تشير الاخبار والتقارير كما التحليلات السياسية والعسكرية في الفترة الاخيرة الى ان حالة اللاحرب واللاسلم التي دامت بين سوريا واسرائيل لاكثر من ثلاثة عقود ستتغير وربما تنتهي الى حالة اخرى ! بل يذهب بعض المحللين الى ادق من ذلك ويرجحون حدوث حرب وشيكة على الجبهة السورية الاسرائيلية وينبئون بخريف ساخن او شتاء دافئ بعد ان ولى الصيف دون حرارة تذكر.
خيار الحرب بين الطرفين لم يكن مستبعدا يوما وحدثت اكثر من مرة خلال هذه السنوات مناوشات واختراقات اسرائيلية ndash; باعتباره الطرف الاقوى ndash; للسيادة السورية لكن السوريين ابدوا اتزانا وتعقلا في كل مرة ndash; باعتبارهم الطرف الاضعف - ولم ينجروا الى رد الصاع الاسرائيلية صاعين او حتى صاعا مماثلة وكانت هذه هي المعادلة السائدة حتى السنوات القليلة الماضية. اليوم ثمة مستجدات كثيرة طرات على ساحة الحرب المرتقبة وعلى طرفي الخط الفاصل فعلى الجانب الاسرائيلي مثلا لم تعد الحرب المباشرة هي الوسيلة المثلى لتحقيق مصالحها الاسترتيجية كما كان في بداية تاسيس الكيان العبري ولم تعد المؤسسة العسكرية هي البنت المدللة للمجتمع الاسرائيلي كما كانت ولا الجيش عاد هو العامل الوحيد الذي تستمد منها دولة اسرائيل استمراريتها وقوتها فاسرائيل اليوم هي دولة صناعية متطورة الى جانب تقدمها في مجال الزراعة وتمييزها في سوق السياحة العالمية والمجتمع الاسرائيلي اليوم يتكون من شرائح وطبقات وفئات غير العسكر ويعتبر من المجتمعات القليلة المنتجة في طول المنطقة وعرضها والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية خلال السنوات الماضية اسهمت في
ولادة اجيال مرفهة الى حد كبير اميل الى الامن والسلم والرخاء الاجتماعي واقل حماسا للحروب والصراعات الدموية ويمكن ملاحظة هذا التوجه من خلال نشاطات منظمات وقوى السلام وحجم انتشارها وتاثيرها في الشارع الاسرائيلي ناهيك عن ان اليمين الاسرائيلي نفسه والذي تمثل قوته على الدوام بحزب الليكود قد خفض من لهجته العسكرية لا بل قرر رمزه الذي عرف بتشدده وخياراته العسكرية غالبا اريل شارون نفسه( قبل ان يقعده المرض ) ان يخرج منه ويؤسس حزبا اقل يمينية واكثر تعقلا واعتدالا..
لم يخبو بريق المؤسسة العسكرية الاسرائيلية تماما الا انها لم تعد صاحبة القرار الحاسم والصولجان في رسم سياسات الدولة ومستقبل الاجيال ورغم التهديدات والتصريحات النارية التي يطلقها بعض القادة العسكريين يبقى التوجه العام ndash; كما يراه المحللين ndash; في اسرائيل هو عدم المبادرة بشن الحرب و استراتيجية الدولة العبرية تتحول من شن الحروب والتوسع الجغرافي الى الزحف الاقتصادي نحو دول الجوار التي تملك اكبر سوق استهلاكية مستقبلية لمنتجاتها..
الحروب المباشرة في القرن الواحد والعشرين لم تعد طريقة مناسبة لتحقيق المصالح القومية والاستراتيجية وحرب امريكا في افغانستان والعراق قد برهنت عدم جدوى القوة العسكرية ndash; مهما كانت ndash; امام الحروب الصغيرة والمحدودة وحرب العصابات اما الحروب التقليدية فلن تحقق نتائج ايجابية لاي طرف سوى لشركات السلاح التقليدية وتجارها في العالم. فالتقنية العسكرية الحديثة قد اخرجت الحروب عن شكلها التقليدي اي تحول الاعتماد على الجبهات والمشاة والدبابات الى اعتماد الضربات الجوية المباغتة للمنشات الحيوية والقصف الصاروخي وعمليات الكوماندوس وحروب العصابات...
اما مستجدات الجانب السوري ( العربي ) فثمة تطوران متوازيان لسير الامورفي الجانب السوري ولكن بعكس الاتجاه فتزامنا مع التوجه الرسمي العربي في عدم جدوى الحرب على الدولة العبرية واسقاط هذا الخيار من حساباتها واللجوء الى التفاوض والمحافل الدولية لاستعادة الارض المحتلة واحقاق الحقوق يبرز دور ايران بشكل واضح في توتير الاجواء والدفع باتجاه الحرب بعد ان وصلت الى خطوط التماس المباشرة مع اسرائيل عن طريق حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية وطبعا عن طريق الجبهة السورية.
ايران اليوم واضافة الى القوة الصاروخية الضاربة التي طورتها خلال السنوات الاخيرو وتلوح بها لتغيير خارطة المنطقة والجغرافيا تلعب اوراقا اخرى اقليمية ودولية وتطرح بشكل اكثر وضوحا استراتيجيتها في المنطقة هذه الاستراتيجية التي تلزمها بالدرجة الاساس توسيع رقعة نفوذها في الشارع العربي والاسلامي ! لذلك ترى ان دعمها المادي والعسكري لم يعد مقتصرا على فصائل وقوى شيعية معينة ndash; كما كان في السابق ndash; بل تجاوز هذا الدعم الى تسليح وتمويل قوى ومنظمات غير شيعية ودعم بعض الدول والحكومات التي تجافي او تختلف مع مثيلاتها العربية...
هذا التمدد الايراني في المنطقة وهذه الفاعلية في شحن واحماء الشارع العربي ضد اسرائيل قد يكون بمثابة غطاء لمشاريع اخرى اكبر واخطر على امن المنطقة تنوي على تنفيذها دولة الملالي مستغلة من جهة ضعف الحكومات العربية وتردد مواقفها امام امريكا واسرائيل ومن جهة اخرى ثقافة العداء ونفي الاخر المنتعشة هذه الايام على الساحة العربية والاسلامية بتحريض وشحن من التيارات الاسلامية وتجاوبا مع بيانات و ودعوات وعمليات تنظيم القاعدة في العالم.
مشروع المد الشيعي طافت فقاعاته على السطح في عدة مواقع وفاحت رائحته المذهبية المقيتة ولم تضمن ايران حتى اليوم طريقا لتمرير وانجاح هذا المشروع ولم تشفع لها لا صواريخها ولا سخاؤها المالي ولا حتى كوفية حسن نصر الله و وقف العديد من علماء وقوى الطرف الاخر حتى من راهنت عليهم ايران في البداية بالضد من هذا المشروع وبالضد من زحف مذهب على حساب مذهب اخروهكذا..... وتبقى مثل هذه المشاريع الوهمية عادة في خيالات اصحابها لكن الخطر الحقيقي القائم اليوم هوازدياد الدور الايراني ونفوذها في دول الطوق الاسرائيلي ( لبنان- سوريا ndash; فلسطين ) هذا النفوذ الذي يتيح لها امكانية اتخاذ القرارات و حتى ادارة العمليات على ساحة الصراع بدلا من اصحاب القرار والقضية الحقيقيين. فبالاضافة الى سيطرتها الكاملة على قرار دويلة حزب الله وامارة غزة تفيد التقارير ان اجهزة استخباراتها تتسلل الى مفاصل هامة في المؤسسة العسكرية السورية كما الى رؤوس السلطة ويمكنها بسهولة انتزاع قرار الحرب مع اسرائيل حين تتطلب مصالحها ذلك رغما عن الطرف العربي ومساعيه السلمية او الاستسلامية كما يسميه البعض، وستستغل ايران هذه
الامكانية وهذه الفرصةطبعا لتدخل في لعبة شد الحبل مع الغرب وقد تعلن الحرب على اسرائيل قبل ان تتعرض هي لحرب وضربات قاصمة تخطط لها امريكا والغرب ظنا انها بذلك سوف تحمي او تمرر برنامجها النووي او على الاقل تكتسب الوقت لتحقيق مراحل متقدمة منه...
قد يصدر قرار الحرب هذه المرة من سوريا وقد يكون قرار/ شمشون/ هذا خيارا مرا... فالنظام السوري حشر نفسه في زاوية ضيقة عربيا ودوليا ورهانه الوحيد للاستمرار في السلطة يبقى هو السير خلف شعاراته القومية وسياساته القائمة على العداء لامريكا واسرائيل والتي ( الشعارات والسياسات ) ساهمت حرب امريكا في العراق في اطالة امدها وتمديد مدة صلاحيتها الا ان هذه الحرب في الوقت ذاته افرزت نتائج واثار زادت وتزيد يوميا من التعبئة الشعبية والنقمة ضد امريكا واسرائيل و بالتالي الضغط على النظام السوري الممانع الرسمي العربي الوحيد لحسم موقفه اما مع الانظمة العربية الاخرى والتهدئة او مع ايران والتعبئة.!
الدفع الايراني والمزاج الشعبي المثار وعزلة النظام تضع اصحاب القرار في دمشق على المحك القاسي وهو اما ترجمة الشعارات الى افعال واعلان الحرب لارضاء الشارع العربي الذي ساهم بنفسه في اثارته او التراجع عن كامل سياساته وخطه وهنا نهايته المحتومة او الاستمرار في تبني اقل الاحتمالات خسارة وهو التريث لكن هذا التريث ايضا لا يدوم ndash; على ما يبدو- بفعل الترتيبات الدولية القادمة وسياسات ومصالح الدول الكبرى في المنطقة.
تسربت الى الاعلان حتى بعض المعلومات عن خطط الحرب المشتركة التي وضعتها الجنرالات السورية والايرانية اولنقل خرجت الى العلن بعضا من مداولاتهم وحسب المداولات المتسربة هذه ستكون الحرب حربا خاطفة ومكثفة تعتمد بشكل اساسي على القصف الصاروخي للمستوطنات والمدن الاسرائيلية من الجبهتين اللبنانية والسورية والحاق اكبر الاضرار المادية والبشرية باسرائيل خلال وقت قصير على ان يؤدي هذا الهجوم الى ارباك في الداخل الاسرائيلي وبالتالي اضطرابات وانقسامات وهكذا..
ربما تبدو مثل هذه الخطط ساذجة وفاقدة لمفعولها ولا سيما وانها تسربت الى الاعلام كما انها لا تاخذ في الاعتبار قوة وامكانات الطرف الاخر الاقوى حتى الان... لكنها قد تكون انسب خيار للنظام السوري في وضعه الراهن كماهي اقرب تفسيرا الى ما يرمي اليه حسن نصر الله في تصريحاته بتغيير المنطقة هذا التصريح الذي هو اصلا نسخة منقحة ومهذبة عن تصريحات محمود احمدي نجاد السابقة في ازالة اسرائيل... وان اية احتمالات اخرى للحرب و الاعتماد على الجيش والجبهات لايحقق للطرف السوري ndash; مع احترامنا للجيش ndash; اية نتائج والسبب ببساطة هو ان الجيش ولا سيما الرتب الدنيا والجنود قد فقدوا الدافع الاساسي للقتال وهو العقيدة و الكرامة بفعل المحسوبيات و الاستغلال و الفساد والنهب المستشري في صفوفهم.
وفي كل الاحوال تفيد المعلومات و المعطيات المتوفرة على الارض بان السخاء الصاروخي الايراني يرمي الى ابعد من مدى الصواريخ ! ولغاية في نفس يعقوب و بان المسافة بين ا لحرب واللا حرب تضيق وتتسع باحداثيات ايرانية وشفرة هذه الحرب العربية ndash; الاسرائيلية المرتقبة و ربما الاخيرة هي بلغة فارسية رغم ان الفواتير الثقيلة ماديا وبشريا تبقى من نصيب الشعب كما كل مرة.
[email protected]