كريم كطافة
&
&

أنا حقاً أريد أن أتضامن مع الأخوة العرب، وجدت أن محنتهم هي محنة حقيقية، فجأة يتهشم& أمام أعينهم ذلك الحلم الجميل، الذي صور لهم أن ثمة بطل في الساحة، سينقذهم من كل ما يعانون منه من ويلات وظلم واستلاب، ويوزع عليهم في المحصلة ثروات عرب البترول. هؤلاء البخلاء الذين ينفقون بدون وجع قلب على كل من هبت ودبت من حور العين والولدان المخلدين في الدنيا، مستثنين أبناء جلدتهم. وهذا حقهم، ليس ذنبهم أن الحكومات العربية أوصلتهم إلى هذه القناعة وبالملموس أن لا حل لمصائبهم إلا بصلاح دين جديد.. وأمريكا الملعونة هي كذلك تآمرت عليهم مع حكوماتهم، وأشارت إليهم بذلك الـ(صلاح الدين) الجديد، ولأنهم لا يدرون وما زالوا لا يدرون أن هذا الـ(صلاح الدين) هو استنساخ وليس أصلي (أورجينل).. كيف يعرفون هذا وهم على مدى سنين يستهلكون بضائع تايوان وسنغافورة على أنها يابانية (أورجينل)، من اين لهم معرفة درابين أرباب الصناعة، وتلك الماركة اللعينة& (made in Jaban ) ممكن& شراءها ببساطة. المهم وقع الفأس بالرأس، وساحت الدماء من رؤوس أخواني العرب.. لقد استثنيت رأسي، لأني منذ زمن بعيد وبالصدفة هبط علي وحي جعلني أميز بين (الأورجينل) و (الاستنساخ).. لهذه الأسباب كلها أتضامن معهم، وأواسيهم بهذه الرواية. أولاً؛ من باب واجب التضامن مع الأخ إذ تجده في محنة، وثانياً لأني ما زلت لم أتبرأ من عرقي العربي.
أحاول أن لا أكون مملاً، رغم معرفتي أن هذه المحاولة هي غير مضمونة. كلنا شاهدنا تلك المشاهد المخجلة لبطل الأمة (صلاح الدين) الجديد، وهو بين يدي آسريه من الأمريكان المحتلين للعراق. لكن هذه الـ (كلنا)، وبعد دقائق فقط انشقت على نفسها، وتحولت إلى شذر مذر، كتلة من هذه الـ(كلنا) وهي كتلة لا يستهان بها كونها ضمت كثرة من العراقيين أصحاب الشأن، صدقت بكل سذاجة الرواية الأمريكية، لنقل الفيلم الأمريكي، بطل الأمة ظهر لا هو بطل ولا هم يحزنون، لم يكن أكثر من فأر تم إنقاذه من جحر كان لا محال سيقضى عليه فيه من تلقاء نفسه، وما فعله الأمريكان، أنهم أنقذوا هذا الفأر البائس أولاً من خطورة الجحر، وثانياً وهذا هو المهم، من أيدي العراقيين، فيما لو عثروا عليه بأنفسهم. وأنا بصراحة كنت من أنصار هذه السذاجة، قبل انتقالي إلى خندق التضامن مع أخواني العرب. هذه الكتلة الأولى، أما الثانية فأمرها أمر، لأنها كذلك انشقت على نفسها، وتحولت إلى شذر مذر، منهم من قائل؛ أن المحتلين الأمريكان قد خدروا الرجل، وقبضوا عليه بالتالي مخدراً، وحرموه من أن يقاتلهم كما يتقاتل أو حسب التعبير الرئاسي (يتناطح) الرجال. وآخر قائل أن الرجل هو بأيديهم منذ زمن طويل، ومارسوا بحقه كل أنواع التعذيب النفسي والإهمال، حتى أوصلوه إلى ما وصل إليه، مستنداً في هذا إلى النظرية اللونية للبلح الأصفر في كانون الأول، وآخرون أمتشقوا رواية تقول؛ أنه قد قاتلهم وقتل منهم 150 عنصر ودمر ما دمره من مدرعات وآليات، ولم يلحق، أو نسى في دوشة المعركة أن يترك لنفسه الطلقة الأخيرة، كما كان يوعد ويتوعد، وبالتالي أخذوه غدراً.. وروايات كثيرة نسجت على منوال الخلط بين الروايات، أخذت من هذه شيء ومن الأخرى أشياء، من مثل أنه عميلهم من زمان، وما هذه إلا مسرحية يريدون تمريرها علينا، (قابل أحنا زواج؟؟) روحوا يا أمريكان شوفوا غيرها، هاي ما تمشي علينا.. وفي رواية أخرى عن.. عن.. عن.. أن الغدر هو من طبع الأمريكان، لأنهم ضحكوا عليه، كان عبر مراسلاته معهم بصفته رئيس العراق، وهم محتلي البلد، أنه وافق أخيراً، بعد رؤيته لموازين القوى على الأرض، وافق على التفاوض، الذي عرضوه عليه، حصل هذا منذ أشهر مضت، وما أن وصلت الأمور إلى حد اللقاء المباشر لوضع النقاط على الحروف في مفاوضاتهم أو التوقيع، حتى قبضوا عليه غدراً، وأيضاً بطريقة التخدير.
طيب، أمام هذا الكم الهائل من الروايات، ليس من المعقول لواحد بسيط مثلي، أن يظل صامداً على سذاجته المصدقة للفيلم الأمريكي. لا بد له من أن يتلحلح ولو قليلاً. وها أنا أعلن أني قد تلحلت ليس قليلاً، بل كثيراً، وصار باستطاعتي الآن أن أنسج رواية خاصة بي، ولا بأس من تذييلها أو تقديمها بالكليشة إياها، قال.. عن.. عن.. عن.. وأستطيع أن أطول هذه الـ(عن)ات إلى ما شئت. أحسب أن روايتي منطقية، تستند إلى علم النفس، وبالأخص علم نفس القادة والعظماء من هذه الأمة، كذلك هي تنسجم مع الوعي الجمعي للعرب العاربة والمستعربة، وأخيراً هي تنسجم تماماً مع طباع القائد التي عودنا عليها منذ زمن طويل.. روايتي تقول؛ أن القائد وبسبب امتلاكه بعد نظر بعيد (مو شلون ما جان) استعير هنا تعبير الملعون ( مو شلون ما جان) سمير سالم، وأفق استراتيجي كذلك بعيد (مو شلون ما جان)، كان على الدوام يرى ما لا نراه نحن البسطاء والعامة من هذه الأمة، وهو ما زال كذلك، لهذه الأسباب قام البطل هذه المرة هو ومن تلقاء نفسه بتسليم نفسه بنفسه للمحتلين، لأنه على قناعة أن الأمريكان وبسبب الكثير من الملابسات الدولية سوف لا يقتلوه، وأن حياته بقد ما هي مهمة له ولأمته، كذلك هي مهمة للأمريكان، لذلك سيبقون عليه، وهو من الآن لديه خطة حكيمة سيجاريهم بها إلى حين، لكن إلى حين فقط، فيما بعد ستحين الفرصة المواتية التي يراها الآن كما يرى كفه، لينقلب عليهم ويحمل عليهم مع أمته حملة رجل واحد ويجعلهم كعصفٍ منثور. ويحرر القدس وكل فلسطين من الماء إلى الماء، ويكنس الحكومات العربية الخانعة لإملاءات الامريكان، ويصدر بالتالي الحضارة التي هي الآن بين يدي العرب إلى الغرب الكافر، حاملاً شعلة التنوير كما حملها أجداده العظام من أمثال معاوية، وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك، والحجاج بين يوسف الثقفي.. مروراً بهارون الرشيد وتجاوزاً على أبو العباس السفاح.. وصولاً إلى صلاح الدين (الأورجينيل).. هكذا ستستعيد الأمة مجدها أخيراً..
أهدي روايتي هذه إلى كل عربي شريف ما زال يبحث عن بطل منقذ، وغير مصدق بترهات الأمريكيين، ومن وراءهم العراقيين السذج الخانعين، الراضين بالاحتلال الأمريكي.. والله عجيبة يا جماعة الخير هل هذا معقول أيرضى بشر على هذه البسيطة بالاحتلال!!! غير هؤلاء السذج والخونة.. لقد صدقوا أن أمريكا أتت لسواد عيونهم، رغم أن عيونهم ليست كلها سوداء.. بل هي ملونة من كثرة تلاوين الشعوب التي وطئت أرضهم على مر التاريخ.. وهي هدية كذلك إلى المقاومين من ضباط وعتاوي الحرس الخاص والعام.. اقتلوا كل ما يصادفكم في الشوارع والأسواق، ولا تتقيدوا بقتل الأمريكان، الذين تحصنوا جيداً ضد هجماتكم،& دمروا، خربوا أنابيب النفط والماء وأسلاك الكهرباء والمستشفيات وكل مرفق خدمي.. لكي يقتنع العالم كله أن أمريكا غير قادرة على حفظ الأمن، وبالتالي سيقول لها هذا العالم ( يا بت الأوادم أنت غير قادرة اسحبي قواتك من العراق).. والشعب بعد أن يسئم هذه الفوضى والتخريب، سينقلب على الأمريكان، لأن شعبكم العظيم ليس أكثر من غوغاء ينقادون وراء الجرس، اجعلوا صوت جرسكم هو الأقوى..& قائدكم ينتظركم.. وإلى الوراء وأمتكم من وراءكم.. وليخسأ الخاسئون..