آشور كيواركيس
&
أن نلاحظ مغالطاتٍ حول القومية الآشورية من قبل غير الآشوريين هو أمرٌ وارد وقلّما نردّ عليه، ولكن أن تصدر هذه المغالطات عن شخصيّة آشورية معروفة تنتمي إلى عائلة نفتخر بتاريخها النضالي الشريف في سبيل تحقيق الطموحات القومية الآشورية، عندها يجب حتماً التوضيح لعدم إفساح المجال أمام أيّ كان لتكرار هذه المغالطات.&
&فقد تفاجأنا بما ورد في أقوال السيد زيّا ملك اسماعيل (حسب الأستاذ مسفر غرم الله الغامدي)، في جريدتكم بتاريخ 26/03/2003 تحت عنوان " ملّك الآشوريين في حديث ممزوج بالالم
في البداية نودّ التوضيح أنّ عبارة "ملّك الآشوريين" غير مناسبة كون العشائرية في المجتمع الآشوري قد انعدمت اليوم مع تطوّر الأجيال ولم تعد كلمة "ملّك" تستعمل إطلاقاً، أو كان من الأفضل استعمال عبارة "ملك عشيرة تياري الآشورية". ولدى قراءة ما وَرَدَ في أقوال السيد زيّا، يتصوّر القارئ أنّ الشعب الآشوري يعيش اليوم بدون هدف وعلى هامش الحياة، مما يدل على إهمال السيد زيّا وعدم إطلاعه على أمور بني قومه الذين لا علاقة لهم بالعرب كما ذكر، ولا بغيرهم.

موجز عن الحركة القومية الآشورية
لقد دخلت الحركة القومية الآشورية منعطفاً سياسياً هاماً في تاريخها من خلال بلدان الشتات بعد مجازر الأتراك والأكراد التي تسببت في إبادة ثلثي الشعب الآشوري في الحرب العالمية الأولى (1) ثم مؤامرة الأنجليز والحكومة العراقية التي تسببت بمجزرة راح ضحيتها الألوف من الآشوريين عام 1933 وكان والد السيد زيّا عندها أحد أبرز قادة الشعب الآشوري الذين عرفوا بتفانيهم في خدمة الأمّة الآشورية، وبتلك المجزرة تمّ القضاء على الحركة القومية الآشورية في العراق آنذاك لينتقل نضالها إلى الخارج (2) وحتى خلال ما بعد 1933 لعب الملك ياقو إسماعيل (الوالد) دوراً هاماً في إيصال القضية الآشورية إلى المحافل الدولية وبشجاعة وإصرار فائقين حتى آخر أيام حياته، وذلك إلى جانب البطريرك الراحل مار إيشاي شمعون ونخبة من المثقفين الآشوريين في الولايات المتحدة وإيران وغيرها...&
وخلال الحرب العالمية الأولى كان قد& برز أوّل حزب آشوري وهو "الحزب الإشتراكي الآشوري" الذي أسسه عام 1917، المؤرّخ الآشوري بنيامين أرسانيس والشهيد الدكتور فريدون آتورايا الذي وضع أوّل دستور للدولة الآشورية المنتظرة ( بيان أورميا Manifesto Urmia) وقد وعد الحلفاء القيادة الآشورية خلال الحرب العالمية الأولى بدولة مستقلة بعد معاناتهم لأكثر من 2500 سنة، بينما تحققت وعود "لورانس" للعرب بدون أي وفاء للشعب الآشوري الذي كان له دورٌ أساسيّ حماية جبهة القوقاز وإلهاء قسمٍ كبير من الجيش العثماني عن الجبهة الغربية في البلقان.&
وبعد ذلك تمّ تأسيس "حزب الإتحاد والمحبّة الآشوري" في العراق أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن توقفَ عمل هذين الحزبين بسبب قمعهما من قبل الأنظمة وإعدام وملاحقة مؤسسيهما، ثمّ تأسست "المنظمة الديموقراطية الآشورية" عام 1957، والتي ما زالت مستمرّة حتى اليوم في أنحاء العالم كما تشارك وطنيتها بإخلاص مع كافة الفئات في سوريا، حيث يقيم السيد زيا.
&وفي عام 1968 تأسست منظمة "الإتحاد الآشوري العالمي - AUA"، لتكون المنظمة- المظلة لكافة المؤسسات الآشورية من سياسية وغيرها، وبسبب هيكليتها التي يعي النظام العراقي فعاليتها في جمع& شمل الآشوريين في العالم وتنظيمهم، سعى مراراً إلى استدراجها بالوعود ففشل، ثمّ حاول تقسيمها وفشل، كما سمّم أعضاء قيادتها في مؤتمرها السنوي عام 1978 في مدينة سيدني أوستراليا وأيضاً فشل في إيقافها وما زالت مستمرّة اليوم بنشاط ملحوظ.&&&&&&&&&&&&
وهنالك اليوم عدّة أحزاب في بلدان الشتات الآشوري تحاول جاهدة وبطرق مختلفة،& تحقيق الهدف الذي تتطلع إليه الأمّة الآشورية& منذ سقوط العاصمة "نينوى" عام 612 ق.م،& ألا وهو "الحرية والأمان للشعب الآشوري".
&
1- الآشوريون خارج المعارضة العراقية:
بعكس ما ذكره السيد زيّا، إن الآشوريين في الشتات على إتصال دائم بحكوماتهم& وخصوصاً الولايات المتحدة وذلك منذ بدايات القرن الماضي، حيث يقيم اليوم حوالي 400.000 ألف آشوري في الولايات المتحدة وحدها، ويشكّلون نسبة 85% من الجالية العراقية هناك، علماً أن الآشوريين المهجرين في أنحاء العالم يشكلون نسبة حوالي 30% من العراقيين المهجَّرين عموماً.&
وقد تمّ مؤخراً تأسيس "الرابطة الآشورية- الأميركية" لتضم شخصيات سياسيّة آشورية وأميركية تعمل كنواة "اللوبي الآشوري في أميركا" الذي يلعب دوراً هاما بتأثيره على شخصيات بارزة في الإدارة الأميركية وهو على اتصال دائم مع كبار الشخصيات في البيت الأبيض، كما أن الأحزاب الآشورية في أوروبا تلعب دوراً هاماً في البرلمان الأوروبي في سبيل إجبار تركيا على الإعتراف بمجازرها بحق الأمّة الآشورية خلال الحرب العالمية الأولى مما دفع الإستخبارات التركية الى التحرّي عن نشاطات الآشوريين،& ونشر جهاز "أمن الدولة" التركي تقريراً رسمياً بتاريخ 06/03/2000 حول كافة الأحزاب والجمعيات الآشورية في العالم. هذا بالإضافة إلى المنظمات الآشورية في أوستراليا والتي تنشط بشكل ملحوظ، كما تحتل المقالات والأبحاث حول القضية الآشورية صفحات هامة في أكثر الصحف والإذاعات ووكالات الأنباء العالمية (ما عدا العربية منها)& منذ انفصال ما يسمّى "كردستان العراق" عن سلطة بغداد عام 1991، وإن هذه المنظمات وُجدت لتبقى على اتصالٍ مع كافة الحكومات ولديها قاعدة شعبية متينة في الشارع الآشوري، ولها الحرية التامة في ممارسة سياستها بالشكل الذي تراه مناسباً بما يتوافق مع المصلحة القومية الآشورية أوّلاً، ولا نظن أن هنالك أي داع لإخفاء ذلك كما فعل ضيفكم.&
&
2- الآشوريون داخل المعارضة العراقية:
أيضاً بعكس ما قاله السيّد زيّا، فإن الآشوريين اليوم هم جزء أساسي من المعارضة العراقية. ورغم سلبيات المعارضة فقد أصرّت التيارات الآشورية على المشاركة فيها انطلاقاً من الحسّ الوطني العراقي وبدعم من الإدارة الأميركية(3) ، وقد فرض الرئيس الأميركي الآشوريين في المعارضة العراقية بقرار رئاسي رقم /2003-05/ على أن تنضم منظمة "الحركة الديموقراطية الآشورية" (تحديداً) إلى المعارضة العراقية(4) وذلك بفضل نشاط اللوبي الآشوري الأميركي.
وتتخذ منظمة "الحركة الديموقراطية الآشورية" موقفاً وطنياً مشرّفاً في المعارضة العراقية، وتعَدّ هذه المنظمة من الوطنيين القلائل الذين يشددون على وحدة عراق المستقبل رغم أن ذلك قد ينعكس على الآشوريين سلباً في ظل صفقات الأخطبوط الكردي الإنفصالي مع بعض أطراف المعارضة، فبكل أسف لا تتفق الرؤى الوطنية والإنفتاح، مع الإيديولوجيات العنصرية لدرجة تجعلنا& في بعض الأحيان نتمنى بقاء صدّام في السلطة...& فأقله يظلم الجميع بدون تفرقة.
&&&&&
الطموح القومي الآشوري
لا نبالغ لو قلنا أن حلم كل فردٍ آشوري هو "دولة مستقلة"، وكأحفاد الدولة الآشورية القديمة وأصحاب العراق الحقيقيين نتمنّى أن نحظى بكيان قومي كما يسعى الشعب العربي في فلسطين، ونقولها بكل فخر كون ذلك حقنا المشروع تاريخياً وسياسياً وإنسانياً.
&لكن تبقى فكرة "الدولة المستقلة الآشورية" أمنية على الصعيد الفردي، فبالعرف السياسي يجب التفريق بين "الحق المشروع" و "البرنامج القومي"، حيث أن الأخير يتعلق بالظروف التي تمرّ بها الأمّة الآشورية اليوم تحت سيطرة "قوى الأمر الواقع" (عرب وأكراد) التي تتحكّم بمصيرنا على أرضنا، وهذا لايعني أن برامج الأحزاب الآشورية تتضمّن مخططات إنفصالية وتعمل لأجل "دولة مستقلة"، بل أقله تطالب بالمساواة - مع باقي الفئات التي تعيش على أرض آشور-& تحت راية عراقٍ واحد ديموقراطي حر، وعندما نقول "مساواة" إنما نعني بذلك "المساواة ضمن أية صيغة في عراق المستقبل" أي أنه في حال فدرلة العراق نطالب بولاية آشورية أسوة بالآخرين تحت الراية العراقية الجامعة (5)، لكن ما نقرأه بين أسطر بيانات المعارضة، لا يوحي بشيء من المساواة خصوصاً بما يتعلق بالقومية الآشورية في ظل النظام الفيدرالي المطروح وفي هذه الحال سيدخل النضال القومي الآشوري منعطفاً أشدّ صعوبة في مواجهة المؤامرات الإنفصالية الكردية وأيديولوجيتها الشمولية الموروثة عن نظام بغداد، ليتحوّل الموقف الآشوري إلى أكثر إصراراً وربّما بطرق مختلفة عمّا مضى،& مما سيؤثر على سمعة ما تسميه المعارضة العراقية "ديموقراطية ما بعد صدام".&
نشكر الأستاذ مسفر غرم الله الغامدي على تعليقه على أقوال السيد زيّا، ولكن نأمل مستقبلاً إجراء المقابلات مع أشخاص يتمتعون بالمؤهّلات الكافية بهدف إيصال الرسالة الآشورية الصحيحة للقارئ العربي الذي لا يعرف سوى القليل عن الشعب الآشوري اليوم وقضيته الحقّة التي تعاني الإهمال أسوة بقضايا باقي الحركات التحررية في العالم.&
&
الهوامش:
* إنّ هذه المقالة تعبّر عن الرأي الشخصي لكاتبها
1- مقالة للكاتب: جريدة "النهار" اللبنانية، 09/08/2001
2- مقالة للكاتب: مجلة "الشراع" اللبنانية، العدد 940- 10/07/2000
www.aina.org/releases/2002/henryhyde/letter2.htm& -3
www.usinfo.state.gov/regional/nea/iraq/text/1209group.htm - 4
&&&& مقالة للكاتب: جريدة "النهار" اللبنانية، 01/10/2002&& -5
&
&بيروت