"ايلاف"&من الرباط : لم تسجل، في الغالب، حلال عقد السبعينيات، في سجل وكالة الاستخبارات المركزية، فضيلة التخطيط لانقلاب عسكري أومساعدة ثورة ، بهدف إقامة نظام ديموقراطي بديل لحكم مستبد ، بل إن سجلها حافل بنقيض ذلك في قارات أمريكا اللاتينية ,آسيا وأفريقيا، تحت ذرائع مكافحة الشيوعية الزاحفة، أو حفاظا على مصالح القوة العظمى العسكرية والاقتصادية، وحضورها في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الحساسة في مناطق شتى من العالم.
لكن ما نشرته أمس صحيفة "لاراثون" الإسبانية، المقربة من الاستخبارات العسكرية الإسبانية، يكشف عن وجه آخر للوكالة الأمريكية الذائعة الصيت والمقرونة بالأفعال المشينة من& وجهة نظر خصومها. ففي اعتقاد& اليومية أن" السي آي إيه"قدمت لمنظمة "إيتا" الانفصالية معلومات استخباراتية ودعما لوجيستيا ، مكنها من اغتيال الأميرال" كاريرو بلانكو" رئيس الحكومة، قبل ثلاثين سنة في ديسمبر 1973
وطبقا لمعلومات الجريدة التي استقتها من وثائق المخابرات الإسبانية في عهد الديكتاور الراحل "فرانكو" فإن الذي حمل المخابرات الأمريكية على التورط في حادث الاغتيال ، يكمن في عدم رضا "واشنطن" آنذاك عن استمرار نهج الفرانكوية بعد رحيل "فرانكو" والذي كان يرمز إليه الأميرال المغتال.
وتستدل المطبوعة على أطروحتها بالتذكير بالزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي "نيكسون" إلى مدريد عام 1970 وإثارته مع فرانكو مسألة خلافته، حيث ظهر خلاف بين الرئيس والديكتاتور بصدد مستقبل النظام السياسي في إسبانيا بعد وفاته.
وتضيف "لاراثون" أن كاتب الدولة الأمريكي " هنري كيسنجر" زار العاصمة الإسبانية شهرين قبل اغتيال " كاريرو" الذي اجتمع به ودار بينهما نقاش مماثل لما جرى بين "نيكسون" و"فرانكو" استنتج كاتب الدولة إثر اللقاء أن"الأميرال" يمثل عرقلة في طريق التطور والانفراج السياسي بإسبانيا.
وهكذا، سحبت الولايات المتحدة غطاء الحماية عن الديكتاتور العجوز، ومن يفترض أنه خليفته ، فالتقطت المنظمة الانفصالية "إيتا" الإشارة وصارت تخطط للحادث الذي روع ذات مساء العاصمة الإسبانية حيث هز انفجار ضخم استهدف موكب الأميرال الذي كانت "إيتا " تعرف مسبقا خط سيره وتوقيته.
وقد تمكنت المنظمة الإرهابية ،استنادا إلى معلومات "لاراثون"، من وضع قنابل شديدة الحساسية وقوية الانفجار في نفق مر فوقه الموكب ، فتطايرت أشلاؤه وقطع وأجزاء السيارات المصاحبة على طول وعرض مسافات، بل ارتفعت ولامست طوابق عليا.
واعتبرت القنابل المستعملة في ذلك الوقت ، جد متطورة، لم تكن بحوزة منظمة "إيتا" بل حكرا على الجيش الأمريكي الذي استعملها في حرب "الفييتنام". وهي قنابل صغيرة الحجم ، تدار عن بعد بواسطة "الريموت كونترول،وهي التقنية التي لم تكن رائجة على نطاق واسع. واستقدمت& المتفجرات من الولايات المتحدة عن طريق القواعد الأمريكية الموجودة في إسبانيا.
ولم تكشف التحقيقات القضائية والأمنية التي أجريت عن معرفة الجناة الحقيقيين ، ومما زاد الأمر غموضا أن الوكيل العام الذي تولى التحقيق في النازلة، قد قضى نحبه هو الآخر، بعد عام ونصف في حادث مروري غامض حسب اليومية الإسبانية ، وربما كان مقتنعا بمشاركة المخابرات الأمريكية بتواطؤ مع نظيراتها الغربية ، لكن الجريدة تشير إلى احتمال دخول فرنسا على الخط لرغبتها في الإيقاع بين "واشنطن " و"مدريد" في ذلك الوقت.
وكانت إصبع الاتهام قد امتدت، عقب حادث الاغتيال ، إلى مخابرات الاتحاد السوفياتي السابق، باعتباره صاحب المصلحة في محو آثار "الفرانكوية" لتمكين اليسار من الثأر لاندحاره في الحرب الأهلية الإسبانية عام1936
وعلى أي فقد ذهب "كاريرو" ضحية تأييده اللامشروط ل "فرانكو" الذي التحق به بعد أقل من سنتين ، وفتح باب الديموقراطية على مصراعيه ، ولم تثر قضية الاغتيال اهتمام المحققين ولا تعاطف الرأي العاما الذي نسي مآسي النظام البائد.
إلى أي حد يجوز تصديق رواية "لاراثون" المثيرة؟ هل هي محاولة لتبييض وجه المخابرات المركزية أم إيغال في الغموض؟