أجرى الحوار عبد الجبار الرفاعي
وعزيز بوحيد
وعزيز بوحيد
*&لا يتوقف مشروعكم النقدي عند حدود نقد تجليات التفكير المغلق والمتمركز على نفسه، إنما انصرفتم منذ مدة طويلة إلى الدراسات السردية، وكرستم له اكثر من كتاب، ومنها "السردية العربية" و"التلقي والسياقات الثقافية" و"المتخيل السردي" وتنطلقون من ضرورة تفجير الموروث السردي العربي لكي يتم التأصيل. كيف يمكنكم طرح ذلك دون أن يكون ردة فعل تجاه السرد الغربي، هل التأصيل مشروط لديكم؟
- دعني في البداية أوضح أنني أسعى إلى تطوير وظيفة السرد التقليدية، فلم يعد بالنسبة لي ممكنا الانحباس داخل المفهوم الضيق للمصطلح، ولابد من معرفة بأن هويات الأمم تصاغ أولا عبر السرود الدينية والتاريخية والأدبية التي تقدم بها عن نفسها ورؤاها، فالسرد باختصار مجال بحثي هو الرواية التي تقدمها المجتمعات والأمم عن ماضيها وحاضرها ووجودها، وأنا ادرج ذلك ضمن الدراسات المخيالية التي تنطمر |
فيها كل ضروب التطلعات والرغبات الجماعية، ويلزمنا إثراء هذه الدراسات. ومن المعروف بان السردية ظهرت بوصفها البحث النقدي الدقيق الذي يهدف إلى تحليل النصوص السردية في أنواعها وأشكالها المختلفة، ومن السابق لأوانه التأكيد الآن، فيما إذا كانت السردية قد أنجزت وعودها النقدية جميعا، فذلك يحتاج إلى رصد تاريخي-تحليلي ينصرف الاهتمام فيه إلى فحص ما أنجزته الدراسات السردية. وما ينبغي إثارته، هو أن السردية هي وليدة الدقة التحليلية للنصوص، فثمارها متصلة بمدى تفهّم أهمية تلك الدقة، وإدراك ضرورتها في البحث، وتقدير الحاجة إليها. وقد تشكّت الأوساط الثقافية من الصرامة المنهجية للسردية، وتوجّست منها، لكن الأمر الآن اختلف إلى حد ما، وراح يتبدد التصور الأولي بخصوص الغموض والإبهام اللذين يرافقان عادة كل جديد، فالسردية ليست جهازا جامدا ينبغي فرضه على النصوص، إنما هي وسيلة للاستكشاف الدقيق المرتهن بالقدرات التحليلية للناقد، ومدى استجابة النصوص لها. فالتحليل الذي يفضي إليه التصنيف والوصف، متصل برؤية الناقد، وأدواته، وإمكاناته في استخلاص القيم الفنية الكامنة في النصوص. وبما ان الدقة لا تتعارض مع كلية التحليل وشموليته، وان الحاجة تقتضي من السردية الانفتاح على العلوم الإنسانية والتفاعل معها، لأن كشوفاتها تغذّي السردية في إضاءة مرجعيات النصوص، بما يكون مفيدا في مجال التأويل وانتاج الدلالات النصية، ويمكن استثمارها في تصنيف تلك المرجعيّات، ثم كشف قدرة النصوص على تمثيلها سرديا. إلى ذلك يمكن ان توظف في المقارنات العامة، ودراسة الخلفيات الثقافية كمحاضن للنصوص الأدبية والدينية والتاريخية، ومن المؤكد ان ذلك يسهم في إضفاء العمق والشمولية على التحليل النقدي، بما يفيد السردية التي يظل رهانها متصلا برهان المعرفة الجديدة.
&
*&كيف وظفتم ذلك في دراسة السرد العربي؟
- كان الاهتمام بالسرد العربي القديم نادرا، ولم يبعث الاهتمام الجاد به إلا منذ عقدين تقريبا. وما زالت تلك المادة الخام بأمسّ الحاجة إلى فحص نقدي عميق، يستخرج سماتها الأسلوبية، والبنائية، والدلالية، وذلك لا يتأتّى إلاّ بجهد جماعي يلفت الانتباه إلى هذه الذخائر المطمورة في الثقافة العربية القديمة. يعرف المعنيون بهذا الموضوع صعاب التوغل في ذلك العالم شبه المجهول، المترامي الأطراف، الذي ظلّ يتراكم طوال اكثر من ألف عام، والذي لم يُستكشف منه سوى جزء صغير، إذ لم يجروء غير قلة قليلة من الاقتراب إليه، لأسباب ثقافية ودينيّة، وفي مقدمتها النظرة الدونية إليه بوصفه أدبا لم يستكمل شروط الفصاحة المدرسية التي استقامت في القرون المتأخرة، لكن القضية الأكثر خطورة وحساسية؛ هي: العلاقات المتشابكة بين نشأة المرويات السردية القديمة ونشأة علوم الدين، والأخبار والتواريخ، وقصص الأنبياء والإسرائيليات، إلى حد اصبح فيه تخليص المرويات السردية من كل ذلك أمرا مستحيلا، فالعناصر المذكورة بأطرها الثقافية الكلية كانت الحاضنة التي تشكّلت في وسطها تلك المرويات، فصاغت خصائصها الفنية صوغا شبه تام.
&وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى معالجة المرويات السردية داخل المحضن الثقافي الذي تكوّنت فيه. والأمر الآخر الذي يلاحظه كل متفحّص هو: الخصائص الشفاهية للمرويات القديمة، وذلك يعود إلى أنها ظهرت في أوساط شفاهية يقوم الإرسال والتلقّي فيها على أسس متصلة بسيادة التفكير الشفهي، وقد اسـتند ذلك التفكير إلى أصول دينية، فالشفاهية انتزعت شرعيتها في الفكر القديم بناء على أصول دينية، ومن هنا فقد أصبحت ممارسة مبجّلة، لأنها عمّمت أسلوب الإسناد الذي فرضته رواية الحديث النبوي على مجالات أخرى لا صلة لها بالدين . وبذلك اصبح الإسناد ركنا أساسيا لايمكن تجاوزه في المرويات السردية، والإسناد يعامل دائما في الثقافة العربية القديمة، وبخاصة الدينية منها، على انه جزء من الدين، وقد انتقلت القداسة اليه بفعل المجاورة ؛ مجاورته لمتون الحديث النبوي، كونه حاملاً لتلك النصوص المقدسة. وكما أن الصلة قوية ومتماسكة وضرورية بين السند والمتن/ الراوي والمروي فإنها تجلت بالصورة نفسها في المرويات السردية . وهذا النسق لا يظهر إلا في الثقافات الشفاهية، وقد قام التدوين بدور الوسيلة التي ثبّتت ذلك النسق وقيّدته، دون ان تخلخل العلاقة بين ركنيه الأساسيين: الراوي والمروي. إلى ذلك فالشفاهية هي التي منحت المرويات القديمة هويتها المميزة. وربط تلك المرويات بأصولها، والمؤثرات الفاعلة في تكوينها، لا يمثل أي خفض لقيمتها الأدبية او التاريخية . وقد شغلتني كل ذلك، وأنتظر ان أبلور تصورات تربط بين السرديات والمركزيات الثقافية، فمن وجهة نظري وقع بينهما ترابط جذري منذ البداية.
- كان الاهتمام بالسرد العربي القديم نادرا، ولم يبعث الاهتمام الجاد به إلا منذ عقدين تقريبا. وما زالت تلك المادة الخام بأمسّ الحاجة إلى فحص نقدي عميق، يستخرج سماتها الأسلوبية، والبنائية، والدلالية، وذلك لا يتأتّى إلاّ بجهد جماعي يلفت الانتباه إلى هذه الذخائر المطمورة في الثقافة العربية القديمة. يعرف المعنيون بهذا الموضوع صعاب التوغل في ذلك العالم شبه المجهول، المترامي الأطراف، الذي ظلّ يتراكم طوال اكثر من ألف عام، والذي لم يُستكشف منه سوى جزء صغير، إذ لم يجروء غير قلة قليلة من الاقتراب إليه، لأسباب ثقافية ودينيّة، وفي مقدمتها النظرة الدونية إليه بوصفه أدبا لم يستكمل شروط الفصاحة المدرسية التي استقامت في القرون المتأخرة، لكن القضية الأكثر خطورة وحساسية؛ هي: العلاقات المتشابكة بين نشأة المرويات السردية القديمة ونشأة علوم الدين، والأخبار والتواريخ، وقصص الأنبياء والإسرائيليات، إلى حد اصبح فيه تخليص المرويات السردية من كل ذلك أمرا مستحيلا، فالعناصر المذكورة بأطرها الثقافية الكلية كانت الحاضنة التي تشكّلت في وسطها تلك المرويات، فصاغت خصائصها الفنية صوغا شبه تام.
&وهذا هو السبب الذي دفعنا إلى معالجة المرويات السردية داخل المحضن الثقافي الذي تكوّنت فيه. والأمر الآخر الذي يلاحظه كل متفحّص هو: الخصائص الشفاهية للمرويات القديمة، وذلك يعود إلى أنها ظهرت في أوساط شفاهية يقوم الإرسال والتلقّي فيها على أسس متصلة بسيادة التفكير الشفهي، وقد اسـتند ذلك التفكير إلى أصول دينية، فالشفاهية انتزعت شرعيتها في الفكر القديم بناء على أصول دينية، ومن هنا فقد أصبحت ممارسة مبجّلة، لأنها عمّمت أسلوب الإسناد الذي فرضته رواية الحديث النبوي على مجالات أخرى لا صلة لها بالدين . وبذلك اصبح الإسناد ركنا أساسيا لايمكن تجاوزه في المرويات السردية، والإسناد يعامل دائما في الثقافة العربية القديمة، وبخاصة الدينية منها، على انه جزء من الدين، وقد انتقلت القداسة اليه بفعل المجاورة ؛ مجاورته لمتون الحديث النبوي، كونه حاملاً لتلك النصوص المقدسة. وكما أن الصلة قوية ومتماسكة وضرورية بين السند والمتن/ الراوي والمروي فإنها تجلت بالصورة نفسها في المرويات السردية . وهذا النسق لا يظهر إلا في الثقافات الشفاهية، وقد قام التدوين بدور الوسيلة التي ثبّتت ذلك النسق وقيّدته، دون ان تخلخل العلاقة بين ركنيه الأساسيين: الراوي والمروي. إلى ذلك فالشفاهية هي التي منحت المرويات القديمة هويتها المميزة. وربط تلك المرويات بأصولها، والمؤثرات الفاعلة في تكوينها، لا يمثل أي خفض لقيمتها الأدبية او التاريخية . وقد شغلتني كل ذلك، وأنتظر ان أبلور تصورات تربط بين السرديات والمركزيات الثقافية، فمن وجهة نظري وقع بينهما ترابط جذري منذ البداية.
&
* يبدو أنك منخرط تماما في نقد كل هذه الظواهر، وذلك داخل أفق محكم من النقد الذي تمارسه ضد الخطاب الاستعماري، حتى أن بعض الدارسين ذهبوا إلى اعتبار كتابك(المركزية الغربية) من أوائل الدراسات الكبيرة في الدعوة لنقد تصورات الخطاب الاستعماري وتحيزاته ومقولاته، واعتبر أنه يؤسس لنقد يتحرر من مصادرات الخطاب الاستعماري. فكيف توضح لنا كل ذلك؟
-&لو نظرنا مليا لواقع حال الثقافة العربية الحديثة، لوجدنا أن المؤثّر الغربي يحضر، بصورة مضخّمة، كلّما جرى البحث في نشأتها وخصائصها، إلى درجة صار ذلك أمرا مسلّما به في الدراسات التي عنيت بهذا الموضوع، وندر أن تمّت عملية بحث جادّة استقصت صواب هذه المسلّمة التي أخذ بها أغلب الباحثين، كحقيقة مطلقة، فاعتبروها من اللوازم الحاضنة لذلك، وعزوا إلى الحملة الفرنسية، والعلاقات المباشرة مع الثقافة الغربية، بما في ذلك الترجمة، أمر القيام بهذا الدور بصورة كاملة. بدأت هذه المسلّمة تتبلور في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهي استجابة تعود، فيما نرى، إلى بداية الامتثال للخطاب الاستعماري الذي رسّخ فكرة بسيطة وواضحة، وهي أنَّ التحديث وكلّ ما يتصل به جاء مع الحضور الغربي إلى الشرق، فسادت الرواية الغربية لمفهوم التحديث الذي أصبح منذّ ذلك الوقت يتحدّد في محاكاة أشكال الثقافة الغربية، بما في ذلك الأشكال الأدبية، وبالنظر إلى غياب البحث الحفري في الثقافة العربية، فقد غابت معايير التحديث أو اضطربت، وتمّت، وسط تشابك المؤثّرات وتفاعلها، استعارة معايير جاهز بلورتها الثقافة الغربية. كان الخطاب الاستعماري قويا ومُحكما ومؤثّرا شأنه في ذلك شأن الوسائل التي أوصلته إلى الشرق، والامتثال للقوّة الاستعمارية رافقه امتثال لخطابها في وصف الظواهر الأدبية والفكرية، وتمّ استبعاد أشكال التعبير كافّة التي لا تنطبق عليها الأوصاف الجاهزة والمستعارة، فهمّشت، وصارت خارج مدار الاهتمام؛ نبذت لأنّها تذكّر بمرحلة ما قبل التحديث الغربي، وجرت عبر الزمن إعادة صوغ للوعي بما يوافق تلك المفاهيم المستعارة، ولم تعد الأشكال الأصلية في الثقافة، وبخاصة الأدب، تستأثر باهتمام يذكر، وصارت جزءا من اللامفكّر فيه؛ لأنّها خارج نطاق الوعي، وفي مراحل لاحقة أصبحت تلك الأشكال مُعيبة وقاصرة، وثُبِّتت دونيتها، ولم تستأثر بعناية لأنّها تعنى بما صار جزءا من حقب مظلمة، طُمستْ باعتبارها عورة تحيل على تاريخ ينبغي نسيانه، يفجع به كثيرون إن هو بمناسبة ما شَخصَ فجأة وأعلن عن نفسه، يحدث حضوره ارتباكا غير مرغوب فيه، ينبغي الهروب منه بشكل ما، لم يعد لائقا، وبه ينبغي أن يستبدل تاريخ مغاير. وكان الفكر الذي تبلورت ملامحه في الحقبة الاستعمارية يريد تخطّي عثراته التاريخية، ويبحث عن مرجعيّة فوجد في التدرّج الخطي الغربي المستعار ملاذا يدفع به إلى الأمام. ومن المعلوم بأنّ المدوّنات الاستشراقية التي نشطت في القرنين الثامن والتاسع عشر قدّمت صورة اختزالية عن الشرق ثقافة ومجتمعا، صورة توافق الرؤية التي ينتظرها الغربيون، وتستجيب لتصوراتهم النمطية عنه، وتفاعل الخطاب الاستعماري والصورة الرغبوية الاستشراقية في استبعاد الأشكال الحقيقية، وذمّها، وبها استُبدلت أشكال أخرى توافق تصوّراتها. والحقيقة فلابد من نقد هذه السلسلة المتلازمة من المصادرات إذا أردنا ان عرف بصورة واضحة كل المظاهر الخاصة بالثقافة العربية.
-&لو نظرنا مليا لواقع حال الثقافة العربية الحديثة، لوجدنا أن المؤثّر الغربي يحضر، بصورة مضخّمة، كلّما جرى البحث في نشأتها وخصائصها، إلى درجة صار ذلك أمرا مسلّما به في الدراسات التي عنيت بهذا الموضوع، وندر أن تمّت عملية بحث جادّة استقصت صواب هذه المسلّمة التي أخذ بها أغلب الباحثين، كحقيقة مطلقة، فاعتبروها من اللوازم الحاضنة لذلك، وعزوا إلى الحملة الفرنسية، والعلاقات المباشرة مع الثقافة الغربية، بما في ذلك الترجمة، أمر القيام بهذا الدور بصورة كاملة. بدأت هذه المسلّمة تتبلور في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهي استجابة تعود، فيما نرى، إلى بداية الامتثال للخطاب الاستعماري الذي رسّخ فكرة بسيطة وواضحة، وهي أنَّ التحديث وكلّ ما يتصل به جاء مع الحضور الغربي إلى الشرق، فسادت الرواية الغربية لمفهوم التحديث الذي أصبح منذّ ذلك الوقت يتحدّد في محاكاة أشكال الثقافة الغربية، بما في ذلك الأشكال الأدبية، وبالنظر إلى غياب البحث الحفري في الثقافة العربية، فقد غابت معايير التحديث أو اضطربت، وتمّت، وسط تشابك المؤثّرات وتفاعلها، استعارة معايير جاهز بلورتها الثقافة الغربية. كان الخطاب الاستعماري قويا ومُحكما ومؤثّرا شأنه في ذلك شأن الوسائل التي أوصلته إلى الشرق، والامتثال للقوّة الاستعمارية رافقه امتثال لخطابها في وصف الظواهر الأدبية والفكرية، وتمّ استبعاد أشكال التعبير كافّة التي لا تنطبق عليها الأوصاف الجاهزة والمستعارة، فهمّشت، وصارت خارج مدار الاهتمام؛ نبذت لأنّها تذكّر بمرحلة ما قبل التحديث الغربي، وجرت عبر الزمن إعادة صوغ للوعي بما يوافق تلك المفاهيم المستعارة، ولم تعد الأشكال الأصلية في الثقافة، وبخاصة الأدب، تستأثر باهتمام يذكر، وصارت جزءا من اللامفكّر فيه؛ لأنّها خارج نطاق الوعي، وفي مراحل لاحقة أصبحت تلك الأشكال مُعيبة وقاصرة، وثُبِّتت دونيتها، ولم تستأثر بعناية لأنّها تعنى بما صار جزءا من حقب مظلمة، طُمستْ باعتبارها عورة تحيل على تاريخ ينبغي نسيانه، يفجع به كثيرون إن هو بمناسبة ما شَخصَ فجأة وأعلن عن نفسه، يحدث حضوره ارتباكا غير مرغوب فيه، ينبغي الهروب منه بشكل ما، لم يعد لائقا، وبه ينبغي أن يستبدل تاريخ مغاير. وكان الفكر الذي تبلورت ملامحه في الحقبة الاستعمارية يريد تخطّي عثراته التاريخية، ويبحث عن مرجعيّة فوجد في التدرّج الخطي الغربي المستعار ملاذا يدفع به إلى الأمام. ومن المعلوم بأنّ المدوّنات الاستشراقية التي نشطت في القرنين الثامن والتاسع عشر قدّمت صورة اختزالية عن الشرق ثقافة ومجتمعا، صورة توافق الرؤية التي ينتظرها الغربيون، وتستجيب لتصوراتهم النمطية عنه، وتفاعل الخطاب الاستعماري والصورة الرغبوية الاستشراقية في استبعاد الأشكال الحقيقية، وذمّها، وبها استُبدلت أشكال أخرى توافق تصوّراتها. والحقيقة فلابد من نقد هذه السلسلة المتلازمة من المصادرات إذا أردنا ان عرف بصورة واضحة كل المظاهر الخاصة بالثقافة العربية.
&
*هل باعتقاد هنالك شكل من أشكال المنهجية الفكرية في الحوار العربي مع الذات من جهة ومع الأخر من جهة أخرى؟
- نحن نحتاج إلى أن نضع تراثنا بكامله موضع المساءلة والنقد وليس موضع التقديس الأعمى؟، فبالنقد والمساءلة نستنبط منه القيم الكبرى الصحيحة وبالتقديس الأعمى نكرسه في عقولنا دون تفكير، وإذا لم ننتقل من مستوى التقديس إلى مستوى النقد والمساءلة فلن ينبثق منهج للتفكير لا بالماضي ولا بالحاضر، ولن نفلح في إنتاج وعي بكل ذلك.
- نحن نحتاج إلى أن نضع تراثنا بكامله موضع المساءلة والنقد وليس موضع التقديس الأعمى؟، فبالنقد والمساءلة نستنبط منه القيم الكبرى الصحيحة وبالتقديس الأعمى نكرسه في عقولنا دون تفكير، وإذا لم ننتقل من مستوى التقديس إلى مستوى النقد والمساءلة فلن ينبثق منهج للتفكير لا بالماضي ولا بالحاضر، ولن نفلح في إنتاج وعي بكل ذلك.
&
* ما هي قراءتك لمسألة التجانس أو النافر بين النخب العربية التي تنهض بدورها في هذه الظروف الحرجة المصيرية وما تداعيت ذلك.
- لا يمكن التفكير بالأخر على نحو صحيح إن لم نحل معضلة النظر إلى أنفسنا فنحن عالقون في منطقة سرابية لا نستطيع التفكير بعقلانية ويخيفنا الماضي . أكاد أقول أننا نعيش ( فوبيا ) الماضي وهذا الخوف يحول دون رويتنا للأخر رؤية موضوعية، فرؤيتنا له رؤية رغبوية تستجيب لما نرغب نحن فيه وليس لحقيقة الآخر الموضوعية . نحن نعيد إنتاج الأخر طبقاً لمواصفاتنا ونقوم باستنساخ أفكاره دون أي معرفة ودون أي وعي بها.
- لا يمكن التفكير بالأخر على نحو صحيح إن لم نحل معضلة النظر إلى أنفسنا فنحن عالقون في منطقة سرابية لا نستطيع التفكير بعقلانية ويخيفنا الماضي . أكاد أقول أننا نعيش ( فوبيا ) الماضي وهذا الخوف يحول دون رويتنا للأخر رؤية موضوعية، فرؤيتنا له رؤية رغبوية تستجيب لما نرغب نحن فيه وليس لحقيقة الآخر الموضوعية . نحن نعيد إنتاج الأخر طبقاً لمواصفاتنا ونقوم باستنساخ أفكاره دون أي معرفة ودون أي وعي بها.
&
* لغة الخطاب والتعبير كيف يجب أن تكون بين الأنا والأنا لتحقيق شكل من أشكال التفاعل.
- لغة الخطاب والحوار بيننا ينبغي أن تكون في هذه المرحلة لغة وصفية وليس ولغة إنشائية أو تهيجية ينبغي أن تكون نقدية تحليلية وليست لغة اتهامية واختزالية أهم ما نحتاج إليه هو أن نستنج أنظمة معرفية، وبلورة مفاهيم جديدة، وبناء طرق للتفكير وذلك لن يكون ممكننا إلا بلغة محايدة، وصفية، استنطاقية.
- لغة الخطاب والحوار بيننا ينبغي أن تكون في هذه المرحلة لغة وصفية وليس ولغة إنشائية أو تهيجية ينبغي أن تكون نقدية تحليلية وليست لغة اتهامية واختزالية أهم ما نحتاج إليه هو أن نستنج أنظمة معرفية، وبلورة مفاهيم جديدة، وبناء طرق للتفكير وذلك لن يكون ممكننا إلا بلغة محايدة، وصفية، استنطاقية.
&
* هل لدى العرب مؤسسات نقدية تعمل على تطوير الممارسات النقدية أم أن هذا النتاج لا يعدو اجتهادات فكرية فردية؟هل المؤسسات الحالية من سياسية واجتماعية وثقافية معرقلة للنقد؟
- لم تعرف في أي وقت في التاريخ ولا في أي مكان، مؤسسات نقدية تعنى مباشرة بالنقد، وأولى ألا يمتلك العرب أي من هذه المؤسسات وأشباهها. ولكن هذا لا يعني غياب المؤسسات الحاضنة للنقد والداعمة له كالجامعات، ومراكز البحوث، والصحافة الثقافية، ودور النشر. فهذه المؤسسات توفر الأرضية المناسبة لنشوء الفكر النقدي، ففيها ومن خلالها تتبلور الاتجاهات النقدية، وتظهر المناهج وتختبر، فمثال ذلك كانت الجامعات الفرنسية والألمانية هي الوسط الحاضن للمنهج البنيوي ومنهج القراءة والتلقي . الجامعات المصرية والعراقية، على سبيل المثال، كانت بدأت هذه الخطوات المهمة، لكن سيطرة الأيدلوجيات المغلقة، والحيلولة دون ظهر نوع من التفكير الجديد والحر، حال دون جني الثمار المنتظرة . هذه التجارب وئدت في المهد، وحل محلها نوع من التعليم المدرسي الفارغ والجاف الذي لا ينشط التفكير، ولا يشجع عليه، حتى في المغرب كانت هناك نهضة نقدية في الوسط الأكاديمي تبشر بكثير من الوعود طوال الثمانينيات وقد انحصرت الآن . لقد عزفت المؤسسات الداعمة للفعاليات النقدية عن أداء دورها التنشيطي غير المباشر للتذكير النقدي . ويعود ذلك إلى حالة الانغلاق واليأس والإحباط السائدة في وسط الاجتماعي وإخفاق مشاريع التحديث وشيوع الاستبداد بوجوهه السياسية والأيدلوجية والدينية . ولهذا فالجهود النقدية الحقيقة هي جهود فردية تومض كالنجوم ثم تنطفئ . وبالأجمال فهي غير مرغوب فيها في الوسط الجامعي وحتى في الوسط الثقافي . والمجتمعات التقليدية مثل مجتمعاتنا لا تطيق أي تفكير نقدي.
- لم تعرف في أي وقت في التاريخ ولا في أي مكان، مؤسسات نقدية تعنى مباشرة بالنقد، وأولى ألا يمتلك العرب أي من هذه المؤسسات وأشباهها. ولكن هذا لا يعني غياب المؤسسات الحاضنة للنقد والداعمة له كالجامعات، ومراكز البحوث، والصحافة الثقافية، ودور النشر. فهذه المؤسسات توفر الأرضية المناسبة لنشوء الفكر النقدي، ففيها ومن خلالها تتبلور الاتجاهات النقدية، وتظهر المناهج وتختبر، فمثال ذلك كانت الجامعات الفرنسية والألمانية هي الوسط الحاضن للمنهج البنيوي ومنهج القراءة والتلقي . الجامعات المصرية والعراقية، على سبيل المثال، كانت بدأت هذه الخطوات المهمة، لكن سيطرة الأيدلوجيات المغلقة، والحيلولة دون ظهر نوع من التفكير الجديد والحر، حال دون جني الثمار المنتظرة . هذه التجارب وئدت في المهد، وحل محلها نوع من التعليم المدرسي الفارغ والجاف الذي لا ينشط التفكير، ولا يشجع عليه، حتى في المغرب كانت هناك نهضة نقدية في الوسط الأكاديمي تبشر بكثير من الوعود طوال الثمانينيات وقد انحصرت الآن . لقد عزفت المؤسسات الداعمة للفعاليات النقدية عن أداء دورها التنشيطي غير المباشر للتذكير النقدي . ويعود ذلك إلى حالة الانغلاق واليأس والإحباط السائدة في وسط الاجتماعي وإخفاق مشاريع التحديث وشيوع الاستبداد بوجوهه السياسية والأيدلوجية والدينية . ولهذا فالجهود النقدية الحقيقة هي جهود فردية تومض كالنجوم ثم تنطفئ . وبالأجمال فهي غير مرغوب فيها في الوسط الجامعي وحتى في الوسط الثقافي . والمجتمعات التقليدية مثل مجتمعاتنا لا تطيق أي تفكير نقدي.
&
* هل استطاع النقاد بلورة فكر نقدي متميز على الصعيد العالمي؟ أم كان نتاجهم حصيلة تأثرهم بالمدارس النقدية الغربية فاعتمدوا على آلياتها ووسائلها وطبقوها على النتاج الإبداعي العربي؟
- حضور المؤثر الغربي في النقد العربي الحديث حضور راسخ، ومهيمن، وكبير، حضور في المفاهيم النقدية، حضور في الفرضيات الأولية، حضور في التصورات، وحضور في النتائج المستخلصة . جهز النقاد الغربيون منظومة نقدية متكاملة فاستثمرها النقاد العرب بصورة كاملة منذ طه حسين إلى الآن وأكاد أقول انه لم ينج أحد من ذلك . وفي بعض اللحظات التاريخية كانت قيمة الناقد العربي تحدد بمقدار دوره في النقل والاستنساخ وليس في الابتكار . ظهر ذلك في النقد الخارجي للنصوص الأدبية كالمناهج النفسية والإجتماعية والتاريخية والانطباعية . وظهر أيضاً في النقد الداخلي للنصوص الأدبية كالمناهج اللغوية والدنيوية والسيميوطيقية . ويعود ذلك في رأيي إلى غياب السياق الثقافي الذي يشجع على إفراز مناهج نقدية . النقد بمعناه الحقيقي لا يظهر في مجتمعات مصادره في أفكارها وتعليمها وعلاقاتها الاجتماعية . يظهر نقد في ظل الحراك العام فيبرز الأنساق الكلية للنصوص وأبنيتها وأنظمتها الدلالية . الممارسات النقدية العربية خاضعة لمبدأ ( المقايسة ) مقايستها بالنقد الغربي، فما وافق ذلك النقد أخذ على أنه نقد جيد ومفيد وما خالفه لا ينظر إليه إلا بعين الدونية والاحتقار . لم ينشأ بعد نقد يقوم على مبدأ الاختلاف عن النقد الغربي . يظهر ذلك النقد حينما يصبح الاختلاف ممارسة حقيقية وملموسة.
- حضور المؤثر الغربي في النقد العربي الحديث حضور راسخ، ومهيمن، وكبير، حضور في المفاهيم النقدية، حضور في الفرضيات الأولية، حضور في التصورات، وحضور في النتائج المستخلصة . جهز النقاد الغربيون منظومة نقدية متكاملة فاستثمرها النقاد العرب بصورة كاملة منذ طه حسين إلى الآن وأكاد أقول انه لم ينج أحد من ذلك . وفي بعض اللحظات التاريخية كانت قيمة الناقد العربي تحدد بمقدار دوره في النقل والاستنساخ وليس في الابتكار . ظهر ذلك في النقد الخارجي للنصوص الأدبية كالمناهج النفسية والإجتماعية والتاريخية والانطباعية . وظهر أيضاً في النقد الداخلي للنصوص الأدبية كالمناهج اللغوية والدنيوية والسيميوطيقية . ويعود ذلك في رأيي إلى غياب السياق الثقافي الذي يشجع على إفراز مناهج نقدية . النقد بمعناه الحقيقي لا يظهر في مجتمعات مصادره في أفكارها وتعليمها وعلاقاتها الاجتماعية . يظهر نقد في ظل الحراك العام فيبرز الأنساق الكلية للنصوص وأبنيتها وأنظمتها الدلالية . الممارسات النقدية العربية خاضعة لمبدأ ( المقايسة ) مقايستها بالنقد الغربي، فما وافق ذلك النقد أخذ على أنه نقد جيد ومفيد وما خالفه لا ينظر إليه إلا بعين الدونية والاحتقار . لم ينشأ بعد نقد يقوم على مبدأ الاختلاف عن النقد الغربي . يظهر ذلك النقد حينما يصبح الاختلاف ممارسة حقيقية وملموسة.
&
* هل مجتمعاتنا تعيش خارج التاريخ أم في داخله؟
- نكون داخل حركة التاريخ العارمة حينما ننتقل من التفكير الدائري السحري اللاهوتي إلى مرحلة التفكير الخطي التاريخي المطرد إلى الأمام، إذ يبدأ تراكم المعرفة، ويبدأ التفكير بها، وتظهر طرق تفكير جديدة، وتتأسس منظومة متلازمة من التصورات والمفاهيم تمكننا من معرفة أنفسنا ومعرفة غيرنا.
- نكون داخل حركة التاريخ العارمة حينما ننتقل من التفكير الدائري السحري اللاهوتي إلى مرحلة التفكير الخطي التاريخي المطرد إلى الأمام، إذ يبدأ تراكم المعرفة، ويبدأ التفكير بها، وتظهر طرق تفكير جديدة، وتتأسس منظومة متلازمة من التصورات والمفاهيم تمكننا من معرفة أنفسنا ومعرفة غيرنا.
&
التعليقات