بمناسبة ذكرى مرور ثلاث سنوات على انتفاضة القامشلي 12.3.2004.
وفي هذه الأجواء تطالعنا القوى الكردية على الساحة بضرورة قيام مرجعية كوردية في الساحة السياسية السورية. دون أن يستطيع المرء استشفاف ماهي هذه المرجعية المطلوبة ؟ هل هي مرجعية نظرية أم سياسية أم هي مرجعية تجد مفرداتها في المصفوفة النظرية للفكر القومي ؟

رغم أننا في العراق وطوال مدة نضال الشعب الكردي هناك لم تتشكل أية مرجعية كوردية في شمال العراق. وبقي الشقاق قائما بين الحزبين الرئيسين هناك الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة السيد جلال الطالباني الذي نتمنى له الشفاء العاجل. ويبدو أن هذه المرجعية بالمعنى المطروح الآن عند بعض أطراف حركتنا الكردية في سورية لم يوجد بعد حتى داخل كوردستان العراق. نحن من الذين قالوا منذ البداية وحتى قبل انتفاضة آذار أن الحركة الديمقراطية الكردية هي رافعة مهمة وأهم رافعة حاليا للنضال الديمقراطي السوري.

وفيما لو استعرضنا الشعارات العامة لكافة القوى الكردية السورية لوجدنا تشابها كبيرا إن لم تكن هذه الشعارات ـ الأهداف واحدة تماما ـ بالتالي هذا يستدعي سؤالا: هل المرجعية هي في توحيد المطالب والأهداف أم هي في توحيد الممارسة السياسية والتنظيمية لهذه القوى ؟ وهل هذه المرجعية عليها أن تمتح متونها من الأيديولوجيا أم من الفكر المؤسسي لهياكل تنظيمية ذات أفق مستقبلي واستراتيجي: يتحدد فيه شكل العلاقة مع سورية كدولة ومع بقية أطياف الشعب السوري من جهة وتحديد خطوط سياسية للعلاقة مع بقية أطياف المعارضة السورية غير الكردية من جهة أخرى ؟ وهذا يقتضي الوقوف أمام أفق نظري تجريبي غايته خلق أفق رحب للحوار يحدد خيارا استرتيجيا:
إما التأسيس لهذه المرجعية على أرضية العمل للانفصال أو التأسيس على أرضية العمل من أجل تعايش حر وكريم وديمقراطي وفي دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان ؟ ولكلا الخيارين ثقافته وشبكة ملفوظاته التي تحمل دلالات مختلفة، ولهذا أجد أنه مهما كان الخيار النظري عليه اعتماد أو اجتراح ثقافة تولد معنى جديدا وخطابا جديدا:
أن تقبل سورية الديمقراطية ويقبل أكثرية شعبها على أقل تقدير بالخيار الذي يتمسك به الشعب الكردي ؟ وهنا نجد أن تصب الجهود من أجله ؟ لعدة أسباب نظرية وقيمية من جهة، وعملية من جهة أخرى:
بمعنى أن السيناريو العراقي لا يمكن تكراره مطلقا في سورية والوضع الديمغرافي والسياسي والاستراتيجي الدولي والأقليمي مختلف كليا عن الوضع العراقي. أن يحارب الأشقاءالأكراد سلطة من أجل نيل الاستقلال أمر مختلف عما يمكن له أن يؤدي إلى قيام حروب أهلية وداخلية ! لهذا الشرق الأوسط وإن كان هنالك من يرشحه لتغيير في خارطته نتيجة للأحداث هذه فإن الخارطة السورية تجعل من المستحيل مهما تغيرت الخرائط أن تطرد الأكراد من الجزيرة السورية أو تطرد العرب والكلدان والآشوريين. هنالك واقع معطى على الأرض، أم يريد الأخوة الأكراد تكرار النموذج الذي عمل عليه صدام حسين معهم أو الذي تعمل عليه بعض قوى الإئتلاف الشيعي في العراق حاليا من أجل جعل العاصمة العراقية ذات أغلبية شيعية كاسحة !؟ وتحت مسميات كثيرة منها طائفي ومنها إرهابي ولكنها أجندة سياسية تحاول رسم خارطة للعراق متناسبة مع الوضع الجديد. ولهذا نجد أن المستقبل إذا ما استمر الحاضر على هذا الشكل لن يفضي إلا إلى مزيدا من الدم العراقي المجاني. وبالتأكيد ليس نموذجنا القوى السنية العراقية التي ماتزال متخندقة بين: إمريكا والإرهاب من جهة وبين العقلية العشائرية التي تكرست في ظل حكم صدام حسين. بالعودة لموضوعنا الذي حاولنا رسم بعضا من الانفتاح على أفق نظري وسياسي يجعل النقاش أكثر حرية وأكثر خصوبة ودون توريات. هذا الأفق نجد من مصلحة الحركة الكردية في سورية أن تعمل من أجل ثقافة الحرية والتعايش القانوني والحقوق إنساني ولا تترك لأركان الثقافة القومجية السلطوية وغير السلطوية أن تجرها إلى مستنقع الشوفينية، ولا أن تجعل لها نفس الخطاب ولكن بشكل معكوس. شعبنا السوري كله وبكل مكوناته بحاجة لكي يعيش الحرية ويتعلمها ويمارسها مع نفسه ومع غيره. بحاجة لفترة نقاهة كي يعود من هذه الظلامية السلطوية.

وعندها يستطيع الأخوة الأكراد طرح مايريدونه لمستقبلهم السياسي. وبمناسبة الذكرى الثالثة للانتفاضة يجب الوقوف على دورسها انطلاقا من نقاشنا هذا:
أوضحت هذه الانتفاضة أن القوى السياسية الكردية كانت أقل قدرة على التفاعل مع جماهيرها. كما كانت حال المعارضة الأخرى. والأخطر أنها أوضحت أن ثقافة القمع والخوف والتمزيق المجتمعي يمكن أن تؤدي في غفلة من الزمن إلى اشتباك بين مكونات الشعب السوري وليس مع السلطة السورية وهذا أمر خطير جدا.


كما أن الفوضى التي جرت من بعض العناصر من خلال هجومهم على ممتلكات عامة وليس سلطوية وهنالك فارق على ما أعتقد يوضح أيضا أن التحركات المفاجئة يمكن أن تستثمرها السلطة نفسها وبطريقة تجعلنا نبدو وكأننا عشاق فوضى وعنف. ومن المفارقات التي لم يتم الحديث عنها كثيرا هي:
أن الجماهير الغفورة التي أتت من دير الزور قد هتفت بحياة صدام حسين والعراق والمقاومة، هذه الجماهير هل كانت تجرؤ على فعل ذلك لولا السماح لها من قبل السلطة وأجهزتها ؟ لماذا لم تهتف هذه الجماهير ضد من سجن وقتل من كانوا من اتباع صدام حسين في سورية ! أي أن هذه الجماهير لم تحرك ساكنا عندما كانت المخابرات السورية تجر أبناء الجزيرة وبكل محافظاتها إلى السجون في فترة سابقة ؟

هذه الثقافة الملتبسة هي التي ينتجها القمع ومصادرة الحرية وهي التي يجب أن نواجهها بشكل هادئ وهي التي تقتضي منا العمل من أجل قيام سورية ديمقراطية. لأنها ثقافة السلطة القائمة.إن العمل من أجل إيجاد مرجعية كوردية لا يجب أن يغيب عنه الحالة الجماهيرية السورية كلها من كرد ومن عرب. لأنها هي في النهاية بيت القصيد ومنها سنستمد شرعيتنا الديمقراطية كقوى سياسية وعليها الرهان في تحقيق برامجنا السياسية ! أم أننا سنجلب شعبا آخر من أوروبا ؟ لهذا أيضا يجب أن يكون على أجندة العمل من أجل مرجعية كردية: كيفية إيجاد خطابا لكل السوريين نتحدث فيه لكل مكونات الشعب السوري دون أن نتنازل عن أهدافنا ؟ أعتقد أنه سؤال الأسئلة في هذه المرحلة.

غسان المفلح