منذ عدة شهور تتواصل التهديدات التركية بإنتهاك حرمة الأراضي العراقية من بوابة كردستان بذريعة مطاردة قوات حزب العمال الكردستاني. يزبد القادة الأتراك ويرعدون ويرفعون السيوف بوجه القيادات الكردية، مهددينهم بالويل والثبور، فيما تقترب الدبابات والمدافع التركية من الحدود الكردستانية لتقصف بعض القرى الكردية التي ليس فيها سوى سكانها الآمنين من المزارعين ورعاة المواشي!.


إستمرت الحرب الإعلامية بين شد وجذب لعدة أشهر حتى كاد الناس يتوقعون حدوث كارثة حقيقية مماثلة لما يجري في بقية مناطق العراق من نزيف دموي الذي يحصد يوميا عشرات الأرواح، ولكن ظهر أخيرا أن السيوف التي هددت كردستان كانت مجرد سيوف من خشب الصاج من صناعة آل عثمان المشهوريين بجودة موبيلياتهم الخشبية التي تجد لها رواجا هذه الأيام في مطابخ البيوت الكردية بالأقليم!.


وكانت العمليات التي تهدد تركيا بشنها ضد معاقل حزب العمال الكردستاني لم تتجاوز قتل عدد من الدجاجات وأفراخها بالمدفعية الثقيلة في بعض القرى على الحدود الكردستانية!.. فهنيئا للجيش التركي فوزها الساحق الماحق على حزب العمال الكردستاني الذي بدأت أذرعه القوية تصل الى أنقرة ومنها الى الجزء الأوروبي الأسطنبول التركية.


وفي الكثير من الجلسات العائلية كانت تثار تلك التهديدات في نقاشاتنا حول الأوضاع الراهنة، وكان الكثيرون يسألونني بإعتباري كاتبا أكتب في السياسة عن توقعاتي بالمديات التي يمكن أن تصل اليها العمليات العسكرية التركية الوشيكة! بل أن البعض منهم كان يتصور أن تحتل تركيا ولاية الموصل برمتها تحت تأثير خزعبلات قناة الجزيرة التي حشدت كل طاقاتها الإعلامية لمباركة تلك التهديدات شماتة بالأكراد!. فهذه القناة معتادة على السير بالإتجاه المعاكس دائما،لأن جمهور القومجية والسلفية عاوزين كدة، رغم أن الإحتلال التركي لولاية الموصل إذا وقع لم يكن يختلف كثيرا عن الإحتلال الأمريكي للعراق الذي تقاومه قناة الجزيرة القطرية ببرامجها الحوارية؟؟!!.


وكنت في كل مرة يسألني سائل عن رأيي تجاه التهديدات التركية، أرد بالقول: أنها لا تعدو سوى فقاعات صابون من النوع الرديء الذي توزعه علينا وزارة التجارة العراقية ضمن البطاقات التموينية، سرعان ما تنفجر في الهواء، رغم أن رئيس الوزراء التركي قد وصلت به الصفاقة والحقد العنصري الى حد التصريح برفض الجلوس مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني على مائدة الحوار، لأنه لا يعدو بنظره سوى ( رئيس قبيلة)! ناسيا أو متناسيا أنه هو بالذات كان مجرد رئيس بلدية مسؤولة بطبيعة المهنة عن تنظيف الشوارع والمجاري ورفع النفايات.فإذا كان طبيعيا لرئيس بلدية أن يصل الى مرتبة رئيس الوزراء في غفلة من الزمن بفضل أخطاء الساسة المخضرمين الأتراك، فلماذا يحرم على رئيس عشيرة بذلت تضحيات جسيمة في سبيل القضية القومية العادلة أن يصل الى منصب رئاسة الأقليم، خاصة وأن رئيس العشيرة هذا قد أنتخب من قبل ممثلي الشعب الكردي عبر برلمانه الإقليمي؟!.


ثم كيف يستكثر أردوغان على رئيس العشيرة هذا المنصب وقد كان القادة الأتـراك جميعهم بضمنهم أردوغان يركعون تحت أقدام صدام حسين وهو من أولاد الشوارع للحصول منه على بعض الإمتيازات الإقتصادية كتسويق النفط والتبادل التجاري عبر أراضي بلدهم، فأين وجه المقارنة بين إبن الذوات الذي كرس هو وآبائه وأجداده جل حياتهم في جبال كردستان من أجل خدمة قضية شعبهم، وبين إبن الشوارع الذي مارس طوال حياته مهنة القتل والإجرام ليس ضد شعبه فحسب بل حتى ضد أفراد قبيلته وعائلته؟؟.
إن التهديدات التركية ضد كردستان بذريعة قتال حزب العمال الكردستاني تشبه الى حد ما غزو صدام للكويت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، فقد كان صدام يصور غزوه للكويت طريقا الى تحرير القدس من الصهاينة العنصريين، وهذه والله كانت دعاية مضحكة مبكية في آن، مضحكة لأنها عبرت عن مدى جهالة رئيس دولة بخارطة المنطقة، وأن الطريق الى القدس لا يمر بالتأكيد عبر أراضي الكويت، ومبكية لأنه كانت هناك أطراف ودول وشعوب تصدق تلك الإدعاءات السخيفة للدكتاتور الغازي فتخرج في مظاهرات تأييد للغزو، ويبدو أن قناة الجزيرة القطرية أصبحت اليوم مثل تلك الشعوب التي إنطلت عليها كذبة صدام، فتصدق إدعاءات تركيا بالقضاء على العمال الكردستاني من خلال غزو كردستان العراق؟؟!!.


ثم لا بد أن نتساءل : كيف أن قناة الجزيرة القطرية التي ترقص طربا لمجرد سماع كلمة ( مقاومة) حتى لو كانت مقاومة من الرئيس هوغو شافيز لسياسات الولايات المتحدة، لا تطرب في ذات الوقت لمقاومة الأكراد للعنصرية التركية التي سبق أن تحكمت ببلاد العرب لقرون طويلة، فإستعبدتهم تحت غطاء الخلافة الإسلامية مع أن هناك نص صريح بأن الخلافة في قريش؟!. فهل كان السلطان سليم أو مراد الرابع أو عبدالحميد الثالث عشر من قريش أو من أبناء المهاجرين والأنصار؟!.


لعمري إن مباركة قناة الجزيرة القطرية للغزو التركي لكردستان العراق لا تعدو سوى السباحة ضد التيار لجمع المزيد من الأموال بالترويج عبر القناة لإعلانات عن منتجات شركة ( إل.جي) وما شابهها.
ولسوء حظ قناة الجزيرة القطرية لم يدم الوقت كثيرا حتى عاد الذئب الأغبر الى الإنكماش، وغمد جناب السلطان رجب طيب أردوغان سيفه الخشبي الذي حارب به طواحين الهواء،متراجعا عن تهديداته العنترية التي كانت مجرد دعاية إنتخابية زائفة، ولم يبق أمام رئيس بلدية أسطنبول السابق سوى الرضوخ الى إستقبال رئيس إقليم كردستان للتباحث معه حول سبل تطوير العلاقات الثنائية، وهذا ما سيحدث بالتأكيد وستذهب قناة الجزيرة القطرية بخطابها الإعلامي الممجوج الى الجحيم، وكفى الله المؤنين شرقتال.

شيرزاد شيخاني
[email protected]

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف