"إيلاف" من دبي: بدأت زيارات المسؤولين الخليجيين لبعضهم البعض تتكثف خلال الأيام القليلية الماضية مع اقتراب موعد قمتهم في الكويت الأسبوع المقبل، فهم يناقشون ويعدون للملفات الصعبة التي سيحملها قادتهم إلى القمة مع تصاعد الهموم والمستجدات على المنطقة.
يحمل قادة دول مجلس التعاون الخليجي معهم إلى قمة الكويت، حسب محللون سياسيون واقتصاديون خليجيون "هموما مضاعفة" عن تلك التي حملوها في قممهم السابقة، خصوصا وأن قمة الأسبوع المقبل تأتي في ضوء جملة من المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية التي طرأت على المنطقة بعد قمة البحرين نهاية العام الماضي.
ويشمل هذا الملف هما آخر متعلق بقطاع النفط، اذ من المتوقع ان تنخض حصص دول الخليج في الانتاج في المستقبل القريب بعد عودة العراق الى الانتاج، علما ان ان العديد من دول اوبك وبالذات تلك التي تمتلك قدرات انتاجية عالية مثل السعودية والامارات والكويت، كانت قد رفعت من انتاجها طوال الازمة العراقية التي استمرت اكثر من 13 عاما لتعويض النقص في النفط العراقي والمحافظة على الاسعار.
وسواء انعكست هذه الهموم على تصريحات المسؤولين خلال انعقاد القمة أو لم تنعكس، وسواء تضمنها البيان الختامي ام لم يتضمنها، فان المحليين السياسيين والاقتصاديين في المنطقة يقولون انها حتما ستتخذ الحيز الاكبر من مناقشات وحوارات القادة خلف الكواليس.
&
فعلى رغم التحديات التي واجهت قادة المنطقة في القمة السابقة التي عقدت في وقت كانت الحشودات العسكرية تتكثف في المنطقة لشن الحرب على العراق، فان قمة الأسبوع المقبل تعقد في ظل تواجد امريكي-بريطاني في دولة مجاورة غير معروف مداه أو انعكاساته السياسية والامنية على المنطقة، هذا ما قاله الدكتور عبد الخالق عبداللة، الاستاذ في جامعة الامارات الذي قال "ان التوتر الذي ساد المنطقة في ظل وجود صدام حسين حل محله الان توتر اكبر بوجود عسكري كثيف في المنطقة لا احد يدري متى سيزول".
وعلى الرغم من أن ضغوطات الولايات المتحدة على دول المنطقة فيما يتعلق بغسل الاموال وتمويل "الارهاب" بدأت منذ اكثر من عامين، وتحديدا بعد احداث ايلول (سبتمبر)، غير انها تصاعدت خلال الاشهر القليلة الماضية لتشمل مواضيع "حساسة" مثل الديمقراطية ووضع المرأة ومناهج التعليم وخطابات ائمة المساجد وحتى حوارات المثقفين داخل الندوات وبين طلاب الجامعات.
وتأتي قمة الأسبوع المقبل، حسبما يقول المحللون السياسيون، في ظل حملة اعلامية غربية مكثفة ضد بعض الدول في المنطقة، تكتب باقلام يقال انها تصطاد بالماء العكر، لتسميم الاجواء بالمنطقة. هذه الاقلام تستخدم حينا ملف تمويل جماعة "القاعدة"، واخرى تنبش في الماضي لتتكلم عن احتضان هذه الجماعة وغيرها من الجماعات "الارهابية"، رغم أن قادة بعض هذه الجماعات ابعدوا من قبل السلطات المحلية قبل احداث سبتمبر بسنوات، وان المسؤولين هنا يشنون حملة شعواء على ما يسمونهم بالارهابيين، ويؤكدون انهم يتعاونون "الى اقصى درجة" مع المجتمع الدولي في موضوع غسل الاموال وتمويل الارهاب.
كما يحمل القادة الخليجيون معهم إلى قمة الكويت ملف الامن الداخلي، وهو المثقل هذه المرة بتصاعد العمليات الارهابية في بعض دول المنطقة، اذ قال عبد الخالق عبد اللة "ان موضوع العنف الداخلي في بعض دول المجلس لا بد وان يطرح بقوة في كواليس القمة، خاصة وان دولة مثل السعودية تعيش فترة من العنف غير مسبوقة، وهي موجه ضد الاستقرار فيها، وخصوصا انها تأتي في وقت بدأت بوادر العنف تظهر في الكويت". واضاف أن "ثنائية الامن الداخلي والخارجي ستكون حاضرة بكثافة في مداولات القادة خلال القمة".
الملف الاقتصادي (انخفاض العملات)
الملف السياسي ليس هو الوحيد الذي سيكون مثقلا في قمة الأسبوع المقبل، فالهم الاقتصادي سيكون حاضرا ايضا وان كان بدرجة اقل، اذ تعقد القمة في ظل الانخفاض الكبير الذي تشهده عملات دول المنطقة دون استثناء، وهي المرتبطة عملاتها بالدولار الامريكي الذي انزلق إلى مستويات غير مسبوقة مقابل معظم العملات الاجنبية الاخرى، متراجعا نحو 27 في المائة منذ مطلع العام، ما جعل عملاتهم تفقد اكثر من ثلث قوتها الشرائية وقفز بفاتورة وارداتهم من اوروبا، اضافة إلى ما له من انعكاسات على معدلات التضخم.
والملف الاقتصادي سيتضمن ايضا، في رأي المحللين الاقتصاديين، موضوع اعادة اعمار العراق الذي استحوذت عليه الولايات المتحدة ولم تترك سوى الفتات إلى دول المنطقة، وهي التي تحاول استخدام سياسة العصا والجزرة حتى بالفتات، حيث باتت تربط بين التعاون مع سلطات التحالف والحصول على مناقصات المقاولات من الباطن وفتح باب التجارة.
واتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاوروبي سيكون لها نصيب كبير من مداولات القادة الخليجيين في قمة الكويت، في رأي المحللين الاقتصاديين، خصوصا بعد حديث عن قرب موعد التوقيع عليها من قبل دول المنطقة، بعد أن لبت دول الخليج اهم شرط من شروط الاتحاد الاوروبي وهو انطلاق الاتحاد الجمركي الخليجي.
&ول بد أن يناقش القادة انجازات المنطقة في التجهيز لتلبية استحقاقات منظمة التجارة العالمية التي اقتراب موعد تطبيقها بالنسبة لجميع دول الخليج ما عدا السعودية التي تواجه مفاوضات شاقة مع الدول الاعضاء في المنظمة الدولية الذين يحاولون انتزاع تنازلات من المملكة في جميع القطاعات خصوصا الخدمية منها.
الملف الداخلي
اما الملفات التي تخص المنطقة وحدها وتتعلق بالامور التي تخص التجارة البينية والعملة الموحدة والمواضيع التي تهم المواطن الخليجي في المقام الاول، فلا تندرج في اطار "الهموم"، وانما تأتي في اطار المتابعات الروتينية لقرارات وملفات مثل الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة التي لا تخلو احيانا من الخلافات وتعارض المصالح.
وهنا اكد المسؤولون في المجلس أن القمة المقبلة ستبت في شأن الجواز الخليجي الموحد لابناء المنطقة واصدار بطاقات "ممغنطة" لتسهيل تحركاتهم، كما سيتناول القادة انجازات الاتحاد الجمركي الخليجي بعد مرور عام على انطلاقه، وسيضعون جدولا زمنا في شأن عملتهم الموحدة، التي يقال في كواليس المحللين انه قد يتم تقديم موعد اطلاقها من عام 2010 إلى عام 2007.
وعلى رغم أن موضوع الشأن الاقتصادي الداخلي يعتبر "بسيطا" في مقابل ملفي العلاقات السياسية والاقتصادية لدول المنطقة مع العالم الخارجي، ولكنها لن تكون سهلة في الوقت ذاته، حيث لا بد وان يناقش القادة تفاصيل بعض المعوقات التي تحول دون التطبيق الكامل للاتحاد الجمركي، مثل موضوع الوكالات التجارية وتوزيع الايرادات، وغيرها من المواضيع التي تتعارض فيها مصالح الدول المختلفة في المنطقة.
ومن الهموم الداخلية التي سيناقشها القادة، حسب المسؤولين، هي الخلل في التركيبة السكانية التي تعاني منها معظم دول المنطقة، حيث بات المواطنون يعدون الاقلية من اجمالي عدد السكان، وهو ما ينذر بخطر قادم على تركيبة المنطقة الثقافية والاقتصادية، علما أن بعض دول المنطقة تحاول منذ مدة معالجة هذا الخلل بالتركيز على "توطين" القطاعات المختلفة، ولكنه في رأي المحلليين ليس بالمسألة السهلة، في ظل الثورة التنموية التي تعيشها المنطقة وحاجتها إلى الايدي العاملة والكفاءات.
ويتحدث المسؤولون في المنطقة ايضا عن أن القمة ستتناول بحث موضوع المرأة في ظل تزايد اهميتها في مجال السياسة والمال والاعمال، فضلا عن مناقشة المناهج التعليمية وتحدياتها "الداخلية وغير المفروضة من الخارج"، على حد تعبير عبد الرحمن العطية، الامين العام لمجلس التعاون لدول الخليج.