آثرت ألا أعلق على مؤتمر أقليات الشرق الأوسط، و الذي إنعقد في زيورخ في النصف الثاني من شهر مارس 2007، و ذلك حتى أتابع المؤتمر، و أقرأ توصياته، ثم ردود فعل المحبذين و الرافضين له، أي حتى تكون الرؤية شاملة ما أمكن ذلك.
مبدئياً من الواجب أن أقرر حقيقتين، أؤمن بهما، و ذلك قبل أن أعرض رؤيتي الشخصية حول الموضوع.
الحقيقة الأولى: يجب الإقرار بأن هناك بالفعل غبنا كبيرا تتعرض له الأقليات في مصر - و حديثي في هذا المقال عن الحالة المصرية، رغم إن المؤتمر عن أقليات الشرق الأوسط، فكمصري فإن درايتي بأحوال بلادي، بطبيعة الحال، أفضل عنها لأحوال البلاد الأخرى - و هذا الغبن يشمل كل الأقليات أكانت عرقية أم ثقافية أم دينية أو حتى لونية، إذا جاز لنا إعتبار التمييز الممارس على المصريين من ذوي البشرة السمراء، من المنتمين للأغلبية، تمييز ضد أقلية.
فعلى سبيل المثال، من منا - كمصريين- ينكر ما تعرض له النوبيون من ظلم، و أن تضحياتهم - حين إقتلعوا من ديارهم، و أرض أجدادهم، و دمرت ثقافتهم العريقة، مع بناء سد أسوان، ثم تعلياته اللاحقة، ثم مع السد العالي - قوبلت بالنكران؟؟؟
هل يمكن تناسي أقوال إسماعيل صدقي باشا، رئيس وزراء مصر الأسبق، في البرلمان المصري، و هو يرد على إستنكار برلماني معارض لتفاهة التعويضات التي دفعت للنوبيين بعد أحد تعليات سد أسوان القديم، تلك التعليقات التي لا أود أن أذكرها في مقامي هذا، لما تحمله من عنصرية فجة ممجوجة؟؟؟ ومن ينكر أن السد العالي كان هو الضربة القاضية للثقافة النوبية، أو في أقل تقدير ضربة مؤثرة، دمرت، أو كادت أن تدمر ثقافة بشرية عريقة؟
ومن يستطيع أن ينكر ما حدث في مشروع توشكى من مظالم، حين وزعت الأراضي على المحاسيب، و بيع قسم أخر للخارج، و وزعت بعض الأراضي على مواطنين مصريين من مناطق أخرى، و ترك أصحاب الأرض الحقيقيين، بلا حياء، يشاهدون أرضهم يتقاسمها الأخرون؟؟؟
و من ينكر التمييز الحادث بحق السيناويين، و من إستبعادهم من الوظائف الأمنية الحساسة، و كأنه إتهام لكل سيناوي بأنه جاسوس، منكرين عليهم تضحياتهم أبان الإحتلال الإسرائيلي؟ كما أن التغطية الإعلامية المتعلقة بسيناء، و خارج النطاق السياحي أو التهليل الإعلامي لأي نشاط تافه تقوم به السلطات الرسمية، فإنها شبه محصورة فقط في تغطية الجانب المتعلق بالحوادث الجنائية من مخدرات، و سلاح غير شرعي، و إرهاب، و كأن هناك رغبة في وصم كل سيناوي بأنه إما إرهابي، أو خارج على القانون، أو زارع أو تاجر مخدرات.
و من ينكر التمييز الحادث بحق المصريين المسيحيين، و التحريض الديني المستورد ضدهم، حتى إنكمش التسامح المصري الأصيل و المعروف، أمام غزو الفكر الديني الدخيل على البيئة الدينية المصرية؟؟؟
هذه هي الحقيقة الأولى التي أود ذكرها و الإقرار بها، حقيقة أن هناك تمييز ضد الأقليات، و ما ذكرت ليس إلا نقطة في بحر آسن عفن، أصبحنا - كمصريين - نبحر فيه، للمجهول المظلم، إذا لم نتدارك الأمر و سريعا، بأنفسنا، كشعب، فالنظام المباركي هو أحد رعاة الفتنة، و لا أمل فيه و منه بالتالي في تدارك الأمور قبل إستفحالها.
الحقيقة الثانية: بناء على الحقيقة الأولى، فإنه لا يمكننا التشكيك في وطنية المنظمين والمشاركين في المؤتمر، فمن يدافع عن حقوقه، و ينتصر لنفسه من البغاة، لا يجب أن يتهم بأنه مشعل للفتنة، بل مشعلي الفتنة هم من بغوا على حقوق الغير، و إلى أن يثبت إن المنظمين و المشاركين، يعملون حقاً - لا تلفيقاً - ضد الشعب المصري، فلا مجال إذاً للتشكيك في وطنيتهم.
كما إنه لا مجال للتشكيك فيهم لمجرد إنهم يعملون من خارج مصر، فمنذ متى أصبحت الوطنية حكراً على العمل من داخل الوطن؟ خاصة إذا كان الظروف في الوطن لا تسمح لأي عمل جاد مثمر بالنجاح، و أشدد على كلمة مثمر، فما أكثر المتكلمين اليوم، و لكن بلا هدف أو طائل، فالظروف الحالية في مصر اليوم أصبحت ترسم حدوداً نارية حمراء، من يتعداها سوف تهبط عليه عصى النظام الغليظة لتهشمه، تلك العصى التي إزدادت غلظة مع التعديلات الدستورية الأخيرة، التي شرعنت دولة الإرهاب الرسمي، ليصبح جهاراً نهاراً بلا أدنى حياء، و التي سوف يتضائل معها ما ذكر في التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية، الذي إنتقد التعذيب الرسمي الممنهج و المخطط، و الإعتقالات بدون محاكمات، لمدد وصلت في بعض الحالات لعشر سنوات و أكثر.
لا أحد يستطيع إذاً أن يلومهم، إذا عملوا من الخارج، و مشوا في نفس الطريق الذي مشى فيه السيد جمال الدين الأفغاني، و الإمام محمد عبده، و الكاتب و الصحفي يعقوب صنوع، و الصحفي أديب إسحق، و الزعيمان الوطنيان البارزان مصطفى كامل و محمد فريد، و الكواكبي، ذلك الكاتب السوري الحر و الثوري، صاحب ال كتاب الشهير طبائع الإستبداد.
هاتان الحقيقتان، كان يجب أن أقر بهما، وأطالب إخواني في الإغلبية التي أنتمي إليها أن يقروا بها، قبل أن أعرض وجهة نظري في هذه المسألة، مسألة كفاح الإقليات في مصر، من أجل العدالة و المساواة.
ما أراه إنه لم يحدث أن حصلت أي أقلية، في أي شعب، على حقوقها كاملة، و بشكل دائم مستقر، دون رضى من الأغلبية، فلا أي محتل يستطيع أن يؤمن لأي أقلية حقوقاً دائمة - و أشدد على كلمة دائمة - رغماً عن أنف الأغلبية، و بالمثل لا يستطيع فعل ذلك أي ديكتاتور مطلق اليد، و يتأكد هذا عندما تكون الأغلبية مغبونة، تعاني الأمرين، كما الحال في مصر اليوم، مع الشدة المباركية المزمنة.
فهل تتصور أي أقلية، تعاني من إضطهاد رسمي ممنهج، إنها ستجد آذاناً صاغية من أغلبية مكممة الفم، خاوية البطن؟؟؟
أليس إصرار أي أقلية على النضال المنعزل من أجل حقوقها الشرعية المهضومة، يجعلها تبدو في نظر الأغلبية على إنها في واد و الشعب برُمته في وادٍ أخر؟؟؟
الطريق الوحيد الذي يجب أن تسلكه أي أقلية، أن تتناسى إنها أقلية، مؤقتاً، و أكرر مؤقتاً، فأنا لا أطالب أي أقلية، أن تنسى هويتها الفرعية المميزة لها، أكانت عرقية أم لغوية أو دينية أو ما إلى ذلك، فقط عليها، في فترة كالتي تعيشها مصر اليوم، أن تنسى مطالبها الفرعية الخاصة لفترة، و تركز على أن يكون كفاحها من أجل مجموع الشعب المصري ككل، فيكون كفاحها لمصر، و من أجل مصر، من أجل إستعادة حق الشعب المصري في حرية الكلمة و الضمير، و من أجل حق الشعب المصري في إختيار حاكمه، و مشرعي قوانينه، و مسئولي الإدارات المحلية، من محافظين فما دون، بحرية مطلقة، و حق حساب جميع المسئولين بدأ برأس الدولة، إن لزم الأمر.
و من أجل حق الشعب المصري في إقتصاد حر نظيف شفاف، تتكافىء فيه الفرص، و يخلق وظائف حقيقية تدر دخولاُ تؤمن حياة كريمة، و تؤسس أسر، و تحفظ بيوتاً مفتوحة.
على الأقليات أن تشارك الشعب المصري في كفاحة من أجل إستعادة كرامة المواطن المصري داخل مصر و خارجها.
فيا زعماء الأقليات و نشطائها، إستلهموا درس 1919، حين تناسى أسلافكم، أنهم أقليات، و تحدثوا فقط كمصريين، فحق لهم حين حان حين الجلوس حول مائدة كتابة الدستور، أن تكون رؤوسهم مساوية للجميع، و كان أن أصبحت الفترة بين 1923 و 1952، هي فترة ذهبية لجميع المصريين في العصر الحديث، إذا قورنت بالأوضاع التي تلتها.
غيروا أولوياتكم، مؤقتاً، و تناسوا إنكم أقليات، و تحدثوا كمصريين فقط، و كافحوا من أجل حقوق المواطن المصري المهضومة، و كرامته المهدورة، وتأكدوا إنه حين تنجلي الغمة، و يستعيد الشعب المصري حقوقه كاملة، فإنكم ستحصلون على حقو قكم كاملة أيضاً.
أما إذا أصررتم على كفاحكم المنعزل، ولم تستغلوا فرصة إنكم أكثر تجمعات المعارضة المصرية المدنية بالخارج تنظيماً، ولم تستثمروا هذه الإمكانات من أجل صالح كل مصر، فإنني أستطيع أن أجزم من الأن بأنه سيكون هناك زيورخ 2027، ولكن في ظروف أسوأ، تصبح معها الأوضاع الحالية ذكريات جميلة.
أحمد حسنين الحسنية
حزب كل مصر
التعليقات