر في القاهرة عام 1921 حول مستقبل بلاد ما بين النهرين.& وهي ايضا التي اصرت على تنصيب الامير فيصل ابن الشريف حسين ملكا على العراق بعد ان كان طرده الفرنسيون من سوريا.
& وفي الاستفتاء الذي نظمته الانسة بيل او السيدة خاتون حسب التسمية العراقية لها حصل الامير فيصل على تاييد 96 بالمئة من الشعب العراقي لتنصيبه ملكا وهي ارقام لم ينافسه فيها سوى صدام حسين بعد عشرات السنين.& وكانت السيدة خاتون تجد لذة كبيرة في مرافقة القوات البريطانية والتفرج على المقاتلات البريطانية وهي تقصف مواقع الاكراد في شمال العراق لقمع تمردهم.
& وعندما قامت ثورة الشيعة في جنوب العراق التي اودت بحياة ثمانية الاف بريطاني اقتنعت السيدة خاتون بان الادارة البريطانية المباشرة ستكون مكلفة ومن الافضل السعي الى اقامة سلطة عراقية تعتمد على عناصر من النخبة في البلاد. وهذا ما حصل.& وتبين ان الشيعة الذين كانوا راس حربة الثورة العراقية على الانتداب البريطاني لم يحصلوا على اي مكسب سياسي، فقد فضل البريطانيون الاعتماد على الموظفين الذين كانوا قائمين في العهد العثماني وهم بالطبع من السنة لاقامة الدولة الجديدة الناشئة.
& وتعتبر الانسة بيل ان "السلطة يجب ان تكون بايدي السنة رغم قلة عددهم لان تسلم الشيعة يعني قيام سلطة دينية".& وماتت السيدة خاتون في تموز/يوليو من عام 1926 اثر تناولها جرعة زائدة من الادوية المنومة وقد دفنت في بغداد.
التعليقات