يلاف" من القاهرة: اتسم تاريخ الكنيسة القبطية في مصر بالتماسك، والتفاف الأقباط حولها عشرين قرناً، باعتبارها رمزاً وخياراً راسخاً منذ دخلت المسيحية مصر، ومن هنا لم تعرف الكنيسة الأرثوذكسية القبطية انشقاقات بالمعنى المتعارف عليه أبداً، بل انحصر الأمر عادة في تحول بعـض الأقبـاط مـن
البابا شنودة
المذهب الأرثوذكسي لمذهب آخر، وغالباً ما تم ذلك في ظل ظروف أغلبها شخصي، ولم يشكل ظاهرة.
لكن ما يشهده العقار رقم 2 شارع السكة الحديد بمنطقة الشيخ مبارك بمصر القديمة في القاهرة، أمر جديد على الكنيسة، وعلى الحالة القبطية عموماً، إذ ظهر شخص أعلن نفسه "بطريركا" لما اعتبره "كنيسة جديدة" أطلق عليها "الكنيسة المستقلة"، والمثير في الأمر أن هناك من يؤكد ظهور هذا الكيان قبل ما يزيد على 17 عاماً، غير أن أحداً لم يسمع بها طيلة تلك السنوات.
الدكتور القمص
القصة بدأت بموافقة وزارة الشئون الاجتماعية على تأسيس جمعية أهلية باسم "الشهيد مار مينا والبابا كيرلس"، وتم إشهار الجمعية تحت رقم 3407 لسنة 1986، وأعلن أن الهدف الرئيس لهذه الجمعية هو المساعدة في تزويج الفتيات المسيحيات غير القادرات، ومعاونتهن في تحمل أعباء الزواج.
لكن ما حدث أن رئيس الجمعية الذي يدعى هابيل توفيق سعيد، أعلن نفسه فجأة& كاهناً وارتدي الزي الكهنوتي، فعل ذلك بالطبع بالمخالفة لقانون الكنيسة، فالكاهن لا يتم تعيينه إلا بعد رسامته من قبل البطريرك، ويكون ذلك وفق طقوس خاصة، وهو أمر لا يتم إلا بعد اجتياز المرشح للمنصب اختبارات خاصة، وبعد موافقة أهالي المنطقة التي سيخدمها الكاهن، فإذا توافرت هذه الشروط تتم رسامته كاهنا في احتفال كبير يحضره شعب (أهالي) المنطقة التي سيخدمها، وهذا كله لم يحدث مع هابيل.
وحين وصلت أنباء هذا الكاهن المزعوم، إلى البابا شنودة أصدر بيانا نشرته "الكرازة" ـ الجريدة الرسمية للكنيسة ـ أعلن فيه أنه لا يعرف شيئا عن هابيل ولم ينصبه كاهناً، وليس هناك أي علاقة للكنيسة به، وناشد السلطات وضع نهاية لهذه المهزلة.
وكان من الطبيعي والمنطقي أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولكن ما حدث لم يكن له أدنى علاقة بالعقل أو المنطق، فبعد فترة وجيزة أعلن هابيل أنه صار (قمص)، وهي أعلي رتبة في درجات القساوسة، ثم عاد وأعلن أنه حصل علي الدكتوراه في القانون الدولي، وأنه صار "الدكتور القمص"، وقام بتخيص غرفة داخل مقر الجمعية الى كنيسة واطلق عليها اسم "كنيسة العذراء أم النور وهابيل الصديق"، ووقتها أعلن أن جهة أجنبية نصبته بطريركا لطائفة أرثوذوكسية مستقلة عن الكنيسة المصرية وأطلق عليها اسم "أولاد القديس بولس الرسول".
ويقول مصدر كبير في المكتب البابوي إن هابيل شخص يعشق الشهرة، لهذا تقدم منذ فترة بطلب لتكوين حزب مسيحي، وهو ما رفضته الكنيسة، وكان واضحا أن هدف هذا الشخص، أن يصبح رئيسا لحزب، فلما لم يتحقق له ذلك أراد أن يكون رئيسا لطائفة دينية، وهو أيضا تجاوز مرفوض فطوال تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية لم يحدث مثل هذا الانشقاق، بل إن كلمة أرثوذوكس تعني "ذو الرأي الواحد المستقيم"، وبالتالي ليست لدينا طوائف متعددة.
الأب ماكس ميشيل
ولم تكن حالة هابيل هي الوحيدة من نوعها في هذا السياق، الذي يستهدف النيل من وحدة الكنيسة القبطية، فهناك قصة أخرى لواعظ يدعى ماكس ميشيل، الذي أنشأ مؤسسة دينية منذ عشرين عاما تم إشهارها كجمعية ثقافية دينية تقوم بالخدمات الدينية ورعاية الأسرة والطفولة ويقول إنه يدعو إلى حوار ديني يقوم على المرجعية لآباء الكنيسة الأولين، وأنه أرثوذكسي حتى النخاع ويكن للبابا شنودة كل احترام وتقدير، والأهم من ذلك أنه ليس بأي حال بديلا للبابا أو بطريركا للمسيحيين كما يشيع البعض عنه.
وميشيل كان يعمل واعظا في مطرانية طنطا قبل منعه من الخدمة في الكنيسة، ويقول إنه لا يعرف السبب حتى الآن، وأنه "ليس أول ولا آخر من تم منعهم والقاسم المشترك للذين منعوا هو أن هناك قرارات إدارية صدرت ضدهم ولم يحصلوا علي فرص عادلة لمساءلتهم أو للرد عن أنفسهم، لكنه كان مجرد قرار إداري" على حد تعبير الأب ميشيل.
ويمضي قائلاً إنه "لم يتم إجراء تحقيق أو توجيه إتهام من الكنيسة لي، بل مجرد تنبيهات شفهية لمنع فلان من الخدمة"، لكنه استدرك موضحاً أنه "كان ومازال لي موضوع أظن أنه جدير بأن يطرح وهو أن التعليم الأرثوذكسي يقوم علي أن المرجعية في التعليم هي لآباء الكنيسة الأولين مثل القديسين أثناسيوس وكيرلس وأنطونيوس ومكاريوس، وهؤلاء هناك لائحة بأسمائهم اسمها "المجمع" تؤكد أنهم قديسون وآراؤهم صحيحة وأنهم مرجعية، وهؤلاء يرجع لهم فقط وذلك حسب التعليم الأرثوذكسي الذي لا يختلف عليه اثنان".
ويواصل الاب ماكس ميشيل قائلاً "بصراحة ما عنديش حاجة غير كده، نحن نريد الرجوع لآباء الكنيسة، ونطالب بحوار لاهوتي بناء علي مرجعية آباء الكنيسة الأولين، وكنت أقول ذلك في مطرانية طنطا لمدة زادت علي العامين، وعندما استبعدوني لم يوجه لي أي اتهام مباشر ولكنني استنتجت أن مناداتي لذلك كانت هي السبب وراء استبعادي".
جماعة السبتيين
وكان البابا شنودة الثالث قد حذر في غير مناسبة سابقة من نشاط مريب لجماعة دينية محظورة لا علاقة لها بالطوائف المسيحية المعروفة تقوم بإرسال مطبوعاتها إلى ألاف البيوت القبطية تتضمن افكارا خارجة عن الدين المسيحي لجماعة وصفها بطريرك الأقباط بأنها "مرفوضة من جميع المذاهب المسيحية".
وقال البابا شنودة ان المطبوعات تحمل عبارة لسنا شهود يهوه ولا ننتمي الى أي طائفة مسيحية، وحقيقة الامر ان مصدرها جماعة السبتيين ذات التعاليم المخالفة للديانة المسيحية والتي تدعو الى تقديس يوم السبت مثل اليهود.
وأشار إلى أن جماعة السبتيين المسؤولة عن توزيع هذه المطبوعات يتزعمها في مصر شخص يدعى جلال دوس يدير احدى شركات مساحيق التجميل وشركة مواد غذائية بمدينة (العاشر من رمضان) محذرا الجميع من قراءة المؤلفات التي يوزعها.
ومضى البابا شنودة قائلاً "إن هذا الشخص يسعى الى نشر فكر جماعة السبتيين المرفوضة في مصر من خلال توزيع مطبوعات قيمة فاخرة الطباعة بالمجان على الجماهير مما يوضح ان جهات تمويل خارجية قوية تقف ورائه"، على حد تعبير البابا شنودة.
واوضح ان هذه الجماعة لها زعيمة على المستوى الدولي تدعى ايلين هوايت يعتبرونها بمثابة نبية لهذه الطائفة وتوزع لها حوالى سبعة مجلدات ضخمة من تأليفها بالمجان ابرزها مجلد بعنوان (الصراع العظيم) يتضمن افكارا مغالطة لكل الاديان السماوية، ويعتبر هذا المجلد الدستور الاول لهذه الجماعة.