فاضل الخياط


الى" روح ابي الوحيــد"
&
كانَ ليَ ، في ما مَضى
جمرةٌ، اضعُها في مشكاةِ السؤال
واُطبقُ عليها اضلاعـيَ المائلـة
&
&***
كانَ لـيَ في ما مَضى
مياهُ الوضوء تنسكـبُ من يديـن ِ
تبتهلان ِ لغيمةٍ في عظام ِ شجرةٍ مُتـفحّمـة
&
&***
&كان لي، في الطفل الذي لا يتذكــّرُني
مشاحيفُ قلبٍ تحملُ الضفافَ الاولى
الى شفاهٍ بلا اطراف
وتقرأ على الاسماكِ الهاربةِ مسلة َ القصب
&
&***
كان لي، في الطفل الذي لا أتذكـّـرُه
ينسجُ الفجـرُ مِـنْ خيـوط ِعباء تـِه
عصافيرَ مرحةٍ اوّلَ الصباح
وفي اُخرياتـِه، يتقاسمُ خبزَ المسرّة مع اوّل ِ الطارقيـن
&
&***
كانَ ليَ منه، عباءتـُه وجدائلـُه
واحجارُ مسبحةٍ صَنـَعـَها من ترابِ الرضيع
يتلـو على عيونـِها اسماءَ ابنائـِه الغائبين
يعدُّ عليها اقداحَ الشاي
وقبلَ ان ينامَ
يربطُ بها مفاتيحَ ألليـل وخفقـةَ َ الكتاب

&
&***
كان لي بياضُ صلواتـِه، وحيرةُ غـُفرانه
والواحُ الواقفين ومنازلـُهم
يقتبسُ من اعشابـِهم رحمانية َ الجحيـم
ويقرأ:
- مـَنْ لا يَعـرفــُه الشيطانُ لا يعرفــُه الرحمنُ
- ومَـن يسألُ عن الطريق ِ قبلَ الرحلةِ
اضاعَ الرحلة َ والطريقَ
&
&***
كان لي ، في ما مضى
في الطفل ِ الذي كانَ أنـا
كنتُ بعضاً منـهُ
وكانَ معي "اخرونَ قبـلَ هـذا الوقـتِ"*
كنـّا نـَتـنزّلُ فيـه ونعـرُجُ اليـهِ
نخـرجُ منـه في اولِّ البـُـكاء
وقبل إندثـارِ المساءِ نعودُ اليه
كانَ بيتـًا لنـا وشجرةً
جدرانـُها ابوابٌ وسقفـُها شبابيك
&
&***
كـانَ لـيَ ، في ما مَضى
في الطفـل ِ الذي كنتُ هـو
كـانَ بعضا منه
وكانَ معـهُ اخرونُ ايضاً
اذا احترقَ احـدُهُـم كانَ هـوَ الضوءَ
وإنْ تكلــّمَ واحدٌ منهمْ كانَ رحيقـُه الكلام

&***
طالما اوقدْنـاهُ كي نستضيءَ
وطالما علـّـقناهُ كي نستفيء
&
&***
يقول صوتُ أمـّي، الهـابط ُ من مكـان ٍ قديـم
أتذكـُرُ الطفلَ الذي يتذكــّرُه؟
حينَ كـنتُ في السادسـةِ او في السابعـة؟
نعم، أتذكــّرُهُ مثلمـا يتذكـّرُ النهـرُ مَجـراهُ
ألا تَعْـرفـُهُ؟ بلى، يَعْـرفـُه حتى حجرُ التيهِ
الذي مرَّ بالارض ِ قبلَ الفِ عام ٍ
لقـدْ رأيتـُهُ بالامس ِ، كانَ وديعـا مثلَ رايـةٍ بيضـاءَ
ووسيمـًا مثلَ جمرةٍ نضَعُهـا في مشكـاة ِ السـؤال
ونـُطبق عليها اضلاعَـنا الغـائبـة
جسـدُه كـانَ مستلقيـًا في الجنة ِ وعينـاهُ تطوفـان ِ على الجحيم
أتذكـُرُه جيـدا؟......نعـم ...
لقـدْ ذبُـلتْ ينابيعُـه وتشـققتْ خلفَ قـلبٍ وحيـدٍ
اصابعـُهُ تحجـّرتْ في شمعـدان ٍ مكسـورٍ
لقـدْ وقـعَ كتابـُه في دواةِ الحِـبر
&
&***
يقـولُ الصـوتُ، الهابط ُ مِـنْ مكـان ٍ سحيق
وقـد تدثــّرَ بهلـع ٍ وطين ...
آهِ يا حجـرَ العزلةِ وجمـرةَ الغيـاب....
مَـنْ يقـدرُ... أنْ يهتـكَ المسافة َ... أ و... أنْ... يَطـويَ المكـانَ
ليتَ الهـاتـفُ... تقطـّعـتْ أشـلاؤُهُ... ولا بقـيَ منـهُ رمادٌ
آهِ يـا مـَنٍْ لا دروبَ اليـه
أتَـذكـُرُه؟ ... كرْمـةَ َ العـنبِ ... وساقيـةَ َ الـدار
لقد حملناها بعـيدا ... منـذ ان توقـفتْ عن العناقـيـد ...
أمّا ساقـية ُ البيتِ ... فقـد سَكبـْـنـا عليهـا الماءَ... واوقدنـاها بالسّـد ر
وليـس لكَ ولا ...لأحدٍ من الـذين كانـوا معـكَ
ان يستضيءَ مـنهُ أو ... يستفيءَ بـهِ بعد اليوم ...او ... أنْ يدخـلَ فيه
لقد حَمَـلناها بعـيداً... الى بيتٍ... لا ابوابَ له... ولا شبابيـكَ.
&
&***
كـان لي في ما مضى، بيتٌ يـُشبهني كثيرا، لا أعـرفـُه الا وديعـا في مشكـاةٍ... في شجرةٍ... في حديقـةٍ... تكادُ اصابعـُها ان تسيلَ... ماءٌ يتدفـقُ من قرآنِها، تكـادُ عصافيـرُه ان تضيءَ ولو لم تمسَسْهُ نارٌ، يكاد وجهـُهُ أنْ يبـللَ من دهشتـهِ أهدابَ النهـرِ، سنابلـُه تعلـّمَ المنجلَ الخشوعَ والحجرَ التصدعَ، مِجدافـُه يهيـلُ النجومَ على الميـاه، أضَعتــُه في الطفلِ الذي اضاعَـني، وها انا استعـيده اليـومَ ابيضَ لم يهبط ْ من سماءٍ، ولم يركـضْ في رحـمٍ، كنتُ النهـرَ وكان هـو مجـراهُ، كنتُ يقيـنَ الحَجَـرِ الواقفـة َ تحتَ الشمـس ِ، وكـانَ هـوَ حَيـرةَ السـؤالَ.
&
&***
&كــانَ ليَ فـي مـا مـضى ابٌ وحـيدٌ، ولـم يكـنْ لـي ابٌ سـواه.

* التضمين للشاعر كمال سبتي.