وجدت في المغرب الشقيق شعب ظريف وحكومة شابة تسعى الى التغيير لتعيش بداية القرن الواحد والعشرين. وقد شجعني منطق التغيير وطيبة اهل المغرب، ان اجعل هذا البلد الجميل بلدي الثاني، بعد ان سئمت معاناة الغربة القاسية التي اعيش بها في بريطانيا منذ اكثر من عشرين عاما، وبعد ان فقدت الامل بالعودة الى بلدي العراق الذي دمره الغزاة اللصوص.

دون ادنى شك في كل بلد هناك خصوصيات، وقد لاحظت بان خصوصية المغرب، عندما تستفسر عن ظاهرة (ايجابية او سلبية) غير معقولة وتثير الاستغراب يكون الجواب : لا تستغرب اذا كنت في المغرب.

ومن الامثلة عن الظاهرة الايجابية التي اثارت استغرابي هي تخطي الروتين في معاملات شراء وبيع العقارات في الدوائر المختصة. فقد استلمت سند الملكية للعقار الذي اشتريته خلال اسبوع واحد فقط من الموثق، بينما تستغرق هذه العملية في بريطانيا شهر على الأقل. ووجدت نفس التسهيلات في عملية ايصال الماء والكهرباء والهاتف للعقار الذي اشتريته.

كما وجدت كما هو عليه الحال في الدول الأوربية، لم يُشترط على الأجنبي ان يكون مقيما في المغرب، لغرض العمل في مجال الأستثمار، مما شجعني ان افكر بالعمل في مجال العقار، لكونه مجال عملي الرئيسي في بريطانيا، اضافة الى عملي كمستشار قانوني، واكاديمي في مجال الكتابة والبحوث.
وهذه الظاهرة حالة متقدمة تدعو الى الفخر والاعتزاز بمسيرة التغيير في المغرب الذي ظهر لي بانه يخطو خطوات واسعة لمواكبة ما هو علية في الدول الغربية، بل ومتقدما عليها في مجال تخطي الروتين في عمليات تسجيل وبيع العقار. ولهذه الخطوة التقدمية، بعد نظرسياسي حكيم، تفتقده اغلب الدول العربية، التي تضع عراقيل كثيرة تعيق الاجنبي من الاستثمار في مجال العقار انطلاقا من موقف سياسي.

اما الظاهرة السلبية التي أثارت أستغرابي، هو وجود تعليمات في دائرة المرور، لا تسمح بشراء سيارة، الا لمن لدية بطاقة اقامة؟ فكيف يجوز شراء عقارات قد تكون بالمليارات وبدون اقامة، في حين لا يجوز شراء سيارة قد تكون بعشرة آلاف درهم..؟! علما ان القاعدة الشرعية والقانونية العامة تؤكد بأن quot;الحيازة في المنقول هو سند الملكيةquot;، وان السيارة من المنقولات وعلى العكس من العقارات. وان شراء اي سيارة في اغلب الدول وعلى وجه الخصوص quot;دول اورباquot;، لا يتطلب الى مثل هذا التعقيد، بل يجري الشراء والبيع عن طريق املاء استمارة فقط، وبدون اية وثائق وترسل الى الدائرة المختصة عن طريق البريد.

على كل حال، بعد الاستشارة لايجاد حل لمشكلة (شراء سيارة) التي هي حاجة ضرورية للتنقل السريع، وخصوصا للمستثمرين، كانت النصيحة هو التقدم بطلب الاقامة. وعندما ذهبت الى ولاية أمن طنجة، قسم اقامة الاجانب، لتقديم طلب الاقامة، فوجئت بتعليمات اخرى مثيرة للاستغراب في هذه الدائرة، حيث لا يسمح للاجنبي الحصول على الاقامة الا اذا تقدم بالتزام خطي بعدم مزاولة اي عمل في المغرب! وعندما حاولت اقناع الموظفين المسؤولين، بان هذا الطلب لا ينسجم مع التشريعات المغربية الحديثة للأستثمار التي تجيز العمل للأجنبي في هذا المجال، لكن كان ذلك دون جدوى، لان لديهم تعليمات واوامر بخصوص ذلك.

ثم حاولت محاولة اخرى، انطلاقا من مبادئ السلم التشريعي الذي لا يجيز للأنظمة والتعليمات من تقييد القوانين، وفي حالة وجود قوانين قديمة، فان القواعد القانونية اللاحقة تقيدها اذا ما تعارضت مع احكامها، وتقدمت بالتزام وفق الصيغة التالية:

quot;أنا الدكتور طارق علي صالح الساكن في...................التزم امام الجهات المسؤولة في المغرب بعدم مزاولة اي مهنة او عمل في المملكة، لا تجيزها القوانين المرعية والنافدة طيلة مدة اقامتي في المغربquot;

ومرة ثانية اصطدم هذا الألتزام بمعارضة الموظفين المسؤولين على عبارة quot;لا تجيزها القوانين النافذه والمرعيةquot; حيث يقتضي ان يكون الألتزام بشكل مطلق، اي حتى لو أجازت القوانين المعمول بها اي عمل quot;كالأستثمار في العقاراتquot; فان الجهات الأدارية لا تسمح بذلك في حالة طلب الأقامة..!؟
وهذا الأجراء من شأنه تعطيل واعاقة مساعي الدولة في مجال الأستثمار وجلب رؤوس الأموال. وبعبارة اخرى فان اي شخص يعمل في مجال الأستثمار وهو مخول قانونا بحكم كونه غير مقيم، علية ان يصفي وينهي اعماله في مجال الأستثمار قبل التقدم بطلب الأقامة..!

من وجهة نظري بان هذه التعليمات ليس لها أساس تشريعي، لانها تناقض منطق التحديث الذي تسعى له الحكومة المغربية التي اجدها بانها (حكومة تغيير )، واعتقد بأن هذه التعليمات مردها لجهات تنفيذية او ادارية سابقة، او جاهلة بالتشريعات الحديثة التي تسعى اليها الحكومة لتقدم المغرب، وان مثل هذه التعليمات ستكون ادوات عرقلة لهذا التقدم، لانها ستؤدي الى هروب راس المال بدل دخوله والتعجيل في سرعة النمو والازدهار الاقتصادي التي تسعى اليه الحكومة، وهو ما تحتاجه المغرب وبأمس الحاجة اليه، خصوصا لتخفيف مشكلة البطالة التي تعاني منها البلاد، حيث لاحظت من خلال احتكاكي بالمجتمع المغربي بان شبابه يعيش تحت وطاة الشعور بالياس والضياع والرغبة بالهجرة الى الدول الغربية، وهذه ظاهرة سلبية، فالشباب هم العنصر الاساسي لبناء المجتمع وتقدمه، وما علة تخلف مجتمعاتنا وافول حضارتنا العربية الاسلامية العريقة سوى اهمالنا لشبابنا وللإنسان بشكل عام الذي هو اساس بناء وتقدم الحضارات.

اتقدم بهذه الملاحظات واعرضها امام انظار المسؤولين في المملكة المغربية، من منطلق الحرص على النهج التقدمي للمغرب الشقيق الذي اكن له كل الاعجاب والتقدير، وآمل ان شاء الله ان ياخذ بها، وان يعاد النظر في التعليمات التي لا تنسجم مع قوانين العملية الاستثمارية، وتلحق الأذى بالنمو الأقتصادي الذي تنشده الدولة.


د. طارق علي الصالح
مستشار قانوني
ورئيس جمعية الحقوقيين العراقيين في لندن