منذ سنوات طويلة كنت قد اطلعت على نتف عن هذه الطائفة الدينية التي نعتبرها غريبة بمقاييسنا نحن، ولعل الكثيرين قد شاهدوا افلاما تصور اعضاء هذه الطائفة في ملبسهم ومأكلهم وتصرفاتهم ومواقفهم، ولعل الكثيرين قد شاهدوا الفيلم الذي اضطلع ببطولته الممثلان الكوميديان بود سبنسر وترانس هيل والذي يدور في مزرعة تابعة لالامش.
الامش طائفة مسيحية تأسست في الولايات المتحدة الاميركية ومن اهم ما تتميز به ويلفت النظر الى اعضائها، الملابس، فنساؤها يرتدين الملابس الطويلة والفضفاضة وذات اكمام طويلة ايضا بالاضافة الى غطاء الرأس وهو غالبا الابيض، أما بالنسبة إلى الرجال فيرتدون السترات الداكنة والقبعات المصنوعة من القش.
الامش يعارضون التطورات التكنولوجية او بالاحرى لا يستعملون اغلبها فهم لا يستعملون السيارات وان اضطروا فانهم لا يسوقونها، فهم في تنقلاتهم يستعملون المركبات والاحصنة، كما ان البعض منهم لا يستعمل الكهرباء والتلفون وبالتالي التلفزيون وما شابهه. وهم يعتقدون انهم يجب ان يطبقوا الكتاب المقدس بحذافيره، وغالبية الامش يعيشون في قرى خاصة بهم. ولهم مدارسهم الخاصة ايضا.
في تقارير اعلامية يتم فيها خداع المشاهد، باعتبار ان السلفية والاصولية ليست حكرا على دين معين، يتم بث مواد اعلامية كما فعلت قناة الجزيرة القطرية قبل فترة، عن مدارس دينية او طوائف تعلم الاطفال الصلاة التالية ( يا رب اعطي الحكمة للرئيس لكي يختار قضاة صالحين لا يؤيدون الاجهاض) و ( يقوم بعض الاطفال بالصياح وترديد القول من منحكم الحق في القضاء على الحياة وهي هبة من الله) للدلالة على التعصب والفهم السلفي والاصولي للحياة، طبعا لا يقال للمشاهد ان هذه المدارس لا تعلم العنف او ان دعواتها هي في اطار الايمان ولا تتعدي الى فرض هذا الايمان على الاخرين الا بالوسائل المعتادة لنشر المعتقد وهو في المثال المذكور اعلاه دعاء لمنح الله للرئيس حكمة معينة ولا يتعدى ذلك. في حين ان الاصوليين الاسلاميين، يفرضون ما يؤمنون به على اخرين، فلو عدنا الى طائفة الامش (AMESH) التي ذكرنا بعض معتقداتها لرأيناها من اكثر الطوائف مسالمة، كما ان اي فرد فيها حر في خياراته اذا رغب في البقاء او ترك الطائفة، ولذا فهي في حالة انحسار وليس الزيادة، بالطبع قد يقال الكثير عن معتقداتها ورجعية الطائفة الا انها تظل طائفة دينية لا تؤثرفي احد سلبا ولا تقوم بالاعتداء على اي انسان وتعتبر الايمان خلاصا فرديا لكل انسان. والاكثر اعتزازا ان هذه الطائفة تمتلك منظمات لمساعدة الاخرين مهما كان الاخرون من اي دين او معتقد، والجدير بالذكر ان اغلب المنظمات او الطوائف الدينية لا تقوم بتوزيع تبرعاتها ذاتيا بل توصلها الى اطراف وطنية موثوقة لكي تقوم عنها بالمهمة لكي لا يقال انها تستغل المساعدات لاجل التبشير.
هذه الحقائق التي يتم تجاهلها والعبور عليها لكي يبقى الانسان انسانا بعيدا عن الحقائق، وكأن الحقائق ستجعل من هذا الانسان يترك كل ميراثه وهذا بحد ذاته اتهام للميراث بانه لم يكن صادقا، او انه على الاقل خائف من معرفة الحقائق عن الاخرين، فهو قانع بما يتم تعليمه من مصادر لا تعرف للحقيقة معنى.
ان الاصولية او السلفية ليست منبوذة لذاتها، بل لممارساتها، بمعنى انه لا يضرني ان اعتنق انسان ما اكثر القيم الدينية تزمتا، ما دام هذا الاعتناق مسألة ذاتية فردية لا تفرض على الاخرين ومهما كانت قرابة الاخرين من معتنق التفسير المتزمت للدين.
والحاصل في منطقتنا ان كل انسان يرغب في فرض رؤيته للدين على الاخرين، وهذا الفرض ليس بوساطة القول او التبشير لا بل بوساطة التهديد بالقتل وبالسلب وبالاعتداء على كل ما يعتبر في مجتمعاتنا من قيم الشرف، واقل ضروب الفرض نجدها في القانون.
وهنا لا فرق بين اصولي واخر معتدل، فلو شاركت الدولة باجهزتها في الفرض هذا معناه ان الغالبية تشارك شئنا ام ابينا، ولنعط مثالا بسيطا ومن الحياة اليومية، فالصوم فرض في الديانات المسيحية والاسلامية، وبالتأكيد هو فرض من الله حسب اعتقاد المسيحيين والمسلمين، وهو دلالة لطاعة الله في ما فرضه، ولكن لتحقيق هذا الفرض الالهي تلجأ الكثير من الدول الاسلامية ليس الى اقناع الناس باهمية التمسك بهذا الفرض (رغم ايماننا بوجوب عدم تدخل الدولة في مثل هذه الامور) بل الى ارغام الناس على احترام الفرض الايماني بقوة القانون، فممنوع الاكل والشرب والتدخين علانية، لان هذه الممارسات في نظر الشارع او منفذ القانون تدل على عدم احترام للصائمين او حتى للدين الاسلامي. اذا من جانب يقال ان الصائم يصوم لكي يحقق طاعة الله في احد فروضه وهو دلالة للتواضع ومن جانب اخر يتم الغاء دور التعبد وتحقيق ارادة الله التي يجب ان تكون ذاتية وعن قناعة وادراك، من خلال فرض هذه الارادة بقوة القانون.
بالتأكيد لا يضرني من وصل الليل بالنهار عابدا متعبدا، ومن طبق كل شرائع الله التي يعتقد انها شرائعه، وما دام تطبيق هذه الشرائع لا يخل بالنظام العام ويهدر الكرامة الانسانية ويهدد حياة الناس، ولكن ان تخرج العبادات خارج اطار الممارسة الشخصية الى فرض قانوني ترعاه الدولة، هنا يختلف الامر، فمرة تجعل الدولة من نفسها ومن اجهزتها الناطق الرسمي باسم الله، وهو هنا الهة وليس اله واحد بدليل اختلاف شرائعه وحتى بعض قيمه باختلاف الاديان التي انزلها، ومرة اخرى تدعي انها لكل مواطنيها، وبالتأكيد ان كل المواطنين ومن دين واحد لا يطبقون فريضة الصوم لانهم يعتقدون انها غير ضرورية لتحقيق كمال العبادة، لا بل ان تدخل الدول بشكل قسري يجعل الكثيرين يدعون ما لا يبطنون وهنا فالدولة تساهم في شيوع قيم الانتهازية والتكاذب الجمعي العام. اذا باسم شخص يدعي ما لايعمل يجب على الاخرين ان لا يمارسوا حريتهم الشخصية في ما لا يضر الاخرين.
قد تتفق الاصوليتان المسيحية والاسلامية في تطبيق التفسيرات الاكثر تزمتا للتعاليم الدينية، ولكنهما بالتأكيد لا يتفقان في امر مهم وهو ان الاصولية المسيحية تعتبر المسألة فردية وذاتية ولا يتم فرضها باي صورة من الصور على الاخرين، بعكس الاصولية الاسلامية التي تلجأ لكل وسائل القوة لفرض ما تعتقده فرض من الله، وهنا لا يتساءل احد ان الله الكلي القدرات لماذا يتطلب مساعدة الناس لنشر فروضه ولو شاء لقال كن فسيكون، وبالتالي ان الفرض هو بالحقيقة مغاير لمشيئة الله.
بالطبع يمكن المحاججة بان الاصولية المسيحية مرت بفترات كانت تفرض قيمها بالقوة، وهذا قد يكون محقا، ولكن المسيحية واصوليتها تعلمتا انه ما عاد ممكنا عمل ذلك لان ذلك يعتبر هدرا للكرامة الانسانية ومخالفة لارادة الله، ولكن الاصولية الاسلامية وبعكس اغلب الاصوليات الدينية للاديان الكيرى لا تزال تلجأ الى القوة في فرض ما تراه صحيحا وحتى بعكس الاصوليات الدينية للهندوسية والبوذية والكونفوشيسية التي تساير العصر ومتطلباته في مسائل الحريات الشخصية اكثر من الاصولية الاسلامية.
[email protected]