حاوره : كـريـم الـهـزاع
&
&
&
لا شك في أن الكثير يعرفون الروائي الرائع الدكتور احمد إبراهيم الفقيه من ليبيا . أديب مثل هذا قدم الكثير للأدب العربي و اشهرها الثلاثية التي اثارت الكثير من التساؤلات في الوسط الثقافي حيث الصراع النفسي الذي يعيشه المغترب و استلابه من الحياة عبر اختلافات الشرق و الغرب و محاولة البحث عن حالة التوازن. و قد اسهم أيضا في النقد حيث كتب كتاباً نقديا باسم هاجس الكتابة تحدث
به بشكل مثري عن تكوين الكاتب و كيف يمارس الكاتب فعل القراءة و الكتابة و الابداع، ترجمت اعماله للغات عدة.. وقد بدأ النشر في الصحف الليبية منذ عام 1959، وكان اول كتاب اصدره هو المجموعة القصصية الفائزة بالجائزة الاولى في كتابة القصة القصيرة من اللجنة العليا للاداب والفنون في ليبيا عام 1965
وتوالى بعد ذلك انتاجه الادبي فاصدر في مجال الرواية والقصة القصيرة و المسرحية والمقالة الادبية ما يزيد عن ثلاثين كتابا وعدد خمسة وعشرين كتابا في مجال القصص للفتيان ويواصل مقالاته في الصحف فهو يكتب بانتظام في صحيفة الاهرام بابا اسبوعيا كل خميس كما كان يكتب في الشرق الاوسط بابا يوميا وتولى مسئوليات قيادية في المجال الثقافي حيث كان رئيسا لتحرير مجلة الثقافة العريبة التى صدرت في بيروت وصحيفة الاسبوع الثقافي في ليبيا وكان مديرا لادارة الاداب والفنون وعميدا للمعهد الوطني للتمثيل والموسيقي وهو مؤسس
رابطة الادبا ء والكتاب الليبيين وشارك في عشرات المؤتمرات الادبية في مختلف دول العالم وحاضر في عدد من الجامعات العربية والاجنبية وقامت جامعات كثيرة باعداد ندوات عن اعماله الادبية في لندن وبكين والقاهرة وطرابلس وبيروت والرباط وبراغ وغيرها وترجمت اعماله الى عدد من لغات العالم فله باللغة الانجليزية ثمانية كتب وهناك كتاب تاسع تحث الطبع وهي الثلاثية الروائية : ساهبك مدينة اخرى / نفق تضيئه امراة واحدة / هذه تخوم مملكتى، وهناك رواية حقول الرماد ومجموعة مسرحيات الغزالات ومسرحيات اخرى وثلاث مجموعات قصصية وهناك رواية فئران بلا جحور تحت الطبع في امريكا كما قدمت مسرحيات الغزالات وزائر المساء على المسرح في بريطانيا كما تولى الكاتب رئاسة تحرير مجلة صدرت في لندن باللغة الانجليزية هي مجلة AZURE وقد ترجمت الثلاثية وحقول الرماد الى الصينية ايضا وهناك كتاب صدر في الصين عن الكاتب بعنوان احمد الفقيه والادب الليبي المعاصر كما صدرت عنه كتب باللغة العربية لكل من الدكتور عبد الحكيم شعبان والاستاذة فاطمة الحاجي والاستاذ عبدالحكيم عامر الاول بعنوان الرؤية والحلم في ادب أحمد ابراهيم الفقية. والثاني اطروحة جامعية عن الزمن في الثلاثية والثالث اطروحة جامعية عن الماثور الشعبي في الثلاثية وهناك ثلاثة كتب اخري شارك في كتابتها عدد من الكتاب ستصدر قريبا عن موسسة الدراسات العربية. الفقيه أغنى الرواية العربية و أمتعنا نحن بهذا الحوار الشيق :
&
*بماذا تشعر أثناء الكتابة و أثناء ولادة العمل ؟
-&الحقيقة هذه قضية تختلف من مرحلة إلى مرحلة و من عمر إلى عمر، كلنا ابتدأنا هواة، كنا نكتب تحت إلحاح الشعور بأنه عندك شيء تريد أن تقوله أو قصة تريد أن تكتبها، و أعتقد أن هذه اللحظة تنمو مع العمر و التجربة و تصبح الكتابة بالنسبة لك نوع من المهنة تمارسها يومياً، و أيضا تتعامل مع أشكال أخرى من الكتابة غير الأشكال المعتادة سواء كانت قصة أو رواية أو شعر..، يبقى تنظيم الوقت و الاستعداد الدائم للكتابة جزء من عملية الحرفية في الكتابة فتأتي لتمارس الكتابة كل يوم مثل ما يفعل نجيب محفوظ و غيره من الكتاب، فالكتابة عمل يومي بالنسبة لي و ليست مجرد استجابة للحظات الإلحاح التي تأتي بعواطف مجهولة و بالنسبة لي الآن جزء من نهاري و ليلي، و ليس شرط بالنسبة لي أن اكتب في الوقت المخصص للكتابة حيث إنني قد أقرا أو اكتب أعمدة صحفية و ما إلى ذلك، و اعتقد عندما أمارس الكتابة لفترة طويلة من الزمن تكون عندي عادات تكبر معي و تصبح جزء من برنامجك اليومي فتعد نفسك لهذه المهنة و ليس بانتظار الوحي و الإلهام لكي يأتي، و هناك فترة من الوقت تتغير فيها كتابتك لأنك كرست حياتك و انتظمت لهذا الطريق، و صرت ملك للكتابة و تحت سيطرة هاجس الكتابة.
&
*هل نحن كحركة ثقافية عربية على وعي بما يدور في العالم من حولنا ؟
- اعتقد أن دورة الوعي تزداد كل يوم و في العالم من حولنا، ليس طواعية و ليس اجتهاداً وليس استجابة لإلحاح، أما نحن مرغمين، الآن العالم يطاردك بإحداثه نتيجة للثورة الكبرى في التقنية الإعلامية ، تقنية الاتصالات التي جعلت أحداث العالم تصل إليك وقت حدوثها تنقلها إليك بالفضائيات العربية و الصحيفة المطبوعة عشرات الأماكن في نفس الوقت و بالكمبيوتر والإنترنت، فالآن كله متاح أمامك، و اعتقد أن شبكات مثل الإنترنت أنهت بالضرورة احتكار المعلومة، الآن هذه الشبكة وسيلة يملكها كل الناس فبمثل ما تلقى كلام عن دولة من الدول حتى لو كان نظامها فردي دكتاتوري ما يمنع صدور المعلومة تلقى أيضا ناس معارضين لها، و قد لا ترضى مثلاً وسائل الإعلام الغربية ما يفعله حزب الله بالإسرائيليين، وقد تمرر أخبار مصادرها إسرائيلية، لكن لا تستطيع أن تمنع شخص من أن يكون عنده نوع من الوفاء لمصالح بلاده، أما الآن لم يعد بإمكان هذه الوكالات الكبيرة أن تحتكر هذه المعلومات، لان حزب الله نفسه يستطيع أن يضع أخباره و بياناته في الإنترنت وغيرها من وسائل إعلام أخرى، مصدرها رويترز أو غيرها، فنرى أشياء تحدث بالدولة المجاورة لا نستطيع رؤيتها، و هذا لا يعني أن المعلومة قد تتلون بالجهاز الذي ينقلها و لكن مع هذا جزء كبير من الصورة سيصل إليك مهما حاول الآخر تلوينها، فحقيقة نحن الآن نتواصل مع العالم تواصلا لم يكن ميسرا هذا العام ، أعتقد انه سيكون ميسرا في العشر السنوات القادمة فيكون افضل مما لدينا الآن، طبعاً ليعي بعد ذلك عملية كيف نستغل و نستثمر و نوظف هذه المعارف، ليس الهدف توصيل المعلومة فقط إنما هو التعامل معها و كيف يمكنني من خلالها أن أستطيع أن أضيء بها استراجياتي و سياستي و خططي المستقبلية، يمكن أن اضمن لنفسي مساحة على خارطة الفكر و الثقافة و السياسة و إثبات وجودي و هويتي و حضارتي، و كيف أستطيع كسب الرأي العام، و كسر احتكار بعض القوى المنافسة لك، و أن ندخل معركة ترويج للتأثير على صانعي القرار السياسي فيعرفنا الرأي العام و لا يستهتر بقضايانا كما يحدث الآن، فبالإطار هذا تبقى العملية ضرورة وجود و تعاطي مع العالم.
&
*في زمن السرعة هل ستفقد الرواية بريقها ؟
- إطلاقا، بل هي تزداد قوة، لأن الرواية بعكس كل الإبداعات فهي ارتبطت بالتطور، كلما تطورت المجتمعات على مدى الزمن ارتبط هذا التطور بالرواية و النشر فتبقى الشعورية فطرية لا تحتاج لتعقيد و لا لتراكيب، فالإنسان بالمراهقة كتب الشعر و أؤكد لك أن شعراء كثيرين بدأ قوياً ثم فقد قوته، فالرواية تحتوي على تركيبة ذهنية و ليس فقط شعورية، فجاءت الرواية تاجا لكل العصور وستبقى فهي لم تنتهي إلى الآن و لن تنتهي، فكما يحتاج الإنسان للراحة يحتاج للرواية. فالرواية تخاطب الوجدان و الوعي و هي تغني الأدب و لا غنى عنها.
&
*هل تأثر الرواية على حياتك الخاصة ؟
- جداً، جداً، فهي أرقى هبة تسعدني في الحياة و هي نعمة من الواهب. و هي اجمل رفاهية لي و لأولادي، فالكتابة تحتل جزء كبير من الحياة و العقل. أنها صدى المجتمع بصوت الكاتب .
&
*من أين تستمد روح الكتابة ؟
-&سؤال مهم، أولا : الكتابة تأتي مبكرة دون وعي و تجد نفسك في طريق الكتابة و استجابة لنداء الوعي و الفطرة فجأة، و لكن هذا لا ينفع وحده، فهناك موارد كثيرة أخرى، فإحساس هذا الإنسان الكاتب بمآسي الشارع هو من أحد الدوافع، انه الحس بالمسؤولية و هو دافع العمل، و هناك دوافع نفسيه أخرى . ثانياً : المتعة بالإحساس براحة، فالكاتب كلاعب السيرك لا يقفز في النار هكذا فقط بل للمتعة أيضا، و اللعب بالحياة و كلماتها كذلك، و هناك عامل ضعيف موجود في الدول العربية و هو أن الكتابة مصدر للرزق، فالكتابة باعتقادي ليس لها مكاسب صراحة في الوطن العربي، و حتى لو كان كما يحدث في الغرب لا يجب ربط الكتابة بالمال أبدا، فمثلاً ماذا تقاضى شكسبير من أعماله الرائعة، و ظلم أن تحسب هذه الروائع بأموال البنوك و هناك مثال آخر مثل رسومات بانغو فهو منها لم يحصل إلا على أجرة لطبيب فقط.

&