ما يحدث في غزة نتيجة طبيعية لتراكم الاحداث منذ ان بدا تطاول حركة حماس على الشرعية الفلسطينية. الامر بدا بالاستعراضات العسكرية لحركة حماس. تلك الاستعراضات التي لم تقابل بالرد المناسب من السلطة الوطنية. بل قوبلت بمزايدات من قبل كثيرين في السلطة الوطنية. لم يكن اولهم ياسر عرفات ولم يكن اخرهم محمود عباس.

الان يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمناشدة خالد مشعل لوقف اطلاق النار في الوقت الذي يبدو فيه الامر انقلاب عسكري دموي يقوم به مقاتلو حماس للسيطرة على قطاع غزة بالكامل.

واضح ان ما يجري تم الايعاز به من الخارج. منذ ان رهن خالد مشعل نفسه وحركة حماس بأيدي دمشق وطهران وهو مثل الالعوبة يحركونه كما يريدون وهو خاضع مأمور. اما الوطن وأهله فإلى حيث القت.

ما يجري في غزة لا يمكن فصله عما يجري في مخيم نهر البارد. فالذي يحرك الخيوط هو نفسه في البداوي وفي غزة وأحيانا في العراق.

اليوم مثلا كشف النقاب عما تقوم به ايران من تعاون وثيق مع تنظيم القاعدة. ويبدو ان طهران ودمشق تلعبان لعبة خطرة اذ تعتقدان ان بامكانهما تحريك القاعدة لمصلحتهما كما فعلت واشنطن عندما استخدمت القاعدة ضد الاتحاد السوفياتي ثم انقلب السحر على الساحر.

الهدف الان الذي يجري تحقيقه في غزة هو ان تسيطر حماس والمقاتلين الاسلاميين الذين اخترقتهم القاعدة على قطاع غزة. وسيتم فصل القطاع عن الضفة تمهيدا لإشعال القتال في الضفة أيضا. النتيجة ستكون ان تتحول غزة إلى قاعدة ارهابية تستدرج ردا اسرائيليا عنيفا ودمويا.

لماذا انكفأت السلطة وتركت المجال لمقاتلي حماس بالتحول إلى جيش يهدد الشعب الفلسطيني بالدرجة الاولى قبل ان يهدد إسرائيل او السلطة الوطنية؟ لماذا لم تستطع السلطة ان تقيم جيشها الوطني في غزة وتوحد جهود الفصائل بحيث ينصرف الناس للبناء والتعمير.

اذا اردنا ملاحقة كافة خيوط المسالة فإنها ستاخذنا إلى المحظور الذي يرفض الكثيرون الخوض فيه. انها الطريقة الهلامية التي كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يقود فيها الشعب الفلسطيني. طريقة الطبطبة والتستر. طريقة كل مين ايدو اله. طريقة التساهل والفوضى. طريقة الاستعراض وشوفة الحال. ليس المقام الان لتقييم فترة الرئيس عرفات فهذا الامر بات متروكا للتاريخ. لكنه يتحمل المسؤولية لما وصلت اليه الامور.

من المعروف ان حركة حماس لم تكن لتنشا لولا الدعم الكبير الذي لاقته من إسرائيل اولا ومن معارضي منظمة التحرير الفلسطينية (دمشق وطهران مثلا). كان معروفا عن اسحق رابين انه ساهم بصورة مباشرة في ان تكون حركة حماس ندا لمنظمة التحرير بهدف تقويض المنظمة وتهميشها. بنفس طريقة من يدخل الدب إلى كرمه. بطبيعة الحال، انقلب السحر على الساحر. تصالحت إسرائيل مع منظمة التحرير وأخذت في تدمير حماس التي كانت قد تجذرت في المجتمع الفلسطيني بسبب انها لعبت على حبل الدين والقران. تماما كما لعبت الصهيونية على حبل الدين والتوراة لإقناع اليهود بالفكرة الصهيونية.

الملفت للنظر أيضا الشلل التي اصيبت به مؤسسة الرئاسة الفلسطينية. فالرئيس محمود عباس يبدو ضعيفا وان كان يحاول تلبس ثوب الحكمة ورفض الاقتتال وتحريم الدم الفلسطيني. هذه كلها لن تجدي نفعا.

ماذا يمكن للرئيس محمود عباس ان يفعل؟ ان بإمكانه ان يعلن حالة الطوارىء ويجند قوات الامن الوطني والجماهير الفلسطينية للسيطرة على الوضع. لكنه لا يفعل خشية على الدم الفلسطيني كما يقول. لكن الطرف المقابل يبدو ان لا يخشى على الدم الفلسطيني لان لديه فتوى تبيح له اراقة الدم الفلسطيني ان كان الهدف اقامة الدولة الاسلامية كما يدعون.
ما يجري في غزة الان حرب اهلية بكل معنى الكلمة. اشعلتها قوى ظلامية بتاييد من الخارج وبهدف معلن هو تقويض السلطة والانقلاب عليها وإقامة الدولة الاسلامية التي تكون موطىء قدم لسورية وإيران عبر القاعدة في الاراضي الفلسطينية.

تساءل كثيرون ان كانت حماس مخترقة من قبل القاعدة. الاحداث الان تثبت ذلك الاختراق. الاحداث التي سبقت تثبت ذلك. ما قامت به حماس ومقاتلوها في غزة طوال العامين الماضيين يثبت ان حماس مخترقة وتنفذ اجندة ابعد ما تكون عن الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني وان تغلفت بغلاف ديني او وطني.

تبدو الامور فالتة الان ويبدو الرئيس الفلسطيني والسلطة بعيدين كل البعد عن الحسم الذي يعيد الامور إلى نصابها. ان دعوات بوقف اطلاق النار او الفتاوى بتحريم الدم الفلسطيني لن تؤدي إلى أي نتائج ملموسة. فحركة حماس على ما يبدو لن تقبل بأقل من الاستفراد بالسلطة في غزة وتطبيق شرعتها وأفكارها الظلامية على الفلسطينيين في القطاع لزيادة حياتهم غما وظلاما.

اما الرئيس فهو أيضا يبدو اضعف من ان يستنهض قواه ويفرض حالة الطوارىء ويقوم بحملة عسكرية تجرد مقاتلي حماس من اسلحتهم وتعيد الهدوء إلى غزة لتعيش حياتها الطبيعية.

الحل الاكثر معقولية ان تقوم إسرائيل بذلك وان تعيد احتلال القطاع وتجرده من السلاح وتسلمه إلى الامم المتحدة لإقامة انتداب لعشر سنوات إلى ان يصبح القطاع مكانا طبيعيا للعيش فيه.

ولكن من سيطلب من إسرائيل القيام بهذه العملية الرهيبة؟ بالتأكيد لن تطلب السلطة الفلسطينية ذلك ولن توافق عليها الدول العربية وإسرائيل نفسها لن تقبل بها. بالنسبة لإسرائيل فان ما يجري في غزة هو افضل ما تتمناه. وبالنسبة للدول العربية فإنها تتفرج وتصدر التصريحات الصحفية وتحاول انتظار نتيجة المعركة للتفاوض مع المنتصر. اما السلطة الوطنية الفلسطينية فإنها تخشى القيام بأي عملية عسكرية قوية لحسم المعركة خشية التصدع والانهيار.

استمرار الاوضاع على ما هي عليه في غزة ستؤدي إلى سيطرة حماس وإقامة دولتها في القطاع وتصبح بذلك ورقة تفاوضية بيد سورية لاستدراج عدوان اسرائيلي والهروب من الاستحقاقات التي بات عليها ان تؤديها.


حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الأردن
[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف