حاوره قراء إيلاف
16- من قتم بن عبد اللات: في مرحلة الحرب الباردة بين الشرق والغرب شهدت المنطقة العربية مرحلة تآمرية اشتركت فيها الدول والمخابرات الأمريكية - الإسرائيلية والأوروبية بالتعاون مع بعض المخابرات العربية ضد الكتلة السوفيتية والأنظمة العربية التابعة لها. والكتلتان لعبتا أدواراً للإطاحة بالثاني وكانت المنطقة ملعب كرة للكتلتين من أجل توطيد النفوذ والهيمنة. في الخمسينات والستينات حصل انقلابات عسكرية كثيرة لصالح هذه الكتلة أو تلك. والنقطة التي أود أن اركز عليها وهي أن أمريكا قدمت معونات مادية وعسكرية وإعلامية للإخوان المسلمين للإطاحة مثلا بنظام عبد الناصر في مصر ودعم كبير لهم في سوريا والسودان . وقد تُوجَت قمة هذا الدعم للمنظمات الظلامية الاسلامية في أفغانستان مباشرة بواسطة المخابرات المركزية ومن خلال المخابرات السعودية والباكستان . وقد وصف ريغان المقاتلين الأفغانستان بأنهم مقاتلين أحرار لانهم ضد الاتحاد السوفيتي. أسامة بن لادن كان واحداً من الذين تعاونوا مع المخابرات السعودية والمخابرات المركزية. واشعر كما يشعر الكثير في العالم العربي بأن كل المصائب التي يواجهها العالم العربي اليوم كان ولا يزال نتيجة لقصر النظر السياسي الأمريكي في المنطقة وعدم المبالاة المقصودة بما يحل وسوف يحل في العالم العربي. وحتى حماس في فلسطين دُعِمَت من قبل الموساد الإسرائيلي والمخابرات السعودية.
هل توافق معي أن هذه الحركات الإسلامية الظلامية كانت قد خلقت لتخدم مهمة معينة لصالح الولايات المتحدة وانهم أُطلقوا من عقالهم كالكلب المسعور في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ليبثوا الخراب ويعيدوا العالم العربي إلى مئات السنين للوراء؟
هل توافق معي أن هذه الحركات الإسلامية الظلامية كانت قد خلقت لتخدم مهمة معينة لصالح الولايات المتحدة وانهم أُطلقوا من عقالهم كالكلب المسعور في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ليبثوا الخراب ويعيدوا العالم العربي إلى مئات السنين للوراء؟
&
- أريد أولاً أن اوضح نقطة مهمة. اننا نردد دائماً مع المرددين: ليس في السياسة اصدقاء وثوابت ولكن هناك مصالح ومتغيرات. ولكننا نردد ذلك كالببغوات دون أن نفهم وندرك. وعندما نأتي الى تطبيق هذه المقولة على علاقتنا نحن أبناء الشرق الأوسط بالغرب لا نطبقها بل ننكررها. إن الدول التي كانت على عداء ضارٍ مع بعضها بعضاً في الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم أصدقاء ويضمها اتحاد أوروبي ووحدة أووربية. والأمم التي كانت في تحالف مع بعضها في الحرب العالمية الثانية أصبحت في الحرب الباردة من ألد الأعداء وتُدعى بامبراطورية الشر. إذن ليس هناك صداقات دائمة وثوابت في السياسة كما أنه ليس هناك عداوات دائمة في السياسة.
كانت علاقة امريكا بالجماعات الاسلامية على اختلاف أشكالها أثناء الحرب الباردة تختلف عن علاقتها معها بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001. وصحيح أن امريكا استخدمت الإخوان المسلمين وغيرهم ضد أنظمة حكم معينة وهذا من حق كل دولة أن تفعله وفعلته كثير من الدول& في الماضي والحاضر. فقد تحالف هارون الرشيد مع شارلمان لطرد الأمويين من الأندلس وهي دولة اسلامية هناك. وفي التاريخ الحديث تحالفت بريطانيا مع الإخوان المسلمين أثناء العهد الملكي، ضد حزب الوفد وغيره من احزاب الليبرالية. وكذلك تحالفت فرنسا مع المسيحيين في لبنان وأقامت لهم الكيان اللبناني الحالي المنزوع من سوريا أساساً. وتحالف رشيد عالي الكيلاني في ثورته في العراق في 1941 مع هتلر، لطرد الانجليز من العراق. وتحالف الحاج أمين الحسيني مع هتلر ايضاً في الفترة ذاتها أملا في نيل الاستقلال الفلسطيني.. الخ
كذلك فعلت امريكا في حرب افغانستان ضد السوفييت. فتحالفت مع طالبان ومع ابن لادن وباقي الفصائل الأفغانية الآخرى. ثم انتهت المهمة وذهب كل واحد في سبيله. فما هو الجرم الذي ارتكبته أمريكا تجاه القاعدة وابن لادن؟ وما هي مسؤولية امريكا في جنوح ابن لادن وخطفه للإسلام على هذا النحو؟ وكيف نردد دائماً أن امريكا هي التي رعت الارهاب وربّته ونشّأته على هذا النحو؟ فهذا تجديف وتزييف لحقائق التاريخية.
حال أمريكا مع من تحالفت معهم في وقت من الأوقات كحال شريكين، دخلا شراكة في مشروع ما، صناعي أو تجاري. ثم انتهت هذه الشراكة بأن أخذ كل منهما حصته أو نصيبه وذهب حال سبيله. ولكن الشريك الثاني أصبح لصاً وسارقاً ، وسطا على أحد البنوك وسرقها، فما هو ذنب الشريك الأول في هذه الحالة، وكيف نلومه على أنه كان الشريك للثاني الذي أصبح لصاً؟
هذه هي حال امريكا أو أي دولة اوروبا مع حلفائها السابقين في الشرق الأوسط من الحكام والأحزاب والأنظمة وزعماء الفصائل الدينية الارهابية.
نعم لقد كان العُربان الأفغان في حربهم ضد السوفييت المحتلين مقاتلين أحراراً، ولكنهم عندما حملوا السلاح ضد المدنيين والبرياء أصبحوا رجال عصابات سارقين ومختصبين وقطّاع طرق.
أما الاجابة عن سؤال: هل توافق معي أن هذه الحركات الإسلامية الظلامية كانت قد خلقت لتخدم مهمة معينة لصالح الولايات المتحدة، وانهم أُطلقوا من عقالهم كالكلاب المسعور في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ليبثوا الخراب، ويعيدوا العالم العربي إلى مئات السنين للوراء؟
فهذا تخريف وكلام مجانين، يردده مجموعة من المحللين المشعوذين في العالم العربي من أصحاب الكوبونات النفطية. إن العالم كله أصبح الآن قرية كونية. وهذا قول معاد كثيراً، ولا جديد فيه. ولكن الجديد هو في معناه وليس بمجرد ترديده كالببغوات. معنى هذا أن أي خرق أو كارثة أو مصيبة أو خلل سياسي أو اقتصادي في هذا العالم يؤثر على العالم كله. فالشرق الأوسط ليس قطعة من المريخ أو المشتري أو عطارد. الشرق الأوسط جزء من كوكب الأرض. وهناك حراس ومسؤولون عن هذا الكوكب وسلامته من عبث العابثين وتخريب المخربين وفساد المفسدين حتى يظل هذا الكوكب سليماً. ولو كانت أمريكا& - ربة هذا الكوكب الآن& - غير حريصة على سلامة كوكبها لكانت هي فعلاً من أطلق الكلاب المسعورة كما تصفهم من العقال في الشرق الأوسط ليبثوا الخراب ويعيدوا العالم العربي الى مئات السنين الى الوراء.
فمن هو الخاسر في هذه الحالة؟
صدقني أن الخاسر الأول سيكون أمريكا وليس العالم العربي.
فالعالم العربي حالة كحال ( أنا الغريق فما خوفي من البلل). وأما أمريكا ذات المصالح السياسية والنفطية والاقتصادية والثقافية في منطقة الشرق الأوسط فستكون هي الخاسر الأول. ومن هنا فأي اصلاح يتم في منطقة الشرق الأوسط سوف يكون لصالح أمريكا قبل أن يكون لصالح شعوب المنطقة.
فهل تريد أمريكا حقاً أن تحرق رغيفها الشهي في الشرق الأوسط بنيران الفصائل الدينية المتشددة المسلحة؟
إذن فأمريكا دولة مجنونة.
ويا لبؤس كوكب الأرض الذي تكون ربّته مجنونة!!
&
&
*
&
17- د. اكرم حسن: لازلت اتابع مساهماتك القيمة حول الشأن العراقي. اسمح لي بمعرفة وجهة نظرك فيما يلي:
هل الصراع الراهن بين اطراف النخبة السياسية العراقية هو امتداد تاريخي& للصراع بين دولة الخروف الاسود - البويهية- ودولة الخروف الابيض - السلجوقية ؟
&
-&&&&&& كل دولة ديمقراطية في العالم فيها نوع من أنواع الصراع ما عدا الدول الشمولية الديكتاتورية. الدول الشمولية الديكتاتورية هي الدول التي ينتفي منها الصراع بين الخرفان السود والخرفان البيض على حد تعبيرك. العراق الآن دولة على درب الديمقراطية الصحيحة. وقد كانت قبل 1958 سائرة على درب الديمقراطية المنقوصة لكي تصل الى الديمقراطية الصحيحة. ولكن سبق سيف الانقللابيين عذل الديمقراطيين.
الصراع الراهن بين أطراف النخبة العراقية هو من نوع "الصراع الديمقراطي المحمود" وليس من نوع الصراع القاتل.
هو صراع الحياة مع الحياة من أجل حياة افضل.
هو صراع الأحياء مع الأحياء، وليس صراع الأحياء مع الأموات الذي عادة ما يكون من طرف واحد كما في الدول الشمولية الديكتاتورية الأخرى وكما كان عليه الحال في عهد صدام المنهار. الصراع الحالي في العراق ليس امتداداً لأي صراع تاريخي.
&لماذا؟
&لأن كل مرحلة تاريخية تفرز صراعها الخاص بها.
&المرحلة العراقية الحالية مرحلة خاصة متميزة تختلف عن كل المراحل التاريخية السابقة التي مر بها العراق، لذا، فصراعها مختلف بالطبع. ولكنه ليس صراعاً من أجل حياة فريق وموت فريق آخر، ولكنه من أجل حياة الفريقين المتصارعين بشكل أفضل.
&
*
&
18- د. اكرم حسن: الى أي مدى يمكن للتحالف الراهن بين الملالي وشيوخ العشائر- اقطاع ما قبل 1958- ان يعيق بناء العراق الحديث؟ هذه الاسئلة من الصعب ان يتعامل معها رجل اقتصاد مثلي. لذا اتركها مادة لتتعامل معها باسلوبك الرصين؟
-&&&&&& إن أسوأ تحالف يمكن أن يتم لا في العراق وحدها ولكن في أي بقعة في العالم العربي هو التحالف الذي يتم بين رجال الدين وبين زعماء العشائر، وكلا الطرفين غير مؤهلين للعب أي دور سياسي بسبب اتخاذهما للسياسة كمجال إما للكسب المادي، حيث يعتبر زعماء العشائر أن انخراطهم في العمل السياسي هو البديل عن الغزو والإغارة التي كانت تتم في الماضي لكسب المال وأرض الماء والكلأ. وبالنسبة لرجال الدين فالسياسة هي الوسيلة للوصول الى كرسي الحكم أو الاحتفاظ باللعبة السياسية بين أيديهم. لقد استأت وغضبت وتضايقت وتألمت مما حصل من الشيخ السيستاني الذي استطاع أن يكشف عن الوجه الحقيقي للزعامة الشيعية في العراق ومدى قدرتها على تعطيل إرادة الأمة حين أوقف التوقيع على الدستور العراقي المؤقت لمدة أسبوع تقريباً. فقد عرقلت مجموعة الخمسة من أعضاء مجلس الحكم العراقي الشيعة، التي ظهرت فجأة ومن دون مقدمات الاعلان عن قانون ادارة الدولة العراقية الذي سبق لهذه المجموعة ان وافقت عليه. وجاء قرار هذه المجموعة التي تضم عبد العزيز الحكيم وابراهيم الجعفري ومحمد بحر العلوم وابراهيم الربيعي وأحمد الجلبي الذي يصف نفسه بأحد العلمانيين بعد سلسلة اجتماعات عقدتها المجموعة في منزل الحكيم وتلقيها نصائح من خارج الانتقالي (من رجال الدين وعلى رأسهم السيستاني) بعدم تصديق القانون في اللحظات الأخيرة للحصول على مكاسب جديدة بعد ان كان جميع الاعضاء الـ25 في الانتقالي بمن فيهم الخمسة المعترضون قد وافقوا علي الوثيقة التي كان مقرراً الإعلان عنها الأربعاء الماضي. وتراجعت مجموعة الخمسة عن اقرارها لبنود قانون إدارة الدولة المتعلقة بالرئاسة والفيدرالية وحرية المرأة والدستور الدائم وطالبت بتغيير هذه البنود علي الرغم من اقرار أغلبية الاعضاء لها، وذلك بضغط من رجال الدين الشيعة وعلى رأسهم السيستاني. وتراجعت مجموعة الخمسة أيضاً عن موافقتها علي تمثيل النساء في المجلس العراقي الانتقالي بنسبة 25? جيث تطالب بنسبة تمثيل أدني علي الرغم من ان النساء العراقيات يشكلن أكثر من نصف المجتمع العراقي. وأصبح الوضع داخل مجلس الحكم لا يطاق كما قالت يومية "الزمان" اللندنية في 7/3/2004. وبهذا كشف السيستاني عن وجهه بأنه الملك غير المتوج على العراق، وبأنه الرئيس العراقي الخفي الذي استطاع أن يوقف التوقيع على الدستور المؤقت بعد أن وافق عليه كافة أعضاء مجلس الحكم. وهو ما يشير الى قوة تأثير رجال الدين في المجتمع العراقي الذي تخلف كثيراً نتيجة الحكم الشموالي الديكتاتوري السابق الذي لم يُتح للنخب السياسية بأن تظهر وتلعب دورها السياسي بدلاُ عن رجال الدين الذين يفقهون بالسياسة بقدر ما أفقه أنا بالهيروغليفية.
&وإذا كانت هنا إعاقة لبناء العراق الجديد فهذه الاعاقة لها سببان:
&زعماء العشائر ورجال الدين من شيعة وسنة ومن مسلمين ومسيحيين على السواء. ولو ظلت أوروبا مرتهنة لحكم رجال الدين كما هو الحال في العالم العربي لظلت تعيش حتى الآن في ظلام العصور الوسطى كما نعيش نحن الآن.
*
&
19- صلاح هاشم:& ماذا يقول شاكر النابلسي بشأن العراقيين الذين سمعناهم وعملنا معهم في مسيرتنا الصحفية في لندن وباريس وأحببناهم، وهم يتحدثون عن العراق والحنين الي العودة، ثم يتحدثون الآن بعد انهيار نظام صدام الدموي البشع، يتحدثون عن صعوبة العودة بل استحالتها في ظل الظروف الراهنة؟& نحن بالطبع نقدر ظروفهم، لكن هل يمكن تأسيس نظام جديد، من غير مشاركتهم وعودتهم، كيف؟ اني اطمح كمصري للمشاركة في بناء العراق الجديد ، مع اصدقائي العراقيين من& السينمائيين والشعراء والفنانين، وعلي استعداد للذهاب والعمل معهم ومشاركتهم في بناء عراق جديد يتواصل مع العالم، فهل ينصحني مثلهم بأن& أقعد في مكاني وأحكي عن الظروف الراهنة، ام انه يشجعني علي الذهاب، لحاجة العراق الماسة الآن الي البناء واكثر من أي وقت مضي؟ ماذا نستطيع ، ودعنا ندخل في العملي، ماذا نستطيع ان نقدم ليستعيد العراق عافيته وتألقه الذي خبا بفعل الدمار& والحرب؟
&
-&& لا شك أن العراق بحاجة الى كل يد عراقية أو عربية الآن. ولكن ما أصاب العراق من العراق من العرب حكاماً وشعوباً جعل العراقيين يحذرون من العرب، بل ويستاءون منهم. وكنت قد كتبت في الموضوع عدة مقالات طالبت العرب حكاماً وشعوباً أن يرفعوا أيديهم عن العراق.
&لقد أراد العرب أن يكون لهم في العراق نصيب، فماذا كان نصيبهم في العراق؟
&ليس الاعمار والانشاء ومساعدة العراقيين على بناء وطنهم الجديد، بل كان دورهم تدمير العراق وقتل النساء والاطفال والشيوخ وتدمير البنية الأساسية العراقية، وقتل رجال الشرطة، وتهديد الطلبة بعدم الذهاب لمدارسهم، واغتيال أعضاء مجلس الحكم.. الخ. العرب بالنسبة للعراقيين أصبحوا اشراراً حكاماً وشعوباً حيث الحكام يطالبون بحكومة عراقية منتخبة لكي يتم الاعتراف بالسلطة العراقية في حين أن لا حكومة منتخبة انتخاباً حراً نزيهاً في العالم العربي.
أشكرك على غيرتك وحبك للعراق واستعدادك للمساهمة الثقافية. وأرجو أن يسمح لك مستقبل العراق المستقر والمطمئن على المشاركة التي تتطلع اليها. أما الآن فترك العراق لشأنه هو أكبر خدمة يقدمها العرب للعراق لاسترداد عافيته وتألقه.
&
*
20-سعيد عصفور (الأردن): كيف تبرر غزو العراق، وهل لأمريكا الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للعالم العربي من خلال "مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي تعتبر انت أحد عرّابينه في العالم العربي؟
&
- أنا لست عرّاباً لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" كما تصفني. صحيح أنني من أكثر الكتاب العرب اهتماماً وكتابة حول هذا المشروع وأنوي أن اتابع ذلك. وربما انتهيت بكتاب كامل عن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" تحت هذا العنوان. ولعل مصدر اهتمامي بهذا المشروع أنه يمثل حقيقة المستقبل. مستقبل العالم العربي والعالم الإسلامي فيما يعرف الآن بمشروع "الشرق الأوسط الكبير". وأنا اكتب للحاضر والمستقبل ولا اهتم بالماضي كثيراً إلا من أجل خدمة قضايا الحاضر والمستقبل.
وبعيداً عن اللغط الحاصل بخصوص أسلحة الدمار الشامل، فمما لا شك فيه بأن التحالف قد جاء الى العراق لاقتلاع صدام حسين منه، تمهيداً لاقتلاع انظمة حكم أخرى عربية مماثلة له أو قريبة منه في المنطقة. فقد توصلت أمريكا& - ربة الأرض هذه الأيام - الى قناعة نهائية وهي أن الشعوب العربية غير قادرة اطلاقاً على تغيير أحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصاجية والثقافية بلا مساعدة خارجية. والمساعدة الخارجية في هذه الحالة مبررة في نطاق تقاطع المصالح الدولية وتقاطع المصالح بين الشرق الأوسط الصغير أو الكبير مع مصالح الغرب ومع امريكا على وجه الخصوص. فقد رفض عمر بن الخطاب غزو الحبشة واعتبرها بلداً صديقاً لتقاطع المصالح بين المسلمين والمسيحيين آنذاك. وتحالف هارون الرشيد مع شارلمان ضد الحكام الأمويين في الأندلس المسلمة لتقاطع المصالح بين العباسيين وبين الغربيين. واعتبر سليمان القانون الخليفة والسلطان العثماني أن فرنسا دار صلاح وليست دار حرب لتقاطع المصالح بين المسلمين في الامبراطورية العثمانية وبين المسيحيين في فرنسا. إذن، غزو العراق كان مبرراً حماية للشعب العراقي والتي هي في الوقت نفسه حماية للشعب الأمريكي ومصالحة المتقاطعة مع مصالح الشعب العراقي. وسوف يكون عليه الحال أيضاً في الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الصغير.
&
*
21-منصور خالد (الرياض) :هل الكفار الآن الذين يحابهم مجاهدو "القاعدة" هم الكفار الذين جاءت في ذكرهم الآيات القرانية المعروف بآيات "السيف"، وهل يبرر شرعاً للقاعديين ما يشنونه على الأبرياء من هجمات كما حصل مؤخراً في اسطنبول ومدريد وكما يحصل كل يوم في العراق؟
&
- انتبه كثير من رجال الدين المتفتحين الى أهمية أن الاسلام جاء قبل 1500 سنة. وأنه جاء في فترة تاريخية معينة، ليخاطب جمهوراً ذا عقلية وتحديات سياسية ودينية معينة، وظروف& ومواقع اجتماعية واقتصادية معينة. ومن هؤلاء كان الشيخ رشيد رضا الذي قال أن مقاتلة المشركين التي وردت في آيات سورة التوبة وعُرفت بآيات "السيف" على سبيل المثال انما هي آيات موجهة لقتال مشركين الجزيرة العربية في ذلك الوقت. وليس كل مشركي الأرض كما يقول افتراءً واستعباطاً فهمي هويدي.
القراءة الجديدة للقرآن - وأنا أدعو لها بقوة وتصميم - يجب أن تركز على علم التأويل تركيزاً كبيراً خاصة في هذه الظروف الحرجة التي نمرُّ بها الآن. فالقرآن ليس كتاباً مثالياً مطلقاً في مواقفه من الآخر. وانما جاءت هذه المواقف نتيجة لمواقف الآخر منه. أما وقد زالت هذه الظروف فكل ما هو ضد الآخر قد زال بزوال تلك الظروف.
فنصوص القرآن التي تحدد موقف المسلمين من الآخر مرتبطة بالفترة وبالظروف وبالمعادلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الخاصة بنا وبالأخر الذي كان في ذلك الزمان والمكان، وليست مرتبطة بما سوف نكون عليه أو يكون عليه الآخر، وانما بما كنا وكان عليه الآخر، الذي هو يختلف عن آخر اليوم اختلافاً كلياً وجوهرياً، كما أننا نحن معشر المسلمين نختلف اليوم عقلياً وادراكاً وثقافياً واجتماعياً واقنصادياُ عن مسلمي القرن السابع الميلادي وقت أن جاءنا القرآن بآياته. وهذا ما نطلق عليه "القراءة الجديدة للقرآن".
&ومن هنا ترى يا عزيزي، أن لا مبرر سياسياً أو دينياً لقتل الأبرياء على هذا النحو كما ذكرت في سؤالك. المبرر الوحيد هو انفلات العقل، حيث لا عقل يعقلنا، والإفلاس الحضاري والمدني الذي نعاني منه، والألم الشديد من الجروح النرجسية الدينية التي نعاني منه.
&
*
22-صلاح هاشم: كيف ترى المشروع الناصري وكيف تتمثله وما هي الاسباب التي أدت في رأيك إلي اخفاق ذلك المشروع؟
&
- المشروع الناصري كان مشروعاً عاطفياً خالصاً لا أثر فيه& للعقلانية والواقعية السياسية. وأعني بالواقعية السياسية هنا أن يكون أي مشروع وطني يحمل من الواقعية مقداراً يؤهله لأن يكون صالحاً للتطبيق في ظل ظروف الدولة والوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما أن الواقعية السياسية تعني أن يلبي الحاكم ما يحتاج الشعب لا ما يريد الشعب. ولقد كان عبد الناصر يلبي ما يريد الشعب لا ما يحتاجه، "نزولاً عن ارادة الجماهير" وتلك هي الرومانسية السياسية لا الواقعية السياسية التي (طبَّ) فيها عبد الناصر نتيجة لانسياقه الدائم لمطالب الجماهير الغوغاء وصيحاتها الهوجاء. فقد كان يلبي مطالبها في الشارع ولا يستمع الى كلام حكمائها في المجالس، حيث لم يكن مجالس لديه لحكماء الأمة.
المشروع الناصري كان كذلك.
تأميم قناة السويس، كان مشروعاً عاطفياً غير مدروس سياسياً واقتصادياً جرَّ على مصر كوارث كثيرة وأهمها الكوارث البشرية والاقتصادية حيث خسرت مصر من جراء ذلك أكثر مما استفادت من تأميم قناة السويس لعدة سنوات قادمة. وكان يمكن أن تسترد قناة السويس دون خسارة مليم واحد أو قطرة دم واحدة عندما تنتهي مدة امتياز شركة القناة لصالح المستثمرين الأجانب في عام 1968، ولكانت مصر والعرب قد تحاشوا هزيمة 1967.& ونحن لا نعرف مقدار خسارة مصر من جراء قرار عبد الناصر الجماهيري حتى الآن بالضبط. وحسنين هيكل الذي يحمل أسرار المعبد الناصر وكبير كهنة هذا المعبد، ومالك تاريخ هذا المعبد ووثائقه لم يخبرنا بعد. أما وأنه قد اعتزل الكتابة والإخبار، فنحن بانتظار رحيله - بعد عمر طويل - لكي يتم الكشف عن هذا الجانب الغامض من حرب السويس.
هذا واحد من قرارات عبد الناصر العاطفية وأحد أركان مشروعه القومي الكبير.
القرار الثاني، كان قرار الوحدة مع سوريا 1958 والذي كان قراراً عاطفياً جداً في أخطر خطوة يمكن أن يخطوها شعب تجاه شعب آخر. ولهذا لم تلبث أن انهارت الوحدة بعد ثلاث سنوات وجرّت على مصر أعباء وكوارث سياسية ومالية كثيرة، رغم أغنيات صباح وفايزه أحمد وعبد الوهاب، ورقصات نجوى فؤاد، وشعر الشعراء الوحدويين.
القرار الثالث، كان قرار التدخل في اليمن وارسال ثمانين الف جندي مصري الى هناك، والدخول في حرب مع رجال القبائل في شعاب اليمن ووديانها، والحرب مع السعودية، مما أجهض على البقية الباقية من الاقتصاد المصري وكان سبباً من الأسباب الرئيسية في هزيمة 1967.
والقرار الثالث، الذي قتل عبد الناصر سياسياً وأنهى اسطورته القومية والوطنية كان حرب 1967.
هذه هي أبرز ملامح& المشروع الناصري السياسي العاطفي الرومانسي.
&
أما الأسباب التي أدت الى اخفاق هذه المشروع فهي كثيرة منها:
&
1-&& عدم تطبيق الاستحقاقات الديمقراطية، والتي تجلّت في امتلاك وسائل الرأي العام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وغير ذلك. ومنع قيام الآحزاب السياسية وأحزاب المعارضة.
2-&& حكم مصر حكماً فردياً مطلقاً مما جعل المشروع السياسي هو القائد والقائد هو المشروع السياسي. والدليل على ذلك أن القائد عندما رحل واختفى، رحل واختفى معه المشروع السياسي الذي كان متعلقاُ به هو شخصياً، وليس بالأمة أو الوطن، وجاء مشروع مخالف له وهو مشروع السادات والحرب من أجل السلام وتحقيق السلام.. الخ.
3-&& الاحتكام الى الغوغاء (الجماهير الغفيرة) في أخطر المشاريع السياسية كمشروع الوحدة مع سوريا وارسال الجيش المصري الى اليمن. وعدم الاحتكام الى (الشعب) وحكمائه وممثليه الحقيقيين في البرلمان أو مجلس الشعب.
4-&& الاعتماد على العاطفة الجماهيرية، وليس على عقل الشعب في اتخاذ القرارات السياسية.
5-&& اعطاء الشعب ما يريد لا ما يحتاج.
6-&& اتخاذ القرار السياسي من أجل حماية النظام وليس من أجل حماية الوطن.
7-&& الاحتكام في الصراع العربي الاسرائيلي الى أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة في الوقت الذي كانت فيه الأمة لا تملك أي نوع من القوة العسكرية أو المالية أو الثقافية حتى تستطيع أن تسترد بالقوة ما أُخذ بالقوة على حد قول الشعار المعروف الذي رفعه عبد الناصر في مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة 1967، وكررته من ورائه الغوغاء الهوجاء.
&
&
&
23- عبد الله الغامدي (الدمام): قرأت لك معظم ما كتبته عن مستقبل الديمقراطية في العالم العربي بعد سقوط الديكتاتورية العراقية. ويبدو أنك متفائل جداً وتثق بامريكا، ولكن ألا ترى مع كثيرين يرون في العالم العربي أن امريكا هي التي دعمت الديكتاتوريات العربية والآن تأتي لكي تزيلها واحدة بعد الأخرى. فما الذي جرى، وكيف نثق بالدولة التي دعمت الديكتاتوريات بالأمس وتريد أن تدعم الديمقراطية اليوم؟
-&&&&&& هذا سؤال من أهم الأسئلة التي طُرحت عليّ، واجابته اجابة مهمة أيضاً، تزيل الغشاء عن العيون، وتكشف المستور والمسكوت عنه.
عندما دعمت أمريكا بعض النظم السياسية في العالم العربي، وهي نظم لم تكن ديكتاتورية بقدر ما كانت نظماً محافظة كنظم الحكم في الخليج وفي الأردن وفي المغرب وتونس، كانت امريكا في تلك الأثناء تخوض حرباً باردة مع الاتحاد السوفياتي، وكان عليها أن تقف إلى جانب الدول التي لا يساندها الاتحاد السوفياتي، بل هي تعاديه وهو يعاديها، لكي تحافظ على موازين القوى في المنطقة. أما وقد انتهت الحرب الباردة، فقد تغيرت الموازين والمكاييل والمواقف كما نرى الآن. فلا أصدقاء دائميين في السياسة ولكن هناك تبادل مصالح.
ولكن، لماذا نسأل دائماً عن دعم امريكا للنظم العربية الديكتاتورية، ولا نسأل أنفسنا عن دعم الاتحاد السوفياتي الحقيقي والقوي للدول الديكتاتورية العاتية في العالم العربي، منذ العام 1960 1990. فالاتحاد السوفياتي، رافع علم الحرية والثورة والاشتراكية والعدالة الاجتماعية إلى آخر هذه القائمة من الشعارات الطنانة، كان هو الذي يدعم النظم الديكتاتورية العسكرية وغير العسكرية المستبدة في العالم العربي. فهو الذي دعم نظام عبد الناصر في مصر، ونظام صدام حسين في العراق، ونظام حافظ الأسد في سوريا، ونظام هواري بومدين في الجزائر، ونظام القذافي في ليبيا، والنظام السياسي في جنوب اليمن.
لقد أساء الاتحاد السوفياتي إلى الشعب العربي بدعمه للنظم الديكتاتورية العربية الجائرة أكثر مما أساءت أمريكا ذات (الريشة الحمراء) في دعمها للنظم المحافظة. فالنظم المحافظة التي دعمتها امريكا لحفظ توازن القوى في المنطقة لم تقتل بالأسيد شهدي عطية في مصر وفرج الله الحلو في سوريا ولم تعلق المشانق للمعارضة كما فعل عبد الناصر. ولم تسجن المعارضة عشرات السنين وحتى الموت كما فعلت النظم السياسية في سوريا والجزائر وليبيا، ولم تقتل المعارضة وتدفنها في مقابر جماعية كما حصل في العراق.
ولو أن الاتحاد السوفياتي ما زال قائماً حتى الآن، لما تخلت امريكا عن اصدقاء الأمس من النظم العربية المحافظة وذلك حفظاً لميزان القوى في المنطقة. فسبحان مغير الأحوال.
&وربَّ ضارة للسوفيت نافعة للعرب
-&&&&&& هذا سؤال من أهم الأسئلة التي طُرحت عليّ، واجابته اجابة مهمة أيضاً، تزيل الغشاء عن العيون، وتكشف المستور والمسكوت عنه.
عندما دعمت أمريكا بعض النظم السياسية في العالم العربي، وهي نظم لم تكن ديكتاتورية بقدر ما كانت نظماً محافظة كنظم الحكم في الخليج وفي الأردن وفي المغرب وتونس، كانت امريكا في تلك الأثناء تخوض حرباً باردة مع الاتحاد السوفياتي، وكان عليها أن تقف إلى جانب الدول التي لا يساندها الاتحاد السوفياتي، بل هي تعاديه وهو يعاديها، لكي تحافظ على موازين القوى في المنطقة. أما وقد انتهت الحرب الباردة، فقد تغيرت الموازين والمكاييل والمواقف كما نرى الآن. فلا أصدقاء دائميين في السياسة ولكن هناك تبادل مصالح.
ولكن، لماذا نسأل دائماً عن دعم امريكا للنظم العربية الديكتاتورية، ولا نسأل أنفسنا عن دعم الاتحاد السوفياتي الحقيقي والقوي للدول الديكتاتورية العاتية في العالم العربي، منذ العام 1960 1990. فالاتحاد السوفياتي، رافع علم الحرية والثورة والاشتراكية والعدالة الاجتماعية إلى آخر هذه القائمة من الشعارات الطنانة، كان هو الذي يدعم النظم الديكتاتورية العسكرية وغير العسكرية المستبدة في العالم العربي. فهو الذي دعم نظام عبد الناصر في مصر، ونظام صدام حسين في العراق، ونظام حافظ الأسد في سوريا، ونظام هواري بومدين في الجزائر، ونظام القذافي في ليبيا، والنظام السياسي في جنوب اليمن.
لقد أساء الاتحاد السوفياتي إلى الشعب العربي بدعمه للنظم الديكتاتورية العربية الجائرة أكثر مما أساءت أمريكا ذات (الريشة الحمراء) في دعمها للنظم المحافظة. فالنظم المحافظة التي دعمتها امريكا لحفظ توازن القوى في المنطقة لم تقتل بالأسيد شهدي عطية في مصر وفرج الله الحلو في سوريا ولم تعلق المشانق للمعارضة كما فعل عبد الناصر. ولم تسجن المعارضة عشرات السنين وحتى الموت كما فعلت النظم السياسية في سوريا والجزائر وليبيا، ولم تقتل المعارضة وتدفنها في مقابر جماعية كما حصل في العراق.
ولو أن الاتحاد السوفياتي ما زال قائماً حتى الآن، لما تخلت امريكا عن اصدقاء الأمس من النظم العربية المحافظة وذلك حفظاً لميزان القوى في المنطقة. فسبحان مغير الأحوال.
&وربَّ ضارة للسوفيت نافعة للعرب
*
&
24-صلاح هاشم: ما هي أهم 10 كتب عربية قرأتها في حياتك، وكان لها أبلغ الأثر على بلورة أفكارك،& وماذا تعلمت من كل كتاب؟
&
1-&& الفتنة الكبرى، لطه حسين. وتعلمت منه كيف يمكن أن يكتب التاريخ القديم بلغة وروح وعقل العصر الحديث.
2-&& مستقبل الثقافة في مصر، لطه حسين. وتعلمت منه أن لا خلاص للثقافة العربية من مأزقها الكبير إلا بالتلاقح مع الثقافات الأخرى، والأخذ منها واعطائها.
3-&& في الأدب الجاهلي، لطه حسين. تعلمت منه كيف يجب أن يكون الناقد والباحث عقلانياً خالصاً، وجريئاً جداً، واستشهادياً فكرياً، وبطلاً ثقافياً.
4-&& من هنا نبدأ، لخالد محمد خالد. تعلمت منه كيف يجب أن نكشف عن عوراتنا وعيوبنا دون حياء، وبشجاعة، وبروح الحب للحياة.
5-&& هذا أو الطوفان، لخالد محمد خالد. تعلمت منه الجرأة في قول ما أؤمن به، دون خوف أو وجل. فالرأي قبل شجاعة الشجعان.
6-&& مواطنون لا رعايا، لخالد محمد خالد. تعلمت منه أن الحاكم يجب أن يستمع إلى الشعب وليس إلى الغوغاء (الجماهير الغفيرة).
7-&& الفكر العربي، لمحمد أركون. أدركت كم هو الفكر العربي بحاجة إلى بلدوزرات ضخمة لازالة تكلسات القرون الطويلة التي شرنقته، وعزلته عن الفكر الانساني.
8-&& فلسفة الحداثة، لفتحي ورشيدة التريكي. تعلمت منه كيف يجب أن نتعلم الحداثة ونعلمها. وأن الحداثة ليست شعاراً يُرفع وإنما هي جراحة عسيرة ودقيقة وعلمية.
9-&& المجتمع العربي في القرن العشرين، لحليم بركات. تعلمت منه الدأب على البحث.
10-&النص المؤسس ومجتمعه، لخليل عبد الكريم. تعلمت منه كيف يجب أن نقرأ التاريخ بالعقل، لا بالأحكام المُسبقة الجاهزة، أو بإيمان العجائز، وشيوخ التكايا العميان.
&
التعليقات