"إيلاف"من القاهرة:اندلعت في مصر بوادر معركة قضائية على خلفية حرب "داحس والغبراء" المصرية، التي يشتبك فيها "كُتّاب المارينز" مع "أرامل صدام"، ومن المتوقع أن تكون هذه الجولة الجديدة مادة للجدل الساخن خلال الأيام المقبلة، إذ تبادل كل من الدكتور سعد الدين ابراهيم، أستاذ الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، والصحافي مصطفي بكري رئيس تحرير صحيفة (الأسبوع) المصرية، بلاغين قضائيين، حيث اتهم بكري في بلاغه الدكتور إبراهيم بتلقي أموال من الولايات المتحدة، والتحريض ضد مصر، والإضرار بالأمن القومي، في ما اتهم د. إبراهيم، في بلاغه بكري بقذفه وسبه واتهامه بالعمالة لجهات أجنبية في سلسلة مقالات وتقارير نشرتها الصحيفة التي يرأس تحريرها مصطفى بكري.
وبدأت النيابة العامة المصرية تحقيقاتها في البلاغ المقدم من الناشط المصري في الدفاع عن الديموقراطية د. سعد الدين إبراهيم، الذي اتهم فيه الصحافي بكري بسبه وقذفه ووصمه بالعمالة لجهات اجنبية، والإضرار بأمن مصر القومي والسعي إلى اقتطاع مليوني دولار من حساب المعونة الأميركية المخصصة لمصر، لتوجيهها إلى مركز (ابن خلدون) للدراسات الإنمائية، الذي يديره د. إبراهيم، الذي يحمل الجنسية الأميركية إلى جانب جنسيته المصرية.
بيانات وبلاغات
وسبق أن أصدر إبراهيم بياناً في أعقاب ما نشر في هذا الصدد، أكد فيه أن مركز ابن خلدون "لم يطلب من الكونغرس الأميركي أي مساعدات أو هبات", مؤكداً أنه لم يتسلم أي إخطار رسمي بتخصـيص هذه الأموال لمصلحة المركز.
كما استمعت النيابة أيضاً إلى بلاغ مصطفي بكري، الذي قرر ـ وفقاً لمصادر قضائية ـ أن الافعال التي يتهم إبراهيم بارتكابها يؤثمها القانون المصري، وطالب باستدعاء سفير مصر لدى واشنطن، والاستماع لأقواله بشأن المنح الأميركية المخصصة لمركز ابن خلدون، وعلاقتها بالمنحة الأميركية المخصصة لمصر، والمناقشات التي دارت في الكونغرس بشأنها.
وكتب بكري في صحيفة (الأسبوع) التي يرأس تحريرها إن "سعد الدين ابرهيم يستعدي قوة أجنبية هي الولايات المتحدة على مصر حين يطالب باستخدام سلاح المعونة للضغط من أجل تنفيذ برنامج الرئيس الاميركي جورج بوش للديموقراطية في العالم العربي". وأوضح أنه قدَّم بلاغاًً الى النائب العام ضد ابرهيم "مطالبا بمعاقبته بتهمة تحريض الولايات المتحدة على تغيير نظام الحكم في مصر بالقوة"، وعلّق ابرهيم بأن " ما جاء في بلاغ بكري للنائب العام كلام فارغ. نحن متأكدون من أنفسنا ومن موقفنا ولا تهتز شعرة فينا بسبب هذا الهجوم، وأن البلاغ حيلة قانونية من بكري للردِّ على بلاغ تقدمت به الى النائب العام عن قذف منشور في صحيفة (الأسبوع) في حق مركز ابن خلدون، حيث وصف المركز بأنه مستعمرة صهيونية أميركية وأنه مقر الاستخبارات الاسرائيلية والاستخبارات الاميركية".
وكان مصطفى بكري قدم بلاغاً منفصلاً ضد إبراهيم اتهمه فيه بتلقي اموال من الخارج، وتحريض جهات اجنبية ضد مصر والمطالبة باستخدام المعونة الاميركية كأداة ضغط لتحقيق الإصلاح السياسي في مصر، وهو ما نشره سعد الدين ابراهيم في عدد من الصحف المصرية والعربية والاجنبية"، على حد ما ورد في بلاغ بكري للنيابة، الذي اعتبر فيه أن "هذه المبالغ تعد بمثابة تمويل أجنبي لمركز ابن خلدون لإعداد تقارير وبحوث عن الاوضاع في مصر، وتقديمها لجهات أجنبية على نحو يؤدي الى عدم الاسقرار"، على حد قوله في البلاغ المقدم منه إلى النيابة العامة.
هذا ومن المتوقع أن تستدعي النيابة العامة الدكتور سعد الدين ابراهيم لسماع اقواله في هذا الشأن، خلال الايام القادمة.
سير ذاتية
واشتهر مصطفى بكري خلال الفترة الماضية كضيف دائم على الفضائيات العربية، خاصة الجزيرة القطرية، كواحد من الذين يتبنون خطاباً ناصرياً قومياً تقليدياً، وخاض عشرات المعارك ضد سمير رجب رئيس مجلس إدارة دار التحرير الصحافية، ورئيس تحرير صحيفة "الجمهورية"، وأحد المقربين من دوائر الحكم في مصر، رغم أن مصطفى بكري نفسه ينظر اليه في أوساط الصحافيين المصريين كأحد المقربين من صفوت الشريف وزير الإعلام المصري، وأمين عام الحزب الحاكم.
وسبق أن عمل بكري محرراً في مجلة "المصور" المصرية، كما رأس تحرير صحيفة "الأحرار" وغيرها، وعمل أيضاً كمراسل لراديو "مونت كارلو" قبل أن يحصل على ترخيص مصري بإصدار صحيفة (الأسبوع) التي يرأس تحريرها حالياً.
في حزيران (يونيو) الماضي، سجن مصطفى بكري، وشقيقه محمود بكري، تنفيذاً لحُكم قضائي بحقّهما، يقضي بسجنهما لمدّة عام، عندما قدّم رئيس حزب العدالة الاجتماعية السابق محمّد عبدالعال، دعوى سب وقذف، في حقّ الشقيقين، عندما كان مصطفى بكري رئيساً لتحرير صحيفة "الأحرار" لسان حال حزب الأحرار المصري المعارض، وأفرج عن الشقيقين بكري لاحقاً بقرار من النائب العام.
أما د. سعد الدين إبراهيم، فهو ناشط بارز في مجال الدفاع عن الديموقراطية، وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وسبق أن اتهمته السلطات المصرية في قضية شهيرة بدأت وقائعها في 30 حزيران (يونيو) عام 2000 حيث القي القبض على ابراهيم وسبعة وعشرين من العاملين والمتعاملين مع مركز ابن خلدون الذي يديره إبراهيم، وتمت احالتهم على محكمة امن الدولة العليا، وفي 21 آيار (مايو) قضت المحكمة بمعاقبة ابراهيم بالسجن سبع سنوات ومعاقبة خمسة من معاونيه بمدد تتراوح ما بين عامين وخمسة اعوام عن تهم منها تلقي اموال من الخارج بالمخالفة لقرار عسكري يحظر تلقي اموالاً من الخارج من دون اخطار الحكومة المصرية، واذاعة اخبار وبيانات كاذبة، أو مغرضة حول اضطهاد المسيحيين وتزوير الانتخابات والنصب على الاتحاد الاوروبي"، فطعن على الحكم الصادر ضده، وقبل طعنه، وقررت محكمة النقض إعادة محاكمته أمام دائرة قضائية جديدة.
وفي 27 نيسان (ابريل) 2002 بدأت اعادة المحاكمة مجدداً، وفي 29 تموز (يوليو) 2002 قضت المحكمة بمعاقبة ابراهيم بنفس العقوبة الاولى وهي السجن سبع سنوات، وقضت بمعاقبة ثلاثة من معاونيه بالسجن ثلاث سنوات، فقدم طعناً جديداً في الحكم وقبلته محكمة النقض للمرة الثانية في الثالث من كانون الأول (ديسمبر) 2002 ، وحددت جلسة الرابع من شباط (فبراير) الماضي لنظر القضية باعتبارها "محكمة موضوع"، لتصدر أخيراً حكمها التاريخي ببراءته من كافة التهم المنسوبة إليه بعد جولة قضائية طويلة ومريرة، استغرقت نحو ثلاث سنوات.
التعليقات