طارق حمو
&
&
في توصيف قد لا يبدو ذو قيمة بعد الإنهيار الكبير ذاك لنظام طاغية بغداد وفكره الشمولي الإستبعادي، أورد بعض القومويين العرب عن مجلس الحكم الإنتقالي العراقي مآخذ عدة نجمل هنا بعضها:
ـ قالوا: إن المجلس يمثل الصيغة الطائفية في أكثر أوجهها ظهوراً وإبتذالاً والعراق يحتاج حالياً إلى الإجماع الوطني ( الذي يتمسك بالوطن وليس الطائفة، تالياً..) و إستبعاد البروز التمثيلي للطوائف والقوميات العراقية، وإن "البعث" الطائفي هذا لهو، في واقع الحال، تفتيت للبنية الوطنية العراقية!
ـ قالوا: أن الرموز العراقية هاهنا ليست ممثلة لكل الشعب العراقي، وإن المراعاة التكوينية لها أثرت على أهليتها و"أحقيتها" المهنية وكذلك التكنوقراطية بالدخول في المجلس وتمثيل شعوب وطوائف العراق، والبعض ذهب بعيداً في تحليلاته ( الماوراء مؤامراتية!!) ليقول أن قسماً عظيماً من هؤلاء القوم كان في خارج العراق، والبعض منهم خرج منذ أزمنة سحيقة بنوا خلالها تحالفات كثيرة،بعضها مشبوه، قد تفرض لاحقاً عليهم كأجندة ملزمة، فكيف يكونون في سدة الحكم وهم الذين كانوا بعيدين هكذا( روحاً ومادةً) عن العراق وهمومه أيام جمهورية القائد الضرورة ؟؟.
ـ قالوا كذلك: أن الفرز الأنكلوـ أميركي للقوم قد شكل ضربة خفية ومحكمة لعروبة العراق وذلك بإستبعاد العناصر الدعوية للقومية العربية ( من البقية الباقية لفكر البعث العفلقي/الصدامي، المستتر حالياً بالوشاح العروبي المزركش) وإحلال العناصر العربية ذات التوجهات الطائفية والمذهبية، من تلك التي تغلب مصلحة الطائفة والمذهب على مصلحة العروبة وأهداف ومصالح الأمة العربية العليا ( ألا يذكرنا هذا القول بشيء؟؟)، والرأي، لمن خفى عليه المعنى، يقصد التمثيل العربي الشيعي الذي أختير ( حسب زعم هؤلاء ) على أساس مذهبي لا علاقة له بالعروبة التي هي ميزة وراثية و"نضالية" لعناصر الدعوة العروبية السنية الذين قادوا العراق إلى الهلاك المبرم منذ الربط التأسيسي بين ولايتي الموصل الكردية والبصرة العربية عام ( 1932م).
قالوا، وهم هذه المرة من عرب البلاد القصية الذين كانوا يتفرجون على عمليات الذبح الجماعي "للأخوة" في العراق: إن المجلس بتوجهاته المرتقبة سيعمل على عزل العراق عن أمته العربية وسيدق إسفيناً كبيراً بينه وبين القضية الكبرى ( قضية فلسطين)، وعليه، فإن ثمة قلق كبير من جهة العرب على التوجهات الإنعزالية لحكماء العراق، والتي لا بد وإنها ستؤثر على المنح والمكرمات العروبية الوفيرة والوثيرة التي كانت تغطي مساحة قومية كبيرة تمتد من الشام حتى بغدان وتشمل فيمن تشمل مجموعة من المنتفعين وبائعي الضمائر والكتبة والمرتزقين الإعلاميين من الذين إستماتوا في الدفاع عن نظام المقبور المندثر، أولئك الآن في شد وجذب شديدين حول إمكانية ذهاب تلك "المكرمات" وإلى الأبد، لذلك ووفاءً لذكراها لا بد من المجاهدة في القصاص لها من أولئك القادمين الجدد.
ـ قالوا: إن المجلس ينوي بالفعل تطبيق الفكرة الكردية القائلة بالفيدرالية المناطقية بين الإقليمين العراقيين:العربي والكردي وهذا يعني البدء في عملية تقسيم العراق وتهديد وحدته، وهو مخطط قديم كان موضوعاً على الرف وجاءت القوات الأميركية لتنفذه الآن كحلقة أولى ستليها حلقات أخرى في مسلسل التجزئة الذي سيطال معظم أقطار العروبة، ولن يكون أمام الأمة، والحال هذه، سوى المقاومة ورص الصفوف لإفشال المخططات المعادية للعروبة.
ـ قالوا، وهم المجموعات التي إنتدبت نفسها لإقامة شرع الله في الأرض: إن الغزو في حقيقة أحواله لهو حملة صليبية ضد الإسلام والمسلمين وقد إنكشفت أهدافها الدينية الصليبية لحظة قرار الأميركان ( أو الصليبيين!) بالزحف على العراق وحاضرتها بغداد، عاصمة الرشيد، تنفيذاً للوصايا الصليبية الحاقدة لحكماء واشنطن ولندن من أمثال برنارد لويس و صامويل هنتغتون وريتشارد بيرل ( أنداد قائد الضفة الشرقية المجاهد المبارز الشيخ سفر الحوالي !!)، لذلك نادى المجاهدون على الجهاد وإنتخوا لذلك كبريات الحركات الجهادية وعواتي المجاهدين المتمرسين ( من جماعة خريجي الكهوف الباردة) في أفغانستان والشيشان وخبراء المتفجرات والمفرقعات، للنزول إلى الساحة العراقية وإعلان الجهاد ضد الغزاة الصليبيين، و تصنيع مجاهدين عراقيين للإنقضاض على العدو الحاقد على الإسلام والدعوة.
والحال، إن المقولات السابقة، كما تظهر هكذا دون مواربة أو تمويه، تشكل في كنهها وتعبر عن أزمة حقيقية وصريحة تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية وهي أزمة تعبوية ( إذا صحت العبارة..) تنهض على الكره وثقافة الإستعداء للغرب وتعتبر كل ما يصدر عن هذا الغرب إثماً وتخريباً حراماً وعدواناً سافراً وراءه مؤامرة طويلة عريضة، تمتد جذورها غائرة في تاريخ المصادمات الأولى بين الإسلام والغرب الصليبي مطلع الألفية الثانية..
فالأزمة البنيوية المزمنة التي يعاني منها الفكر التربوي والتعليمي في البلاد العربية والإسلامية والتي ينهض بأمورها مجموعات دعوية تكفيرية قائمة على التأثيم واالردة، تأخذ( مع مرور الزمن وإبتعاد الأنظمة الحاضرة عن مجتمعاتها) خطاً عميقاً يزداد خطورة يوماً بعد يوم، فلاأحد كان يظن في البداية إن عملية تصدير الفكر الجهادي إلى أفغانستان وغيرها من البلاد التي يعيش فيها المسلمون قد ترتد في يوم ما في شكل عملية كونية تستهدف رموز حيوية وحضارية كما في عملية 11 سبتمبر، لتعيد رسم السياسات العالمية من جديد، ثم تتحول في شكل دراماتيكي لترتد ( في لفة إرتدادية تكفيرية جد خطيرة..) إلى نحور العرب والمسلمين أنفسهم، كما في حوادث الرياض والدار البيضاء الأخيرة.
والآن ربما يأتي دور العراق، فخلو الساحة العراقية وخصوبة تربتها لزرع الأفكار التكفيرية/الإرهابية والإستفادة من وجود قوات التحالف الغربي الذي حرر البلد من عملية الذبح الجماعي على يد صدام حسين الحاكم المسلم المستبد ( على مرجعيات تقويمية لفقيه الحرب إبن تيمية..) تشجع الحركات الإسلاموية على النزول إلى الساحة العراقية لضرب القوات المتحالفة وتخريب الإستقرار والنموذج العراقي المنشود.
&
وكعلامة أولية لبروز هذا السيناريو الدموي وإحتمالية ( أو ربما حتمية...) قيامه في العراق فإن الإتهامات التكفيرية العصبوية في حق المجلس العراقي المؤقت تتوالى وتتراكم ساعة بعد أخرى من لدن مجموعات راديكالية ظلامية تمتد على طول خريطة البلاد الإسلامية، بل وحتى أوربا، وهي تقدمة أولية إذ ما علمنا أن التطبيق العملي سيليها لتحول أرض العراق المتعددة الأقوام والمذاهب إلى ساحة قتل وذبح جماعي لكل من يخالف "شريعة " القوم أو يبدو عليه سيماء التعاون مع المحتلين !.
العرب بدورهم، يترقبون بفارغ الصبر فشل النموذج العراقي وتداعي مجلس الحكم الإنتقالي الناشئ فيه وتسلل الخلافات بين أعضاءه ( بعد فشل رهاناتهم على الحرب الأهلية، العرقية والمذهبية ) ولتلك العملية الغير نبيلة جندوا كل وسائل إعلامهم وأعملوا كل طرق الدسائس والتخريب، بل وحتى تصريحات ممثلي الجامعة العربية( ذاك الهيكل العظمي العفن) لم تقل خيراً ولم تسكت فيما يتعلق بالمجلس التمثيلي العراقي الوطني ، وبإستثناء موقف دولة الكويت فإن المواقف العربية كانت مخزية ومعادية لعملية تحرر الشعب العراقي من سرداب الموت الصدامي الطويل والمظلم ذاك.
الإنتباه والحذر قد يبدوان عنوان المرحلة الحالية،و حال العراق هكذا حال، فأهل مكة أدرى بشعابها وعليهم، هذه المرة، أن يستميتوا في الدفاع عن تلك الشعاب، فالمحتلين راحلين لا محالة، لكن الأخوة أهل الدار باقين بكل دسائسهم وشعاراتهم ومزايداتهم المهلكة لتخريب النموذج وسحب العراق إلى القاع مرة أخرى، قاع الفوضى والموت وهتك الأعراض، قاع صدام حسين المرعب، وهو ما لن يحدث إذما إنتبه أهل الرافدين ورفعوا شعارهم عالياً وعالياً جداً أيضاً: العراق لأهله: للعرب والكرد، للشيعة والسنة، للمسيحيين و الإيزيديين والصابئة ولكل شعوبه ومذاهبه، هل سيحدث هذا يا ترى ؟؟. سؤال لن يستغرق وقتاً من أهل الشمال والجنوب وال4 ملايين مشرد في بلاد الله........

صحافي كردي مقيم في المانيا
[email protected]