ليس أكثر سماجة من الممثل الذي بنتهي دوره ثم لا يغادر خشبة المسرح. لم يحدث هذا من قبل لكنه اليوم يحدث دون حياء أو خجل. سياسيو الأمس قالوا ما قالوا وفعلوا ما فعلوا وانتهى دورهم إذ قادوا شعوبهم إلى كل الخيبات، ومع كل ذلك ما زالوا يخطبون من على خشبة المسرح وبصوت عال لا تبرره أفشالهم المفضوحة.

بالأمس خطب كل من رئيس حركة الشعب، نجاح واكيم، والعضو القيادي في حزب الله، حسين الحاج حسن، خطبا يؤكدان وبصوت عال ٍ أن مشروعهم السياسي بكليته ينحصر بمقاومة ما سمياه quot; المشروع الأميركي quot; في منطقة الشرق الأوسط ولا يتردد الحاج حسن في أن يردد بين الدقيقة والدقيقة برهانه.. quot; ألم تقل كونداليسا رايس الشرق الأوسط الجديد quot;!! وهو في هذا السياق يعلن قناعاته الخاصة به دون أن يقنع الآخرين ؛ فأن تقول كونداليسا رايس الشرق الأوسط الجديد فلا يعني ذلك أن لأمريكا مشروعاً خاصاً بها تسهر على تحقيقه ويتناقض مع مصالح شعوب المنطقة.

إنطلاقاً من الواجب في مقاومة السحرة والفشارين فإنني وبكل تواضع أعلن التحدّي، كل التحدّي، لكل السياسيين الذين انتهى دورهم وما زالوا يتعيّشون على مقاومة quot; الإٌمبريالية quot; وعلى رأسهم السيدان واكيم والحاج حسن أن يسميا فقط أية خطوط مهما كانت دقيقة لما يتوهمونه مشروعاً أميركياً لمنطقة الشرق الأوسط باستثناء إعلان أميركا، بلسان رئيسها ومجلس شيوخها، عن رغبتها في أن تحكم شعوب المنطقة نفسها بنفسها من خلال العملية الديموقراطية وحقوق الإنسان، والسيدان واكيم والحسن لا يعارضان ذلك بصورة رسمية على الأقل! أما أن يكرسا حياتهما ويرهنا مستقبلهما لمقاومة عدو لا وجود له كما كان قد فعل المرحوم دونكيشوت فالأمر يحتاج إذاً إلى معالجة حالة خطيرة.

قبل أن أتناول الرطين المعهود عن المشروع الأميركي أتوقف لأذكر السيدين واكيم والحاج حسن ومن يرطن رطينهما، أذكّرهم بسياسة بوش الإبن منذ توليه الرئاسة في يناير 2000 وحتى حادثة البرجين في أيلول 2001، تلك السياسة التي قامت على عدم التدخل نهائياً بشؤون الشرق الأوسط، وهي السياسة التي كانت محل نقد من قبل قيادات عربية مختلفة. في تلك الفترة لم يكن لأميركا مشروع في المنطقة العربية بل العكس هو الصحيح فقد كان للعرب مشروع في أميركا، جند العرب تسعة عشر من أشجع مجاهديهم الاستشهاديين وأرسلوهم في حملة ضد الصليبية وسجلت أضخم الإنتصارات العربية منذ سقوط الإمبراطورية العباسية قبلما يزيد على ألف عام فدمرت أعلى ناطحتي سحاب في العالم في مدينة نيويورك وقتلت ثلاثة آلاف مواطناً أميركياً في ضربة واحدة.

كل قدماء السياسيين الذين أصروا على عدم التقاعد يبدؤون كلامهم السياسي وتبرير عدم مغادرتهم مسرح السياسة، يبدؤون مذكرين بالدعم الأميركي لإسرائيل. لكن هذا الدعم لا يشكل مشروعاً أميركياً يستهدف إعادة تشكيل المنطقة كما يزعمون، وليس له علاقة بأن يصل أطفال الموظف اللبناني إلى مدرستهم أو لا يصلون وبأن يجد والدهم عملاً يؤمن خبزهم اليومي أم يظل عاطلاً يتضور جوعاً هو وأطفاله.

ثمة من يزعم أن المشروع الأميركي يستهدف تفتيت وتقسيم البلدان العربية بمثل ما صنعت اتفاقية سايكس ـ بيكو من خلال إثارة النعرات القومية والطائفية؛ إلا أن عمليات القوات الأميركية في العراق تكذب مثل هذه المزاعم بصورة قاطعة. فوحدة الأراضي العراقية خط أحمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة ؛ وجهدَ الأميركان في إطفاء النعرات القومية والطائفية. وأما نذر الحرب الأهلية في العراق فقد ظهرت بسبب حماية سنة العراق للعمليات الإرهابية التي استهدفت بشكل خاص المدنيين من الشيعة بغرض الوصول إلى الحرب الأهلية. أعداء أميركا في العراق هم الذين يؤججون نيران الحرب الأهلية. لقد وقف الأمريكان ضد استفراد الشيعة بالسلطة وفرضوا المشاركة بالرغم من عزوف السنة عن المشاركة في العملية السياسية.

ويزعم واكيم والحسن ورفاقهما أن استراتيجية المشروع الأميركي تتركز في السيطرة على منابع النفط في الخليج. أذكر هؤلاء بسقوط بوش الأب في انتخابات عام 92 بعد أن سيطرت أميركا مباشرة على منابع النفط إثر انتصارها في حرب الخليج الثانية. وألفت نظرهم أيضاً إلى أن الولايات المتحدة تستورد يومياً حوالي 20 مليون برميلاً من النفط، وبنتيجة احتلال أميركا للعراق ارتفعت فاتورة النفط بأكثر من 600 مليون دولاراً يومياً أي ما يساوي 220 مليار دولاراً سنوياً وهو مبلغ تعجز عنه دول كبرى غنية. كما أذكرهم بطوابير المركبات في محطات الوقود بسبب النقص بمادة البنزين في الولايات المتحدة بعد احتلال العراق مباشرة والشتائم المتعالية بحق بوش وإدارة بوش من قبل أصحاب المركبات بسبب ذلك وما رافقه من ارتفاع الأسعار. وأذكرهم أيضاً بعرض صدام على بوش الأب عام 90 بالمشاركة في نفط الكويت والعراق بنسبة 50% لكل طرف. وبكلمة أقول لهؤلاء وأمثالهم أن منتجي النفط هم بحاجة للدولارات الأميركية والعكس بالعكس.

وعندما يفلس هولاء في تقديم صورة سيئة لما يصفونه بالمشروع الأميركي يدعون أن الاستراتجية الأميركية تقوم أساساً على استغلال ثروات المنطقة. وأنا أسألهم هنا.. كم عاماً تحتاج الولايات المتحدة لتستعمر العراق استعماراً مطلقاً كي تسترد ما أنفقته حتى اليوم على حملتها على العراق وقد وصل إلى حوالي 400 مليارا من الدولارات؟؟ مجرد سؤال برسم الإجابة!!

الولايات المتحدة الأميركية تعلن بلسان رئيسها جورج بوش الإبن وبلسان الكونجرس أن مشروعها في الشرق الأوسط هو الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان لكل شعوبه دون استثناء وهي لا تخشى أية قوة أخرى تضطرها للكذب والتسويف وإلا لما أعلنت صباح مساء أنها تدعم إسرائيل بكل سياساتها حتى العدوانية منها.

لنا بعد كل هذا أن نطالب أصحاب المشاريع السياسية القديمة أن يتقاعدوا نهائياً حيث أن بقاءهم على المسرح لا يفيد إلا في تضليل شعوبهم. ليستريحوا فيريحوا ولعلنا إذّاك نستطيع أن نشكرهم، إذّاك فقط.

عبد الغني مصطفى