حسن المصطفى
&
&
الكتابة كفعل حرية يمارسه الكاتب، وكتمظهر لكينونته ورؤيته للأشياء والمفاهيم من حوله، لا بد لها من فضاء لا محدود تتجرد فيه. فضاء سعته سعة السماء بالنسبة للطير، وسعة المحيط لسمكة سابحة، ودون ذلك ستتحول الكتابة من فعل حرية، لقيد، ولممارسة استرزاقية لا معنى لها أكثر من حفنة الدولارات التي تجلبها.
فضاء الكاتبة هذا مفقود ومعدوم عربيا، بل ومحارب، وبدلا من إتاحته، وعدم حنقه، نراه يضيق يوما بعد يوم. من هنا كان لتجربة الكتابة في إيلاف معناها ونكهتها.
لا أقول أن إيلاف هي الفضاء المتسع الذي لا يحده شيء، ولكنها في مرحلة من المراحل كانت حاضنة لنا ولكثير من المقالات التي كانت لا تنشر في الصحافة المحلية، والتي كان التفكير في نشرها مستحيلا، لوجود الرقيب العتيد، الذي سينشر المقال مشوها ومبتورا في أحسن الأحوال.
أتذكر في الفترة التي كُفر فيها الصديق منصور النقيدان، وقبل أن يلتحق النقيدان بجريدة الرياض، كانت "إيلاف" تتابع قضيته أولا بأول، وتنشر مقالات الكتاب، ومقالات النقيدان، وخصصت له ملفا كاملا، قمتُ بإعداده لينشر في جريدة الوسط البحرينية وإيلاف بالتزامن مع بعضهما البعض.
لم يكن موضوع النقيدان هو الوحيد، بل موضوعات كثيرة تتعلق بالأصولية، ونقد الخطابات الدينية، والإصلاحيات السياسية والاجتماعية، إضافة للكتابات المتعلقة بالقيم الليبرالية في العالم العربي والخليج تحديدا، والجدل الدائر بين الإسلاميين والليبراليين، فقد كانت إيلاف حاضنا جيدا لعدد كبير من الكتاب الليبراليين، وساهمت في توصيل صوتهم للناس.
كثير من المدح يحيله هجاء ، لذا لا أريد أن أكون "مداح الصحيفة"، بل أريد أن أشير إلى أن هذا الإرث من النجاح، سيحمل الجريدة عبئا أكثر، وسيجعلها أمام تحدٍ كبير قبال قرائها ومن اعتادوا على سقف عالٍ من الحرية ومن المهنية والموضوعية والجرأة.
إيلاف تواجه تحديا أمام قرائها، في ذات الوقت الذي تواجه فيه الصحافة المكتوبة تحديا أمام الصحافة الإلكترونية، تحدي الانتشار والمقروئية والتواصل مع القارئ وهامش الحرية، وهو تحدي نجحت إيلاف إلكترونيا في إقحام الصحافة السعودية فيه، فهي أمام أن تطور من ذاتها: موضوعات، وأخبار، وطريقة تناول ومعالجة، وآلا ستفقد ثقة القارئ فيها، متحولة لصحافة بالية لا مقدرة لها على مواكبة التطور التقني الحاضر.

[email protected]
كاتب من السعودية