"إيلاف" من موسكو: تتطلع انظار الساسة والمراقبين الروس عما يخبأه العام الجديد لبلدهم الذي يعيش ازمة مستديمة شاملة. وماذا سيجر معه من تطورات على الساحة الدولية، ومدى انعكاساتها على روسيا. ومن اجل ذلك يقراون افكار المحللين ويعيدون قراءة التاريخ للمقارنة.
أما روسيا فإنها ستشهد الانتخابات الرئاسية في مارس القادم، ورغم ان نتائجها محسومة لصالح الرئيس بوتين، الا ان افرازاتها قد تنجم عن ركود سياسي واقتصادي، نظرا لهمينة الرئيس بوتين وفريقه، على قرارات البرلمان وكافة مؤسسات الدولة. والسؤال هو هل سيكون بمقدور بوتين خلال العام القام تطبيق برنامجه الواسع الهادف بجعل روسيا دولة مزدهرة اقتصادية متحالفة مع الغرب، والمحافظة على خصوصيتها. وثمة مخاوف من ان تتعكر العلاقات مع واشنطن، ويسودها البرود مع اوروبا، فالغرب ما زال ينظر الى بوتين على انه زعيم غامض.
ويرى المحلل السياسي دميتري كوسيريف ان العام المقبل لن يكون عادياً، وسيكون مفيداً للعالم الذي راح يتغير بسرعة، ان يتوقف هنيهة ويفكر مع (القرد رمز السنة 2004 ) الذي من بين كل صفاته الكثيرة، من الأفضل استخدام عقله ودقة ملاحظته. وبراي كوسيريف فان كل هذا صحيح ولكن حان الوقت كما يبدو للتوقف والتفكير للإجابة على سؤال : إلى أين نمضي؟ وأين أخطأنا ؟ وضد من ولماذا نحارب وعلى ماذا نحصل بالنتيجة؟ عام 2004 مناسب لهذه الوقفة، فهو عام انتخابات رئاسية وبرلمانية في عدة دول كبرى يرتبط بها الكثير مما يجري في العالم ، في مقدمتها الولايات المتحدة التي من غير المعقول أن تقدم إدارتها قبل نوفمبر2004 على تحركات حادة أو على تغيير نهجها، فالأفضل لها استغلال الحرب في العراق لتحقيق انتصارات صغيرة، كما مع ليبيا التي تنازلت باحتفالية عن إنتاج أسلحة الدمار الشامل، وفي جورجيا حيث يجب أن تستلم السلطة إدارة موالية للولايات المتحدة، أما المغامرة بعمل جدي على نمط الحرب العراقية فهذا ما لن تقدم عليه واشنطن الآن.
ويقول فيكتور كريمينوك، نائب مدير معهد أميركا وكندا، ان الولايات المتحدة ستشهد عام 2004، انتخابات رئاسية. وان مستقبل الرئيس الحالي جورج بوش غير محدد ابدا، وعلى الرغم من وجود امكانية كبيرة لدية بتوظيف القدرات الادارية، مثل توزيع القروض، تقديم مساعدة للولايات التي تحصل على معونات من المزانية، وارسال طلبات حكومية للشركات الكبرى.وعلى حد رايه فان اجراء انتخابات نزيهه ـ خيال بعيد المنال. ومع ذلك فان القانون يفرض سيطرته على الانتخابات الاميركية، ويمكن ان يُمنى فيها بوش بالهزيمة. فثمة منافسون اقوياء له، ابتداء من الجنرال كلارك والانتها بالمحافظ دينوم. ان الكثير يعود الى الوضع الذي سيكون عليه الاقتصاد الاميركي، والوضع في العراق.
ويرجح كريمنوك ان الوضع في العراق سيتحسن بالنسبة لاميركا. فقد تم القبض على صدام حسين، الذي يمكن ان يكون رمزا للبعض، وخصص الكونجرس 78 مليون دولار لتوظيفها في العراق. واذا نجحت الادارة الاميركية بانفاق هذه الاموال بشكل مناسب، فسيكون بمقدورها كسر العمليات التي تستهدف قوات التحالف، وخلق مناخ جيد للنشاط الاقتصادي.
ولايرى مستقبلا مشرقا للعلاقات الروسية ـ الاميركية، وبغض النظر عن الرئيس الذي سيجري انتخابه في اميركا.ان الولايات المتحدة غير معجبة، بالتطورات الحاصلة في روسيا. ويعتريها القلق من تطبيق نظام الديمقراطية الموجهة.
وفي اطار تاملاته عن الاحداث المحتملة في العام المقبل، انتقد رئيس معهد الدرسات السياسية اندريه بيونتكوفسكي الساسة الروس الذين يتمنون هزيمة اميركا في العراق، وقال : لايطرا على بال النخبة السياسية الروسية، انه واذا تحقق حلم ـ خروج التحالف من العراق ـ فان ذلك سيتحول الى كارثة جيو ـ سياسية وبالدرجة الاولى بالنسبة لروسيا. حيث ستسود النزعات المتطرفة في الشرق الاوسط برمته، وحتى باكستان من ضمنه.وستنتشر ايضا الى مناطق القفقاز واسيا الوسطى.
ولاحظ ان الولايات المتحدة وبسبب الخطأ في الحسابات، وجدت نفسها في العراق حقا في وضع صعب. وان تغيير الوضع ممكن فقط بطريقة واحدة تتمثل بتغير موقف غالبية العراقيين من قوات التحالف. وبرايه ان هذا التطور ممكن فقط في حالة تعامل سكان العراق مع التطورات ليس على انها احتلال اميركي، وانما كتحالف دولي لاعادة اعمار العراق،وانهاض اقتصاده. واضاف"ان العام المقبل سيكون عاما صعبا بالنسبة للاميركين ـ وستحملون خسائر بشرية جديدة، بيد انهم لن ينسحبوا من هناك، ومهما كانت نتيجة الانتخابات الرئاسية في اميركا". علاوة على ان اوروبا ستوسع من دعمها للادارة الاميركية، وعلى الرغم من نحفظاتها على سياستها. وقال :ان تطبيع الوضع في العراق سيتحقق ولو ببطئ.
وقال فيتالي ناؤومكين مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية، ان الحدث الاهم في العام المقبل سيقع في المسار الغربي. فالولايات المتحدة تعيش ازمة في عقيدتها في السياسية الخارجية، ازمة الموقف من روسيا. يتسع النقد على ممارسات روسيا في الشيشان. ان الوضع المترتب يستدعي ايجاد صيغ جديدة للتعاون بين روسيا واميركا لان امريكي شريك روسيا الرئيسي.وكاد العراق ان يكون سببا في تعقيد العلاقات بين روسيا وموسكو. وتوقع ناؤومكين وهو مستعرب روسي معروف، ان يتواصل تفاقم الوضع في الشرق الاوسط، ولكن الحالة بالنسبة لروسيا ستظل كما هي، ولاينتظر حدوث طفرات.
التعليقات