عوني الداودي
&
&
أن العراق القادم الذي نطمح إليه كي يستوعبنا جميعاً كعراقيين، وبعيداً عن آلام الماضي، يحتاج إلى قدر من الصراحة والشفافية في التعامل مع واقع التكوين الأثني والديني والمذهبي للعراق، "القضية الكوردية نموذجاَ".
وباعتقادي إن استقراء تاريخ العقدين اللذين تلتا الحرب العالمية الأولى بعناية ودقة، ضرورة ملّحة للباحث والمتابع للقضية الكوردية خاصة والعراقية بشكل عام، كي يفهم ويستوعب مطالب الشعب الكوردي دون حساسية مفرطة نلمسها أحياناً من لدن هذا و ذاك من الكتاب والمثقفين الذين يدلون بدلوهم في الشأن العراقي، والتي بدورنا نعتقد بأنها ناتجة عن الجهل لتاريخ الأمة الكوردية وعدم فهم الخصوصية القومية لهذا الشعب القديم والأصيل في المنطقة، ويطالب بحقوقه المغبونة في الجزء الجنوبي من وطنه الذي يعرف اليوم " بكوردستان العراق ".
&وبرجوعنا إلى تلك الفترة من تاريخ العراق المعاصر ودراستها بحيادية دون تعصب قومي مصحوب بنزعة استعلائية، وبصوت هادئ، من الممكن وضع الأسس التي من شأنها أن تجعل المستقبل أقل ألماً ومأساة، وأكثر عدلاً واحتراماً لحقوق الإنسان، فلذا وجدت من الضروري إلقاء نظرة خاطفة وسريعة على الجانب البارز من القضية التي عرفت في تاريخ العراق بـ" مشكلة ولاية الموصل" لتحديد مساحة كوردستان العراق من خلالها التي كانت دوماً محل خلاف بين الكورد ومطالبهم من جهة وبين الحكومات العراقية من جهة أخرى، وتسليط الضوء في ذات الوقت على المساحات التي مورست بحقها سياسة التطهير العرقي، أو ما يسمى بسياسة التعريب.
بانتهاء الحرب العالمية الأولى وعلى أثر الصراع الدائر آنذاك حول عائدية ولاية الموصل "كوردستان العراق " بين العراق وبريطانيا من جهة وبين تركيا من جهة أخرى، والكورد لوحدهم ضد الجبهتين. قدم الطرفان التركي والعراقي الوثائق والخرائط والإحصائيات المتنوعة لتثبيت حقوقه في هذه المنطقة للجنة عصبة الأمم المتحدة التي بُعثت للفصل في النزاع حول أحقية الأطراف المتنازعة بالولاية، التي لم يتوصل الطرفان البريطاني والتركي إلى حلها بالحوار المباشر بعد انقضاء التسعة شهور التي قرُرت في جلسات معاهدة لوزان عام 1922 ـ 1923.
&ومن الحجج التركية التي قدمتها. إن ولاية الموصل غير داخلة في العراق العربي، ولكنها جزء من الجزيرة، وإن إتفاقية سايكس ـ بيكو(& ) فصلت بين الموصل والعراق، وفي المطالب الخاصة بكوردستان التي قدمها شريف باشا " مندوب عن الكورد " في عام 1919 بناء على طلب الحلفاء ذكرت الموصل منفصلة عن العراق، أما سكان ولاية الموصل فلم يعتبروا أنفسهم يوماً ما جزء من العراق. ولأجل تأييد وجهة نظرها اقتبست تعريف العراق من " دائرة المعارف البريطانية ومن دائرة المعارف الفرنسية الكبرى " (& ).
&ومن جهة ثانية أدعت الحكومة البريطانية أن الجيوش البريطانية احتلت جميع " ميزوبوتاميا " أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد أطلق الاسم " العراق" على القطر الذي كان فيما مضى ميزوبوتاميا لأنه معروف جداً عند الأهالي، وقد أخذ هذا الاسم الحديث " العراق" من "العراق العجمي" و" العراق العربي " اللذين كانا مستعملين في أواخر القرن الحادي عشر (& ).
بينما جاء الموقف الكوردي على لسان الشخصية الكوردية " بابان زاده عزت " مستنفراً من صيغة السؤال الاستفزازي الذي طرحته لجنة عصبة الأمم على ممثلي الكوردي " مع أية حكومة تريدون العيش ؟ " التركية أم العراقية فأجابهم : لماذا لا تسالون هل نرغب بحكومة كوردية أم لا ؟ ".
&وكانت التقارير والوثائق متضاربة بين الطرفين إلى حد كبير بشكل جعل لجنة العصبة أن تتخذ هي بنفسها إلى جانب دراستها لكل ما ُقدم من قبل الأطراف المتنازعة، بالتنقيب والبحث والاستعانة بالمكتبات والجامعات العالمية للحصول على المعلومات والخرائط التي يمكنها أن تفصل بين المتنازعين بشكل محايد. فتوصلت اللجنة فيما بعد إلى وجود ثلاث مناطق واضحة: العراق العربي، والجزيرة، وكردستان. لا يمتد العراق شمالاً أبعد من " هيت ـ تكريت " أو منطقة جبل حمرين، ولم يمكن التأكد من أن جزء من الأراضي المتنازعة لم تكن يوماً ما ضمن العراق العجمي، وأكدت أنه في جميع الأدبيات الجغرافية منذ الفتح العربي حتى تحقيق اللجنة ( 1925 ) لم تعتبر ولم توصف ولم تظهر الأراضي المتنازعة يوماً كجزء من العراق، وفي الماضي لم يكن الأسم " العراق" مألوفاً عند سكان ولاية الموصل كأسم لبلادهم(& ).
استمرت اللجنة في تحقيقاتها، وتوصلت في نهاية الأمر، و كما يذكر المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني بهذا الصدد: أنجزت لجنة الحدود الأممية تقريرها عن الخلاف العراقي ـ التركي حول ولاية الموصل فجاء في ( 113) صفحة من القطع الكبير، مع إحدى عشرة خارطة، وقد جاء في صفحة 111 من هذا التقرير ما يلي بالنص:
لو نظرنا في المسالة كلها، معتبرين في ذلك مصالح الأهلين الذين يخصهم الأمر، فمن رأي اللجنة أنه من المستحسن " لاحظ كلمة مستحسن " عدم تقسيم المنطقة المنازع فيها. أن اللجنة استناداً على هذه البواعث وتقديرها كل حقيقة من الحقائق التي ذكرتها، ترى أن هناك حججاً مهمة تساعد على ارتباط كل المنطقة، من جنوبي خط بروكسل بالعراق، ومن تلك الحجج خصيصاً الحجج الجغرافية والاقتصادية، والشعور، مع كل التحفظات المذكورة، على أن تراعى الشروط الآتية :
1 ـ يجب أن تبقى المنطقة تحت انتداب عصبة الأمم لمدة 25 سنة.
2 ـ ويجب مراعاة رغبات الأكراد فيما يخص تعيين موظفين أكراد لإدارة مملكتهم، الأمور العدلية، والتعليم في المدارس، وأن تكون اللغة الكردية، اللغة الرسمية في هذه الأمور( ). يستدل من خلال هذا العرض الخاطف بأن مساحة كوردستان العراق تشمل كافة الأراضي المتنازعة عليها والتي تمتد من جنوب خط بروكسل " الحدود الحالية بين تركيا والعراق التي حددتها لجنة عصبة الأمم " إلى حد سلسلة جبال حمرين جنوب كركوك، وأن إلحاق كوردستان الجنوبية بالعراق المشكل حديثاً كان إلحاقاً مشروطاً " مراعاة رغبات الأكراد "، واستند الإنكليز أيضاً في معركتهم الدبلوماسية تلك لكسب القضية لصالحها بأن هذه الدولة الفتية أي العراق لا يمكن أن تقوم وتحافظ على ديمومتها دون الثروات المتواجدة في هذه المنطقة، وهي في ذات الوقت المستفيدة الوحيدة باعتبارها الدولة المنتدبة على العراق، ويقول عضو البرلمان البريطاني LORD AVEBUY بهذا الصدد: في ديسمبر عام 1925 اتفق الطرفان على إلحاق جنوب كوردستان بالعراق العربي، حسب اتفاقية بغداد التي وقعت بين بريطانيا وتركيا أن تلحق تلك الأراضي بالعراق، وبالرغم من أن المنطقة النفطية ضُمت إلى العراق، لكنها في حقيقة الأمر، كانت أمنية بريطانيا(& ). وهذا يعني بالنسبة للكورد بأنهم أصبحوا ضحية النفط المتواجد في كوردستان والتي نتجت عنها سياسة التعريب للاستحواذ على هذه الثروة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تبين الوثائق والاتفاقيات التي قدمت، مساحة كوردستان الجنوبية وحدودها الجغرافية، كما قطعت الحكومة البريطانية والحكومة الملكية العراقية وعداً بتنفيذ الشروط الآنفة الذكر، لكن ومع مرور الزمن كان الوضع يزداد سوءاً نتيجة الممارسات العنصرية للنخبة الحاكمة الذين تخرجوا من تحت المعطف العثماني وتشربوا بمفاهيمها، التي لم تعالج الأمور المستفحلة في أرجاء الإمبراطورية بغير لغة العنف والتسلط والاستبداد، ولم تتنصل الحكومات العراقية في العهد الملكي من تعهداتها لعصبة الأمم وحسب، بل باشرت بسياسة التعريب بدءاً بمدينة كركوك وكان ذلك في عام 1935 عندما بادرت وزارة ياسين الهاشمي بجلب عشائر العبيد والجبور الرحل من أطراف ديالى وإسكانهم في الحويجة على أطراف كركوك بحجة نزاعهم مع عشيرة العزة، وتعليمهم أساليب الزراعة والاستقرار بعد فتح مشروع ري الحويجة من الزاب الصغير لهذا الغرض وتعيين المهندسين الزراعين لتعليمهم أسس ومباديء الزراعة كما أشيع في حينه، لكن الهدف الحقيقي من وراء ذلك كان استقرار تلك العشائر نهائياً في تلك الربوع. وأعلنت الحكومة أنها بصدد بناء هذا المشروع لتوطين العشائر الرحالة، لذلك اقترح بعض الإدرايين الكورد في لواء كركوك، خاصة المرحوم حامد بك جاف الذي كان يشغل منصب قائمقام جم جمال، أن يتم إسكان جزء من عشيرة جاف الرحالة الكوردية والتي كانت موجودة في قضاء كفري ومنطقة كلار في فصل الشتاء، في قسم من سهل الحويجة، لم تستجب الحكومة العراقية لاقتراحه، بل بادرت بنقله إلى قضاء آخر بعيد عن كركوك، فاضطر إلى تقديم استقالته من الوظيفة والرجوع إلى مسقط رأسه في حلبجة.(& ) ومن ناحية أخرى طبقت تلك الحكومات سياسة الإهمال وعدم الاهتمام بالمنطقة في بادئ الأمر، ومن ثم الرد على الانتفاضات الكوردية لحث الحكومة على تنفيذ وعودها، بشن الحروب واستعمال أساليب العنف ضد الثورات الكوردية ومنها ثورة برزان الأولى 1931 ـ 1932 والثانية 1943 ـ 1945 ومن ثم ثورة أيلول عام 1961 التي أجهضت على أثر إتفاقية الجزائر المخزية عام 1975 لتندلع بعد عام من ذلك التاريخ، وباندلاع حرب الخليج الثانية " حرب تحرير الكويت أخذت القضية الكوردية منحى آخر إلى يومنا هذا، بحجة المحافظة على الأمن من " الفوضويين والمتمردين"، فكان من الممكن في ذلك الوقت المبكر أن تتلافى الحكومات العراقية ذلك النهج العدواني بسياسة الحوار الهادئ والوفاء بالعهد والوعود التي قطعتها، والحيلولة دون استفحال الوضع وعدم الاستقرار على مدى العقود التي تلتها والتي راح ضحيتها مئات الألوف من المدنيين والعسكريين على السواء ناهيك عن الأموال الطائلة التي صرفت نتيجة سياسة الأرض المحروقة في كوردستان، وإذا أردنا تعريف سلسلة الحروب المجنونة التي شنتها تلك الحكومات على الشعب الكوردي يمكن إطلاق مصطلح " الحرب الاهليه" عليه بكل ما تحمله الكلمة من معاني، هذا في حالة اعتبار الكورد من قبل أولئك الحكام مواطنين عراقيين متساويين في الحقوق الواجبات كغيرهم من أبناء الشعب العراقي.
واستمرت الحالة هذه من سيء إلى أسوء، دون الاختلاف في النهج والتطبيق، واثبت التاريخ بأن الحكام الذين حلّوا محل السابقين، كانوا أشدّ مكراً، وتعسفاً وتمسكاً بالأراضي التي استولوا عليها عنوة، فكانت السياسة الثابتة لها هي تغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة، بانتهاج سياسة التطهير العرقي من تهجير وترحيل قسري للكورد، وإحلال آخرين من العراقيين العرب من وسط وجنوب العراق محلهم بداً بالمناطق المحاذية أو المشتركة بين القوميات التي تقطن أقصى جنوب إقليم كوردستان ومن ثم الزحف رويداً رويداً إلى القصبات والمدن الكبرى ككركوك وخانقين وتشكيل حزام أمني من العشائر العربية الموالية له على أطراف مدن كركوك وخانقين وديبكه ومخمور ومندلي وسنجار وغيرها ومن ثم جعل المناطق التي تحد هذا الحزام وعلى مساحات كبيرة مناطق عسكرية محرمة لا تطأها قدم، وتقدر الأراضي التي مورست فيها سياسة التعريب بحوالي أكثر من ثلاثين ألف كيلو متر مربع، ليس هذا وحسب بل مارست أيضاً سياسة الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الكوردي والمعروفة بمجازر " الأنفال " التي تدخل ضمن الجرائم المنظمة لإبادة الجنس البشري والتي يحاسب عليها القانون الدولي، وهي لا تسقط بمرور الزمان، فمن النضال والصراع من أجل الحقوق المشروعة التي طالب ويطالب بها الكورد، وصل بهم الأمر في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين بعد مجازر الأنفال التي راح ضحيتها أكثر من 180000 ألف إنسان وثمانية آلاف بارزاني وسبعة آلاف من الكورد الفيلين وضرب آخرين بالسلاح الكيماوي، إلى الصراع من أجل البقاء فقط، والحالة هذه تدفعنا حقاً للتساؤل آلاف المرات عن موقعنا ومصيرنا ووجودنا ووجود أبنائنا وأحفادنا في العراق ومستقبل المنطقة، وباعتقادي أن واحدة من المهام الكبرى التي تقع على عاتق المثقف والسياسي الكوردي هو الرجوع إلى التاريخ والخرائط المعتمدة والاتفاقيات والمواثيق الدولية ودراستها وغربلتها وإن أمكن إحيائها لتثبيت حقوق شعبه في هذا الجزء من وطنه وللحفاظ على الأقل على وجوده وعلى وجود الأجيال اللاحقة دون أن يتعرضوا إلى ما تعرض له آباؤهم وأجداهم من ظلم ومسخ لشخصيته وهويته القومية ونكران لحقوقه التاريخية على أرض ٍ سكنوها منذ آلاف السنين، التي تعرف اليوم " بكوردستان العراق".
فلهذا يجب علينا أن نحدد أولاً شكل ومضمون وجغرافية كوردستان العراق وتمييزها عن العراق العربي حسب المصادر التاريخية، وتقع هذه المهمة على عاتق المؤرخين والجغرافيين الكوردستانيين قبل غيرهم، ليس من أجل الانفصال وتأسيس الدولة الكوردية كما يروج له البعض للإلتفاف حول المسألة وابتلاع الحق الكوردي وتشويه سمعته كانفصالي ومشاغب يطمح في الاستيلاء على أراضي الغير، بل من أجل ضمان حقوق الكورد وحتى الآخرين الذين يعيشون معنا على هذه البقعة وضمان عدم تكرار ما جرى من قتل وتذبيح وتجاوزات تعتبر بحق من أخطر الجرائم المنظمة التي ارتكبت بحق البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا.
&وبرجوعنا إلى آراء المؤرخين والإسلاميين العرب نرى بأنهم ميزوا على الدوام بين العراق العربي والعراق العجمي فمثلاً يذكر: أبن حوقل، وهو أبو القاسم محمد بن علي بن حوقل الموصلي الحوقلي، " وأما العراق فإنه في الطول من حد تكريت إلى عبادان، مدينة على نحر بحر فارس " (& ). وكذلك بالنسبة للأصطخري، وهو إبراهيم بن محمد الفارسي" وأما العراق فإنه في الطول من حد تكريت إلى حد عبادان على بحر فارس"(& ). وقبل الأصطخري كان البلخي أبو زيد أحمد بن سهل ورسم لنا الحدود الشمالية للعراق عند حد تكريت وتنتهي إلى عبادان. ويرى البروفيسور الدكتور خليل إسماعيل محمد، وحسب العديد من المراجع والمعاجم المعتمدة بأن الحدود الشمالية للعراق هو مرتفعات حمرين، ويضيف. لقد اعتاد الجغرافيين تقسيم العراق طبيعياً وإقليمياً إلى ثلاثة أقسام هي :
1ـ المنطقة الجبلية
2ـ السهل الرسوبي
3ـ الهضبة الغربية
وكانت مرتفعات حمرين ( في جميع التقسيمات) هي جزء أساسياً في الحدود بين المنطقتين الجبلية والسهل الرسوبي، كما كانت في نظر " طه الهاشمي " حدوداً بين العراق الأعلى والعراق الأسفل.(& )
&ويذكر كتاب " الابادة الجماعية في العراق حملة الأنفال ضد الشعب الكوردي " والمترجم عن "( MEW ) Middle East watch " التابعة لمنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان بهذا الصدد : كان الكورد في العراق ضحية الجغرافية وذلك نتيجة وجود النفط بكميات هائلة في مناطقهم مما أدى إلى سيطرة حكومة بغداد على أهم مدينة كوردية وهي كركوك( ). ومما زاد الوضع تعقيداً هو الدور الكبير للماكنة الإعلامية للأنظمة المتعاقبة في حكم العراق بممارسة تزييف وعي الإنسان العراقي والعربي وتحريف الحقائق وتشويه تاريخ الكورد في هذه المنطقة ( ). فالوجود الكوردي في بلاد ما بين النهرين قديم قدم هذه الأرض وهم ليسوا حالة طارئة في عراق اليوم أو شعوب غازية جاءت في القرون الأخيرة لتستقر بها، بل يعتبر الكورد من السكان الأصليين في هذه المنطقة على مر التاريخ ليس هذا وحسب بل أمتد النفوذ الكوردي في بسط سيطرته أحياناً على مناطق أوسع بكثير من مناطقه الأصلية كما حصل أبان حكم الكاشيين لبابل في حوالي 1600 قبل الميلاد، وكذلك سيطرة الكوتيين على سومر ما يقارب المائتين سنة(& ) وحول التواجد الكوردي في المنطقة يقول المحامي والمؤرخ العراقي عباس العزاوي: " وهؤلاء " أي الكورد " من العناصر الفعالة في العراق وكلما زادت نفوس سكان الجبال منهم مالت إلى المدن، وفي وقائع كثيرة خدموا الإسلامية وناصروها، فكانوا عضدها القوي وساعدها المكين... وهم من أقدم سكان العراق ومن أوضح العناصر فيه، وقد برز منهم علماء وأمراء كثيرون" (& ).
إن مصطلح كوردستان العراق هو مصطلح حديث جرى تداوله في الثلث الأول من القرن العشرين، وباعتقادي هو التعبير المهذب لسياسة التعريب والوجه الآخر من العملة لذات السياسة التي مورست بحق الكورد أرضاً وشعباً، فكوردستان الجنوبية هي التسمية الصحيحة لهذه المنطقة والتي كانت متداولة قبل الحرب العالمية الآولى والعقود التي سبقتها. وبما أن الخيار الكوردي الرسمي هو العيش ضمن العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد، فسنترك التسميات جانباً ولإعطاء الفرصة للمستقبل والتطبيق العملي لهذا الخيار أن يحكم، فلهذا سوف لا نخوض في هذا الجانب الحساس والخطير في هذه المرحلة والانعطافة الكبيرة لمجمل تاريخ العراق.
&أن سياسة التعريب التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة جاءت من منطلقين، الأول: هو وجود آبار النفط في المناطق الكوردستانية، والسبب الثاني: الذي جعل هؤلاء السياسيين والعسكريين أن يتبنوا هذه السياسة، هو مفهوم " العروبة "(& ) الذي أستخدم في غير محله مما جعل عروبة بعض الحكام الذين مروا بتاريخ العراق لا سيما نظام صدام أشبه ما يكون بالنازية والصهيونية، وأقذر.
&تشرب الرعيل الأول من القوميين العرب العراقيين، بالأفكار القومية نتيجة الاضطهاد القومي في الفترات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية ومن ثم سياسة تتريك غير الترك على يد جماعة الاتحاد والترقي التركي.
وبروز ساطع الحصري في العراق بأفكاره القومية والطائفية كان عاملاً أضافياً مهد الطريق للسياسيين العراقيين في ممارسة سياسة التعريب دون الشعور بالذنب ووخز في الضمير وهو يعتبر بحق الأب الروحي والمنظر الأول للقومية العربية في العراق على أساس طائفي سني، ومن أفكاره على سبيل المثال : " أن كل شعب يتكلم العربية هو شعب عربي وكل من ينتسب إلى شعب من هذه الشعوب العربية هو عربي، وأما إذا لم يعرف هو ذلك.. ولم يعتز بالعروبة.. فعلينا أن نبحث الأسباب التي تحمله على الوقوف هذا الموقف. فقد يكون ناتجاً عن جهل، فعلينا أن نعلمه الحقيقة، وقد يكون ناشئاً عن الغفلة والانخداع، فعلينا أن نوقظه ونهديه سواء السبيل، وقد يكون ناتجاً عن فرط الأنانية، فيجب علينا أن نعمل للحدّ من أنانيته، أنه عربي على حال، عربي فاقد الوعي والشعور... وربما كان في الوقت نفسه فاقد الضمير (& ).
فالحصري أتاح لنفسه أن ينسب كل من تكلم اللغة العربية إلى الأمة العربية شاء هو أم لم يشأ، واتهم في ذات الوقت من لم يقتنع بأفكاره بالأنانية، ووضع الحلول لهذا المرض بقوله " أن نعمل للحد من أنانيته " وفي هذه العبارة الكثير من التهديد والوعيد لمن لم يرضخ بالقبول والانتماء للأمة العربية حسب المفاهيم الحصرية أو بمعنى آخر" مدرسة الحصري" القومية التي سارت عليها النخبة الحاكمة من بعده والذي لم يكتوي الشعب الكوردي بناره فقط بل تعدته إلى التركمان والناطقين بالسريانية بجميع طوائفهم والديانات الأخرى كالإيزدية والعراقيين العرب أيضاً من أتباع المذهب الشيعي وما حدث للشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري وفصله من وظيفته لتغنيه بجمال مصايف إيران في إحدى قصائده بعد زيارته لها خير مثال على ذلك.
فمن هذا المنطلق أنطلق غالبية السياسيين العراقيين العرب للتعامل مع القضايا القومية في العراق وعلى رأسها القضية الكوردية. بتطبيق سياسة التطهير العرقي، وذلك بقرض أجزاء من المناطق الكوردستانية المحاذية للمناطق العربية، ويبدو من هذه السياسة الشوفينية بأن الوعود التي قطعتها الحكومة الملكية العراقية بشروط الإلحاق لعصبة الأمم المتحدة لم تكن جادة، بل كانت بمثابة الجسر لعبور الدولة العراقية الفتية إلى قبولها في المجتمع الدولي من خلال عضويتها في عصبة الأمم المتحدة، وتم لها ذلك عام 1932. وهناك عشرات الأمثلة الصارخة لتنصل الحكومة الملكية من وعودها، ومن خلال عريضة احتجاج قدمتها بعض الوجوه البارزة من الكورد إلى المعتمد السياسي البريطاني يشكون فيها من مماطلة الحكومة العراقية لتنفيذ وعودها للعصبة وإهمال حقوق الكورد في معاهدة 1930 هي خير شاهدة على المماطلة والتنصل من جانب الحكومة العراقية لوعودها ومسؤوليتها في آن. ومن ضمن ما جاء في العريضة : " منذ حلّ البرلمان وإعلان نص المعاهدة الإنكليزية ـ العراقية الجديدة من قبل الوزارة الحاضرة، وجد الأكراد أن حقوقهم كلها قد أهملت بهذه المعاهدة، ورأى الأكراد بصورة جلية أنه بعد تصديق المعاهدة المذكورة، سيدخلون تحت سيطرة العرب بلا قيد وشرط، الأمر الذي لا يتفق وقرار عصبة الأمم ويخالف رغائب الأكراد في نفس الوقت، وعليه هاج الأكراد من زاخو إلى خانقين " (& ) وجاءت في العريضة المقدمة بعض المطالب ونذكر منها المطلب الأول ذلك لتأكيد الحدود الجغرافية لكوردستان العراق " تشكيل دولة كوردية ضمن الحدود الطبيعية الممتدة من زاخو إلى ما وراء خانقين، وتخلية هذه المنطقة من قبل العرب عسكرياً ومدنياً، وتسليمها إلى الحكومة الكوردية " (& ).
تقدر مساحة كوردستان العراق بما يقارب 75000 ألف كيلوا متراً مربعاً وقد مورست سياسة التطهير العرقي في أكثر من 30000 ألف كم، ومن خلال المقارنة بين الأراضي الكوردستانية التي تدار من قبل الإدارات الكوردية " أي قبل حرب تحرير العراق " في ظل حماية دولية وبين المساحة الفعلية لكوردستان العراق وعند التمعن في خرائط العراق وكوردستان وخاصة خريطة كوردستان العراق المرسومة من قبل لجنة من المختصين بعلم الجغرافية في جامعة السليمانية في تاريخ 11-3-2000 نرى بأن ما يقارب 40 % من مساحة كوردستان العراق شوهت معالمها وحصل تغيير كبير في واقعها القومي على طول كوردستان من مدينة بدرة مروراً بأجزاء مهمة من مندلي إلى خانقين وطوز خورماتوا وكركوك ومخمور، ديبكه، صعوداً إلى " شنكال " سنجار وهذه الأخيرة المدينة التاريخية التي كانت على مر العصور معقلاً للكورد من أتباع الديانة الإيزيدية ضد الغزاة ورّد عدوانهم، وتذكر لنا مدونات التاريخ صمود أبناء هذه المنطقة خاصة في القرون الأخيرة ضد التوسع الصفوي من جهة والعثماني في مراحل أخرى، ففي هذه المناطق الحيوية من كوردستان العراق والغنية بالثروات الطبيعية وعلى رأسها النفط مورست أبشع أنواع سياسة التطهير العرقي بحق السكان الكورد من قلع واجتثات من مناطقهم الأصلية والرمي بهم إلى المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، ومن كان يفضل الرحيل إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الكوردية تحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة ويجرد من جميع الوثائق الرسمية من شهادة الجنسية العراقية وهوية الأحوال المدنية ودفتر الخدمة العسكرية أو أي شيء آخر يثبت شخصية المهجر ومسقط رأسه، ليس هذا وحسب بل يُجبر المرحل بتقديم عريضة يذكر فيها بأنه هو الذي طلب الترحيل وعلى الشكل التالي:
وباعتقادي إن استقراء تاريخ العقدين اللذين تلتا الحرب العالمية الأولى بعناية ودقة، ضرورة ملّحة للباحث والمتابع للقضية الكوردية خاصة والعراقية بشكل عام، كي يفهم ويستوعب مطالب الشعب الكوردي دون حساسية مفرطة نلمسها أحياناً من لدن هذا و ذاك من الكتاب والمثقفين الذين يدلون بدلوهم في الشأن العراقي، والتي بدورنا نعتقد بأنها ناتجة عن الجهل لتاريخ الأمة الكوردية وعدم فهم الخصوصية القومية لهذا الشعب القديم والأصيل في المنطقة، ويطالب بحقوقه المغبونة في الجزء الجنوبي من وطنه الذي يعرف اليوم " بكوردستان العراق ".
&وبرجوعنا إلى تلك الفترة من تاريخ العراق المعاصر ودراستها بحيادية دون تعصب قومي مصحوب بنزعة استعلائية، وبصوت هادئ، من الممكن وضع الأسس التي من شأنها أن تجعل المستقبل أقل ألماً ومأساة، وأكثر عدلاً واحتراماً لحقوق الإنسان، فلذا وجدت من الضروري إلقاء نظرة خاطفة وسريعة على الجانب البارز من القضية التي عرفت في تاريخ العراق بـ" مشكلة ولاية الموصل" لتحديد مساحة كوردستان العراق من خلالها التي كانت دوماً محل خلاف بين الكورد ومطالبهم من جهة وبين الحكومات العراقية من جهة أخرى، وتسليط الضوء في ذات الوقت على المساحات التي مورست بحقها سياسة التطهير العرقي، أو ما يسمى بسياسة التعريب.
بانتهاء الحرب العالمية الأولى وعلى أثر الصراع الدائر آنذاك حول عائدية ولاية الموصل "كوردستان العراق " بين العراق وبريطانيا من جهة وبين تركيا من جهة أخرى، والكورد لوحدهم ضد الجبهتين. قدم الطرفان التركي والعراقي الوثائق والخرائط والإحصائيات المتنوعة لتثبيت حقوقه في هذه المنطقة للجنة عصبة الأمم المتحدة التي بُعثت للفصل في النزاع حول أحقية الأطراف المتنازعة بالولاية، التي لم يتوصل الطرفان البريطاني والتركي إلى حلها بالحوار المباشر بعد انقضاء التسعة شهور التي قرُرت في جلسات معاهدة لوزان عام 1922 ـ 1923.
&ومن الحجج التركية التي قدمتها. إن ولاية الموصل غير داخلة في العراق العربي، ولكنها جزء من الجزيرة، وإن إتفاقية سايكس ـ بيكو(& ) فصلت بين الموصل والعراق، وفي المطالب الخاصة بكوردستان التي قدمها شريف باشا " مندوب عن الكورد " في عام 1919 بناء على طلب الحلفاء ذكرت الموصل منفصلة عن العراق، أما سكان ولاية الموصل فلم يعتبروا أنفسهم يوماً ما جزء من العراق. ولأجل تأييد وجهة نظرها اقتبست تعريف العراق من " دائرة المعارف البريطانية ومن دائرة المعارف الفرنسية الكبرى " (& ).
&ومن جهة ثانية أدعت الحكومة البريطانية أن الجيوش البريطانية احتلت جميع " ميزوبوتاميا " أثناء الحرب العالمية الأولى، وقد أطلق الاسم " العراق" على القطر الذي كان فيما مضى ميزوبوتاميا لأنه معروف جداً عند الأهالي، وقد أخذ هذا الاسم الحديث " العراق" من "العراق العجمي" و" العراق العربي " اللذين كانا مستعملين في أواخر القرن الحادي عشر (& ).
بينما جاء الموقف الكوردي على لسان الشخصية الكوردية " بابان زاده عزت " مستنفراً من صيغة السؤال الاستفزازي الذي طرحته لجنة عصبة الأمم على ممثلي الكوردي " مع أية حكومة تريدون العيش ؟ " التركية أم العراقية فأجابهم : لماذا لا تسالون هل نرغب بحكومة كوردية أم لا ؟ ".
&وكانت التقارير والوثائق متضاربة بين الطرفين إلى حد كبير بشكل جعل لجنة العصبة أن تتخذ هي بنفسها إلى جانب دراستها لكل ما ُقدم من قبل الأطراف المتنازعة، بالتنقيب والبحث والاستعانة بالمكتبات والجامعات العالمية للحصول على المعلومات والخرائط التي يمكنها أن تفصل بين المتنازعين بشكل محايد. فتوصلت اللجنة فيما بعد إلى وجود ثلاث مناطق واضحة: العراق العربي، والجزيرة، وكردستان. لا يمتد العراق شمالاً أبعد من " هيت ـ تكريت " أو منطقة جبل حمرين، ولم يمكن التأكد من أن جزء من الأراضي المتنازعة لم تكن يوماً ما ضمن العراق العجمي، وأكدت أنه في جميع الأدبيات الجغرافية منذ الفتح العربي حتى تحقيق اللجنة ( 1925 ) لم تعتبر ولم توصف ولم تظهر الأراضي المتنازعة يوماً كجزء من العراق، وفي الماضي لم يكن الأسم " العراق" مألوفاً عند سكان ولاية الموصل كأسم لبلادهم(& ).
استمرت اللجنة في تحقيقاتها، وتوصلت في نهاية الأمر، و كما يذكر المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني بهذا الصدد: أنجزت لجنة الحدود الأممية تقريرها عن الخلاف العراقي ـ التركي حول ولاية الموصل فجاء في ( 113) صفحة من القطع الكبير، مع إحدى عشرة خارطة، وقد جاء في صفحة 111 من هذا التقرير ما يلي بالنص:
لو نظرنا في المسالة كلها، معتبرين في ذلك مصالح الأهلين الذين يخصهم الأمر، فمن رأي اللجنة أنه من المستحسن " لاحظ كلمة مستحسن " عدم تقسيم المنطقة المنازع فيها. أن اللجنة استناداً على هذه البواعث وتقديرها كل حقيقة من الحقائق التي ذكرتها، ترى أن هناك حججاً مهمة تساعد على ارتباط كل المنطقة، من جنوبي خط بروكسل بالعراق، ومن تلك الحجج خصيصاً الحجج الجغرافية والاقتصادية، والشعور، مع كل التحفظات المذكورة، على أن تراعى الشروط الآتية :
1 ـ يجب أن تبقى المنطقة تحت انتداب عصبة الأمم لمدة 25 سنة.
2 ـ ويجب مراعاة رغبات الأكراد فيما يخص تعيين موظفين أكراد لإدارة مملكتهم، الأمور العدلية، والتعليم في المدارس، وأن تكون اللغة الكردية، اللغة الرسمية في هذه الأمور( ). يستدل من خلال هذا العرض الخاطف بأن مساحة كوردستان العراق تشمل كافة الأراضي المتنازعة عليها والتي تمتد من جنوب خط بروكسل " الحدود الحالية بين تركيا والعراق التي حددتها لجنة عصبة الأمم " إلى حد سلسلة جبال حمرين جنوب كركوك، وأن إلحاق كوردستان الجنوبية بالعراق المشكل حديثاً كان إلحاقاً مشروطاً " مراعاة رغبات الأكراد "، واستند الإنكليز أيضاً في معركتهم الدبلوماسية تلك لكسب القضية لصالحها بأن هذه الدولة الفتية أي العراق لا يمكن أن تقوم وتحافظ على ديمومتها دون الثروات المتواجدة في هذه المنطقة، وهي في ذات الوقت المستفيدة الوحيدة باعتبارها الدولة المنتدبة على العراق، ويقول عضو البرلمان البريطاني LORD AVEBUY بهذا الصدد: في ديسمبر عام 1925 اتفق الطرفان على إلحاق جنوب كوردستان بالعراق العربي، حسب اتفاقية بغداد التي وقعت بين بريطانيا وتركيا أن تلحق تلك الأراضي بالعراق، وبالرغم من أن المنطقة النفطية ضُمت إلى العراق، لكنها في حقيقة الأمر، كانت أمنية بريطانيا(& ). وهذا يعني بالنسبة للكورد بأنهم أصبحوا ضحية النفط المتواجد في كوردستان والتي نتجت عنها سياسة التعريب للاستحواذ على هذه الثروة، هذا من جهة ومن جهة أخرى تبين الوثائق والاتفاقيات التي قدمت، مساحة كوردستان الجنوبية وحدودها الجغرافية، كما قطعت الحكومة البريطانية والحكومة الملكية العراقية وعداً بتنفيذ الشروط الآنفة الذكر، لكن ومع مرور الزمن كان الوضع يزداد سوءاً نتيجة الممارسات العنصرية للنخبة الحاكمة الذين تخرجوا من تحت المعطف العثماني وتشربوا بمفاهيمها، التي لم تعالج الأمور المستفحلة في أرجاء الإمبراطورية بغير لغة العنف والتسلط والاستبداد، ولم تتنصل الحكومات العراقية في العهد الملكي من تعهداتها لعصبة الأمم وحسب، بل باشرت بسياسة التعريب بدءاً بمدينة كركوك وكان ذلك في عام 1935 عندما بادرت وزارة ياسين الهاشمي بجلب عشائر العبيد والجبور الرحل من أطراف ديالى وإسكانهم في الحويجة على أطراف كركوك بحجة نزاعهم مع عشيرة العزة، وتعليمهم أساليب الزراعة والاستقرار بعد فتح مشروع ري الحويجة من الزاب الصغير لهذا الغرض وتعيين المهندسين الزراعين لتعليمهم أسس ومباديء الزراعة كما أشيع في حينه، لكن الهدف الحقيقي من وراء ذلك كان استقرار تلك العشائر نهائياً في تلك الربوع. وأعلنت الحكومة أنها بصدد بناء هذا المشروع لتوطين العشائر الرحالة، لذلك اقترح بعض الإدرايين الكورد في لواء كركوك، خاصة المرحوم حامد بك جاف الذي كان يشغل منصب قائمقام جم جمال، أن يتم إسكان جزء من عشيرة جاف الرحالة الكوردية والتي كانت موجودة في قضاء كفري ومنطقة كلار في فصل الشتاء، في قسم من سهل الحويجة، لم تستجب الحكومة العراقية لاقتراحه، بل بادرت بنقله إلى قضاء آخر بعيد عن كركوك، فاضطر إلى تقديم استقالته من الوظيفة والرجوع إلى مسقط رأسه في حلبجة.(& ) ومن ناحية أخرى طبقت تلك الحكومات سياسة الإهمال وعدم الاهتمام بالمنطقة في بادئ الأمر، ومن ثم الرد على الانتفاضات الكوردية لحث الحكومة على تنفيذ وعودها، بشن الحروب واستعمال أساليب العنف ضد الثورات الكوردية ومنها ثورة برزان الأولى 1931 ـ 1932 والثانية 1943 ـ 1945 ومن ثم ثورة أيلول عام 1961 التي أجهضت على أثر إتفاقية الجزائر المخزية عام 1975 لتندلع بعد عام من ذلك التاريخ، وباندلاع حرب الخليج الثانية " حرب تحرير الكويت أخذت القضية الكوردية منحى آخر إلى يومنا هذا، بحجة المحافظة على الأمن من " الفوضويين والمتمردين"، فكان من الممكن في ذلك الوقت المبكر أن تتلافى الحكومات العراقية ذلك النهج العدواني بسياسة الحوار الهادئ والوفاء بالعهد والوعود التي قطعتها، والحيلولة دون استفحال الوضع وعدم الاستقرار على مدى العقود التي تلتها والتي راح ضحيتها مئات الألوف من المدنيين والعسكريين على السواء ناهيك عن الأموال الطائلة التي صرفت نتيجة سياسة الأرض المحروقة في كوردستان، وإذا أردنا تعريف سلسلة الحروب المجنونة التي شنتها تلك الحكومات على الشعب الكوردي يمكن إطلاق مصطلح " الحرب الاهليه" عليه بكل ما تحمله الكلمة من معاني، هذا في حالة اعتبار الكورد من قبل أولئك الحكام مواطنين عراقيين متساويين في الحقوق الواجبات كغيرهم من أبناء الشعب العراقي.
واستمرت الحالة هذه من سيء إلى أسوء، دون الاختلاف في النهج والتطبيق، واثبت التاريخ بأن الحكام الذين حلّوا محل السابقين، كانوا أشدّ مكراً، وتعسفاً وتمسكاً بالأراضي التي استولوا عليها عنوة، فكانت السياسة الثابتة لها هي تغيير الطابع الديموغرافي للمنطقة، بانتهاج سياسة التطهير العرقي من تهجير وترحيل قسري للكورد، وإحلال آخرين من العراقيين العرب من وسط وجنوب العراق محلهم بداً بالمناطق المحاذية أو المشتركة بين القوميات التي تقطن أقصى جنوب إقليم كوردستان ومن ثم الزحف رويداً رويداً إلى القصبات والمدن الكبرى ككركوك وخانقين وتشكيل حزام أمني من العشائر العربية الموالية له على أطراف مدن كركوك وخانقين وديبكه ومخمور ومندلي وسنجار وغيرها ومن ثم جعل المناطق التي تحد هذا الحزام وعلى مساحات كبيرة مناطق عسكرية محرمة لا تطأها قدم، وتقدر الأراضي التي مورست فيها سياسة التعريب بحوالي أكثر من ثلاثين ألف كيلو متر مربع، ليس هذا وحسب بل مارست أيضاً سياسة الإبادة الجماعية ضد أبناء الشعب الكوردي والمعروفة بمجازر " الأنفال " التي تدخل ضمن الجرائم المنظمة لإبادة الجنس البشري والتي يحاسب عليها القانون الدولي، وهي لا تسقط بمرور الزمان، فمن النضال والصراع من أجل الحقوق المشروعة التي طالب ويطالب بها الكورد، وصل بهم الأمر في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين بعد مجازر الأنفال التي راح ضحيتها أكثر من 180000 ألف إنسان وثمانية آلاف بارزاني وسبعة آلاف من الكورد الفيلين وضرب آخرين بالسلاح الكيماوي، إلى الصراع من أجل البقاء فقط، والحالة هذه تدفعنا حقاً للتساؤل آلاف المرات عن موقعنا ومصيرنا ووجودنا ووجود أبنائنا وأحفادنا في العراق ومستقبل المنطقة، وباعتقادي أن واحدة من المهام الكبرى التي تقع على عاتق المثقف والسياسي الكوردي هو الرجوع إلى التاريخ والخرائط المعتمدة والاتفاقيات والمواثيق الدولية ودراستها وغربلتها وإن أمكن إحيائها لتثبيت حقوق شعبه في هذا الجزء من وطنه وللحفاظ على الأقل على وجوده وعلى وجود الأجيال اللاحقة دون أن يتعرضوا إلى ما تعرض له آباؤهم وأجداهم من ظلم ومسخ لشخصيته وهويته القومية ونكران لحقوقه التاريخية على أرض ٍ سكنوها منذ آلاف السنين، التي تعرف اليوم " بكوردستان العراق".
فلهذا يجب علينا أن نحدد أولاً شكل ومضمون وجغرافية كوردستان العراق وتمييزها عن العراق العربي حسب المصادر التاريخية، وتقع هذه المهمة على عاتق المؤرخين والجغرافيين الكوردستانيين قبل غيرهم، ليس من أجل الانفصال وتأسيس الدولة الكوردية كما يروج له البعض للإلتفاف حول المسألة وابتلاع الحق الكوردي وتشويه سمعته كانفصالي ومشاغب يطمح في الاستيلاء على أراضي الغير، بل من أجل ضمان حقوق الكورد وحتى الآخرين الذين يعيشون معنا على هذه البقعة وضمان عدم تكرار ما جرى من قتل وتذبيح وتجاوزات تعتبر بحق من أخطر الجرائم المنظمة التي ارتكبت بحق البشرية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا.
&وبرجوعنا إلى آراء المؤرخين والإسلاميين العرب نرى بأنهم ميزوا على الدوام بين العراق العربي والعراق العجمي فمثلاً يذكر: أبن حوقل، وهو أبو القاسم محمد بن علي بن حوقل الموصلي الحوقلي، " وأما العراق فإنه في الطول من حد تكريت إلى عبادان، مدينة على نحر بحر فارس " (& ). وكذلك بالنسبة للأصطخري، وهو إبراهيم بن محمد الفارسي" وأما العراق فإنه في الطول من حد تكريت إلى حد عبادان على بحر فارس"(& ). وقبل الأصطخري كان البلخي أبو زيد أحمد بن سهل ورسم لنا الحدود الشمالية للعراق عند حد تكريت وتنتهي إلى عبادان. ويرى البروفيسور الدكتور خليل إسماعيل محمد، وحسب العديد من المراجع والمعاجم المعتمدة بأن الحدود الشمالية للعراق هو مرتفعات حمرين، ويضيف. لقد اعتاد الجغرافيين تقسيم العراق طبيعياً وإقليمياً إلى ثلاثة أقسام هي :
1ـ المنطقة الجبلية
2ـ السهل الرسوبي
3ـ الهضبة الغربية
وكانت مرتفعات حمرين ( في جميع التقسيمات) هي جزء أساسياً في الحدود بين المنطقتين الجبلية والسهل الرسوبي، كما كانت في نظر " طه الهاشمي " حدوداً بين العراق الأعلى والعراق الأسفل.(& )
&ويذكر كتاب " الابادة الجماعية في العراق حملة الأنفال ضد الشعب الكوردي " والمترجم عن "( MEW ) Middle East watch " التابعة لمنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان بهذا الصدد : كان الكورد في العراق ضحية الجغرافية وذلك نتيجة وجود النفط بكميات هائلة في مناطقهم مما أدى إلى سيطرة حكومة بغداد على أهم مدينة كوردية وهي كركوك( ). ومما زاد الوضع تعقيداً هو الدور الكبير للماكنة الإعلامية للأنظمة المتعاقبة في حكم العراق بممارسة تزييف وعي الإنسان العراقي والعربي وتحريف الحقائق وتشويه تاريخ الكورد في هذه المنطقة ( ). فالوجود الكوردي في بلاد ما بين النهرين قديم قدم هذه الأرض وهم ليسوا حالة طارئة في عراق اليوم أو شعوب غازية جاءت في القرون الأخيرة لتستقر بها، بل يعتبر الكورد من السكان الأصليين في هذه المنطقة على مر التاريخ ليس هذا وحسب بل أمتد النفوذ الكوردي في بسط سيطرته أحياناً على مناطق أوسع بكثير من مناطقه الأصلية كما حصل أبان حكم الكاشيين لبابل في حوالي 1600 قبل الميلاد، وكذلك سيطرة الكوتيين على سومر ما يقارب المائتين سنة(& ) وحول التواجد الكوردي في المنطقة يقول المحامي والمؤرخ العراقي عباس العزاوي: " وهؤلاء " أي الكورد " من العناصر الفعالة في العراق وكلما زادت نفوس سكان الجبال منهم مالت إلى المدن، وفي وقائع كثيرة خدموا الإسلامية وناصروها، فكانوا عضدها القوي وساعدها المكين... وهم من أقدم سكان العراق ومن أوضح العناصر فيه، وقد برز منهم علماء وأمراء كثيرون" (& ).
إن مصطلح كوردستان العراق هو مصطلح حديث جرى تداوله في الثلث الأول من القرن العشرين، وباعتقادي هو التعبير المهذب لسياسة التعريب والوجه الآخر من العملة لذات السياسة التي مورست بحق الكورد أرضاً وشعباً، فكوردستان الجنوبية هي التسمية الصحيحة لهذه المنطقة والتي كانت متداولة قبل الحرب العالمية الآولى والعقود التي سبقتها. وبما أن الخيار الكوردي الرسمي هو العيش ضمن العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد، فسنترك التسميات جانباً ولإعطاء الفرصة للمستقبل والتطبيق العملي لهذا الخيار أن يحكم، فلهذا سوف لا نخوض في هذا الجانب الحساس والخطير في هذه المرحلة والانعطافة الكبيرة لمجمل تاريخ العراق.
&أن سياسة التعريب التي مارستها الحكومات العراقية المتعاقبة جاءت من منطلقين، الأول: هو وجود آبار النفط في المناطق الكوردستانية، والسبب الثاني: الذي جعل هؤلاء السياسيين والعسكريين أن يتبنوا هذه السياسة، هو مفهوم " العروبة "(& ) الذي أستخدم في غير محله مما جعل عروبة بعض الحكام الذين مروا بتاريخ العراق لا سيما نظام صدام أشبه ما يكون بالنازية والصهيونية، وأقذر.
&تشرب الرعيل الأول من القوميين العرب العراقيين، بالأفكار القومية نتيجة الاضطهاد القومي في الفترات الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية ومن ثم سياسة تتريك غير الترك على يد جماعة الاتحاد والترقي التركي.
وبروز ساطع الحصري في العراق بأفكاره القومية والطائفية كان عاملاً أضافياً مهد الطريق للسياسيين العراقيين في ممارسة سياسة التعريب دون الشعور بالذنب ووخز في الضمير وهو يعتبر بحق الأب الروحي والمنظر الأول للقومية العربية في العراق على أساس طائفي سني، ومن أفكاره على سبيل المثال : " أن كل شعب يتكلم العربية هو شعب عربي وكل من ينتسب إلى شعب من هذه الشعوب العربية هو عربي، وأما إذا لم يعرف هو ذلك.. ولم يعتز بالعروبة.. فعلينا أن نبحث الأسباب التي تحمله على الوقوف هذا الموقف. فقد يكون ناتجاً عن جهل، فعلينا أن نعلمه الحقيقة، وقد يكون ناشئاً عن الغفلة والانخداع، فعلينا أن نوقظه ونهديه سواء السبيل، وقد يكون ناتجاً عن فرط الأنانية، فيجب علينا أن نعمل للحدّ من أنانيته، أنه عربي على حال، عربي فاقد الوعي والشعور... وربما كان في الوقت نفسه فاقد الضمير (& ).
فالحصري أتاح لنفسه أن ينسب كل من تكلم اللغة العربية إلى الأمة العربية شاء هو أم لم يشأ، واتهم في ذات الوقت من لم يقتنع بأفكاره بالأنانية، ووضع الحلول لهذا المرض بقوله " أن نعمل للحد من أنانيته " وفي هذه العبارة الكثير من التهديد والوعيد لمن لم يرضخ بالقبول والانتماء للأمة العربية حسب المفاهيم الحصرية أو بمعنى آخر" مدرسة الحصري" القومية التي سارت عليها النخبة الحاكمة من بعده والذي لم يكتوي الشعب الكوردي بناره فقط بل تعدته إلى التركمان والناطقين بالسريانية بجميع طوائفهم والديانات الأخرى كالإيزدية والعراقيين العرب أيضاً من أتباع المذهب الشيعي وما حدث للشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري وفصله من وظيفته لتغنيه بجمال مصايف إيران في إحدى قصائده بعد زيارته لها خير مثال على ذلك.
فمن هذا المنطلق أنطلق غالبية السياسيين العراقيين العرب للتعامل مع القضايا القومية في العراق وعلى رأسها القضية الكوردية. بتطبيق سياسة التطهير العرقي، وذلك بقرض أجزاء من المناطق الكوردستانية المحاذية للمناطق العربية، ويبدو من هذه السياسة الشوفينية بأن الوعود التي قطعتها الحكومة الملكية العراقية بشروط الإلحاق لعصبة الأمم المتحدة لم تكن جادة، بل كانت بمثابة الجسر لعبور الدولة العراقية الفتية إلى قبولها في المجتمع الدولي من خلال عضويتها في عصبة الأمم المتحدة، وتم لها ذلك عام 1932. وهناك عشرات الأمثلة الصارخة لتنصل الحكومة الملكية من وعودها، ومن خلال عريضة احتجاج قدمتها بعض الوجوه البارزة من الكورد إلى المعتمد السياسي البريطاني يشكون فيها من مماطلة الحكومة العراقية لتنفيذ وعودها للعصبة وإهمال حقوق الكورد في معاهدة 1930 هي خير شاهدة على المماطلة والتنصل من جانب الحكومة العراقية لوعودها ومسؤوليتها في آن. ومن ضمن ما جاء في العريضة : " منذ حلّ البرلمان وإعلان نص المعاهدة الإنكليزية ـ العراقية الجديدة من قبل الوزارة الحاضرة، وجد الأكراد أن حقوقهم كلها قد أهملت بهذه المعاهدة، ورأى الأكراد بصورة جلية أنه بعد تصديق المعاهدة المذكورة، سيدخلون تحت سيطرة العرب بلا قيد وشرط، الأمر الذي لا يتفق وقرار عصبة الأمم ويخالف رغائب الأكراد في نفس الوقت، وعليه هاج الأكراد من زاخو إلى خانقين " (& ) وجاءت في العريضة المقدمة بعض المطالب ونذكر منها المطلب الأول ذلك لتأكيد الحدود الجغرافية لكوردستان العراق " تشكيل دولة كوردية ضمن الحدود الطبيعية الممتدة من زاخو إلى ما وراء خانقين، وتخلية هذه المنطقة من قبل العرب عسكرياً ومدنياً، وتسليمها إلى الحكومة الكوردية " (& ).
تقدر مساحة كوردستان العراق بما يقارب 75000 ألف كيلوا متراً مربعاً وقد مورست سياسة التطهير العرقي في أكثر من 30000 ألف كم، ومن خلال المقارنة بين الأراضي الكوردستانية التي تدار من قبل الإدارات الكوردية " أي قبل حرب تحرير العراق " في ظل حماية دولية وبين المساحة الفعلية لكوردستان العراق وعند التمعن في خرائط العراق وكوردستان وخاصة خريطة كوردستان العراق المرسومة من قبل لجنة من المختصين بعلم الجغرافية في جامعة السليمانية في تاريخ 11-3-2000 نرى بأن ما يقارب 40 % من مساحة كوردستان العراق شوهت معالمها وحصل تغيير كبير في واقعها القومي على طول كوردستان من مدينة بدرة مروراً بأجزاء مهمة من مندلي إلى خانقين وطوز خورماتوا وكركوك ومخمور، ديبكه، صعوداً إلى " شنكال " سنجار وهذه الأخيرة المدينة التاريخية التي كانت على مر العصور معقلاً للكورد من أتباع الديانة الإيزيدية ضد الغزاة ورّد عدوانهم، وتذكر لنا مدونات التاريخ صمود أبناء هذه المنطقة خاصة في القرون الأخيرة ضد التوسع الصفوي من جهة والعثماني في مراحل أخرى، ففي هذه المناطق الحيوية من كوردستان العراق والغنية بالثروات الطبيعية وعلى رأسها النفط مورست أبشع أنواع سياسة التطهير العرقي بحق السكان الكورد من قلع واجتثات من مناطقهم الأصلية والرمي بهم إلى المناطق الوسطى والجنوبية من العراق، ومن كان يفضل الرحيل إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الكوردية تحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة ويجرد من جميع الوثائق الرسمية من شهادة الجنسية العراقية وهوية الأحوال المدنية ودفتر الخدمة العسكرية أو أي شيء آخر يثبت شخصية المهجر ومسقط رأسه، ليس هذا وحسب بل يُجبر المرحل بتقديم عريضة يذكر فيها بأنه هو الذي طلب الترحيل وعلى الشكل التالي:
&
السيد محافظ التأميم المحترم.
م | طلب
أني المواطن...... نزحت إلى محافظة التأميم بعد صفحة الغدر والخيانة وأطلب إعادتي إلى منطقة كردستان للحكم الذاتي ومن حيث أتيت وعلى رغبتي وبدون أكراه
&المواطن...
وفي محاولة يائسة من جانبها للتعتيم على سياساتها الشوفينية بحق أبناء هذه المدينة المنكوبة كركوك أصدر محافظ التأميم كتاب سري إلى الجهات الأمنية لتغيير تسمية الترحيل إلى ضبط السكن كما مبين أدناه.
&صورة من كتاب سري من محافظ التأميم إلى أعضاء اللجنة الأمنية في المحافظة :
جمهورية العراق محافظ التأميم
اللجنة الأمنية العدد / 101
سري للغاية
&
&إلى / كافة أعضاء اللجنة الأمنية
&التاريخ : 2 / 2 / 2002
اللجنة الأمنية العدد / 101
سري للغاية
&
&إلى / كافة أعضاء اللجنة الأمنية
&التاريخ : 2 / 2 / 2002
نسب السيد المحافظ إطلاق تسمية ضبط السكن بدل من تسمية " الترحيل " والخاصة لمناطق الحكم الذاتي مع الترحيل الطوعي للعمل بموجبها وبكل دقة.
&الفريق الركن قيس عبد الرزاق حمد جواد
&محافظ التأميم
&رئيس اللجنة الأمنية
&
&أما القلة الباقية من الكورد كان يسمح لهم بالبقاء في مدينة كركوك فقط شريطة أن يغير قوميته إلى العربية حسب القوائم التي وزعها النظام التي تسمى" قائمة تصحيح القومية ". فنظام صدام المخلوع لم يدخر وسعاً ولم يترك فرصة سانحة إلا واستغلها لتطبيق سياسة التعريب المبرمجة حسب خطة مدروسة وتم تنفيذها على مراحل باتقان.
وصلت الحالة في بعض المناطق الكوردستانية وعلى سبيل المثال في منطقة شيخان التابعة لقضاء سنجار، حيث أغُتصبت أراضي وقرى الفلاحين الكورد من مسلمين وإيزديين وأعطيت للعشائر العربية، بينما حجز هؤلاء الكورد في مجمعات قريبة لا حول لهم ولا قوة ومن أراد العمل فكانت الفرصة الوحيدة أمامه هو العمل في أرض آبائه وأجداده كعامل مأجور عند " المالك" المغتصب الجديد مقابل أجر بسيط.
&فسياسة التطهير العرقي في الأراضي الكوردستانية التي كانت لا تزال تحت قبضة نظام صدام
&كانت تجري بدون توقف وعلى كل المحاور والجبهات في معركة غير متكافئة، من تغيير الأسماء التاريخية الكوردية للمناطق والأحياء والمحلات وحتى الوديان والجبال وباقي معالم المنطقة إلى أسماء عربية إسلامية أو أسماء لمدن فلسطينية في محاولات خبيثة معروفة ما القصد منها، وحتى المقابر لم تسلم من سياسة التعريب فبين الحين والآخر كانت الجرافات تزيل بعض الأجزاء من المقابر الكبيرة وإزالة مقابر أخرى بكاملها وذلك لمحو أي أثر للكورد في هذه المدينة، وكان الإنسان الكوردستاني يقف أمام هذه السياسة وجبروت النظام وإمكانياته الإعلامية الهائلة لتضليل الرأي العام العراقي والعربي خاصة وعنفه اللامحدود حائراً عاجزاً لا حول له ولا قوة سوى طرق أبواب المنظمات الإنسانية والشخصيات المساندة لحقوق الإنسان وعرض مظالمه في المحافل الدولية عسى أن يستطيعوا إيقاف هذه السياسة الخطيرة بحق البشرية والإنسانية.
&الفريق الركن قيس عبد الرزاق حمد جواد
&محافظ التأميم
&رئيس اللجنة الأمنية
&
&أما القلة الباقية من الكورد كان يسمح لهم بالبقاء في مدينة كركوك فقط شريطة أن يغير قوميته إلى العربية حسب القوائم التي وزعها النظام التي تسمى" قائمة تصحيح القومية ". فنظام صدام المخلوع لم يدخر وسعاً ولم يترك فرصة سانحة إلا واستغلها لتطبيق سياسة التعريب المبرمجة حسب خطة مدروسة وتم تنفيذها على مراحل باتقان.
وصلت الحالة في بعض المناطق الكوردستانية وعلى سبيل المثال في منطقة شيخان التابعة لقضاء سنجار، حيث أغُتصبت أراضي وقرى الفلاحين الكورد من مسلمين وإيزديين وأعطيت للعشائر العربية، بينما حجز هؤلاء الكورد في مجمعات قريبة لا حول لهم ولا قوة ومن أراد العمل فكانت الفرصة الوحيدة أمامه هو العمل في أرض آبائه وأجداده كعامل مأجور عند " المالك" المغتصب الجديد مقابل أجر بسيط.
&فسياسة التطهير العرقي في الأراضي الكوردستانية التي كانت لا تزال تحت قبضة نظام صدام
&كانت تجري بدون توقف وعلى كل المحاور والجبهات في معركة غير متكافئة، من تغيير الأسماء التاريخية الكوردية للمناطق والأحياء والمحلات وحتى الوديان والجبال وباقي معالم المنطقة إلى أسماء عربية إسلامية أو أسماء لمدن فلسطينية في محاولات خبيثة معروفة ما القصد منها، وحتى المقابر لم تسلم من سياسة التعريب فبين الحين والآخر كانت الجرافات تزيل بعض الأجزاء من المقابر الكبيرة وإزالة مقابر أخرى بكاملها وذلك لمحو أي أثر للكورد في هذه المدينة، وكان الإنسان الكوردستاني يقف أمام هذه السياسة وجبروت النظام وإمكانياته الإعلامية الهائلة لتضليل الرأي العام العراقي والعربي خاصة وعنفه اللامحدود حائراً عاجزاً لا حول له ولا قوة سوى طرق أبواب المنظمات الإنسانية والشخصيات المساندة لحقوق الإنسان وعرض مظالمه في المحافل الدولية عسى أن يستطيعوا إيقاف هذه السياسة الخطيرة بحق البشرية والإنسانية.
التعليقات