هوشنك بروكا
بعد فسادٍ وإفسادٍ كبيرين، ثقيلين(على الطريقة الكردية المناضلة هذه المرة) على أكثر من مستوىً في quot;كردستان العشيرة والحزب والدولةquot;، تناقلت وسائل الإعلام الكردية والعربية والعالمية، في الآونة الأخيرة، أخباراً عن quot;مصادر طبيةٍ، أهليةٍ ورسميةٍ، في إقليم كردستان العراق، حذّرت من احتمال انتشار وباء الكوليرا، الذي تم الكشف عن أولى إصاباته في مدينة السليمانية، quot;عاصمةquot; الإتحاد الوطني الكردستاني، الشريك الquot;فيفتي فيفتيquot; الثاني، مع الديمقراطي الكردستاني، في الحكم الكردي المبين.
في وقتٍ سابقٍ، كان موقع quot;بوك ميدياquot; الكردي التابع لإعلام الإتحاد الوطني الكردستاني، قد نقل على لسان وزير صحة الإقليم الكردي الدكتور زريان عثمان، أن المرض قد أودى بحياة ثمانية أشخاص(1 في كركوك و7 في السليمانية) بالإضافة إلى تسجيل أكثر من 80 حالة إصابةquot;.
إلا أن الأرقام والتقارير، الطازجة، القادمة من الإقليم الكردي المصاب بالكوليرا، تحذر من وقوع quot;كارثة صحيةquot; في الشمال الكردي العراقي، quot;إذا لم تقدم دول أخرى ومنظمة الصحة العالمية مساعداتٍ عاجلةٍ للحكومة المركزية، وحكومة إقليم كردستان، لمساعدتها في الحد من انتشار المرضquot;. ووفقاً لمصادر رسمية بالحكومة العراقية وفي الأمم المتحدة، أكدتها ل quot;السي إن إنquot; (31.08.07)، فإن الكوليرا قد حصدت 10 قتلى من بين 5000(خمسة آلاف) مصاباً في كردستان العراق.
وبحسب صحيفة الحياة اللندنية(31.08.07)، فإن مصادر في منظمات عالمية(كاليونيسيف)، عزت انتشار الوباء إلى quot;مشاكل خطيرة في مياه الشرب ومعالجة المياه العادمةquot;. ووفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن البعثة الدولية المساعدة في العراق أن quot;30 في المئة فقط من سكان السليمانية لديهم إمدادات مياه ملائمة، وإن المياه لا تتوفر إلا لساعتين يومياً، للأحياء الرئيسية في المدينة وبعض الضواحيquot;.
تلك هي أخبار الماء(على سبيل المثال لا الحصر) في واحدةٍ من quot;أرفهquot; حواضر إقليمنا الكردي العتيد، الذي يتبجح القابعون على شئونه، ليل نهار، بquot;الإنجازات التاريخية العظيمةquot; التي حققها لشعبه الكردي quot;السعيدquot;، على امتداد أكثر من 17 سنةٍ من الملك وشفط المال العام.
تلك هي أحوال الماء وأهله من quot;المحكومين بالكوليراquot;، والمام جلال طالباني يصرح ليل نهار، ربما كبرهانٍ quot;أكيدٍquot; على quot;الرفاهية الكرديةquot; المعهودة، في واحدةٍ من أقوى وأغنى مراكز القرار الحزبي الكردي المتنفذ في الإقليم، أن quot;هناك في السليمانية وحدها، أكثر من ثلاثة آلاف مليونيرquot;.
من هم هؤلاء المليونيرية، يا سيادة المام الرئيس؟
ما هي درجة ترتيبهم الحزبي والعشائري؟
ماهي صفة قرابتهم لذوي الحكم والملك؟
من أين حصدوا ملايينهم الكردية وفي أي مجالٍ يزرعونها ويوظفونها؟
كم مليوناً من هذه الملايين الكردية، الكسولة، الخاملة، العاطلة، يمكن عدّها في عداد الملايين العاملة، الشريفة، الوطنية، المنتجة؟
كم مليوناً، من هذه الملايين المكدّسة والمهرّبة إلى quot;الخارج الوطنيquot;، يمكن استثناءها، من قاعدة quot;المال العام المسروق والمنهوبquot;، على سنة الحزب ورفاقه المناضلين الأشاوس، ذوي الدرب الطويل في quot;النهب الطويلquot;؟
أي رأسٍ من الرؤوس الحزبية والعشائرية والحكومية الكبيرة، صك لهؤلاء صكوك quot;الرفاهية الكردية الجاهزةquot;؟
ما هو الرقم الكبير الكبير(مقابل 3000 كردي حزبي، مسؤول، متنفذ، حاصل على المليون) الذي يمكن أن يجتمع تحت سقفه السليمانيون المعدومون، الذين يعيشون إلى جانب أكرادهم المليونيريين، في ظل quot;الرفاه الحكومي الباذخquot;، تحت أكثر من خطٍ للفقر، وأكثر من خطٍ للبهدلة والشرشحة الكرديتين، بإمتياز؟
طبعاً، على مستوى أهل الملايين الكردية quot;الحزبية، العشائرية، الأكيدةquot;، ستُعتبر هذه الأسئلة وغيرها الكثير، quot;أسئلةً داخليةًquot;، متعلقةً بالشأن الداخلي الكردي، وأكراده الداخليين، لا علاقة للخارجيين، من أمثالي، بها!!!
أما الرئيس المام الطالباني، يبدو أنه ينظر إلى quot;رفاهية السليمانيةquot; كجهةٍ من جهات quot;الإقليم السعيدquot;، من نافذةٍ وحيدةٍ، واحدةٍ، لا شريك لها، وهي نافذة quot;أهل الملايينquot;: نافذة quot;أهل الحزبَين الحاكمَينquot;، وquot;أهل الحكومةquot;، وquot; أهل الحل والربطquot;، وquot;أهل القرارquot; الكردي، الأول والأخير.
ولكن الحقيقة؛ حقيقة quot;الماء المعدمquot;، وquot;الأكراد المعدمينquot;، وحقائق أخرى كثيرة quot;أُعدِمتquot;، تقول أن الرفاهية، كردياً، سواء في السليمانية أو في أية ناحيةٍ من أنحاء الإقليم الأخرى، هي أكبر بكثير من أن تحدّها حدود ملايين أو مليارات كردية، حزبية، خارج وطنية، مسروقة، خرّبت(ولا تزال) الوطن والمواطن أكثر من أن تبنيه، نالت(ولاتزال) منهما أكثر مما تعطيهما، وجنت(ولاتزال) عليهما أكثر من أن تحكمهما وإن بنصف عدالةٍ.
الرفاهية، في قواميس المجتمعات السعيدة، تُقاس بحجم الملايين أو المليارات الوطنية، المنتجة، الشريفة، المخصصة لصناعة سعادة المواطن، لا بحجم الملايين المشفّطة، المنهوبة، من جيبه وجيوب أترابه من المبتلين، ببلاء وكوليرا السياسات الفاشلة، المعمولة بناءً على وصفاتٍ عشائرية، حزبويةٍ، مفسِدة، في منتجعات الحكومات الفاسدة.
جميلٌ، أن تتحولَ أربيل عاصمة الإقليم الكردي، إلى واحدةٍ من أكبر المدن الإعلامية النموذجية، وفقاً لمعايير وتقنيات العالم الحديث، بكلفةٍ تصل إلى حدود 800 مليون دولار، حسبما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والدولية، في أواخر أبريل/ نيسان الماضي.
ولابأس في أن يطمح القابضون على شئون الحكم الكردي في الإقليم، بأن يحوّلوا quot;هوليرquot; العاصمة إلى quot;دبي العراقquot;، في الوقت الذي كان من الحري بهم، أن يحوّلوا كردستانهم إلى quot;هونغ كونغ العراقquot; مثلاً.
وربما، جميلٌ أو شبه جميلٍ، أن تقام عشرات المؤتمرات quot;الخمس نجوميةquot;، ذي الشعارات الكبيرة والأهداف الثقيلة، والكونفرانسات العابرة للحدود وللثقافات وللصداقات والزمالات؛ وأن تنظّم الفعاليات quot;التعبويةquot; المأمورة من quot;الفوق الملآنquot;، وحفلات التكريم الكوبوناتية، والملتقيات quot;الضروريةquot;، الهادفة إلى quot;البروَزة العالميةquot;، في حواضر االإقليم، بسخاءٍ قلّ نظيره(اللهم إلا في الإمارات والممالك النفطية الكريمة)، على نفقة وزارات، أو مديريات، أو مجالس، أو اتحادات، أو مؤسسات، أو مكاتب السيدات والسادة الأوَّلين في كردستان quot;الفاضلةquot;، الكريمة.
وجميل أن يمنح سيد حكومة الإقليم، منحة مالية سخية، قدرها 5 ملايين دولار، للجامعة الأمريكية، التي حاز على درجة quot;العضوية الفخريةquot; في مجلس إدارتها، الذي يترأسه د. برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي، كما اختير رئيس الجمهورية المام جلال طالباني، رئيساً لمجلس أمنائها.
وربما يكون جميلاً، أو نصف جميلٍ، حين تدعم سيدة العراقَين(بشقيه الكردي والعربي) الأولى هيرو خان، من quot;جيبها الكردي الخاص جداًquot; المهرجانات النصف عالمية، والمنتديات النصف ثقافية، والملتقيات النصف أدبية، والكومونات النصف اجتماعية، والجمعيات النصف خيرية؛ وأن تقيم المآدب الكاملة المكمّلة، الباذخة، لشيوخ وسادة التملق الكامل، والمدح الكامل، وquot;مسح الجوخquot; الكامل، والشفط الكامل.
إلا أن اللاجميلَ، هَهنا، في ظل سيادة هذه الملايين الكردية المختلسة، quot;المصَلبطةquot; على الرقاب الفقيرة المعدمة، هو أنه ما اغتنى حزبيٌّ، عشائريٌّ، مسؤولٌ، كرديٌّ، في هذا الإقليم المنهوب، إلا على فقر لاحزبيٍّ، لاعشائريٍّ، لامسؤولٍ، كرديٍّ أو لا كرديٍّ، فقير.
اللاجميلُ، هَهنا، هو، أن كردستان الحزب والعشيرة وكردستان الجيوب المليونية quot;اللاوطنيةquot;، قد اغتنت وquot;تمليَرتquot; على ظهر كردستان الوطن والمواطنة.
اللاجميلُ، هَهنا، هو، أن كردستان الفساد الحاكم، وأهلها من الفاسدين المفسدين، تعيش quot;فوق الريحquot;، في بحبوحةٍ استثنائيةٍ، فوق عاديةٍ، على حساب حياة كردستان المحكومة وأهلها من المحكومين، المطرودين من نعيم القبيلة والحزب والدولة وهباتها السخية، إذ يعيشون الحياة الوباء، والحياة الكوليرا، والحياة الquot;بلا ماءquot; والquot;بلا كهرباءquot;، والحياة quot;التحت الصفرquot; وquot;التحت الفقرquot;.
اللاجميلُ، في كردستان المتحققة، وquot;المزدهرةquot;، فساداً، اليوم، هو أن تطير كردستان الجميلة، وأن تتحول كردستان أيام زمان؛ كردستان زمان الدم الجميل، والشهادة الجميلة، والبندقية الجميلة، والكلمة الجميلة، والحب والحلم الجميلين، إلى كردستانٍ في زمن الكوليرا.
في رواية الحائز على quot;نوبلquot;(1982)، الكولومبي الجميل غابرييل غارسيا ماركيز، الأجمل(الحب في زمن الكوليرا، 1986)، هناك خيانة جميلة للزمان والمكان القطيعيين الرسميين، ولناسهما الرسميين، كي يمتد الحب، ويتوسع، ويطول، ويعيش،جمالاً طويلاً، في زمنٍ، موِّه براية الكوليرا quot;الصفراءquot;/الكوليرا القولية، الوهمية، اللاموجودة.
أما في quot;رواية 17 عاماً من الكرد وكردستانquot;(وهي رواية حقيقية، من لحم ودم، وواقعية 100%)، فهناك quot;تواطؤ قبيحquot; مع القطيعية الحزبية والعشائرية، مكاناً وزماناً وشخوصاً، كي تموت كردستان الحب، في زمنٍ أصيب، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، عن قصدٍ وتقصد، بما هو أبعد وألعن من الكوليرا/ الكوليرا الفعلية، الواقعية، الموجودة، بكل شحمها ولحمها.
هكذا تكلم الحب، هناك، وعاش، غنياً، في زمن الكوليرا.
هكذا تتكلم كردستان، هنا، وتموت، فقيرةً، معدمةً، من الكوليرا إلى الكوليرا.
هكذا، يكبر الحب، هناك.
هكذا، يكبر الجيب، هنا.
................................................................................................................
عبدالستار رمضان
لا ندخل في تفاصيل البيانات والتصريحات التي تناقلتها وسائل الاعلام ولا نريد الاشارة الى الاحصاءات التي اُعلنت عن المتوفين والمصابين بمرض الكوليرا والتي يردد العديد من المواطنين ارقاما تزيد كثيرا عما هو معلن او مصرح للاعلان عنه، بدليل ان المنشور في وسائل الاعلام الخارجية يختلف كثيرا عما ينشر في الداخل ولا نريد ايضا عرض الاسباب التي اعلنتها هذه الجهة او تلك عن اسباب انتشار هذا الوباء في مدينة السليمانية ( العاصمة الثقافية لاقليم كوردستان ) في حين ان المنطق والواقع يفترض ان يكون هذا الوباء اقرب الى الانتشار في مدن ومناطق اخرى من العراق لاسيما وان السليمانية ومدن الاقليم الاخرى تعيش ومنذ اكثر من 16 عاما وضعا مستقرا من الناحية الصحية اضافة الى عمل ونشاط عشرات ان لم يكن مئات المنظمات الصحية الدولية،اضافة الى ان الوضع الامني فيها عكس ما هو موجود في بقية اجزاء العراق التي تعيش اوضاعا صعبة ومأساوية معروفة.
ان انتشار مرض الكوليرا في أي مكان في العالم مرتبط بالظروف الصحية وتوفر الحد الادنى من كميات المياه التي يحتاجها الانسان من اجل تلبية حاجاته الاساسية في الشرب والاغتسال وتوفر طرق ووسائل الصرف الصحي من المجاري والقنوات التي تمنع تلوث المياه الصالحة للشرب بغيرها من المياه الملوثة وهذه العملية او المهمة من اساسيات عمل أي حكومة او بلدية او افقر دولة في العالم، فليس مهما اقامة العمارات الكبيرة ذات الشقق الفاخرة و فنادق الخمس اوسبع نجوم وليس مهما فتح الجامعات ذات الماركات العالمية اومعارض السيارت التي تعرض آخر الموديلات وغيرها من المشاريع والانجازات التي يغلب عليها الطابع الاحتفالي والاستعراضي الذي يجعل الاستفادة من هذه المشاريع والانجازات لعدد محدود من الناس ( الف او خمسة او عشرة آلاف شخص ) في حين يتم اهمال او تناسي مشاريع ومواضيع تهم حياة مئات الآلاف ان لم تكن ملايين الناس.
الناس منذ اكثر من 16 سنة تعاني من مشاكل الماء والكهرباء وسدود دوكان ودربنديخان ودهوك والموصل قريبة ان لم مجاورة للمناطق العطشى، وآلاف السيارات من ارقى الموديلات تستورد كل سنة ولو بحثت او طلبت سيارة اسعاف لنقل مصاب او مريض ( فالامر صعب ان لم يكن مستحيلا بسبب ضعف الامكانيات ! ) ولا يمر شهر او اقل منه الاّ ويقام مؤتمر او تجمع يصرف فيه مئات الآلاف من الدولارات حول مواضيع... اقل ما يمكن ان يقال عنها انها لا تشكل اهتماما للمواطن العادي البسيط بقدر ماهي مواضيع مهمة او ضرورية للنخبة التي تنظمها !
خطورة وباء الكوليرا ليس في عدد الارواح التي حصدها او المرضى الذين لا يزالون يعانون وانما الخطورة تكمن اننا سنواجه امراضا واوبئة اخرى اخطر من الكوليرا عندما يتم الاستمرار في سياسة اهمال المواطن واهمال الحد الادنى من الحاجات الانسانية التي يعيش بها من المسكن والماء والكهرباء و..والمطلوب جعل المواطن يحس ويشعر انه يعيش في وطنه وعلى ارضه التي كما كان لها الحق عليه في الدفاع عنها والتضحية من اجلها، فانه ايضا يمتلك الحق ان يعيش بالحد الادنى من الحياة، علينا ان لا نبني موقفا او نتخذ قرارا نعتمد فيه على الحاجات الآنية الملحة للناس ونتركهم بعد ان تنتهي الازمة او ننجح في الانتخابات او نقضي على وباء الكوليرا الذي لم يعد مرضا يصيب الفقراء والمواطنين العاديين بقدر ماهو كاشف لعورة وتقصير المسؤولين!
[email protected]
التعليقات