يتوافد العديد من شباب اليمن والمملكة العربية السعودية للانتحار في العراق، بالنظر لما يتعلمونه داخل المساجد من حث على القتال وتزويق للانتحار تحت مسميات عديدة، وما يسمعونه من خطابات تشيد بالجهاد، وما يطرحه أئمة الجوامع الذين يعتاشون على جراح ومآسي الناس، بالإضافة الى ما تطرحه تنظيمات ومصادر تمويل عربية خليجية لعوائل الشباب المندفع والخارج من براثن الفقر المدقع مع عائلة المنتحر المنكوبة بولدها، وما تشيعه فرق ومجموعات تعمل لحساب تنظيمات إرهابية من أفكار وخطط للسيطرة على عقول الشباب، الذي يستطيع إن يجد نفسه من خلال انخراطه في تلك التنظيمات التي تمنحه البطولة والفخر الزائف، بالأضافة الى التسهيلات والمساندة التي تلقاها متمثلة في استقبال العائدين بعد إتمام عمليات قتل العراقيين أو من الذين فلتوا من حكم القانون وتطبيق العدالة بعد ارتكابهم جرائم التفخيخ والتفجير التي تمزق اشلاء العراقيين، أو من الفارين من جحيم ملاحقة العراقيين.
ولعل البلدان التي تشتهر بقلة الوعي الديني والسياسي، وسيطرة المنطق القبائلي والعشائري في جميع المقاليد بما فيها السلطة، من البلدان التي تعاني من الفقر والتخلف وتنتشر فيها تنظيمات القاعدة الإرهابية التي تستغل قلة الوعي وطغيان التعصب والتطرف وتعمل على شحذ كراهية الإنسان في كل مكان، وتسعى لتثبيت الغل في صدور الناس لزرع الكراهية بين البشر، ما يدعو للألتفات توجيه الشباب على اساس فتاوى الجهاد ضد الاحتلال الأجنبي للعراق، واستغلال تلك المجموعات في العمليات الأنتحارية حال وصولهم الى العراق، ومعروف للجميع إن تلك العمليات تستهدف العراقيين بغض النظر عن قومياتهم أو أديانهم أو مذاهبهم.
وحين يصل العنصر الانتحاري الى العراق يشحن بالكراهية الطائفية، ويتم حقنه بجميع الآيات والأحاديث التي تكفر الآخر وتجعله في مصاف الكفار، كما تخيل للعنصر أن جميع أبناء العراق ما هم الا عملاء للمحتلين، ولذا فأن قتلهم واجب فرض كما تقول الفتاوى، وبالتالي فأن قتل أي عراقي هو مشروع جهادي، ويتقبلها العقل القاصر ويصدقها السذج من المقاتلين المستعدين للأنتحار، ولهذا فأن مثل تلك المجموعات تلقى الاستقبال الباهر عند العودة سالمة، فقتال الشعب العراقي اليوم أضحى واجبا عربيا وإسلاميا، مهما اختلفت المزاعم والافكار التي يحاولون بها توجيه تلك المجموعات.
وساهمت سلطة صدام مساهمة فعالة في توظيف الشباب ضمن تلك المجموعات، حين دفعت اعداد كبيرة منهم للانضمام الى مجموعات فدائيي صدام، وقبلها في قواطع الجيش الشعبي، ولعلنا نتذكر المجموعات التي قدمها صدام قرابين لسلطته في منطقة المطار والتي طمرت تحت الأرض في معارك غير متكافئة، ومن ثم في تنظيمات متطرفة وتكفيرية سعيا وراء حاجة عوائلهم التي تتلقى مساعدات من تلك الجهات التي تقوم باستخدامهم لهذه المهمات الإجرامية، ومن اللافت للنظر أيضا إن هناك أعداد تتجاوز الألف عنصر منهم يقيمون في العراق بشكل غير مشروع، لم تقم الجهات الحكومية قطعا بأي إجراء رادع يمنع وجود أو بقاء هؤلاء على وضعهم غير القانوني، وتعتمد القاعدة على شبكة أخطبوطية من الطرق لتمرير وتسلل تلك المجموعات، غير إن اقصر الطرق وأكثرها ضمانا هو طريق إيران وسورية، حيث وجدت منظمة القاعدة الإرهابية فيها أرضية صالحة للعمل اليومي الدؤوب في قتل العراقيين، مثلما وجدت كل المساندة والرغبة في استمرار تدفق تلك الأعداد المشرعة للأنتحار، من اجل قتل اكبر عدد ممكن من أهل العراق، بالأضافة الى جعل الحياة في العراق جحيما لايطاق مع وجود القوات المحتلة أوحتى بدونها.
وهذا الطريق يشمل الشباب المتسلح بفتاوى رجال دين يحثون على ارتكاب الجريمة والقتل، ويتلذذون برؤية الدماء والأشلاء بشرط إن تكون عراقية، وبالنظر لوجود أذرع اخطبوطية عبر الحدود الايرانية العراقية ضمن حدود محافظة ديالى، وعبر حدود محافظة الرمادي والموصل عن طريق الحدود السورية، وفي كل الأحوال فأن هذا التسلل يفيد بأن نقاط ارتكاز تتجمع في تلك المفاصل العراقية، ثم تنتشر أو يتم ارسالها الى أماكن ومناطق لتنفيذ العمليات في تفجير السيارات أو عمليات القتل أو في العمليات الانتحارية.
غير إن تصدير الإرهاب بأي شكل من الأشكال هو مساهمة أكيدة وأشتراك فعلي في الجرائم الأرهابية، يمكن إن يطال حتى تلك الدول، وكما يمكن لتلك المواقف التي تدفع بهذه الأعداد التي نزع عنها الضمير والعقل للأنتحار في العراق وتشكيل المجاميع التكفيرية أن تساهم في نشر الإرهاب وأشاعة العنف في العراق.
ولعل تجربة اليمنيين في افغانستان ماثلة للأذهان بعد إن كانت اليمن الشريان الحيوي الذي يغذي القاعدة بالمقاتلين المتطرفين، لما ينتشر في اليمن من فقر وعوز بالأضافة الى انتشار القات والبطالة والتخلف وانتشار اليأس بين الشباب، بالأضافة الى تغذية التطرف الديني من قبل دول وأشخاص بالمال والسلاح.
وفي مسعى للحكومة اليمنية الى نقل الأرهاب خارج بلادها، بعد أن شاعت الجريمة وأصابت العصب الحساس في الأقتصاد اليمني، وبعد ارتكاب الجناة عدد من الجرائم ما تجعلهم يشيعون الأرهاب وسط الساحة اليمنية، فتخسر اليمن مواردها السياحية جراء ذلك، تتوجه الحكومة التي ابتليت بموقف متعارض مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في أيواء المطلوبين من المتهمين بأرتكاب الجرائم في العراق، ومنحهم الأمن واللجوء خلافا لكل الأعراف والقيم والتقاليد والقوانين الدولية، ولذلك قامت اليمن بمحاكمة محدودة لبعض من عناصر تلك المجموعات التي ارتكبت جرائم جنائية لاتستطيع الحكومة اليمنية إن تتستر عليها، مع أن اليمن تضم مؤسسات دينية متطرفة تعمل تحت غطاء التعليم العالي والجامعات الأهلية، تقوم بتأهيل المتطرفين والتكفيريين من ابناء اليمن المتعلمين وتقذفهم الى جحيم الهاوية في مفاصل القاعدة.
كما تسعى شخصيات يمنية سلفية الدعوات إلى الجهاد، أمثال الشيخ عبدالمجيد الريمي، والشيخ مراد أحمد القدسي، و الشيخ محمد بن موسى البيضاني المشاركين في المؤتمرالطائفي الذي استضافته العاصمة التركية تحت زعم مناصرة الشعب العراقي المنعقد في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، حيث طالب هؤلاء أهل السنة بدعم المجاهدين والمقاومين في العراق لأنهم يدافعون عن كل مسلم، وليس عن بلادهم وحدها
كما حرضوا على العمليات الأرهابية بزعم الدفاع عن العراق المسلم، ووجهوا حثا وتحريضا على ارتكاب الجرائم ضد الإنسان في العراق، وعادوا الى اوكارهم فرحين بعد إن تحققت لهم مطالبهم، وسيطرت كلماتهم على مشاعر العديد من الشباب الذي انطلت عليه قضية الدفاع عن العراقيين، بينما الحقيقة أنهم يساهمون في قتل العراقيين وتعميق الشرخ الطائفي.
ومثل هذه الدعوات تجد لها الأذن الصاغية ليس فقط من شباب اليمن الذين يرتبطون بهذه المجموعة السلفية والمتطرفة من رجال الدين، بل من أغرار آخرين من بلدان عربية أو اسلامية يقعون في دائرة الوهم والتغرير حين يتم استخدامهم قنابل وألغام تنفجر في وسط حشود العراقيين على اختلاف أديانهم أو مذاهبهم، ودون إن تلقى ممانعة أو صد من لدن الحكومة، مادام الأمر لايتعلق بالتعرض للسلطة، ومادام الأمر يخص العراق ويبعد تلك العقول والبهائم الجاهزة للأنتحار بعيدا عن ساحتهم.
ولاشك إن مساحة الحدود العراقية مع تركيا يفسح المجال لهذه العناصر بالتسلل أو العبور بصفات عديدة الى العراق، و اعترف مسؤول بالأمن التركي أن عددا كبيرا من عناصر تنظيم القاعدة ينجحون في العبور إلى العراق والعديد من الدول الإسلامية عن طريق الحدود مع تركيا.
وأشار إلى أن عناصر التنظيم يدخلون تركيا كسائحين، أو يدخلون بطرق غير شرعية وبجوازات سفر مزورة وأن غالبيتهم ينتقلون إلى المدن التركية المزدحمة ثم ينتقلون عن طريق البوابات الحدودية إلى سوريا أو العراق كما يستغلون المناطق التي لا توجد بها حراسات أمنية أو التي بها حراسات ضعيفة، وأن غالبية العناصر التي تنجح في الوصول إلى العراق تستقر في منطقة الأنبار، حسب تصريح المسؤول الأمني التركي، الا أن قطع الطريق عليهم وملاحقتهم من قبل عشائر الأنبار، ساهم في تطهير المنطقة منهم.
وإذا كانت الخطط الرامية لوقف النشاط الأرهابي لم تزل تتخللها الأنفعالات وعدم الخبرة، وعدم اتباع مناهج صارمة في مواجهة تلك العصابات، وفضحها وأنزال العقاب الصارم والمتناسب مع حجم جرائمها، بالأضافة الى تطبيق الظروف القضائية المشددة عند تطبيق الأحكام، بأعتبار أن العراق يمر في ظروف حرجة ويتعرض لهجمات قاسية من جهات متعددة تتكالب على العراق، وأن يتم فضح هذه العناصر ومن يقف معها ويوظفها ويساعدها ويسهل لها الجرائم ويشاركها ماديا أو معنويا أو بأي شكل من الأشكال، فأن العمليات الأجرامية التي يتعرض لها أبناء العراق ستستمر، وسيدفع العراق دماء جديدة ثمنا لهذا التراخي والمجاملة السياسية التي تفعل فعلها.
- آخر تحديث :
التعليقات