ليس جديدا الائتلاف الذي اتفقت، مؤخرا، كتل برلمانية وشخصيات سياسية عراقية على تشكيله، إذ سبق لأغلبها الاتفاق على ائتلاف سياسي تم تشكيله عقب اعلان نتائج الانتخابات الأخيرة أطلق عليه تسمية ( مرام ) وكان تحت قيادة الدكتور أياد علاوي رئيس حركة الوفاق ورئيس القائمة العراقية.

لقد شكك هذا الائتلاف حينها بنتائج الانتخابات وقام بحملة اعلامية كبيرة وصل صداها الى دول ومنظمات خارجية عديدة محاولا من خلالها اعادة الانتخابات، لكن الذي حصل أن نتائج الانتخابات بقيت على حالها وتم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الكتل البرلمانية الكبيرة لتنهار بعدها جبهة مرام.

السبب الرئيس الذي أدى الى هذا الانهيار هو quot; المعركة quot; على المناصب الرئاسية التي نشبت بين القوائم السياسية الكبيرة ( الائتلاف الشيعي، جبهة التوافق، التحالف الكردستاني ) من جهة، ومن جهة أخرى بين كتل جبهة مرام فيما بينها، تلك المعركة التي خرج منها الدكتور علاوي خاسرا بسبب اصرار كتلة التوافق حليفته في جبهة مرام على أن يكون المرشح لمنصبي نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء من الطائفة السنية، وبما أن علاوي شيعيا فقد رفضت هذه الكتلة رفضا قاطعا أن يأخذ الشيعة حصة اضافية من المناصب السياسية بالرغم من أن علاوي كان من الشخصيات السياسية المرشحة بقوة لشغل منصب مهم من مناصب الدولة ولو كان قد دخل المنافسة بقائمته فقط ( القائمة العراقية ) لكان قد حصل على واحد من هذه المناصب.

يبدو أن علاوي لم يتعظ من درس quot; مرام quot; والدليل هو عودته لتشكيل جبهة جديدة مع الأحزاب والكتل نفسها التي شكل معها جبهة مرام، تلك الأحزاب والكتل التي باعته وتاريخه النضالي الكبير من أجل المناصب الرئاسية لأسباب طائفية.

الغريب في الأمر أن تشكيل الائتلاف الجديد والتهديد بسحب وزراء القائمة العراقية والذي حصل في مرحلة حرجة جدا تمر بها بغداد وهي مرحلة تطبيق خطة فرض القانون قد جاء، حسب البيان الذي أعلن quot; بسبب المحاصصة والهيمنة الطائفية والممارسات ذات المصالح والمنطلقات الضيقة quot; وهنا يكمن التناقض، إذ يبدو أن علاوي قد تناسى أن حرمانه من استلام منصب مهم في الدولة العراقية، كان يستحقه أكثر من غيره بكثير نظرا لتاريخه النضالي الكبيرضد النظام المقبور ودوره الكبير في بناء العراق الجديد بعد السقوط، قد جاء لأسباب طائفية.

الأمر الغريب الآخر في تشكيلة الائتلاف الجديد أنها ستكون ذات صبغة طائفية أيضا، إذ أن أغلب تشكيلاتها من الطائفة السنية ( جبهة التوافق، كتلة المصالحة، جبهة الحوار ) وبذلك فان شعار الوقوف ضد الطائفية يعد شعارا ممزقا من لحظته الأولى، فضلا عن ذلك فان القراءة الأولى لأهداف هذه الجبهة هو التصدي للحكومة العراقية، أي للائتلاف الشيعي، الذي يتهم بكونه يهيمن على تشكيلة الحكومة الحالية طائفيا وبذلك ستكون صورة المعركة السياسية القادمة صورة طائفية أيضا.

أما عن مسؤولية اضطراب الأمن في العراق والذي جاء ضمن الأسباب التي ذكرها بيان الائتلاف الجديد فمن المؤكد أن مسؤولية استمرار ذلك الاضطراب تتحمل الحكومة العراقية جزءا منه ويقع على عاتقها العمل لايجاد حلول مناسبة للخلاص من هذا الوضع بمساعدة جميع الأطراف، لكن في الوقت نفسه فان أغلب تشكيلات الائتلاف الجديد تتحمل مسؤولية أكبر وخير مثال الطريقة الطائفية التي عرضها الحزب الاسلامي لقضية صابرين والتي أدت، لحد اليوم، الى مقتل ثمانية عشر شرطيا في محافظة ديالى، إذ أن تنظيم القاعدة قد ذكر في بيانه بعد قتله لهؤلاء الشرطة quot; لقد أخذنا بثأر أختنا صابرين quot;، فضلا عن ذلك فان بعض هذه الأحزاب تساند وبعلانية تنظيم القاعدة الارهابي وما يسمى بالمقاومة العراقية.

لا نشك مطلقا بأن الدكتور أياد علاوي الذي ناضل طويلا ضد النظام المقبور يحاول اخراج العراق من الحالة الدموية التي يعيشها ومن المؤكد أن الدولة العراقية بحاجة الى قائد مثله، لكننا في الوقت نفسه نجد أن اختياره اعلان تشكيل الائتلاف في هذا الوقت بالذات ( الوقت الذي تقوم به الحكومة بخطة فرض القانون ) يعد خطأ لا يصب في مصلحة العراق وشعبه، فضلا عن أن اختياره بعض الأحزاب الطائفية، وبعض الأطراف المشبوهة مثل كتلة المصالحة المتهم رئيسها مشعان الجبوري بالاختلاس ومساعدة الارهاب بالاضافة الى موقفه المخزي جدا من اعدام المقبور صدام حسين، يعد خطأ كبيرا لرجل يريد أن يقود العراق وشعبه الى بر الأمان.

نحن نؤكد هنا على أن العراق بحاجة الى حل حقيقي من أجل خلاصه من مشهد الدم اليومي، لكن يجب أن يكون الحل مبنيا على أسس صحيحة ونعتقد أن اجراءات الحكومة العراقية من خلال خطة فرض القانون التي تقوم بها حاليا تقع ضمن آمالنا للخلاص من الوضع المزري الذي يعانيه أهلنا بالعراق، لذا نعتقد أن على جميع الأطراف الحكومية، وغير الحكومية الوقوف مع اجراءات الحكومة الى حين الانتهاء من خطتها فان نجحت سنحييها وان فشلت، لاسامح الله، سنعلق آمالنا على الدكتور أياد علاوي وغيره من السياسيين الوطنيين لايجاد حل ينقذ العراق وأهله.

طارق الحارس

[email protected]

* مدير تحرير جريدة الفرات في استراليا