لقد صدّع بعض الفلسطينيين رؤوسنا وهم ينعون إلينا مسبقا موت عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. quot;لا أمل من طريق المفاوضاتquot;.. quot;لقد جربنا إسرائيل في أوسلو وخذلتناquot;.. quot;الرئيس بوش يريد أن ينهي ولايته بالإيحاء أنه حاول حل القضية الفلسطينيةquot; وquot; لا يمكن توقع الحل المنشود طالما أن الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطا جدية على إسرائيلquot;..quot; الولايات المتحدة تريد من وراء المؤتمر تحقيق بعض الانجازات على الجبهة الفلسطينية ndash; الإسرائيلية بعد أن هزمت في العراقquot;.

كل هذا وذاك من الحجج التي يصوغها المنتقدون لمؤتمر أنابوليس وللمشاركين فيه تزيد قناعتنا بأن لا أمل يرتجى من أية مفاوضات مع إسرائيلquot; التي لا تريد السلامquot; quot; فإسرائيل لا تستجيب للمطالب الفلسطينيةquot; quot;فهي تريد الأرض وترفض الاعتراف بـأي من حقوق الفلسطينيينquot; وquot;أنها إلى جانب الولايات المتحدة تريدان كسب الوقتquot;.

لقد اقتنعنا، والله، بكل هذه المعزوفات وتلك. ونعتقد أن الكثير من هذه الآراء مصيب ولا يحتاج للأخذ والرد أو الجدل. إلا أن الرفض المسبق لعقد مثل هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات التي لم تثمر ولا يتوقع لها أن تثمر، لا بد وأن يقدم هؤلاء الرافضون على طول الخط للفلسطينيين خيارات أخرى أكثر جدوى من هذه المؤتمرات. وهذا ما يجعلنا منطقيا نتساءل: ماذا بيد الفلسطينيين أن يفعلوا إذا ما اقتنعوا بعدم جدوى المفاوضات؟ هل هم مستعدون للحرب للحصول على حقوقهم بالقوة؟ وماذا لديهم من وسائل الحرب القادرة على هزيمة إسرائيل وجرها من أذنها نحو المفاوضات التي تجبرها على إحقاق حقوقهم.؟ هل يملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلف المقاطعة مفاعل يقل أو يزيد كفاءة عن مفاعل ديمونة ويتمنع عن استخدامه مثلا؟ وهل بمقدور quot;المواسيرquot; المسماة quot;صواريخ القسامquot; أن تقلب موازين القوى في حال تجديد استخدامها ؟ ماذا بمكنة الفلسطينيين أن يفعلوا أمام رابع قوة عسكرية في العالم؟ هل بإمكانهم مثلا محاصرة إسرائيل؟. طيب لنقل أن كل هذا غير ممكن ولا يمكن أن يأتي بنتيجة، وربما اقتنعنا بضرورة وضع السلاح جانبا لأنه أثبت عدم جدواه ونجاعته وربما كان من الأجدى استخدام إجراءات عقابية أخرى مثلا تكون في متناول اليد. ولكن ما هي هذه الإجراءات وما هي طبيعتها؟ هل يلجأ الفلسطينيون مثلا إلى قطع الماء والكهرباء والوقود عن الكيان الصهيوني.؟ أم تراهم سيلجئون إلى حصار إسرائيل وتقطيع أوصالها بوضع الحواجز الفلسطينية بين المدن والبلدات الإسرائيلية؟ أو هل سيلجئون إلى هدم بيوت المستوطنين الإسرائيليين فوق رؤوس ساكنيها؟ أم تراهم سيقومون بحملات اعتقال تنال من كل إسرائيلي تسول له نفسه إطلاق النار على الفلسطينيين؟ هل سيلجئون مثلا منع شحنات الأغذية التي يتزود بها الإسرائيليون من المناطق الفلسطينية وفرض سياسة التجويع على هذا الكيان الغاصب؟!!

لا بأس، إذا كان الفلسطينيون قادرين على فعل كل هذا فهم ليسوا في حاجة إلى الذهاب إلى أنابولس وغيرها لمفاوضة الإسرائيليين. بإمكانهم أن يمارسوا كل هذه الضغوط على إسرائيل وهم في مكانهم، ودون الحاجة لتكليف أنفسهم عناء السفر وعناء المفاوضات، إذا ما كانوا قادرين حقا التأثير على هذا النحو، وهم سيكونون حقا موضع شك في وطنيتهم إذا لم يستخدموا كل أوراق الضغط هذه إذا ما كانت في حوزتهم. أما أن يظل البعض ينتقد الفلسطينيين على قبولهم التفاوض في أنابولس دون وضع أجندة عمل فلسطينية تكون مؤثرة وضاغطة تجبر إسرائيل على تقديم التنازلات، فإن هذا يعتبر من قبيل التعجيز لأناس لا يريدون التحرك ولا بأي اتجاه.

أجل ليس في ذهن هؤلاء العدميين أي تصور عن صورة المستقبل في ظل الرفض الفلسطيني لطريق التفاوض. هذا البعض يريد فقط تثبيت وجهة نظره العبثية فقط لا غير. وربما كان التساؤل الأهم هنا، هو ما إذا كان الوفد الفلسطيني المفاوض في أنابولس أو في المفوضات المقبلة التي ستبدأ في الثاني عشر من شهر ديسمبر الجاري، يعي تماما أنه هو الطرف الأضعف، وأنه هو الطرف المهزوم الذي ينتظر منه الطرف المنتصر أن يقدم التنازلات، أو إذا ما كان هذا الوفد يدرك حقيقة أنه من المستحيل عليه أن يحصل سلما على ما عجز عن تحقيقه من خلال الانتفاضة المسلحة الثانية؟

أجل، السلام بحاجة إلى تنازلات متبادلة وتجارب التاريخ كلها تشير إلى حقيقة أن من يقدم هذه التنازلات المؤلمة في العادة هو الطرف المهزوم، فهل يدرك الفلسطينيون حقيقة أنهم هم الطرف الذي هزم في هذا الصراع وأن عليهم تقديم مثل هذه التنازلات المؤلمة وأن ليس لديهم أي خيار فعلي وحقيقي حاليا سوى تقديم التنازلات إذا ما أرادوا السلام؟

نادية عيلبوني

صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا