سليمان يوسف يوسف
&
&
&
&
أخيراً تم القبض على بطل (أسطورة الوهم) صدام حسين، هذه الشخصية التي قيل عنها الكثير ونسج حولها العديد من الأوهام، وهي مازالت تثير جدلاً كبيراً وسجالاً حامياً، على امتداد الساحة العراقية والعربية، بين مؤيدين لصدام حسين ومعارضين له، بين معجبين به ومقيتين له. فهناك من يرى فيه بطلاً قومياً عربياً، لأنه كان يبدو في نظرهم فارساً عربياً أصيلاً يتحدى أمريكا ويتمرد عليها. وهناك من ينظر له على أنه (بيدق) على رقعة شطرنج تحركه أمريكا متى وكيفما شاءت.
حقيقة انشغل العالم، ربما استمتع، على امتداد ربع قرن من الزمن بشخصية (صدام حسين) الرئيس العراقي المخلوع والمقبوض عليه والقابع اليوم خلف القطبان. فقد لعب (صدام حسين) وبنجاح كبير دور (البطل) في (مسلسل سياسي) طويل، بطول (المسلسلات المكسيكية)، تعددت فصوله وتناقضت مشاهده، التي جمعت معاً بين المأساة الإنسانية والملهاة السياسية. إذ تؤكد جميع أحداث وتطورات هذا المسلسل، منذ أن بدأت حلقاته الأولى بالانقلاب على ميثاق الوحدة مع سوريا عام 1979 وإعدامه أكثر من نصف أعضاء القيادة القطرية والقومية لحزب البعث في العراق، مروراً بالحرب على إيران ثم غزو الكويت، حتى سقوط بغداد في التاسع من نيسان 2003، وصولاً إلى المشهد الأخير لحظة(القبض على صدام حسين)، على أنه كان مسلسلاً أمريكياً بامتياز من حيث الإخراج، لكنه كان عربياً بامتياز من حيث الإنتاج والتمويل. فقد استطاعت أمريكا، بعد أن درست طبائع صدام حسين وحللت شخصيته، خاصة تعطشه الزائد للسلطة وغروره الكثير بنفسه وحبه للبروز والظهور كمارد عنيد، استطاعت وبنجاح كبير أن توظف (صدام حسين)، من حيث يدري أو لا يدري، ليلعب دور البطل في هذا (المسلسل السياسي)، الذي انتهت أحداثه بذلك المشهد الأخير، لحظة (القبض على صدام) مساء يوم 13كانون الأول- قد يعترض البعض، وهو اعتراض مشروع، على أن المسلسل لم ينته بعد لأن هناك حلقة (المحاكمة)، محاكمة بطل الفلم (صدام)، التي ينتظر العالم أحداثها وبدأ المحللون ورجال القانون يجتهدون في كيفية إجرائها، لكن باعتقادي أن فصل (المحاكمة) ليس على قدر كبير من الأهمية من الناحية السياسية، إذ لن يكون للمحاكمة أي تأثير يذكر على الملف أو المشهد السياسي العراقي، أياً يكن شكل المحاكمة ونوع الحكم الذي سيصدر عنها بحق صدام حسين-.
عودة إلى (المشهد الأخير) من المسلسل، الصور التي ظهر فيها (صدام حسين) لحظة اعتقاله، كما عرضته قوات الاحتلال الأمريكية، مستسلماً ذليلاً بين أيدي الطبيب العسكري الأمريكي الذي فاجئ الكثيرين، خاصة المؤيدين لصدام حسين والمتعاطفين معه. لقد أثار منظر (صدام حسين) جدل كبير وسجال حامي بين المثقفين والمحللين السياسيين والعسكريين، حيث اختلفوا في تفسير هذا المشهد وفي تحليله عناصره وتفكيك رموزه، البعض فسر سبب حالة صدام المنهار نفسياً وجسدياً بتأثير غاز مخدر ألقى به جنود الأمريكان في الجحر الذي كان يختبئ فيه، والبعض الأخر فسره بتأثير قوة الصدمة النفسية التي أنصدم بها صدام عندما تفاجئ بالجنود الأمريكان وهم فوق رأسه.
لكن ما يهمنا في هذه القضية ومن المشهد الأخير من (المسلسل) ما أثاره، مظهر (صدام حسين) وحالته النفسية، من ردود فعل متضاربة في الشارع العربي، حيث انقسم العرب على امتداد الساحة العراقية والعربية حول تفسير وقراءة أبعاد وتداعيات هذا المشهد والأهداف الأمريكية من إظهار صدام بهذا المنظر. حتى أن (فضائية الجزيرة) خصصت حلقة من برنامج( الاتجاه المعاكس) لمناقشة هذا المشهد والتعليق عليه، وطرحت الموضوع للتصويت بصيغة سؤال: هل أرادت أمريكا إهانة العرب وبشكل مقصود من خلال إهانة صدام حسين بهذه الطريقة؟ وجاءت النتيجة 95% قالوا نعم؟ إذا سلمنا بنتيجة التصويت وأخذنا بها يكون غالبية العرب يرى في المشهد الأخير لصدام حسين خبثاً أمريكياً استهدفت منه إهانة العرب، جميع العرب، حكام وشعوب، من خلال أظهار صدام بهذا الموقف الذليل والمهين وتحويل صورة (البطل الأسطوري) التي ترسخت في أذهان الكثيرين من العرب، إلى كائن خنوع مهزوم يختبئ في جحر تحت الأرض.
أرى أن استنباط هذا الحكم( إهانة كل العرب) من خلال (إهانة صدام حسين) له دلالات سياسية وفكرية كبيرة هي على قدر كبير من الأهمية تستدعي الوقوف عندها في هذه المرحلة التاريخية والحساسة التي تمر بها المنطقة. فهذا الربط بين شخص (صدام حسين) وعموم (الشعوب العربية) يعري، من جهة أولى، حالة الضياع السياسي والتيه الفكري التي تعيشها الشعوب العربية بسبب التضليل الإعلامي والسياسي الذي يمارسه الإعلام العربي عليها، هذا الإعلام الذي تنظر له وتسيطر عليه الأصولية القومية والإسلامية العربية. ومن جهة ثانية، تعكس هذه النتيجة عمق الأزمة (الفكرية والسياسية) التي تتخبط بها معظم أحزاب (الحركة السياسية العربية)، سواء من كان منها في موقع المعارضة أو الحكم. ومن جهة ثالثة جاءت نتيجة التصويت تعبيراً عن الخلل والقصور في الفكر القومي والعقل السياسي العربي الذي مهد للاستبداد السياسي في المجتمعات العربية وتعايش معه.هذا الفكر الذي يبدو أنه لم يخرج بعد من الشرنقة العشائرية وأحكام القبيلة وأعراف البداوة، فهو مازال يعيش في عصر الظلمات والجاهلية العربية بعيداً عن قيم العصر ومبادئ التفكير العلمي. لقد كشف الموقف من صدام حسين ليس فقط إرهاب السلطة العربية وإنما إرهاب الكثير من المثقفين العرب أيضاً، اللذين أظهروا أن كل واحداً منهم يحمل طاغية ودكتاتور في داخله. ولا أظن أن هؤلاء القوميون العرب قد شعروا بذات الذل والإهانة يوم سقطت (بغداد) بأيدي قوات الاحتلال( الأمريكي/البريطاني).
إذا كان المشهد الذي ظهر في (صدام حسين) يمثل إهانة شديدة وإذلال كبير له ولمن يقتدي به وبأفكاره، لكن هل حقاً كان صدام حسين، بكل ما اقترفت يداه من جرائم قتل وتنكيل بالشعب العراق والسوري والكويتي والإيراني وزرعه للعراق بالمقابر الجماعية وتحويله إلى جمهورية الخوف، يمثل رمزاً وطنياً وقومياً عربياً، وهل كان حقاً يجسد الإرادة العربية، حتى يشعر غالبية العرب بذات المهانة والإذلال؟ وبغض النظر عن الجهة التي أمسكت بصدام حسين وألقت القبض عليه، ألم يكن يستحق هذه الإهانة، وربما أكثر، عقاباً على جرائمه وإهاناته للشعب العراقي، فصدام حسين هو أكثر من أهان وأذل العرب حيث فعل بالمجتمع العراقي والكويتي ما عجز عن فعله أعداء العرب والعراق.. ألا يرى هؤلاء أن الترويج أو التعميم لمقولة ( إهانة العرب من خلال إهانة صدام حسين) يخدمون من حيث يدرون أو لا يدرون سياسية أمريكا، إذا كانت حقاً تستهدف إهانة العرب.
لا شكك أن الاستراتيجية الأمريكية تستهدف، ليس الهيمنة على المنطقة فحسب وإنما على العالم أجمع، بعد أن انفردت بقيادته. لكن تحدي أمريكا والحد من هيمنتها لا يأتي بالغوغائية والعودة لقراءة الدفاتر القومية القديمة وتقديس الزعماء والقيادات المأزومة والمهزومة والدفاع عنها وهي تهوي، تلك القيادات التي لم تقدم لشعوبها غير المقابر والمنافي ولم تجلب لأوطانها سوى الويلات والمآسي. فبدلاً من أن يتوجه المثقفون والسياسيون العرب لنقد تجربة نصف قرن من الحكم الوطني والشعارات القومية والوقوف إلى جانب جميع القوى الوطنية العراقية والشعب العراقي من أجل النهوض بالعراق وإخراجه من محنته، نجدهم اختاروا الوقوف إلى جانب الطاغية، حيث قاموا بتشكيل لجان عربية في العديد من الدول العربية من أجل الدفاع عن صدام حسين المهزوم. لقد تناسى هؤلاء فجأة جرائم صدام وتاريخه الأسود وحولوه من شخص جبان مهزوم ذليل إلى رمز وطني وقومي عربي. لقد برروا سكوتهم على جرائم صدام حسين وسحقه للشعب العراقي باسم القضية القومية الكبيرة، واليوم يدافعون عن الدكتاتور باسم ذات القضية. هل يريد هؤلاء القوميين العرب إقناعنا بأكذوبة وأسطورة الوهم ( القائد البطل الرمز صدام حسين) وبكل أكاذيبه. هذه الأسطورة التي كان لأمريكا والغرب دوراً كبيراً ومهماً في صناعتها والترويج لها من خلال المبالغة والتضخيم في قوة العراق العسكرية وتصنيفه (رابع جيش في العالم). لقد هدد صدام حسين بتدمير نصف إسرائيل لكن ماذا كانت النتيجة، تدمير كامل العراق، بعد ثماني سنوات حرب على الجارة إيران وغزو الشقيقة الكويت.
أخيراً:
&لا أدري لماذا يصر الكثير من المثقفين والمفكرين العرب على أن شرف وكرامة العرب تكمن بظهور القادة العرب أبطال ميامين ورموز وطنين وقومين حتى وهم مهزومين، في حين لا يرون مشكلة في استباحة الأوطان وانتهاكها من قبل الأعداء.
حقيقة انشغل العالم، ربما استمتع، على امتداد ربع قرن من الزمن بشخصية (صدام حسين) الرئيس العراقي المخلوع والمقبوض عليه والقابع اليوم خلف القطبان. فقد لعب (صدام حسين) وبنجاح كبير دور (البطل) في (مسلسل سياسي) طويل، بطول (المسلسلات المكسيكية)، تعددت فصوله وتناقضت مشاهده، التي جمعت معاً بين المأساة الإنسانية والملهاة السياسية. إذ تؤكد جميع أحداث وتطورات هذا المسلسل، منذ أن بدأت حلقاته الأولى بالانقلاب على ميثاق الوحدة مع سوريا عام 1979 وإعدامه أكثر من نصف أعضاء القيادة القطرية والقومية لحزب البعث في العراق، مروراً بالحرب على إيران ثم غزو الكويت، حتى سقوط بغداد في التاسع من نيسان 2003، وصولاً إلى المشهد الأخير لحظة(القبض على صدام حسين)، على أنه كان مسلسلاً أمريكياً بامتياز من حيث الإخراج، لكنه كان عربياً بامتياز من حيث الإنتاج والتمويل. فقد استطاعت أمريكا، بعد أن درست طبائع صدام حسين وحللت شخصيته، خاصة تعطشه الزائد للسلطة وغروره الكثير بنفسه وحبه للبروز والظهور كمارد عنيد، استطاعت وبنجاح كبير أن توظف (صدام حسين)، من حيث يدري أو لا يدري، ليلعب دور البطل في هذا (المسلسل السياسي)، الذي انتهت أحداثه بذلك المشهد الأخير، لحظة (القبض على صدام) مساء يوم 13كانون الأول- قد يعترض البعض، وهو اعتراض مشروع، على أن المسلسل لم ينته بعد لأن هناك حلقة (المحاكمة)، محاكمة بطل الفلم (صدام)، التي ينتظر العالم أحداثها وبدأ المحللون ورجال القانون يجتهدون في كيفية إجرائها، لكن باعتقادي أن فصل (المحاكمة) ليس على قدر كبير من الأهمية من الناحية السياسية، إذ لن يكون للمحاكمة أي تأثير يذكر على الملف أو المشهد السياسي العراقي، أياً يكن شكل المحاكمة ونوع الحكم الذي سيصدر عنها بحق صدام حسين-.
عودة إلى (المشهد الأخير) من المسلسل، الصور التي ظهر فيها (صدام حسين) لحظة اعتقاله، كما عرضته قوات الاحتلال الأمريكية، مستسلماً ذليلاً بين أيدي الطبيب العسكري الأمريكي الذي فاجئ الكثيرين، خاصة المؤيدين لصدام حسين والمتعاطفين معه. لقد أثار منظر (صدام حسين) جدل كبير وسجال حامي بين المثقفين والمحللين السياسيين والعسكريين، حيث اختلفوا في تفسير هذا المشهد وفي تحليله عناصره وتفكيك رموزه، البعض فسر سبب حالة صدام المنهار نفسياً وجسدياً بتأثير غاز مخدر ألقى به جنود الأمريكان في الجحر الذي كان يختبئ فيه، والبعض الأخر فسره بتأثير قوة الصدمة النفسية التي أنصدم بها صدام عندما تفاجئ بالجنود الأمريكان وهم فوق رأسه.
لكن ما يهمنا في هذه القضية ومن المشهد الأخير من (المسلسل) ما أثاره، مظهر (صدام حسين) وحالته النفسية، من ردود فعل متضاربة في الشارع العربي، حيث انقسم العرب على امتداد الساحة العراقية والعربية حول تفسير وقراءة أبعاد وتداعيات هذا المشهد والأهداف الأمريكية من إظهار صدام بهذا المنظر. حتى أن (فضائية الجزيرة) خصصت حلقة من برنامج( الاتجاه المعاكس) لمناقشة هذا المشهد والتعليق عليه، وطرحت الموضوع للتصويت بصيغة سؤال: هل أرادت أمريكا إهانة العرب وبشكل مقصود من خلال إهانة صدام حسين بهذه الطريقة؟ وجاءت النتيجة 95% قالوا نعم؟ إذا سلمنا بنتيجة التصويت وأخذنا بها يكون غالبية العرب يرى في المشهد الأخير لصدام حسين خبثاً أمريكياً استهدفت منه إهانة العرب، جميع العرب، حكام وشعوب، من خلال أظهار صدام بهذا الموقف الذليل والمهين وتحويل صورة (البطل الأسطوري) التي ترسخت في أذهان الكثيرين من العرب، إلى كائن خنوع مهزوم يختبئ في جحر تحت الأرض.
أرى أن استنباط هذا الحكم( إهانة كل العرب) من خلال (إهانة صدام حسين) له دلالات سياسية وفكرية كبيرة هي على قدر كبير من الأهمية تستدعي الوقوف عندها في هذه المرحلة التاريخية والحساسة التي تمر بها المنطقة. فهذا الربط بين شخص (صدام حسين) وعموم (الشعوب العربية) يعري، من جهة أولى، حالة الضياع السياسي والتيه الفكري التي تعيشها الشعوب العربية بسبب التضليل الإعلامي والسياسي الذي يمارسه الإعلام العربي عليها، هذا الإعلام الذي تنظر له وتسيطر عليه الأصولية القومية والإسلامية العربية. ومن جهة ثانية، تعكس هذه النتيجة عمق الأزمة (الفكرية والسياسية) التي تتخبط بها معظم أحزاب (الحركة السياسية العربية)، سواء من كان منها في موقع المعارضة أو الحكم. ومن جهة ثالثة جاءت نتيجة التصويت تعبيراً عن الخلل والقصور في الفكر القومي والعقل السياسي العربي الذي مهد للاستبداد السياسي في المجتمعات العربية وتعايش معه.هذا الفكر الذي يبدو أنه لم يخرج بعد من الشرنقة العشائرية وأحكام القبيلة وأعراف البداوة، فهو مازال يعيش في عصر الظلمات والجاهلية العربية بعيداً عن قيم العصر ومبادئ التفكير العلمي. لقد كشف الموقف من صدام حسين ليس فقط إرهاب السلطة العربية وإنما إرهاب الكثير من المثقفين العرب أيضاً، اللذين أظهروا أن كل واحداً منهم يحمل طاغية ودكتاتور في داخله. ولا أظن أن هؤلاء القوميون العرب قد شعروا بذات الذل والإهانة يوم سقطت (بغداد) بأيدي قوات الاحتلال( الأمريكي/البريطاني).
إذا كان المشهد الذي ظهر في (صدام حسين) يمثل إهانة شديدة وإذلال كبير له ولمن يقتدي به وبأفكاره، لكن هل حقاً كان صدام حسين، بكل ما اقترفت يداه من جرائم قتل وتنكيل بالشعب العراق والسوري والكويتي والإيراني وزرعه للعراق بالمقابر الجماعية وتحويله إلى جمهورية الخوف، يمثل رمزاً وطنياً وقومياً عربياً، وهل كان حقاً يجسد الإرادة العربية، حتى يشعر غالبية العرب بذات المهانة والإذلال؟ وبغض النظر عن الجهة التي أمسكت بصدام حسين وألقت القبض عليه، ألم يكن يستحق هذه الإهانة، وربما أكثر، عقاباً على جرائمه وإهاناته للشعب العراقي، فصدام حسين هو أكثر من أهان وأذل العرب حيث فعل بالمجتمع العراقي والكويتي ما عجز عن فعله أعداء العرب والعراق.. ألا يرى هؤلاء أن الترويج أو التعميم لمقولة ( إهانة العرب من خلال إهانة صدام حسين) يخدمون من حيث يدرون أو لا يدرون سياسية أمريكا، إذا كانت حقاً تستهدف إهانة العرب.
لا شكك أن الاستراتيجية الأمريكية تستهدف، ليس الهيمنة على المنطقة فحسب وإنما على العالم أجمع، بعد أن انفردت بقيادته. لكن تحدي أمريكا والحد من هيمنتها لا يأتي بالغوغائية والعودة لقراءة الدفاتر القومية القديمة وتقديس الزعماء والقيادات المأزومة والمهزومة والدفاع عنها وهي تهوي، تلك القيادات التي لم تقدم لشعوبها غير المقابر والمنافي ولم تجلب لأوطانها سوى الويلات والمآسي. فبدلاً من أن يتوجه المثقفون والسياسيون العرب لنقد تجربة نصف قرن من الحكم الوطني والشعارات القومية والوقوف إلى جانب جميع القوى الوطنية العراقية والشعب العراقي من أجل النهوض بالعراق وإخراجه من محنته، نجدهم اختاروا الوقوف إلى جانب الطاغية، حيث قاموا بتشكيل لجان عربية في العديد من الدول العربية من أجل الدفاع عن صدام حسين المهزوم. لقد تناسى هؤلاء فجأة جرائم صدام وتاريخه الأسود وحولوه من شخص جبان مهزوم ذليل إلى رمز وطني وقومي عربي. لقد برروا سكوتهم على جرائم صدام حسين وسحقه للشعب العراقي باسم القضية القومية الكبيرة، واليوم يدافعون عن الدكتاتور باسم ذات القضية. هل يريد هؤلاء القوميين العرب إقناعنا بأكذوبة وأسطورة الوهم ( القائد البطل الرمز صدام حسين) وبكل أكاذيبه. هذه الأسطورة التي كان لأمريكا والغرب دوراً كبيراً ومهماً في صناعتها والترويج لها من خلال المبالغة والتضخيم في قوة العراق العسكرية وتصنيفه (رابع جيش في العالم). لقد هدد صدام حسين بتدمير نصف إسرائيل لكن ماذا كانت النتيجة، تدمير كامل العراق، بعد ثماني سنوات حرب على الجارة إيران وغزو الشقيقة الكويت.
أخيراً:
&لا أدري لماذا يصر الكثير من المثقفين والمفكرين العرب على أن شرف وكرامة العرب تكمن بظهور القادة العرب أبطال ميامين ورموز وطنين وقومين حتى وهم مهزومين، في حين لا يرون مشكلة في استباحة الأوطان وانتهاكها من قبل الأعداء.
التعليقات