رضا الأعرجي
&
&
&&&& كثيرا ما ابتسمنا للنكتة التي تقول إن طفلا خاطب أمه محتجا: سئمت الإفطار، أريد أن أتغدى.
&&&& ويبدو أن الوقت حان لكي يتغدى الضحايا العراقيون بجلادهم، آن وقت القصاص ليكون صدام حسين عبرة لكل الطغاة أينما كانوا، فإذا كان العراق قد تخلص نهائيا من عبء تاريخه الدموي فان أرواح مئات الآلاف من أبنائه تطالب بالثمن الذي دفعته لكي تنتصر الديمقراطية، وتتعزز مبادئ التعددية وحقوق الإنسان.
&&& لم يكن صدام حسين مجرد طاغية مستبد حكم العراق بالنار والحديد وفرض عليه ثقافة العنف الفاشية. كان عنصريا طائفيا عشائريا بل مناطقيا كارها للشعب العراقي مفضلا عليه شعوبا أخرى فتح لها الأبواب مشرعة لتصل أعدادها بالملايين حتى يكسب بواسطتها زعامة إقليمية زائفة وسمعة أكثر زيفا كقائد للأمة الثكلى بعد رحيل عبد الناصر وتنازع أبنائه على تركته البائسة. ألم يقل القذافي يوما وهو يذرف الدموع: جمال أبي؟
&&& وما كان لصدام حسين أن يظل متربعا على عرش العراق 35 عاما لولا تواطؤ العرب من المحيط إلى الخليج ومشاركتهم في صنع أسطورته كـ "حارس للبوابة الشرقية"، ولما تسنى له مواصلة حروبه الدموية لولا كرمهم وإغداقهم عليه مليارات الدولارات، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي الذي كان يلقاه منهم في الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي.
&&&& في الثمانينات تجاوز عدد المصريين في العراق الأربعة ملايين، والفلسطينيون النصف مليون، وكان آلاف من الفلاحين المغاربة قد استقلوا بقرية خاصة بهم في الجنوب، والسودانيون واليمنيون احتلوا حي البتاوين الواقع في قلب بغداد، فيما احتل السوريون أحد أرقى أحيائها خلف وزارة الدفاع، أما الأردنيون واللبنانيون والتونسيون والجزائريين فقد استحوذوا على المطاعم والفنادق الكبرى وتجارة الاستيراد والتصدير، كل هذا كان يجري بصورة منهجية منظمة، فيما كان العراقيون يعلقون على المشانق أو يقتلون بالجملة على جبهات الحروب التي شنها صدام في كل الاتجاهات.
&&&& حتى في وظائف الدولة الكبرى كان وكيل وزارة الزراعة سوريا والمدير العام للإعلام أردنيا ورئيس التحرير فلسطينيا، وسفير العراق في البرازيل تونسيا وممثل العراق في اتحاد الإذاعات العربية لبنانيا والمسؤول عن العلاقات العراقية ـ المغاربية سودانيا وعن العلاقات العراقية ـ الخليجية يمنيا. لم يصب العراق بالعقم ولم يعجز عن إنجاب كوادر أو كفاءات، لكنها مشيئة "النظام القومي" الذي يذل المواطن ويعز الغريب.
&&&& وفيما كانت مجلة العراق الرئيسية "ألف باء" تصدر بأوراق أشبه بأكياس الأسمنت كانت صحف التدجيل والتبجيل وحاملي المباخر تخرج على أيدي حفنة من اللبنانيين المحظوظين زاهية الألوان وبأوراق مثل صفائح الفضة. وبينما كان مرتب الصحفي العراقي لا يزيد على 200 دولار، كان الصحفي الزائر يتلقى في المرة الواحدة بين 10 و100 ألف دولار. أما رؤساء التحرير فنصيبهم سيارات المارسيدس أو الشقق الفارهة في بيروت وباريس ولندن. ودونكم الرئيس حسني مبارك لتسألوه كيف صادر "المرسيدسات" لصالح رئاسة الجمهورية وعوض رؤساء تحرير الصحف بسيارات من ماركة "نصر".
&&&& وقبل أن يتفضل "القائد الضرورة" بمكرمته على الصحفيين العراقيين بمنحهم قطع أراض في منطقة موحشة تقع في الطريق بين بغداد وديالى خالية من الماء والكهرباء، كان قد شيد للصحفيين الأردنيين مدينة خاصة كاملة الأثاث والتجهيزات، في حين مازال العراقيون لم يكملوا بعد الأقساط الشهرية لقطع أراضيهم، فهل بعد هذا يصعب فهم أسباب اندفاع الصحافة الأردنية وراء "القائد المظفر"، وتبرير حروبه ومجازره؟
&&&& وفي كل مهرجان "مربد" أو "بابل" تحمل الطائرات المئات من شعراء الدرجة العاشرة ومثلهم من الصحفيين المغمورين ليتحولوا في غمضة عين إلى نجوم في سماء الأدب والثقافة. لموريتانيا وحدها كانت تتوجه طائرة خاصة لتقل على متنها 100 شاعر بالتمام والكمال. هل سمعتم باسم شاعر موريتاني؟
&&&& وذات مربد، وحين كانت الحاجة ماسة إلى "نجوم" حقيقيين، اتصل "رئيس جمهورية العراق" بـ "رئيس دولة فلسطين" ليحضر على وجه السرعة محمود درويش. ومنذ وصوله إلى المطار حتى ساعة مغادرته ظل وزير الإعلام العراقي آنذاك لطيف نصيف جاسم يقود بنفسه السيارة التي يستقلها درويش، وقد رد شاعر القضية الفلسطينية على هذا الشرف الرفيع الذي لم يحظ به من قبل بأن أطلق على ذلك القروي الأمي لقب "وزير الشعراء".&&&&&&
&&&& هل رأيتم بلدا عربيا مشرقا ومغربا فتح أبوابه ولو مواربة أمام العراقيين أو أمام عرب آخرين بالطريقة التي فتحها صدام حسين؟
&&&& كانت الدول العربية توصد أبوابها برتاج حديدي في وجه العراقيين، فيما كانت حكوماتها تتنافس على تسليم الهاربين من جحيم الحروب والحصار إلى جلادهم طمعا ببعض فتات مائدته السخية، ومن استقر فيها بالرشوة أو بالواسطة ظل يعاني الخوف والقلق والبطالة والحرمان من أبسط شروط العيش الكريم. كان مهندس الكمبيوتر العراقي في الأردن يتقاضى مرتبا شهريا أقل مرتب من جامع القمامة، والأستاذ الجامعي في الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الهمايونية العظمى جداً جداً كان يقيم في كابينات خشبية رثة من مخلفات الجنود الإيطاليين، وحين يضطر للخروج منها عليه أن يزحف كالأطفال.
&&& وها هم "الأشقاء" اليوم بعد أن وقع الجرذ القذر في يد العدالة وحان موعد الاقتصاص منه يتنافسون على تسييجه بالحصانة القانونية لحمايته من المحاكمة, لأنهم يدركون أنها ستكون أم المحاكمات التي تكشف الأسرار وتفضح الخفايا وتضعهم موضع الشريك في الجرائم التي ارتكبها عن سابق قصد وتصميم.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة مرحلة بشخوصها ورموزها وأحزابها ومنظماتها وصحفها وقنواتها الفضائية منها والأرضية، محاكمة فكر متوحش يرى في قمع العراقيين وتعذيبهم وقتلهم ومطاردتهم في كل مكان طريقا لتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة كل ملك ورئيس عربي سعى وراء مغانم سياسية ومصالح شخصية استخفت بمعاناة الشعب العراقي وبفقره وبؤسه وعزلته الطويلة من اجل الإبقاء على السلطة والامتيازات وضمان تدفق النفط رخيصا أو على شكل هبات.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة كل شاعر مداح وصحفي مرتزق وكاتب منافق ورجل أعمال مراب ومحام عديم الضمير وفقيه مأجور.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة كل "زعيم" حزب مرتش دفع بالمغفلين والحمقى إلى الشوراع ليهتفوا للطاغية، ولكل رئيس منظمة جعل منها بوقا لخمة نظام الجور والطغيان من أجل حفنة من الدولارات.
&&&& محاكمة صدام حسين في العراق وعلى أيدي العراقيين ستكون وقفة عظيمة مع التاريخ مثلما ستكون حداً فاصلا بين الحاضر والمستقبل، فلن نرى بعدها من يجد الأعذار لغلاظ القلوب والقساة ومن يمعنون في ممارساتهم الدموية، ويبررون فظاعاتهم باسم الأمن مرة أو باسم الحفاظ على السيادة مرة أخرى أو باسم "الأهداف القومية الكبرى" مرات ومرات.
&&&& ويبدو أن الوقت حان لكي يتغدى الضحايا العراقيون بجلادهم، آن وقت القصاص ليكون صدام حسين عبرة لكل الطغاة أينما كانوا، فإذا كان العراق قد تخلص نهائيا من عبء تاريخه الدموي فان أرواح مئات الآلاف من أبنائه تطالب بالثمن الذي دفعته لكي تنتصر الديمقراطية، وتتعزز مبادئ التعددية وحقوق الإنسان.
&&& لم يكن صدام حسين مجرد طاغية مستبد حكم العراق بالنار والحديد وفرض عليه ثقافة العنف الفاشية. كان عنصريا طائفيا عشائريا بل مناطقيا كارها للشعب العراقي مفضلا عليه شعوبا أخرى فتح لها الأبواب مشرعة لتصل أعدادها بالملايين حتى يكسب بواسطتها زعامة إقليمية زائفة وسمعة أكثر زيفا كقائد للأمة الثكلى بعد رحيل عبد الناصر وتنازع أبنائه على تركته البائسة. ألم يقل القذافي يوما وهو يذرف الدموع: جمال أبي؟
&&& وما كان لصدام حسين أن يظل متربعا على عرش العراق 35 عاما لولا تواطؤ العرب من المحيط إلى الخليج ومشاركتهم في صنع أسطورته كـ "حارس للبوابة الشرقية"، ولما تسنى له مواصلة حروبه الدموية لولا كرمهم وإغداقهم عليه مليارات الدولارات، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي الذي كان يلقاه منهم في الجامعة العربية والأمم المتحدة ومنظمة عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي.
&&&& في الثمانينات تجاوز عدد المصريين في العراق الأربعة ملايين، والفلسطينيون النصف مليون، وكان آلاف من الفلاحين المغاربة قد استقلوا بقرية خاصة بهم في الجنوب، والسودانيون واليمنيون احتلوا حي البتاوين الواقع في قلب بغداد، فيما احتل السوريون أحد أرقى أحيائها خلف وزارة الدفاع، أما الأردنيون واللبنانيون والتونسيون والجزائريين فقد استحوذوا على المطاعم والفنادق الكبرى وتجارة الاستيراد والتصدير، كل هذا كان يجري بصورة منهجية منظمة، فيما كان العراقيون يعلقون على المشانق أو يقتلون بالجملة على جبهات الحروب التي شنها صدام في كل الاتجاهات.
&&&& حتى في وظائف الدولة الكبرى كان وكيل وزارة الزراعة سوريا والمدير العام للإعلام أردنيا ورئيس التحرير فلسطينيا، وسفير العراق في البرازيل تونسيا وممثل العراق في اتحاد الإذاعات العربية لبنانيا والمسؤول عن العلاقات العراقية ـ المغاربية سودانيا وعن العلاقات العراقية ـ الخليجية يمنيا. لم يصب العراق بالعقم ولم يعجز عن إنجاب كوادر أو كفاءات، لكنها مشيئة "النظام القومي" الذي يذل المواطن ويعز الغريب.
&&&& وفيما كانت مجلة العراق الرئيسية "ألف باء" تصدر بأوراق أشبه بأكياس الأسمنت كانت صحف التدجيل والتبجيل وحاملي المباخر تخرج على أيدي حفنة من اللبنانيين المحظوظين زاهية الألوان وبأوراق مثل صفائح الفضة. وبينما كان مرتب الصحفي العراقي لا يزيد على 200 دولار، كان الصحفي الزائر يتلقى في المرة الواحدة بين 10 و100 ألف دولار. أما رؤساء التحرير فنصيبهم سيارات المارسيدس أو الشقق الفارهة في بيروت وباريس ولندن. ودونكم الرئيس حسني مبارك لتسألوه كيف صادر "المرسيدسات" لصالح رئاسة الجمهورية وعوض رؤساء تحرير الصحف بسيارات من ماركة "نصر".
&&&& وقبل أن يتفضل "القائد الضرورة" بمكرمته على الصحفيين العراقيين بمنحهم قطع أراض في منطقة موحشة تقع في الطريق بين بغداد وديالى خالية من الماء والكهرباء، كان قد شيد للصحفيين الأردنيين مدينة خاصة كاملة الأثاث والتجهيزات، في حين مازال العراقيون لم يكملوا بعد الأقساط الشهرية لقطع أراضيهم، فهل بعد هذا يصعب فهم أسباب اندفاع الصحافة الأردنية وراء "القائد المظفر"، وتبرير حروبه ومجازره؟
&&&& وفي كل مهرجان "مربد" أو "بابل" تحمل الطائرات المئات من شعراء الدرجة العاشرة ومثلهم من الصحفيين المغمورين ليتحولوا في غمضة عين إلى نجوم في سماء الأدب والثقافة. لموريتانيا وحدها كانت تتوجه طائرة خاصة لتقل على متنها 100 شاعر بالتمام والكمال. هل سمعتم باسم شاعر موريتاني؟
&&&& وذات مربد، وحين كانت الحاجة ماسة إلى "نجوم" حقيقيين، اتصل "رئيس جمهورية العراق" بـ "رئيس دولة فلسطين" ليحضر على وجه السرعة محمود درويش. ومنذ وصوله إلى المطار حتى ساعة مغادرته ظل وزير الإعلام العراقي آنذاك لطيف نصيف جاسم يقود بنفسه السيارة التي يستقلها درويش، وقد رد شاعر القضية الفلسطينية على هذا الشرف الرفيع الذي لم يحظ به من قبل بأن أطلق على ذلك القروي الأمي لقب "وزير الشعراء".&&&&&&
&&&& هل رأيتم بلدا عربيا مشرقا ومغربا فتح أبوابه ولو مواربة أمام العراقيين أو أمام عرب آخرين بالطريقة التي فتحها صدام حسين؟
&&&& كانت الدول العربية توصد أبوابها برتاج حديدي في وجه العراقيين، فيما كانت حكوماتها تتنافس على تسليم الهاربين من جحيم الحروب والحصار إلى جلادهم طمعا ببعض فتات مائدته السخية، ومن استقر فيها بالرشوة أو بالواسطة ظل يعاني الخوف والقلق والبطالة والحرمان من أبسط شروط العيش الكريم. كان مهندس الكمبيوتر العراقي في الأردن يتقاضى مرتبا شهريا أقل مرتب من جامع القمامة، والأستاذ الجامعي في الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الهمايونية العظمى جداً جداً كان يقيم في كابينات خشبية رثة من مخلفات الجنود الإيطاليين، وحين يضطر للخروج منها عليه أن يزحف كالأطفال.
&&& وها هم "الأشقاء" اليوم بعد أن وقع الجرذ القذر في يد العدالة وحان موعد الاقتصاص منه يتنافسون على تسييجه بالحصانة القانونية لحمايته من المحاكمة, لأنهم يدركون أنها ستكون أم المحاكمات التي تكشف الأسرار وتفضح الخفايا وتضعهم موضع الشريك في الجرائم التي ارتكبها عن سابق قصد وتصميم.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة مرحلة بشخوصها ورموزها وأحزابها ومنظماتها وصحفها وقنواتها الفضائية منها والأرضية، محاكمة فكر متوحش يرى في قمع العراقيين وتعذيبهم وقتلهم ومطاردتهم في كل مكان طريقا لتحرير فلسطين وتحقيق الوحدة العربية.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة كل ملك ورئيس عربي سعى وراء مغانم سياسية ومصالح شخصية استخفت بمعاناة الشعب العراقي وبفقره وبؤسه وعزلته الطويلة من اجل الإبقاء على السلطة والامتيازات وضمان تدفق النفط رخيصا أو على شكل هبات.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة كل شاعر مداح وصحفي مرتزق وكاتب منافق ورجل أعمال مراب ومحام عديم الضمير وفقيه مأجور.
&&&& محاكمة صدام حسين هي محاكمة كل "زعيم" حزب مرتش دفع بالمغفلين والحمقى إلى الشوراع ليهتفوا للطاغية، ولكل رئيس منظمة جعل منها بوقا لخمة نظام الجور والطغيان من أجل حفنة من الدولارات.
&&&& محاكمة صدام حسين في العراق وعلى أيدي العراقيين ستكون وقفة عظيمة مع التاريخ مثلما ستكون حداً فاصلا بين الحاضر والمستقبل، فلن نرى بعدها من يجد الأعذار لغلاظ القلوب والقساة ومن يمعنون في ممارساتهم الدموية، ويبررون فظاعاتهم باسم الأمن مرة أو باسم الحفاظ على السيادة مرة أخرى أو باسم "الأهداف القومية الكبرى" مرات ومرات.
التعليقات