ما قامت به حركة حماس في غزة انقلاب بكل المقاييس تماما كما كانت الانقلابات العربية الدموية في الخمسينات. سيطرت حماس على غزة امام اعين النظام العربي والسلطة الفلسطينية وإسرائيل.
متاخرا اعلن الرئيس الفلسطيني حالة الطوارىء. ولكن ماذا بإمكانه ان يفعل؟ هل يستطيع ان يجرد جيشا لإعادة تحرير غزة من القوى الظلامية التي تسيطر عليها الان؟
بالتأكيد لن يستطيع الرئيس الفلسطيني عمل أي شيء. الا اذا كان يخبىء جيشا في غزة لم يحن بعد موعد تشغيله. لكن الوقائع على الارض لا تشير إلى أي شيء من هذا القبيل.
ميليشيات حركة حماس ظهرت على حقيقتها. اسلوب الارهاب في القتل والترويع هو اسلوب القاعدة الذي تمارسه في العراق. احدهم ويدعى ابو حذيفة المقدسي ولا ادري ما هو انتماؤه الحقيقي نشر على النت فيديو يتضمن مشاهد التنكيل بأحد قادة فتح وهو سميح المدهون. جروه جريحا وأطلقوا النار عليه وركلوا الجثة بالأقدام. الغريب ان الناس كانوا يرقصون حول الجثة ويهتفون لحماس بل يهتفون للارهاب.
هل وصل الشعب الفلسطيني إلى هذا المستوى الاخلاقي المتدني؟ نعلم انه في الحروب والاقتتال والاضطرابات يفقد الناس السيطرة على مشاعرهم وتصرفاتهم ويقتلون غيرهم من البشر ولكن ان يفعلوا هكذا يقتلون الجريح ويركلونه بالأقدام والنساء تزغرد؟ امر غير انساني يمتلىء نذالة ودونية.
هل بعد كل هذا هناك أي مجال للتسامح والعفو من قبل الشعب الفلسطيني لهؤلاء القتلة؟ كيف يمكن لهؤلاء الناس ان يوزعوا الحلوى ويتباهون بما يسمونه تحرير غزة؟ ستمئة قتيل فلسطيني من اجل تحرير غزة من السلطة الوطنية؟
ولكن لا بد من كلمة اخرى. السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية في ايصال الوضع إلى ما وصل اليه. كانت هناك تحذيرات عديدة وتنبيهات ودعوات إلى السلطة بفرض الطوارىء وإقالة الحكومة وفرض الامن والاستقرار ولو بالقوة. الرئيس محمود عباس يلبس ثوب الحكمة ولكنه غطاء للضعف. الرئيس عباس يبكي الان مثل ابو عبدالله الصغير عند سقوط غرناطة.
كان على الرئيس محمود عباس ان يأخذ العبرة مما حدث في الأردن عام سبعين وهو كان احد القادة فقي ذلك الوقت واختبر بنفسه الوضع على الطبيعة.
ما حدث في غزة مشابه تماما لما حدث في الأردن عام سبعين. ففي تلك السنة حاولت المنظمات الفلسطينية استدراج السلطة الاردنية لقتال داخلي بهدف تقويضها. لكن الملك حسين قام بضربته الجريئة في الوقت المناسب قبل تفاقم الوضع ووصوله إلى نقطة اللاعودة.
الرئيس الفلسطيني لم يتصرف في الوقت المناسب حفاظا على ما اسماه حرمة الدم الفلسطيني في الوقت الذي كان الطرف الاخر والذي يدعي الاسلام والإيمان يهدر الدم الفلسطيني متسلحا بفتاوى من يسمون اتحاد علماء فلسطين الذين يوزعون فتاوى هدر الدماء يمنة ويسارا.
لست ادعي انني استغل الاوقات الصعبة التي يمر بها الرئيس محمود عباس لأزيد الضرب عليه. فالرئيس لم يسقط بعد. ما زال عنده المجال لإنقاذ الضفة الغربية والحيلولة دونه وقوعها في براثن الظلاميين من ميليشيات حماس.
عليه ضبط الاوضاع في الضفة وإحكام القبضة عليها ومن ثم تجريد قوات مقاتلة إلى قطاع غزة حتى وان تم ذلك بدعم اسرائيلي. بل يجب ان يتم بدعم اسرائيلي لأنه بدون دعم اسرائيلي لوجستي وتكتيكي لن يتمكن الرئيس من استعادة غزة والقضاء على الظلاميين وإنقاذ البلاد والعباد مما سيؤول اليه الوضع لو بقي الوضع على حاله واستطاعت ميليشيات حماس الظلامية من تجذير هذا الواقع وإعلان ما يسمونه امارة غزة الاسلامية.
هل يمكن للرئيس الفلسطيني ان يطلب من اسرائيل ان تفتح الطريق لقواته لتحرير غزة؟ وهي ان فعلت فكيف سيكون موقفه بعد ان يعيد غزة إلى سلطته بواسطة الدعم الإسرائيلي؟
اعتقد انه من اجل انقاذ فلسطين لا باس من الاستعانة حتى بإسرائيل. فقد ثبت ان اسرائيل فعلا لا قولا اكثر رحمة بالشعب الفلسطيني من هذه الميليشيات الدموية التي اخذت تتباهى بدمويتها على شاشة محطتها التلفزيونية التي تحمل اسم الاقصى.
بدون القرار الحاسم الجريء وبغض النظر عن كل تداعياته المحتملة، فان الوضع غير الطبيعي في غزة مرشح لمزيد من الفوضى والدماء. وهذا الوضع قد يكون مقدمة لمستقبل اسود للمنطقة كلها. فالإسلاميون يبدو انهم في الطريق لاستلام الحكم في كل المشرق العربي وربما بدعم أميركي وإسرائيلي. وستكون حقبة الاسلام الظلامي لمئة سنة قادمة.
حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الاردن
التعليقات