"إيلاف"من موسكو : لاتوجد حتى الآن إحصاءات رسمية عن عدد العرب المقيمين في روسيا، ولادراسات ميدانية عن أحوالهم الاجتماعية وميولهم السياسية، وإن كانت هناك تقديرات غير رسمية تشير إلى أن عددهم يتراوح ما بين 25 و 30 الف نسمة .
وحصل عدد لابأس به من أبناء الجالية العربية في السنوات الأخيرة على المواطنة الروسية، وباتوا يتمتعون بالحقوق الدستورية الممنوحة لأهل البلد الأصليين بما في ذلك حق الانتخاب والعمل في المؤسسات الرسمية.
ومن السابق لأوانه الحديث عن أن يكون للجالية العربية، ما للجاليات العربية الكبرى المتواجدة في الدول الغربية، موقع مؤثر في الساحة الروسية، يؤخذ بنظر الاعتبار في الانتخابات وتقلبات الحياة السياسية في روسيا. وظهرت في الآونة الاخيرة جمعيات للمقيمين العراقيين والسوريين في روسيا، لكن طريقها مازال يتعثر في أن تكون، هيئات قادرة على الإفادة من الوجود العربي على الساحة الروسية، وتوظيفه للقضايا العربية العامة.
&ويتوزع العرب على مختلف المدن الروسية، بيد أن أكثرهم يسكن في موسكو وبطرسبورغ . ويُزاول بعضهم الأعمال الحرة، ويعمل آخر في الممثليات الدبلوماسية والثقافية العربية العاملة في روسيا. ونسمع أيضا عن ظهور اثرياء بينهم، تتطلع الانظار لهم ليساهموا في جمع الشتات العربي عبر الاعمال الخيرية . واذا كان العرب قد توافدوا على روسيا في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع العشرين باعداد قليلة للدراسة والتدريس، وكان من اوائلهم الأديب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمة ، الذي درس الأدب الروسي ، في كييف يوم كانت مدينة روسية ، والمفكر الفلسطيني بندلي جوزي والعالمة اللغوية والمربية أم كلثوم عودة، وغيرهم، إلا ان الوجود العربي في روسيا، أخذ يتسع منذ بداية ستينات القرن الماضي، إذ توافد أغلب العرب للدراسة بفضل منح مجانية، كانت تخصص للحركات اليسارية والحكومات والمنظمات الانسانية، وفضل الكثير منهم بعد الدراسة البقاء في بلد الثلج، تاركا بلاده الدافئة وموطن طفولته ، لاسباب مختلفة . وجاءت موجة كبيرة بعد انطلاقة البيريسترويكا ، وفتح البلد لابوابه للاجانب .
وهناك جاليات من فلسطين وسوريا والعراق واليمن والسودان ودول شمال افريقيا وليبيا ، تقطن روسيا بنسب متفاوتة .ولم يبق ابناء الجالية العربية في روسيا بمعزل عن الانتخابات البرلمانية التي جرت الاحد الماضي ، البعض شارك فيها بصورة مباشرة بحكم مواطنته الروسية والآخر تفاعل معها ، كمهتم بشؤون البلد وبالتطورات الجارية فيها ، لما لها من تأثير على وضعه الإنساني ، ولنتائجها على القضايا العربية الملتهبة.
إلى جانب ذلك فإن البعض ساهم باعتزاز فيها ، لكونه مسك بيده لأول مرة في حياته قسيمة التصويت، وحصل على إمكانية الادلاء بصوته في انتخابات حرة. ولاسيما أبناء الجالية العربية القادمين من دول مازالت شعوبها محرومة من الانتخابات او تجرى فيها شكليا.
وبالتاكيد من الصعوبة وضع إحصاء دقيق عن الاصوات العربية في الانتخابات للدوما الروسية، والاحزاب التي صوتوا لها ، ولكن اتضح من نتائج الاستسفارات التي وجهت لطائفة من العرب الذين شاركوا في الانتخابات، ان اصواتهم توزعت على الأغلب بين الحزب الشيوعي الروسي وحزب رودنا ( الوطن ) ذي التوجه القومي.
وليس من الصعوبة تفسير هذا الخيار، فاغلبية العرب المتواجدين في روسيا هم من انتماءات يسارية وقومية ، ويميلون بحكم غربتهم الطويلة الى القوى التي ترفع شعارات وطنية وقومية ، تشفي غليل حنينهم للايام الخوالي ، والرغبة في رؤية اوطانهم دولا مستقرة ومستقلة ، يشارك سكانها في انتخاب اصحاب القرار ليتمتعوا بشرعية ، ويتمكنون من تبديلهم عبر صناديق الاقتراع لا بالانقلابات والعصيانات والمؤمرات. وقال احد الذين شاركوا في الانتخابات الروسية ، انه صوت للشيوعين لكونهم ( افضل الموجود ) ، فيما فسر اخر تصويته لرودنا باحترامه لشخصية زعيمها الاقتصادي المعروف سيرجي جلازوف، لتاكيده على البعد القومي الروسي والاجتماعي في برنامجه.
ويلوح ان كثير من العرب وشانهم في ذلك شان الكثير من الروس ، باتوا يعلقون الامال في السياسة الروسية على شخصيات شابة ، خارازمية تطرح نفسها بقوة في مواجهة التيارات اللبرالية المتعاطفة مع اليهود ، والتي صوت لها غالبية اليهود الروس في اسرائيل. ولم ينف عرب اخرون ان تعاطفهم مع القوميين الروس ، متاتي من تلميحات الى ضروة تقليص هيمنه اليهود على مراكز المال والاعلام وتواجدهم الكثيف في مؤسسات حساسة . وجاء الدعم الذي قدمه العرب، لليسار وللتيارات القومية الروسية ، منطلق ايضا من تعاطف هذه التيارات مع العرب في قضاياهم العادلة .
ولم يخف غالبية العرب ارتياحهم للهزيمة التي منيت بها الاحزاب الليبرالية الموالية للغرب . فالعرب (المُسيسون) يدركون ما الحقته سياسة هذه التيارات من اضرار بروسيا ، وتحولها الى دولة هامشية في الساحة الدولية ، بعد ان كانت قوة عظمى هبت لنجدة دول عربية ، ومنعت الاعتداء على بعضها الاخر . فيما عملت عناصر ما تسمي نفسها بالاحزاب الديمقراطية ، التي تسلمت السلطة في التسعينات على تجميد العلاقات مع العرب ، ودفع الكفة بها ت مع اسرائيل ، وفتحوا بات هجرة اليهود لاسرائيل ، مع كل ما كان لها من تداعيات ماساوية بالنسبة لشعب فلسطين العربي . ولايمكن للعرب ايضا ان يغمضوا عيونهم عن تداعيات سياسة زعماء القوى الليبرالية على الوضع الداخلي ، وانتهاج سياسة سميت بالاصلاحية ، وضعت 80 في المائة من سكان روسيا على خط الفقر او ما وراءه .
ان العرب صوتوا هذه المرة، حقا للتعبير عن مواقفهم ، دون ان يلفتوا الانظار لهم، ولم يبحث مرشح عنهم لكسب اصواتهم الى جانبه ، ولكن مع ذلك فان لديهم فرصا طيبة لتاكيد حضورهم على الساحة الروسية، والامر يتطلب مزيدا من التنظيم وادراك المصالح الشخصية والعامة. فهل سياتي ذلك اليوم ؟