قبل 24 عام بالتحديد في شهر مارس 1983 وقبيل انتهاء الدوره التدريبيه مع شركة توشيبا اليابانيه كنت في سفرة سياحية مع المدير المفوض للتدريب في شركة توشيبا السيد ( شوكو هارادا) ذالك الانسان البشوش الرائع المليء بالحيويه والنشاط والمرح والالفه حتى لانني اتخذته اخ لى بالدم بعد ان ربطة بيننا علاقه صداقه رائعة لامثيل له.ا

وكانت الرحله تنطلق من طوكيو الى هيروشيما المدينه الام لهارادا، المسافه تقريبا 800 كيلومتر ومجمل التوقفات في الرحله 11 محطه ومع ذالك فالرحله تستغرق اقل من اربع ساعات في منتهى الراحه والامان و الهدوء والطمئنينه. في القطار المسى ( شن كان سن) اي السهم الياباني الجديد...

انطلقت الرحله وكنا نتبادل الحديث حول مختلف المواضيع وبما ان هارادا من مدينة هيروشيما والسفرة الى هيروشيما فكان لابد من التطرق الى موضوع قصف المدينه بالقنبله النوويه في الحرب العالميه الثانيه... كنت حينها من راكبي موجة العداء للغرب والمشحون بلا تدبر او اطلاع كافي للانتقام من الغرب الذي هو سبب البلاوي وطبعا من على راس الغرب غير الولايات المتحدة الامريكيه؟ فسالت هارادا ماذا اعدت اليابان للانتقام من امريكا جراء القصف النووي؟ فكان جوابه صاعقا لي ولكل اصحاب نظرية المؤامره...لقد قال ببساطه وعفويه وصدق... لقد اعدت اليابان ان توسع علاقاتها العلميه والتكنولوجيه والاجتماعيه مع امريكا وان لاتتجاوز الميزانيه العسكريه اليابانيه ال 1% من اجمالي الميزانيه السنوية!!!!!

ورغم عمق علاقتي بهارادا ومحبتي له الا انني ثرت بالطريقه العروبيه المعهوده..الا ان هارادا رجل ذكي وحصيف وقد عرف منطلقات انفعالي وقال لي بهدوء اعاد لي الكثير من وعيي ورشدي لفهم الامور فقال:

ياصديقي انا فقدت في الحادث العشرات من اقاربي بمن فيهم ابي واخي واعلم ان عملا عسكريا بهذه القسوة امر غير مقبول انسانيا...الا انه يتحتم علي كياباني ان اعترف ايضا ان العقليه العسكريه اليابانيه التي كانت سائده في تلك الحقبه لها مسوؤليه كبيره جدا ومباشره لما اصاب مدينتي هيروشيما وناكازاكي... لابل فاجئني حين قال انه لولا القوه التدميريه الهائله للسلاح النووي في ذالك الوقت ماكان للماكنه والعقليه العسكريتاريه اليابانيه ان ترعوي اطلاقا ولا ان تستسلم ولكان ان تجر اليابان والعالم لكوارث تكون خسائرها اضعاف مضاعفه لخسائر هيروشيما!!!!


واضاف نحن الان شعب اخر نحتفظ بنفس القيم الروحيه والتقاليد الاجتماعيه الا اننا نحمل عقليه سياسية وقيادية مختلفة وان الديكتاتوريه الامبراطوريه العسكريه التي كانت سائدة انذاك ولت الى غير رجعه وان الشعب الياباني اليوم يتحلى باعظم انجاز حضاري الا وهو الديمقراطيه والتي جعلت منه احد قمم التطور العلمي والاجتماعي وانه حتى في حالة احرازنا للقوه العسكريه فسوف لن تستعمل بنفس العقليه التي كانت سائده انذاك وهي عقلية الاعتداءات والاخذ بالقوه.. وردف نحن الان نتربع على القمه الاقتصاديه من دون اراقة قطره من دمائنا او دماء الامريكان او دماء الشعوب الاخرى....

تذكرت هذا الحديث هذا العام بالذات وقارنت كيف استغل اليابانيين الفرصه وكيف اضعنا نحن فرصا مشابه لذلك.... ولا ادري اهو القدر ام اذا؟


فائق الطالقاني