د. عزيز الحاج
&
اول رئيس وزراء في العهد الجمهوري..
كان وسطياً دفعه الشارع والأحزاب الي التشدد
&
&
من الأنباء التي أفرحتني تسمية ساحة رأس القرية التي جرت فيها محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم باسمه. وكان مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي قبل ذلك قد حيا ذكري الزعيم الشريف النظيف الذي اغتيل بأكثر الطرق وحشية وجبنا في التاسع من شباط (فبراير) 1963.
لقد كان لابد من العودة لذكري ذلك الرجل الذي أحب العراق والعراقيين ولاسيما الطبقات المسحوقة وكذلك الفئات الواسعة من الطبقة الوسطي الصغيرة. فمدينة الثورة التي سماها صدام باسمه هي مدينة قاسم التي كرس لها جهوده الكبيرة لرفع مستوي سكانها وبناء المساكن لهم وتوفير سائر الخدمات الاجتماعية لهم. فما أجدر أن يرتفع علي مدخل المدينة التي تحمل اليوم اسم الشهيد الصدر نصب تذكاري للزعيم عبد الكريم اعترافا بخدماته للعراق والشعب العراقي، مثلما قدم كل المعونات الممكنة لنضال الشعبين الجزائري والفلسطيني.
إن ما بين أحداث ثورة 14 تموز (يوليو) والوضع الذي وصل إليه العراق حتي عشية سقوط النظام المهزوم حوالي نصف قرن إلا قليلا. وعندما أدرس كيف تطورت الأوضاع حتي وصلت لتسلط فرد وعائلة علي مقادير البلد في نظام شمولي دموي فردي، وما عاناه العراق من أهوال الحروب والانتهاكات الوحشية التي ليس لها نظير في تاريخ العراق الحديث، وخصوصا في العقد الأخير لما بعد غزو الكويت والحرب التي أشعلها، فإنني أنتهي لنفس استنتاجاتي منذ عدة سنوات والتي سجلتها في آخر كتبي (شهادة للتاريخ) الصادر في بداية العام المنصرم، والذي لخصت فيه تجربتي في الحركة الشيوعية بنقد ذاتي صارم لمجمل مواقف الشيوعيين بمختلف أطرافهم وبنقد ذاتي شديد جدا لمواقفي شخصيا، من تطرف ومن استمرار العمل مع نظام صدام حتي بداية العقد الأخير. لقد توصلت بالنسبة لأحداث الثورة واغتيالها في 8 شباط (فبراير) إلي أنه كانت للأحزاب الوطنية أخطاؤها الفادحة، لاسيما الصراعات الدموية بين القوميين والشيوعيين، وانتهاكات الموصل وكركوك عام 1959. لقد ساهم معظمنا في توتير وشحن الأجواء، ورحنا نتسابق لاحتكار ثمار النصر، وننشر ثقافة العنف والدمن. وما بين مؤامرات القاهرة والقوي القومية علي نظام الثورة واندفاعات الشيوعيين وتجاوزاتهم، وأخطاء القيادات الكردية، ضاع عبد الكريم قاسم ولم نفسح له المجال ليبصر طريقه بصفاء. وهذا الوضع شجعه علي تضخيم صلاحياته ودوره التنفيذي، وعلي بروز نزعة الاعتداد بالنفس لديه بعد أن أطلق الشارعان اليساري والقاسمي عليه عشرات الألقاب المفخمة.
أجل لقد وقع الفقيد عبد الكريم قاسم في أخطاء جسيمة جداً ولكن أخطاء الأحزاب الإيديولوجية، التي انطلق عقالها بعد العمل السري، كان أضعافا مضاعفة وهي التي خلقت المناخ المناسب لتورط الفقيد بتربيته العسكرية في الأخطاء فمثلا إن ضغط الشارع اليساري واستفزازات الإعلام المصري هي دفعته لتنفيذ أحكام الإعدام في حق الضباط القوميين المتهمين في حركة الشواف. وضغط الشارع اليساري هو الذي جعله ينجر لطرح مطالب متشددة علي شركات النفط مع انه كان مستعدا للقبول بحلول وسطية وعملية. وكانت النتيجة تضعضع الصناعة النفطية والعائدات العراقية، كما يبين لنا الخبير العراقي القدير فاضل الجلبي.
لقد هضم خصوم قاسم دوره وقدره، وتعرض لجميع أشكال التحامل والتشنيع. ومن حسن الحظ أن الضمير العراقي شرع خلال العقدين الأخيرين في إعادة النظر في كل ما حدث ورد الاعتبار للفقيد بما يستحقه في تاريخنا المعاصر. لقد ظهرت عشرات الدراسات والكتب والمقالات خارج العراق تبرز فضائل الفقيد ومنجزاته من دون أن تنسي أخطاءه. وبين المنصفين عدد من الشخصيات القومية التي كانت من ألد خصوم قاسم. ويجمع المنصفون علي تحلي الشهيد عبد الكريم بصفات نادرة في شخصه وسياسته وفي المقدمة تجرده من التعصب الديني وتمتعه بروح التسامح، الذي وصل للعفو عمن أرادوا اغتياله في شارع الرشيد، ووطنيته النقية وحرارة الشعور بالتعاطف مع شعبه ونظافة يده حتي انه لم يقدم علي تخطي التقاليد العسكرية لترقية رتبته اعتباطا كما فعل صدام حين جاء للمناصب العسكرية الكبيرة بأنصاف الأميين وفق معيار الولاء لشخصه. ليس همي هنا تحليل الثورة ومشروعيتها أم لا، وأسباب وقوعها، وتحليل ما حدث بعد نشوبها، وإن كنت أجد نفسي مضطرا لان أسجل ما يلي علي عجالة: إن النظام الملكي قام بخدمات كبري للعراق والعراقيين وكان ممكنا برغم العراقيل الكبيرة تحوله تدريجا وسلميا نحو الأحسن لولا مجيء وزارة نوري السعيد في منصف عام 1954 وحله البرلمان وإصداره مراسيم استبدادية ألغت جميع أنواع الحريات. إن من يريدون العودة العلمية الهادئة والمنصفة لأحداث تلك الحقبة لديهم كتب ودراسات قيمة كان آخرها كتاب الدكتور عبد الخالق حسين المعنون (ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 العراقية وعبد الكريم قاسم) الصادر في هذه السنة بالذات. إن وقفتي القصيرة هذه لدي حدث تسمية ساحة رأس القرية باسم الزعيم الراحل، هي لتأكيد ميوله الوسطية في السياستين الداخلية والخارجية، وروح تسامحه، ورفضه لجميع أنواع ودرجات التمييز المذهبي والديني. إن هذه الصفات هي ما نحتاجها اليوم بعد زلزال سقوط الاستبداد.
نحن اليوم في وضع قلق ومعقد ومشحون بالعواطف الساخنة مع غياب أمني مؤلم. ونخبنا السياسية والفكرية والدينية مدعوة للدعوة الحازمة للتسامح واحترام القانون ورفض منطق الثأر العشوائي وانتقاد الشوارع. فالمجرم يجب أن يقدم للمحاكم يوما ما مع أدلة إساءاته ويدان وفقا لحجم الجريمة وهولها. أما أن تصبح الأشخاص والجماعات حكما وقاضيا ومنفذ أحكام فتلك هي الكارثة التي تضاف لمجمل كوارث شعبنا وسوف تدخلنا في منطق دموي ودوامة عنف لا تنتهي. لقد برهنت علي خطورتها ايديولوجيات احتكار الحقيقة بكل أنماطها وثيابها وعناوينها.
إن اسم عبد الكريم قاسم يعيد لنا سيرة ذلك الحاكم النزيه المتسامح والمجني عليه (من دون طمس أخطائه). لقد كان مع الملك فيصل الأول أفضل من حكموا العراق في تاريخنا الحديث.
فألف تحية لذكراك يا عبد الكريم..
&
&
من الأنباء التي أفرحتني تسمية ساحة رأس القرية التي جرت فيها محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم باسمه. وكان مؤتمر الحزب الوطني الديمقراطي قبل ذلك قد حيا ذكري الزعيم الشريف النظيف الذي اغتيل بأكثر الطرق وحشية وجبنا في التاسع من شباط (فبراير) 1963.
لقد كان لابد من العودة لذكري ذلك الرجل الذي أحب العراق والعراقيين ولاسيما الطبقات المسحوقة وكذلك الفئات الواسعة من الطبقة الوسطي الصغيرة. فمدينة الثورة التي سماها صدام باسمه هي مدينة قاسم التي كرس لها جهوده الكبيرة لرفع مستوي سكانها وبناء المساكن لهم وتوفير سائر الخدمات الاجتماعية لهم. فما أجدر أن يرتفع علي مدخل المدينة التي تحمل اليوم اسم الشهيد الصدر نصب تذكاري للزعيم عبد الكريم اعترافا بخدماته للعراق والشعب العراقي، مثلما قدم كل المعونات الممكنة لنضال الشعبين الجزائري والفلسطيني.
إن ما بين أحداث ثورة 14 تموز (يوليو) والوضع الذي وصل إليه العراق حتي عشية سقوط النظام المهزوم حوالي نصف قرن إلا قليلا. وعندما أدرس كيف تطورت الأوضاع حتي وصلت لتسلط فرد وعائلة علي مقادير البلد في نظام شمولي دموي فردي، وما عاناه العراق من أهوال الحروب والانتهاكات الوحشية التي ليس لها نظير في تاريخ العراق الحديث، وخصوصا في العقد الأخير لما بعد غزو الكويت والحرب التي أشعلها، فإنني أنتهي لنفس استنتاجاتي منذ عدة سنوات والتي سجلتها في آخر كتبي (شهادة للتاريخ) الصادر في بداية العام المنصرم، والذي لخصت فيه تجربتي في الحركة الشيوعية بنقد ذاتي صارم لمجمل مواقف الشيوعيين بمختلف أطرافهم وبنقد ذاتي شديد جدا لمواقفي شخصيا، من تطرف ومن استمرار العمل مع نظام صدام حتي بداية العقد الأخير. لقد توصلت بالنسبة لأحداث الثورة واغتيالها في 8 شباط (فبراير) إلي أنه كانت للأحزاب الوطنية أخطاؤها الفادحة، لاسيما الصراعات الدموية بين القوميين والشيوعيين، وانتهاكات الموصل وكركوك عام 1959. لقد ساهم معظمنا في توتير وشحن الأجواء، ورحنا نتسابق لاحتكار ثمار النصر، وننشر ثقافة العنف والدمن. وما بين مؤامرات القاهرة والقوي القومية علي نظام الثورة واندفاعات الشيوعيين وتجاوزاتهم، وأخطاء القيادات الكردية، ضاع عبد الكريم قاسم ولم نفسح له المجال ليبصر طريقه بصفاء. وهذا الوضع شجعه علي تضخيم صلاحياته ودوره التنفيذي، وعلي بروز نزعة الاعتداد بالنفس لديه بعد أن أطلق الشارعان اليساري والقاسمي عليه عشرات الألقاب المفخمة.
أجل لقد وقع الفقيد عبد الكريم قاسم في أخطاء جسيمة جداً ولكن أخطاء الأحزاب الإيديولوجية، التي انطلق عقالها بعد العمل السري، كان أضعافا مضاعفة وهي التي خلقت المناخ المناسب لتورط الفقيد بتربيته العسكرية في الأخطاء فمثلا إن ضغط الشارع اليساري واستفزازات الإعلام المصري هي دفعته لتنفيذ أحكام الإعدام في حق الضباط القوميين المتهمين في حركة الشواف. وضغط الشارع اليساري هو الذي جعله ينجر لطرح مطالب متشددة علي شركات النفط مع انه كان مستعدا للقبول بحلول وسطية وعملية. وكانت النتيجة تضعضع الصناعة النفطية والعائدات العراقية، كما يبين لنا الخبير العراقي القدير فاضل الجلبي.
لقد هضم خصوم قاسم دوره وقدره، وتعرض لجميع أشكال التحامل والتشنيع. ومن حسن الحظ أن الضمير العراقي شرع خلال العقدين الأخيرين في إعادة النظر في كل ما حدث ورد الاعتبار للفقيد بما يستحقه في تاريخنا المعاصر. لقد ظهرت عشرات الدراسات والكتب والمقالات خارج العراق تبرز فضائل الفقيد ومنجزاته من دون أن تنسي أخطاءه. وبين المنصفين عدد من الشخصيات القومية التي كانت من ألد خصوم قاسم. ويجمع المنصفون علي تحلي الشهيد عبد الكريم بصفات نادرة في شخصه وسياسته وفي المقدمة تجرده من التعصب الديني وتمتعه بروح التسامح، الذي وصل للعفو عمن أرادوا اغتياله في شارع الرشيد، ووطنيته النقية وحرارة الشعور بالتعاطف مع شعبه ونظافة يده حتي انه لم يقدم علي تخطي التقاليد العسكرية لترقية رتبته اعتباطا كما فعل صدام حين جاء للمناصب العسكرية الكبيرة بأنصاف الأميين وفق معيار الولاء لشخصه. ليس همي هنا تحليل الثورة ومشروعيتها أم لا، وأسباب وقوعها، وتحليل ما حدث بعد نشوبها، وإن كنت أجد نفسي مضطرا لان أسجل ما يلي علي عجالة: إن النظام الملكي قام بخدمات كبري للعراق والعراقيين وكان ممكنا برغم العراقيل الكبيرة تحوله تدريجا وسلميا نحو الأحسن لولا مجيء وزارة نوري السعيد في منصف عام 1954 وحله البرلمان وإصداره مراسيم استبدادية ألغت جميع أنواع الحريات. إن من يريدون العودة العلمية الهادئة والمنصفة لأحداث تلك الحقبة لديهم كتب ودراسات قيمة كان آخرها كتاب الدكتور عبد الخالق حسين المعنون (ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 العراقية وعبد الكريم قاسم) الصادر في هذه السنة بالذات. إن وقفتي القصيرة هذه لدي حدث تسمية ساحة رأس القرية باسم الزعيم الراحل، هي لتأكيد ميوله الوسطية في السياستين الداخلية والخارجية، وروح تسامحه، ورفضه لجميع أنواع ودرجات التمييز المذهبي والديني. إن هذه الصفات هي ما نحتاجها اليوم بعد زلزال سقوط الاستبداد.
نحن اليوم في وضع قلق ومعقد ومشحون بالعواطف الساخنة مع غياب أمني مؤلم. ونخبنا السياسية والفكرية والدينية مدعوة للدعوة الحازمة للتسامح واحترام القانون ورفض منطق الثأر العشوائي وانتقاد الشوارع. فالمجرم يجب أن يقدم للمحاكم يوما ما مع أدلة إساءاته ويدان وفقا لحجم الجريمة وهولها. أما أن تصبح الأشخاص والجماعات حكما وقاضيا ومنفذ أحكام فتلك هي الكارثة التي تضاف لمجمل كوارث شعبنا وسوف تدخلنا في منطق دموي ودوامة عنف لا تنتهي. لقد برهنت علي خطورتها ايديولوجيات احتكار الحقيقة بكل أنماطها وثيابها وعناوينها.
إن اسم عبد الكريم قاسم يعيد لنا سيرة ذلك الحاكم النزيه المتسامح والمجني عليه (من دون طمس أخطائه). لقد كان مع الملك فيصل الأول أفضل من حكموا العراق في تاريخنا الحديث.
فألف تحية لذكراك يا عبد الكريم..
التعليقات